مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الصراع السياسي في ألمانيا للتخلص التدريجي من الطاقة النووية

2

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

يعتبر الصراع بين القوى السياسية هو العامل الأساسى المؤثر في زيادة بناء المحطات النووية أو الحد منها.

ففي ألمانيا على سبيل المثال فإن أغلبية الشعب الألمانى يؤيدون قرارات الحكومة الألمانية الأخيرة بالتخلص التدريجى من الطاقة النووية. وكان الصراع مع الحكومة ضد الطاقة النووية قد بدأ فى السبعينيات من الحركات الشعبية المناهضة للطاقة النووية. واستمرت الاحتجاجات الشعبية فى التسعينيات، وكان معظمها ضد نقل حزم الوقود النووى المستهلك من وإلى مرافق معالجة النفايات ومواقع تخزين النفايات المحتملة.

بعد وقوع حوادث المحطات النووية (حادثة محطة “ثرى مايل أيلاند” النووية الأمريكية عام 79، وكارثة محطة “تشرنوبل” النووية فى أوكرانيا عام 86، وأخيرا كارثة محطة “فوكوشيما” النووية اليابانية عام 2011)، كان الخوف والذعر يزداد وينتشر بين الشعب الألمانى، وبدأ معظم السياسيين فى أخذ موقف متشدد ومناهض للطاقة النووية، وبدأت بعض الأحزاب تتبنى هذا الفكر المعارض، معتبرين أن الطاقة النووية هى طاقة لفترة مرحلية وعابرة وليست طاقة المستقبل. وأخيرا كان النصر حليفا للرأى المعارض للطاقة النووية.

وعندما ندرس ونحلل مراحل الصراع بين الأطراف المؤيدة والمعارضة للطاقة النووية نجدها تنقسم إلى:

0 مرحلة دعم الحكومة للطاقة النووية، والحركات الشعبية المناهضة للطاقة النووية

عام 1975 نظمت مظاهرات مناهضة لبناء محطة Wyhl النووية، وفى 21 مارس 1975 كان قرار المحكمة الإدارية “سحب رخصة بناء المحطة النووية”. بعد ذلك انتقل الصراع وأصبح على المستوى السياسى الرسمى.

حكومة المستشار “فيلى برانت” (من 1969 الى 1974). كانت تقدم كل الدعم للطاقة النووية.

حكومة المستشار “هيلموت شميت” (من  1974الى 1982). كانت تؤيد الطاقة النووية. فى أعقاب حادثة محطة “ثرى مايل أيلاند” النووية الأمريكية عام 1979، خرج حوالى 200 ألف شخص إلى الشوارع فى هانوفر وبون، متظاهرين ضد الطاقة النووية.

0 مرحلة انهيار سياسة دعم وتأييد الطاقة النووية

حكومة المستشار “هيلموت كول” (من 1982 الى 1998). بسبب كارثة محطة “تشيرنوبل” فى أوكرانيا عام 86، انهارت سياسة دعم وتأييد الحكومة للطاقة النووية، ففى أغسطس عام 1986 كان قرار الحكومة “التخلص من الطاقة النووية خلال عشر سنوات”. وكان تأثير هذه السياسة مباشرا على مشروعات الأبحاث والتطوير R&D لمفاعلات تعمل عند درجات حرارة عالية وتبرد بالغاز HTGCR، وكذا المفاعلات المولدة السريعة FBR، فقد توقف هذا العمل الواعد بعد 30 عاما من العمل الجاد.

مذبحة مفاعلات الـ VVER؛ مع بداية إعادة توحيد ألمانيا فى 3 أكتوبر عام 1990، تم إغلاق المفاعلات النووية الشغالة من نوع الـ “VVER-440” روسية الصنع فى ألمانيا الشرقية وعددهم 5 مفاعلات،  كما تم إيقاف تنفيذ عدد 3 مفاعلات من نفس النوع، وكذا تم إيقاف تنفيذ عدد2  مفاعل فى موقع آخر من نوع VVER-1000.

حكومة المستشار “جيرهارد شرويدر”  (من  1998الى 2005)، وهى حكومة ائتلافية فقد كان بداخلها حزب الخضر، ونتيجة لذلك فقد وافقت الحكومة على تغيير “القانون النووى” حتى يمكن التخلص التدريجى من المحطات النووية. كانت المحادثات بين الحكومة وشركات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء طويلة وشاقة لوضع جدول زمنى للتخلص التدريجى من المحطات النووية. وأخيرا فقد اتفقوا على الحد من عمر المحطات الى 32 عام، وعلى أن يتم إغلاق آخر محطة نووية فى عام 2022. كما تم حظر بناء محطات نووية جديدة. وفى عام 2002 أصبحت هذه الاتفاقية قانونا.

فى عام 2003 وعام 2005 تم ايقاف محطتين نوويتين، وهما محطة Stade ومحطة Obrigheim.

اعترض الحزب المعارض (حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى) برئاسة “أنجيلا ميركل” على الاتفاقية، واصفة إياها بأنها “تدمير للممتلكات الوطنية”، وسوف يتم إلغاء هذه الاتفاقية إذا جاء حزب الاتحاد المسيحى الديمقراطى إلى الحكم.

0 مرحلة عودة الروح للطاقة النووية، ثم الانهيار مرة ثانية وتبنى سياسة التخلص التدريجى من الطاقة النووية

حكومة المستشارة “أنجيلا ميركل” (من 2005 وحتى الآن)، بدأت عودة الروح للطاقة النووية، وبدأت الحكومة بإلغاء سياسة التخلص التدريجى للمحطات النووية.

تم وضع تصور جديد لمد فترة تشغيل المحطة النووية من متوسط 32 سنة إلى 60 سنة، وتم حساب العائد من وراء تنفيذ هذا التصور، فوجد أن الشركات المالكة للمحطات النووية سوف تحقق أرباحا إضافية تقدر بـ 100 مليار يورو أو أكثر، وكانت الحكومة حريصة على تأمين أكثر من نصف هذا المبلغ، فقيمته أكثر بكثير من عائداتها من الضريبة الإضافية.

قد يهمك ايضاً:

انور ابو الخير يكتب : فن التمثيل

أحمد سلام يكتب بين السطور

تبددت الأحلام، وأصبح مد فترة تشغيل المحطة النووية لمدة 60 سنة حلما. ففى سبتمبر 2010 تم التوصل إلى اتفاق جديد، بموجب هذا الاتفاق تمنح رخصة تمديد 8 سنوات من المواعيد المتفق عليها عام 2001  للمفاعلات التى شيدت قبل عام 1980، ومدة تمديد 14 سنة للمفاعلات التى شيدت بعد عام 1980، مع عدة إجراءات جديدة، وهى فرض ضريبة قدرها 145 يورو لكل جرام من اليورانيوم الانشطارى أو وقود البلوتونيوم لمدة ست سنوات، وتسديد 300 مليون يورو سنويا لأعوام 2011  و2012، وتسديد 200 مليون يورو من عام 2013 الى عام 2016 لدعم مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة، وضريبة قدرها 0.9 سنت لكل كيلووات ساعة لنفس الغرض بعد عام 2016.

كارثة “فوكوشيما” تطيح بإنجازات البرنامج النووى الألمانى. كل هذه الترتيبات أصبحت موضع شك بعد كارثة “فوكوشيما” فى اليابان فى 11 مارس 2011. ففى يوم الثلاثاء 15  مارس 2011 أعلنت “أنجيلا ميركل” إغلاقا مؤقتا (وقف اختيارى لمدة ثلاثة أشهر) لسبعة من محطات الطاقة النووية فى ألمانيا، وعلى أن تكون البداية بإغلاق المحطات التى أنشئت قبل عام 1980، فى حين يتم إجراء مراجعة عاجلة للأمان لهم. وجاء هذا الإعلان الأخير بعد يوم واحد من إعلان الحكومة فى ألمانيا وبعد تأخير لمدة ثلاثة أشهر فى قرارها تمديد عمر 17 محطة للطاقة النووية في ألمانيا.

الصحف الألمانية بدأت تكتب عن دراماتيكية تذبذب سياسة “ميركل” بالاستجابة لكارثة “فوكوشيما”، وقال النقاد أن الأسباب الحقيقية وراء قرارها بإغلاق المحطات هو الانتخابات فى ثلاث ولايات فيدرالية ألمانية وبالأخص ولاية Badeng   وولاية Württember، حيث يتنافس الحزب المسيحى الديمقراطى الحاكم مع يسار الوسط الديمقراطى الاشتراكى.

في مايو 2011 ذكرت لجنة سلامة المفاعل الألمانية RSK Reactor  Safety Commission، أن جميع المفاعلات الألمانية كانت سليمة في الأساس وآمنة، كما استعرضت جميع المفاعلات الـ 17 والتى تم تقييمها من ناحية المتانة فيما يتعلق بالأحداث الطبيعية التى تؤثر على المحطات، وتأثير انقطاع التيار الكهربائى على المحطة وتأثير عطل نظام التبريد والتدابير الوقائية والطوارئ وكذلك الأحداث التى من صنع الإنسان التى تؤثر على المحطة، وعلى سبيل المثال سقوط طائرة على المحطة.

لكن فى أغسطس 2011 اتخذت الحكومة الاتحادية قرارا بإغلاق 8 محطات إغلاقا طويل الأجل، على أن تظل 9 محطات فى التشغيل بإجمالى قدرة كهربية 12.7 جيجاوات، والمحطات التى اغلقت إغلاقا طويل الأجل هى محطة Biblis-A من نوع PWR وقدرتها 1167 ميجاوات، ومحطة Neckarwestheim-1 من نوع PWR وقدرتها 785 ميجاوات، ومحطة Brunsbuettel من نوع BWR وقدرتها 771 ميجاوات،  ومحطة Biblis-B  من نوع PWR وقدرتها 1240 ميجاوات، ومحطة Isar-1  من نوع BWR وقدرتها 878 ميجاوات، ومحطة  Unterweser من نوع PWR وقدرتها 1345 ميجاوات، ومحطة Phillipsburg-1 من نوع BWR وقدرتها 890 ميجاوات، كما أغلقت محطة  Kruemmel من نوع BWR وقدرتها 1346 ميجاوات على الرغم من أنها بدأ تشغيلها عام 1984، وأصبحت حصة مشاركة المحطات النووية فى توليد الكهرباء بنسبة 17.6%  بعد أن كانت تقارب نسبة 25%  قبل إغلاق هذه المحطات.

كان من بين أهداف فلسفة التحول لمصادر طاقة بديلة هو خفض انبعاثات غاز ثانى أكسيد الكربونCO2 ، وأنصار حزب الخضر فى ألمانيا كانوا يأملون بشدة فى أن تحصل المانيا على 35% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر الطاقة الجديدة والمتجددة بحلول عام 2020، وسوف ترتفع هذه النسبة إلى 50% بحلول عام 2030، ثم إلى  80% بحلول عام 2050.

الكهرباء فى ألمانيا الآن تعتبر الأكثر تكلفة عن بلدان أوروبا بل وأصبحت الكهرباء سلعة فاخرة، فتكلفة توليد الكهرباء من الخلايا الضوئية أعلى بأربعة أضعاف عن توليدها من الفحم، واستمر الدعم للطاقة المتجددة فى الارتفاع حتى وصل إلى 16 مليار يورو فى عام 2013، وتكلفة الغاز الطبيعى المستورد حوالى ثلاثة أضعاف سعره فى أمريكا، وحتى الآن لم تسفر فلسفة التحول  لمصادر طاقة بديلة عن النووية إلى خفض انبعاثات ثانى أكسيد الكربون وهى أحد الأهداف الرئيسية، وأصبحت ألمانيا تواجه مشكلة مزدوجة وهى الأسعار والانبعاثات، حيث أن قرار ألمانيا إغلاق منشآتها النووية يضيف 300 مليون طن من CO2 حتى سنة 2020 نتيجة زيادة استخدام الوقود الأحفورى، والحكومة الألمانية الائتلافية الجديدة تبحث عن سبل للخروج من هذه الدائرة ومن الالتزامات القانونية التي فرضتها على نفسها.

فى سبتمبر 2011 تم رفض ضريبة الحكومة المستمرة على الوقود النووى من قبل محكمة ضرائب هامبورج، وأعربت المحكمة عن عدم توافق ضريبة الوقود النووى مع الدستور الألمانى.

فى يناير 2013 أكدت محكمة ضرائب هامبورج على أن الضريبة الألمانية على الوقود النووى هى ببساطة وسيلة لسحب الأرباح من مشغلى المحطات  النووية وبالتالى فهى غير دستورية، وأشارت فى خطابها إلى المحكمة الدستورية إلى أنه منذ يناير 2011 وعلى مدى عامين فقد بلغت الضرائب المدفوعة 1.5 مليار يورو.

بعد مارس 2011 قامت شركات الكهرباء النووية فى ألمانيا بالضغط بطلبات التعويض وكذا بمقاضاة الحكومة بسبب استمرارها فرض ضريبة مقابل تمديد التراخيص لمدة 8 سنوات للمحطات التى أنشئت قبل عام 1980 وتمديد الترخيص لمدة 14 سنة للمحطات التى أنشئت بعد عام 1980 وهو ما اتفق عليه في سبتمبر 2010 .

رفعت شركة RWE المالكة لبعض من المحطات النووية دعوى قضائية ضد الحكومة بشأن إغلاق محطتها Biblis-B وقالت إن التخلص التدريجى من المحطات النووية كلفها أكثر من 1 مليار يورو فى عام 2011 وحده.

في فبراير2013  رأت المحكمة الإدارية في “هيس” أن الحكومة قد تصرفت بشكل غير قانونى في طلب إغلاق Biblis-A&B والذى تم فى مارس 2011.

فى يناير 2014 أقرت المحكمة الإدارية العليا الألمانية حكمها بعدم قانونية الإغلاق القسرى لمحطة Biblis من قبل الدولة لأن شركة RWE لم تستشر وهذا يشكل خطأ إجرائيا.

وأود أن أؤكد على عدة نقاط وهى:

0 أن سياسة التخلص التدريجى من الطاقة النووية، هى نتيجة صراع بين القوى السياسية ولا دخل لأمان واقتصاديات المحطات النووية بهذه السياسة.

0 جميع المفاعلات الألمانية سليمة وآمنة، وهذا ما أكده التقييم الفنى للجنة سلامة المفاعل الألمانية  (RSK)  Reactor Safety Commission.

0 لو علمنا أن المفاعلات النووية الأمريكية قد تم زيادة عمرها التشغيلى من 40 سنة الى 60 سنة، فالمفاعلات النووية الألمانية والتى تتبع الكود الألمانى وهو أكثر صرامة من الكود الأمريكى تستطيع العمل لأكثر من 80 سنة.

0 ألمانيا تنفق نحو 2.5 مليار يورو سنويا لدعم الفحم لإنتاج 55% من احتياجاتها الحالية من الكهرباء بينما كانت المحطات النووية تنتج حوالى 25% من احتياجات ألمانيا من الكهرباء قبل عام 2011 وبدون دعم.

أشكركم ، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

اترك رد