مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

رجال من مصر “جمال حمدان”…بقلم .لواء مهندس السيد نوار

67

 

رجال من مصر “جمال حمدان”…بقلم .لواء مهندس السيد نوار

هذا المقال تمهيدا لمقال قادم عن أصول العثمانيين، كأحد علماء الأنثروبولوجيا في العالم باحثا في أصول العرقيات … ثم بعدها نصل إلى إخوان إبليس

بالرغم مما كتبه المهتمون بفكر جمال حمدان إلا أنهم ركزوا على عبقريته في الجغرافيا، متجاهلين أهم ما في فكر حمدان، عن قدرته على التفكير الاستراتيجي حيث لم تكن الجغرافيا لدية الا رؤية إستراتيجية متكاملة للمقومات الكلية لكل تكوين جغرافي وبشرى وحضاري ورؤية للتكوينات وعوامل قوتها وضعفها
لم يتوقف حمدان عند تحليل الأحداث الآنية أو الظواهر الجزئية، وإنما سعى إلى وضعها في سياق أعم وأشمل وذو بعد مستقبلي أيضا
لقد عاني مثله مثل كبار المفكرين الاستراتيجيين في العالم، من عدم قدرة المجتمع المحيط بهم على استيعاب ما ينتجونه، حيث انه كان ذو رؤية سابقة لعصرها بسنوات، وهنا يصبح عنصر الزمن هو الفيصل للحكم على مدى عبقريته.
و على هذا المعيار الزمني على فكر جمال حمدان، نجد أنه يمتلك قدرة ثاقبة على استشراف المستقبل متسلحا في ذلك بفهم عميق لحقائق التاريخ ووعي متميز بوقائع الحاضر، ففي عقد الستينات، وبينما كان الاتحاد السوفيتي في قمة مجده، والزحف الشيوعي الأحمر يثبت أقدامها شمالا وجنوبا، أدرك جمال حمدان ببصيرته الثاقبة أن تفككه واقع بلا شك، وكان ذلك في 1968، و الذي تحقق بعد إحدى وعشرين سنة، وبالتحديد في عام، 1989 حيث وقعت الأحداث التي هزت أركان أوروبا الشرقية، وانتهى الأمر بانهيار الاتحاد و انفصال دولها الأوروبية، ثم تفكك وانهيار الاتحاد السوفيتي نفسه عام 1991
كان جمال حمدان يُشكك في أن اليهود المعاصرين هم أحفاد بني إسرائيل الذين خرجوا من فلسطين خلال حقب ما قبل الميلاد، واثبت في كتابه ( اليهود أنثروبولوجيا) الصادر في عام 1967، بالأدلة العملية أن اليهود المعاصرين الذين يدعون أنهم ينتمون إلى بني إسرائيل ليسوا هم أحفاد الذين خرجوا من فلسطين قبل الميلاد، وإنما ينتمي هؤلاء إلى إمبراطورية « الخزر التترية » التي قامت بين بحر قزوين و البحر الأسود، واعتنقت اليهودية في القرن الثامن الميلادي، وهو ما أكده بعد ذلك بعشر سنوات آرثر كوستلر في كتابه القبيلة الثالثة عشرة.

لقد كان جمال حمدان أحد المثقفين المسلمين الذين نجحوا في حل المعادلة الصعبة المتمثلة في توظيف أبحاثهم ودراساتهم من أجل خدمة قضايا الأمة، حيث خاض من خلال رؤية إستراتيجية واضحة المعالم معركة شرسة لتفنيد الأسس الواهية التي قام عليها المشروع الصهيوني في فلسطين.

قد يهمك ايضاً:

الحج ركن من أركان الاسلام

خواطر ضابط بجهة سيادية – الحلقة الأولى

هذه القدرة على استشراف المستقبل تبدو واضحة أيضا، في توقع جمال حمدان لسعي الغرب لخلق صراع مزعوم بين الحضارات من أجل حشد أكبر عدد من الحلفاء ضد المسلمين، حيث أكد انه بعد سقوط الشيوعية و تفكك الاتحاد السوفيتي، صار العالم الإسلامي هو المرشح الجديد كعدو الغرب الجديد. وإلى هنا لا جديد. الجديد هو أن الغرب سوف يستدرج خلفاء الإلحاد والشيوعية إلى صفه ليكون جبهة مشتركة ضد العالم الإسلامي و المسلمين، باعتبارهم العدو المشترك للإثنين، بل لن يجد الغرب مشقة في هذا، ولن يحتاج الأمر إلى استدراج و سيأتي الشرق الشيوعي القديم ليلقي بنفسه في معسكر الغرب الموحد، وهو ما تحقق بالفعل، حيث وضع Samuel Huntington في كتابه صدام الحضارات الخطوط العريضة لهذا الحلف، بينما يخوض المحافظون الجدد في البيت الأبيض ( الحزب الديموقراطي حاليا ) معاركه الفعلية، في إطار ما بات يعرف بالحرب على الإرهاب إرهاب، و ما هي إلا ستارا لحرب شاملة على اللإسلام.

من الرؤى المستقبلية التي طرحها جمال حمدان، وتبدو في طريقها إلى التحقق، تلك النبوءة الخاصة بانهيار الولايات المتحدة، حيث كتب يقول في بداية التسعينيات لقد أصبح من الواضح تمامًا أن العالم كله و أمريكا يتبادلان الحقد والكراهية علنا، والعالم الذي لا يخفي كرهه لها ينتظر بفارغ الصبر لحظة الشماتة العظمى فيها حين تسقط وتتدحرج، وعندئذ ستتصرف أمريكا ضد العالم كالحيوان الكاسر الجريح، و لقد قد صار بين أمريكا والعالم ( تار بايت ) فأمريكا الآن في حالة سعار قوة و سعار سياسي مجنون، مثل جنون القوة، وجنون العظمة، وقد تسجل مزيدا من الانتصارات العسكرية، في مناطق مختلفة من العالم عبر السنوات القادمة، ولكن هذا السعار سيكون مقتلها في النهاية و هذا ما نراه واضحا الآن من حربها بالوكالة في أوكرانيا ضد روسيا ذات العلاقات الجيدة مع العالم الإسلامي.

و قد أشار حمدان إلى أن أمريكا تصارع الآن للبقاء على القمة، ولكن الانحدار قادم وصارمٍ لا محالة والانكشاف العام قدتم، و الانزلاق النهائي قريب جدا في انتظار أي ضربة من المنافسين الجدد ـ أوروبا،. وتوقع أن ما كان يقال عن ألمانيا و اليابان استراتيجيًا سيقال عن أمريكا قريبا، ولكن بالمعكوس، فألمانيا و اليابان عملاق اقتصادي وقزم سياسي، بينما تتحول تدريجيا تدريجيا إلى عملاق سياسي وقزم اقتصادي وتلك الرؤية تبدو في طريقها إلى التحقق الآن مع اشتعال الحرب بالوكالة ضد روسيا باستخدام أوكرانيا و يدل على ذلك الآلاف من حالات الإفلاس والركود الذي يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، و العالم نتيجة للعقوبات ضد روسيا و ارتفاع معدلات التضخم في العالم مما أدى إلى قيام روسيا و معها الصين و البرازيل و جنوب أفريقيا، و البقية في الطريق ، مصر و السعودية و إيران و غيرها لتشكيل مجموعة البريكس للقضاء على هيمنة الدولار، ثم الطريق لإصدار عملة البريكس الموحدة

من الرؤيا الهامة التي تضمنتها أوراق جمال حمدان، تلك المتعلقة بعودة الإسلام ليقود من جديد، حيث يقول يبدو لي أن عودة الإسلام أصبحت حقيقة واقعة في أكثر من مكان، فعودة الإسلام حقيقة ودالة جدًا تحت ناظرينا، ويلفت إلى انه في الوقت نفسه يبدو أن ديناميكيات حاليا تختلف تماما، فقديما كان الإسلام يتقلص في تراجع نحو الجنوب في جبهته الأوربية وجنوب جبهته الأفريقية، الآن هناك عودة الإسلام في أوروبا خاصة في طرفيها أسبانيا وآسيا الوسطى، إضافة إلى هجرة المسلمين إلى قلب أوروبا. وحتى فيما يتعلق بنظرته إلى علم الجغرافيا، نجد انه شكل وحده مدرسة راقية في التفكير الاستراتيجي المنظم، مزج فيها بطريقة غير مسبوقة ما بين علم الجغرافيا، الذي لا يتعدى مفهومه لدى البعض نطاق الموقع والتضاريس، وعلوم التاريخ و الاقتصاد و السياسة، ليخرج لنا مكونا جديدا اسماه جغرافيا الحياة. وأوضح حمدان في مقدمة كتابه الموسوعي شخصية مصر، أن المقصود بالجغرافيا أنها علم بمادتها، وفن بمعالجتها، وفلسفة بنظراتها.. وهذه الرؤية ثلاثية الأبعاد في التعاطي مع الظاهرة الجغرافية تنقل عالم الجغرافيا من مرحلة الجغرافيا إلى مرحلة التفكير، ومن جغرافية الحقائق المرصوصة إلى جغرافية الأفكار الرفيعة.

حهذا هو جمال حمدان .. القادم بحول الله أنثروبولوجيا أصول العثمانيين

التعليقات مغلقة.