مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قصة قصيرة”متاهــة”

8

بقلم : سيد إبراهيم جعيتم

غرز طبيبُ التخدير الحقنةَ في يدي ..وسوسَ إلي : تذكر أنني نبهُتك.

صوت الطبيب:

– عد من واحدٍ إلي عشرة.

همستُ:

= أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم.

فر اللعين هاربًا.

ألمٌ شديدٌ في جانبي الأيمن.

أشارت الممرضة ناحية النافذة الزجاجية، بذلتُ جهدًا لأنظر خلف زجاج النافذة واقفةًٌ تشير إلي.

بدأ المنوم يأتي بمفعوله.. صوتها يسكن أذني ” أُحبك ” في نبرتها كل لغاتِ الإحساس.

حالمًا، تذكرتُ ليلة عودتي وتجهيز الحقائبِ بهدايا زوجتي وابني الوحيد ..هرولتُ نحو المستقبلين، احتضنتُ ابني الوحيد بشدةٍ، تناثرت كلماتُ الشوق من عيني، نظرت إلي بحبٍ:

– وحشتني.

في (محرابِنا )احتضنتُها، اجتاحني دفؤها:

– أُحبكِ.

اتسعت حدقةُ عينها، تأملت ملامحي منتشية :

-أعشقُك.

 

أه .. الآلام لا تُحتمل، وخذ حقنةٌ في يدي، وصوت يطمئنني:

– سيخفُ الألم.

دوامةٌ سحيقةٌ تسحبني لأسفل، مددت يدي تحسست السرير، اطمأننت، ثقُلت رأسي، غفوت .

أراقبُ انتفاخ بطنها، بشرتنا الطبيبة:

الجنينُ ولدٌ ..كانت تأملُ في بنت، تم الوضع في الشهرِ الثامن. أقمنا حفلً كبيرًا لسبوع المولود، أصرت والدتي علي أن تُمارس كل الطقوس القديمة، إبريقٌ مزخرفٌ بالشمع، حباتُ الفولِ السبعِ موصولةٌ بخيطٍ، زوجتي تضحك، تحملُ المولود و تخطي فوق الغربال سبع مراتٍ.

النسوة يغنين “حلقاتك برجالاتك” ألمٌ خفيفٌ سحب غِطاء غفوتي قليلا.. قالت لي أمي ضاحكةً:

الولد شبه أهل أمه.

أتاني اللعين :

قد يهمك ايضاً:

أهيم بطيفك

–        تظلمُ ابنك، بمشاركة الغريب له في ماله، نبهتكُ وأبيتُ أن تستمع لي.

أمسك اللعينُ ناصيتي:

– ابن ثمانية أشهر ولم يحمل سماتك، ابن عمها كان يريدها زوجةً له لم يغمض لي جفنَ. مطرقة الشك وسندانُ الذنبِ يعتركاني، لامتني نفسي، بكيت.

ناداني المولودُ ببكائِه ، هرولتُ لحجرتهَ، نظرت إلي باسمة الثغر:

– صباح الخيرِ يا حبيبي أيقظك بُكاؤه.

قبلت يدها ووضعت أخري بين وجنتيها، حملته، قبّلته وأخذتُ أرقيه، حاول الملعون إفساد اللحظة هزمته وتلوت: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ ﴾.

ساويتُ بين الولدينِ في الرعاية.

يجب تغييرُ الكانيولا صحوت علي صوتِ الطبيب، تم تغييرها وتركيب زجاجة محلول جديدة .

أما لهذا الألم من نهاية.

وضعنا لك مُسكنًا مع المحلول ، غفوت .

 

ما أعانيهِ من ألامٍ تشعرُ به ، أسندت رأسَها بيدها، تدعو الله لي ، أتاها اللعين :

– حزينةً من أجلهِ !!!! تسجدين لله داعيةًً له في جوفِالليل ، ويشكُ فيك، وضعها في سياجِ شوك دائرةِ شكي.

 

يشدُني المنوم لهوةٍ سحيقةٍ مزدحمةٍ بذكرياتٍ أرهقتني سنين، صارعتُ وسواسي.. لامتني نفسي:

حَكِّم ضميرك، أهزم الصراع بين عقلكَ وقلبكَ، أنفُض عنك الوسواس القهري، لا تُنصب نفسك قاضيًا وجلادًا.

 

= كم مضي من الوقت منذُ أجريت لي العملية.

– أربعة أيام، الحمدُ للِه حالتُك مطمئِنة.

تأتيني مبتسمةَ لتطمئن علي من خلف زجاجِ النافذة ، أشتاقُ إليها، أعاود النوم..

 

مُعدلاتِ الفحوصُ الطبيةِ مرتفعة، أوصي الطبيبُ بغسيلٍ للكلي.

كتمنا الأمرَ عن ابننا الأصغر، لسفرهِ في بعثةٍٍ دراسيةٍٍ خارج البلاد. قال الطبيب:

– لنبحث عن مُتبرع بالكُلي، تتوافقُ أنسجتهُ مع أنسجتك. طال الوقت، لم أجد متبرعًا مناسبًا.

ابني يجري الفحوصَ اللازمة لينقل لي كُليته، رفضتُ بشدةٍ.

في الصباحِ طمأنني الطبيبُ علي نجاحِ العملية، وقرر نقلي من العنايةِ المركزة لحجرةٍ عادية، سألتهُ عن ابني، قال:

– بخيرٍٍ يرقدُ في الحجرةِ المجاورة.

= أدخلوني حجرةَ ابني لأطمئنَ عليه

كعهدي بها استقبلتني بوجهها البشوش متهللةًً فرحةً، خلفُها ابني الأكبر واقفًا بكامل ملابسهُ. يا ألله، من المتبرع؟ نظرتُ للسرير ..ابتسم لي حمدًا لله علي سلامتكِ يا والدي.

اترك رد