مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

خواطر ضابط بجهة سيادية – الحلقة الأولى

90

بقلم د.أحمد عيسى

استشارى العلاقات العامة والرأى العام بالبرنامج الرئاسى بداية حلم

قد يهمك ايضاً:

أوقفوا التنمر على خلق الله

المرأة والمسئولية وضغط العمل

أعزائى القراء مرحبا بكم فى لقاء يتجدد بكم ولكم واسمحوا لى أن أتشارك معكم فى هذا المقال بعضا من خواطر ضابط بجهة سيادية حتى نكون سندا لكل من اختارته الأقدار ان يكون بطلا من صقور الظل الذين لا يعرف حقيقة هموهم غير الله وحده …
وسأقوم بالتحدث فى هذا المقال بلسانه حتى تكون الكلمات أوقع وأكثر قربا للقلب وأصدق فى المشاعر .

فى البداية عندما يقع عليك شرف التكليف والترشيح يبدأ بداخلك صراع غريب ويعتبر الصراع الأخير الذى يمكن أن يحدث بين القلب والقلب !!
نعم فليس هناك أى مجال لوجود صراع بين العقل والقلب لان هذه المرحلة قد تخطيناها منذ أن اتخذنا قرار الدخول إلى ميدان الحياة الأمنية والعسكرية ففى بداية اختيار الحياة الأمنية والعسكرية يتم حسم الصراع بين القلب والعقل وينصهر القلب والعقل لتصبح بطلا مبطلا لكل أحاديث الضعف والوهن .
ينصهر القلب والعقل ليصبح الاختيار مبنيا على رؤية العقل وعشق القلب لخدمة الوطن والاصطفاف فى طابور الأوفياء ممن قدموا كل غالى ونفيس ليظل علمنا مرفرفا بكل عزة وكرامة على كافة أراضي وطننا الحبيب .
تم حسم هذا الصراع منذ أن قررنا حلق رؤوسنا وعدم عيش تلك الحياة التى يعيشها كل الشباب فى مثل أعمارنا ،،منذ أن قررنا ملئ الاستمارة وتظليل الرغبات ونحن نعلم جيدا أن بعدها لن نكون مع أبائنا وأمهاتنا إلا أياما معدودات .
صراع القلب والعقل تم حسمه منذ أن علمنا أن المسئولية التى تحملناها تقتضي عدم الضعف امام شهوات النفس حتى لا نسئ لشرف المؤسسة التى ننتمى لها .
ولكن هذا الصراع الاخير الذى تدخل فيه بعد وقوع الاختيار عليك لخدمة الوطن فى مهمة من أعظم مهامه وهى مهمة الأمن الوقائي مهمة أن تكون بطل له عالمين وشخصيتين ،،،،عالم يظهر فيه مع اقاربه بل مع اقرب اقاربه وهم والديه واخوته وزوجته وابناءه وعالم يظهر فيه مع نفسه فقط ومع رفقاء مهمته وغير مسموح لأى شخص مهما بلغت درجة حبه وقرابته اختراق جدار هذا العالم البطولى أو ما نسميه بعالم الظل ،،،نعم غير مسموح تماما لأن ذلك يعد خيانة للأمانة وخيانة للوطن وخيانة للمهمة المكلف بها …
هذا الصراع بين قلب ذلك الشخص الذى يعيش فى أسرة ولها متطلبات وقلب ذلك الشخص المنتمى لمؤسسة مكلفة بحماية الوطن وقلب هذا الشخص الجديد الذى طرأ على حياته دور جديد يتطلب منه أن يكون رجلا من رجال الظل وصقرا محلقا فى سماء الوطن ليلا ليحميه من الأخطار التى تحوم حوله وبذلك يكون مطلوب منك أن تعيش على الاقل ثلاث شخصيات وثمتلك ثلاث قلوب وثلاثة أمزجة وتحرص كل الحرص على عدم التداخل أو الخلط لأن ذلك حتما سيعود بظلم يقع على أحد أطراف المعادلة الصعبة التى نعيشها .
اتدرى عزيزى القارئ ان اقل شخص منا يعيش بثلاث شخصيات منفصلة تماما ،،نعم منفصلة تماما وهناك من يعيش أربعة وهناك من يعيش خمسة ولكل منها عالمها وهمومها .
ولكن تبقى شخصة رجل الظل هى الشخصية الوحيدة الغير مسموح فيها بالفضفضة إلا مع نفسك فقط .
هل عرفت الان طبيعة الصراع الذى نمر به عندما يتم إخبارنا بأننا وقع علينا الاختيار لنكون من رجال الظل .
أعتقد الان أن الملامح باتت واضحة لك عزيزى قارئ هذه الكلمات لنقدر حجم الصراعات التى نخوضها وغير مسموح فيها بأى نسبة خطأ لأن الخطأ معناه حياة إنسان .
والان دعنى اسرد لك خواطرى حتى تلمس عن قرب حجم المسؤوليات والتحديات الملقاة على عاتق كل صقر من صقور الظل .
عندما نبدأ فى فهم طبيعة التحديات التى نواجهها فى مهامنا الجديدة تبدأ اولى التحديات والصعوبات وهى تكمن فى تلك الأسئلة المتكررة من كل من حولك فى دوائر العائلة والأهل عن طبيعة مهامك الجديدة والتى لو ظلوا يسألوا عنها ألف سنة ما وجدوا منا غير الصمت ،،،نعم الصمت لأسباب كثيرة اهما عدم خيانة الأمانة وثانيهما حفاظا على أمن وسلامة هؤلاء المقربين من الأهل والعائلة ،،،والغريب والمدهش فى الأمر أنه بمجرد صمتك يبدأ الجميع فى الشعور بطبيعة المهمة التى أصبحت ملكلفا بها وهنا تبدأ التحديات والتى تتمثل فى طلبات وتوصيات لانهاء بعض الطلبات الخاصة بمعارف الاهل والأصدقاء .
وهنا ندخل فى صراع نفسى بين رغبتنا فى عدم الزج بأسمائنا فى أمور خدمية ومن الناحية الأخرى خوفنا من عدم مساعدة الناس خاصة وأننا نستطيع ولكن فى النهاية نقدم الدعم اللازم غير مبالين بأى شئ غير رضا الله عنا وكذلك حمايته لنا ولأسرنا بما نقدمه من خدمات مجتمعية خالصة لوجه الله دون أدنى مقابل .
وعلى الجانب الآخر إذا كنت انت المحتاج إلى خدمة لك أو لزوجتك أو ابيك أو أمك أو أخوتك تجد نفسك كالعاجز !! فعلا كالعاجز وتقوم بطلب الخدمة من أماكنها كأى مواطن عادى ! فعلا كأى مواطن عادى أتدرى لماذا ؟
بكل بساطة لأنك ستتهم بأنك تستغل سلطاتك ونفوذك لذلك نفضل الإبتعاد تماما عن اى نوع من التمييز فى تلك الخدمات التى تعود علينا وعلى أسرنا بشكل مباشر .
هل تشعر عزيزى القارئ بحجم تلك المعاناة !
فى نفس الوقت الذى يمكنك أن تقيم الدنيا وتقعدها لمواطن عادى طلب تدخلك ، لا يمكنك حتى أن تهمس بطلب اى مساعدة فيما يخصك أو يخص أسرتك.
فى الوقت الذى ينظر إليك فيه الجميع على انك قائد بجهة سيادية تعجز عن إظهار تلك السلطة فيما يخصك وأهل بيتك .
وهذا الأمر بدوره يضع الزوجة والأبناء فى تحديات وصراعات نفسية ولولا عناية الله وحفظه لهم لظنوا فينا أننا نبخل عليهم بالخدمات ولكن الأمر أعظم من ذلك بكثير .
التحدى الثانى والأخطر هو انك تعيش اكثر من شخصية فى نفس الوقت وقد تتلقى مكالمات وانت مع أسرتك تتطلب منك الانتقال بين الشخصيات التى تعيشها وهو ما يشكل صعوبة فى إدراك أسرتك ذلك التحول السريع فى الشخصية ، بالطبع هم لا يعلمون المواضيع التى تتحدث عنها ولكن هم يلاحظون فى لهجتك وحركات جسدك تغييرات ولا يفهمون مبررها وبالطبع يأتى دور الزوجة والحبيبة التى اختارها قلبك وعقلك لتكون سندك فى حياتك الصعبة ، يأتى دورها فى نهاية اليوم محاولة التخفيف عنك وراغبة فى أن تفضفض معها بهمومك كأى زوجة مع زوجها فى نهاية يوم شاق حيث تشعرها هذه اللحظة بقيمة وجودها فى حياتك ولكن للأسف لا تجد منك غير الصمت والنظر بعمق لاشياء هى لا تراها حتى تقوم بسؤالك بشكل مباشر هو انت سرحان فى حاجة او بتفكر فى حاجة فتجيبها لا مش سرحان وعندها تظن فيك أنك تكذب عليها او أنها ليست قريبة منك او أنها زوجة فاشلة ليست مثل باقى زميلاتها المتزوجات.
وهنا أحب أن اقول لها هذه الكلمات من القلب والتى سأفضفض بها لأول مرة …
زوجتى الحبيبة ،،يعلم الله أننى منذ أن نبض قلبى بحبك وهو أصبح عاجزا عن النبض الا بقربك ، ولكن تلك الفضفضة التى تنتظريها منى لن تقر عينك بها لأنى احبك !!
أتفهمين ذلك ؟
لأنى احبك فلن افضفض معك بتفاصيل تلك المعلومات والتهديدات لأننى لو فضفضت معكى بها فلن تعيشى بعدها بكامل قواك العقيلة ، فما نمر به من تحديدات لا يستوعبه عقل .
كيف افضفض معكى بأننى تلقيت رسالة للسفر حالا مسافة 1000 كيلو ونحن كنا نرتب لنزهة اخر الاسبوع!
كيف افضفض معكى بتلك المهمة التى تتطلب نقل حياتنا كاملة بكل تفاصيلها إلى مكان اخر وجيران جدد ونقطع صلاتنا بكل ما مضى !
كيف افضفض لكى بتلك التقارير التى تحتاج الى اسبوع لقراءتها وتحليلها للوصول لاسرع الحلول واسلمها وانا ليس لدى الا يوم واحد ….
كيف وكيف وكيف وانا اشكر الله على نعمة وجودك فى حياتى وحملك لامانة متابعة شئون الأبناء والمنزل ،فهل من العدل أن افضفض واحملك ما لا نتحمله نحن الا بستر الله علينا وتوفيقه لنا فى تحمله .
حبيبتى لا تقارني نفسك بسارة زوجة مهندس عماد ولا دكتورة امل زوجة دكتور وائل ولا بمس علياء زوجة مستر محمود فكل هؤلاء ليس مطلوب من أزواجهم الا ان يعيشوا حياة واحدة وشخصية واحدة ،،أما حظك انت أنك تعيشين مع شخص مكتوب عليه ان يعيش فى اليوم الواحد ثلاث شخصيات على الاقل حتى يحيا الوطن فى سلام لان المؤامرة على الوطن تتطلب تضحيات ، وارجوك لا تأخذك الشفقة عليا بعد قراءة هذه الكلمات فتزيدى من إلحاحك عليا بأن أشاركك همومى لأننى لن أزداد إلا صمتا …

وإلى اللقاء فى الحلقة الثانية إن شاءالله لمتابعة باقى التحديات لنكون دعما لأبطال الظل ولو بالمشاركة الوجدانية لاسرهم ….

 

التعليقات مغلقة.