مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انور ابو الخير يكتب : فن التمثيل

26

 

 

 

 

قد يهمك ايضاً:

أوقفوا التنمر على خلق الله

المرأة والمسئولية وضغط العمل

الحياة كخشبة المسرح تحمل فوقها أفواجاً من الأدوار المسرحية الزائفة فالكثير وقف على خشبة الحياة وأدى أدواراً مسرحية لا تناسب مع روحه ولا تتناسب مع فكره وفقاً لرغبات الجمهور ناسياً تقمص دوره الحقيقي عليهاوهناك من تفنن بالتنقل بين أدواراً مصطنعة من النفاق الاجتماعي والتملق السريع للوصول إلى البطولة المبتذلة على تلك الخشبة البالية وفئة كبيرة من البشر كان دورهم الوحيد هو الجلوس والمشاهدة الناقدة للمسرحية والتصفيق الحار عند انتهائها والناجي من تمرد على تلك الخشبة واختار الحياة الحقيقية التي يستحقها ولم يكترث لرأي الجمهور أو تصفيقهم وعاش كما يحب بعيداً عن اضواء الشهرة غير مكترث بالدنيا وزخرفها ويقال ان الحياة مسرح كبير ولكن السؤال هل نحن متفرجون ام ممثلون؟ هل نحن على خشبة هذا المسرح نعيش احداث المسرحية ام اننا نتابعها من مقاعدنا؟سأترك الاجابة لكم
ما اعرفه ان لكل مسرحية بطل هل شاهد احدكم يوما المسرحية الفردية انها مسرحية يؤديها ممثل واحد احيانا يتقمص اكثر من شخصية فيحاور نفسه وعلى هذا الممثل ان يكون على قدر كبير من المهارة وان يمتلك موهبة كبيرة وبغير ذلك لن يكون مقنعا
هناك ايضا مسرحيات طويلة تمتد لسنوات الى درجة ان الممثل يصاب بحالة من الفصام فتتداخل شخصيته المسرحية مع شخصيته الحقيقية فلا يعرف من هو في نهاية المطاف
بعض المسرحيات تنتهي نهاية حزينة ولا اقصد هنا سيناريو المسرحية بل اقصد ان الجمهور يكتشف ان هذا الممثل لم يعد صادقا في ادائه فيبتعدون عنه يخاف يرتعد فقد تعود على حرارة اضواء الشهرة ويرعبه ظلام النسيان ويرى امامه نارا اوقدها احد الاغبياء بامكانه ان يطفئها ولكن الفكرة الشيطانية تقفز فورا الى رأسه لم لا انها فرصة اتت من السماء او من الارض لا فرق المهم انها فرصة
يسكب وقودا على النار فتنتشر في كل مكان تحرق كل شيئ حتى المتفرجون تصيبهم السنة اللهب ولكنهم تعودوا على التصفيق للمشاهد المثيرة فيعلوا صفيرهم ويعلوا هتافهم ولكنهم لا يدركون ان هذه النار ستحرق مسرحهم بستائره وخشبته ومقاعده وستحرقهم من اجل ماذا؟
من اجل ان يبتسم ذلك الممثل ويعلن النصر على نار العدو وإذا قارنا بين المسرح والدنيا سنكتشف تماثلاً حد الدهشة ففي المسرح ستارة تفتح بالبداية وتغلق في النهاية وتلك حقيقة من حقائق الحياة فلكل شيء بداية ونهاية لتفتح من جديد على مسرحية جديدة فهناك ولادة يليها موت وجيل ينفي الآخر أما البشر في الحياة رجالاً ونساء فهم لاعبون قد يكونون جيدين مهرة أو يكونون فاشلين رديئين أشبه بالوزراء والمسؤولين الذين يعبرون في حياتنا بعضهم يبقى بالذاكرة والبعض لا يترك تأثيراً والبعض يكونون مكروهين من الناس وبالمسرح كذلك ديكور مهمته أن يعطي المسرح الكلاسيكي شكلاً محاكياً للواقع وقد يكون متقن الصنع قريباً من الواقع وقد يكون رديئاً في رسمه وتصميمه وتنفيذه ولا يناسب مضمون وتاريخ المسرحية وفي الحياة هناك شكليات بعضها لا يعكس حقيقة البشر مثلما هناك نفاق اجتماعي وديني ومظاهر خادعة لا تعكس الجوهر والحقيقة
وفي المسرح الكلاسيكي هناك ملقن وفي الحياة هناك من يلعب مثل هذا الدور كما يوجد في المسرح بطل أو لاعب رئيسي وهناك كمبارس ولاعبون ثانويون بل بعضهم هامشي وهذا أيضاً ينطبق على الحياة وفي المسرح مشاهد مسرحية وفي الحياة كذلك مشاهد في الواقع المتغير مع الزمن مثل المشهد السياسي والاجتماعي الذي لايبقى ثابتاً ولكنه في حركة جدلية وهناك مساحيق وشعر مستعار سواء على الرأس أوالذقن أوالشوارب ويوجد مثلها في الحياة كما يوجد قبعات مختلفة لنفس الممثل وفي الحياة الأمر لا يختلف
وفي المسرح كذلك دراما وكوميديا وتراجيديا وكوميديا سوداء وهناك ضحك وبكاء وغضب وحزن وفرح وهذا ينطبق على الحياة أيضاً التي تحمل أفراحاً وأحزاناً وسخرية قدر ونهايات سعيدة ونهايات مأساوية
فهل كان شكسبير عبقرياً فذاً أو فيلسوفاً عميقاً كي يكتشف ويصيغ مثل هذه العبارات؟ أم أن تراكم خبرات الحياة وتجاربها تترك تأثيراً على ذهن ووعي الإنسان ورؤيته للحياة؟ أظن أنه لا يمكن الجزم لكننا كبشر وفي كل سنة تمر وتمضي نتذكر العام الماضي بإنجازاتنا وإخفاقاتنا ونشعر أننا كبرنا ونكبر باتجاه النهاية المحتومة وللعاقل أن يتعظ ويستفيد من أخطائه ويتعلم من تجاربه التي مر بها بإيجابياتها وسلبياتها
والغريب في هذا الأمر أن البعض وهم يمثلون يكذبون في الحياة يظنون أنهم قادرون على إخفاء مثالبهم و التأقلم مع سرائرهم وعقدهم النفسية فيصدقون أنفسهم متناسين أنهم كاذبون ويظنون فوق ذلك أن فن التمثيل المسرحي هو الكاذب وليس سلوكهم الذي يمارسونه يوميا
إنه الفرق بين الفطرة والعقل الطبيعة والوعي بين الكذب في الحياة سواء كان ضارا أو نافعا والصدق الفني الذي يجب أن يتجسد فوق خشبة المسرح
ثم إن التمثيل في الحياة يتماهى مع أو ينتج عن عقد نقص أو خوف أو أنانية أو صغار أو اضطهاد أو تشوه جسدي أو نفسي في الشخصية الإنسانية وهدفه عادة منفعة خاصة محدودة قد يكون الفرد فيها محقا أو متجاوزا لحقوق الآخرين أما التمثيل المسرحي فهدفه نبيل وغايته تترفع عن الذاتي وتسعى للمنفعة العامة والبحث عن الحقيقة وإغناء الجمال الكامن في النفس البشرية وحياة الناس والمجتمعات

التعليقات مغلقة.