مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الصخر الزيتى

38

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

نحن مطالبون بأن نسير فى الأرض وننظر ونتأمل من أجل اكتشاف ” كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ”. والعلماء يبحثون في طبقات الأرض عن أسرار الخلق، وقد لاحظوا أن كل طبقة تسجل تاريخاً محدداً من عمر الأرض، واكتشفوا أن سر المخلوقات وبداية الحياة موجود في الأرض. فتاريخ أرضنا مختزن في ذرات التراب والصخور والنباتات. وقد لاحظوا أن كل طبقة تسجل تاريخاً محدداً من عمر الأرض، فكل طبقة من طبقات الصخور وبخاصة الصخور الرسوبية تحكي لنا رواية عن حياتها والظروف التي مرت بها.

الصخور الرسوبية هي مصدر لموارد الطاقة الأحفورية الطبيعية التقليدية مثل الفحم، والبترول والغاز الطبيعى، وكذا فهى مصدر لموارد الطاقة الأحفورية الغير تقليدية مثل الصخر الزيتى oil shale. مسمى تقليدى راجع إلى طريقة التعدين المعتادة، حيث آبار البترول والغاز تكون عبارة عن أعمدة رأسية، وحيث أن البترول يكون في الحالة السائلة والغاز بطبيعته متواجد في الحالة الغازية، وكلاهما واقع تحت ضغط، فهذا يجعل من السهولة استخراجهما إلى السطح. لكن مصادر النفط الغير تقليدية لا تتدفق بالقرب من السطح، وفي بعض الأحيان لا تتدفق على الإطلاق من حيث أنها تكون في حالة صلبة أو شبه صلبة، وبذلك فتتبع طرق تعدين غير تقليدية للحصول على البترول والغاز القابل للإشتعال.

تتواجد رسوبيات الصخر الزيتي في أجزاء كثيرة من العالم. هذه الرسوبيات، والتي امتدت من العصر الكمبري إلى العصر الثالث، قد تكون عبارة عن تراكمات طفيفة ذات قيمة اقتصادية ضئيلة أو معدومة القيمة الاقتصادية أو رواسب عملاقة، فقد تتواجد في مساحات شاسعة تقدر بآلاف الكيلومترات المربعة، وقد يصل سمكها إلى 700 متر أو أكثر. الصخور الزيتية ترسبت في مجموعة متنوعة من بيئات الترسيب، بما في ذلك المياه العذبة إلى البحيرات شديدة الملوحة، والأحواض البحرية المتاخمة للقارات (رفوف القارات)، ورفوف المد والجزر، ومستنقعات البحيرات والمستنقعات الساحلية، والتي عادة ما ترتبط مع رواسب الفحم.

الصخر الزيتي يختلف عن الفحم من حيث محتوى المعادن والعناصر. فالصخر الزيتى يحتوي عادة على كميات أكبر بكثير من الفحم فى المواد المعدنية الخاملة، ونسبة هذه المواد في الصخر الزيتى تتراوح ما بين 60-90٪، بينما في الفحم نجدها أقل من 40%. بالإضافة إلى أن المادة العضوية في الصخر الزيتي، والتي تعتبر مصدر الهيدروكربونات السائلة والغازية، عادة ما تحتوي على نسب أعلى من  الهيدروجين ونسب أقل من الأكسجين، وهذا عكس ما يحتويه الليجنيت (الفحم الحجرى البنى) والفحم القاري (الفحم الأسفلتى).

الكثير من المواد العضوية في الصخر الزيتي أصلها من الطحالب، وقد تشمل أيضا بقايا من النباتات الوعائية البرية (تحتوي على نسيج وعائي مسؤول عن نقل المياه والمعادن لجميع اجزاء النبات)، لكننا نجد أن هذه النباتات تعتبر من أكثر المواد العضوية التي تدخل في تكوين الفحم. أصل بعض المواد العضوية في الصخر الزيتي غامض بسبب عدم وجود هياكل بنيوية بيولوجية معروفة والتي من شأنها أن تساعد في التعرف على الكائنات الأولية، وقد تكون هذه المواد ذات أصل بكتيرى أو نتاج تحلل بكتيرى للطحالب أو مواد عضوية أخرى.

الكربونات هي المكون المعدني لبعض الصخور الزيتية، بما في ذلك الكالسيت (معدن يتكون من كربونات الكالسيوم)، والدولوميت (صخر رسوبي يتألف من كربونات الكالسيوم وكربونات المغنيسيوم)، والسيدريت (معدن يتكون من كربونات الحديد)، ومع كميات قليلة من الألومينوسيليكات (معدن يتكون من الألومنيوم والسيليكون والأكسجين). هناك أنواع من الصخور الزيتية، تحتوى على السيليكات بما في ذلك الكوارتز (ثانى أكسيد السيليكون) والفلسبار(مجموعة معادن متكونة أساسا من سيليكات الألومنيوم والبوتاسيوم والصوديوم والكالسيوم، وفي أحوال نادرة الباريوم)، ونجد أن المعادن الطينية هي السائدة والكربونات هي مكون ثانوى بسيط.

العديد من رواسب الصخور الزيتية تحتوي على كميات صغيرة، لكن واسعة الانتشار، من الكبريتيد (مركب كيميائي مؤلف من كبريت وأحد الفلزات) بما في ذلك البيريت (بيريت الحديد الذهبى، وهو كيميائياً يتكون من كبريتيد الحديد)  والمركسيت (أحيانا يسمى بيريت الحديد الأبيض، وهو ذو نظام بلورى معينى متعامد المحاور)، مما يشير إلى أن الرواسب ربما تراكمت في مياه شحيحة الأكسجين المذاب (وهي حالة قاسية نتيجة نقص الأكسجين) والتي منعت تدمير المادة العضوية.

تحتوي بعض رواسب الصخر الزيتى على فلزات ومعادن ثانوية وهى تعتبر قيمة اقتصادية مضافة، مثل الشب (كبريتات الألومنيوم والبوتاسيوم – شب البوتاسيوم)، والناكوليت (معدن كربونى أبيض مع تركيبة بيكربونات الصوديوم)، والداوسونيت (معدن يتكون من هيدروكسيد كربونات الألومنيوم الصوديوم)، والكبريت وكبريتات الأمونيوم والفناديوم والزنك والنحاس واليورانيوم. وتتراوح القيمة الحرارية الإجمالية للصخر الزيتى على أساس الوزن الجاف من حوالي 500 إلى 4000 سعر حراري لكل كيلوجرام من وزن الصخور.

مما سبق يتضح، أن بيئة الترسيب هي العامل المهيمن في تحديد أنواع المواد العضوية الموجودة في الصخور الزيتية. حيث يوجد نوعان فقط من المواد العضوية في الصخور الزيتية، وهى المواد العضوية المشتقة من الأرض والمواد العضوية المشتقة من الطحالب المائية. وعندما يتم دفن الطفل الصفحى العضوي تحت عدة طبقات من الرواسب، ويتعرض إلى ضغط ودرجات حرارة مرتفعة، تتحول المواد العضوية إلى مادة تسمى “دوبالين” ومع مرور الوقت تتحول إلى مادة تسمى “كيروجين” kerogen. وفى وجود حرارة مرتفعة على الكيروجين، فإنه يؤدي إلى الإطلاق البطيء للوقود الأحفوري مثل البترول الخام والغاز الطبيعي، وخلال توليد البترول، يتشكل القار (البيتومين) من الكيروجين، وأيضا الجرافيت وهو مركب كربونى ولكن لا يستخدم كوقود. ورواسب البيتومين هى من بقايا الطحالب المجهرية القديمة وغيرها من الكائنات الحية.

الصخر الزيتي غني بمادة الكيروجين (قار صفحي) والبيتومين (قار الحمّر). والكيروجين مادة عضوية غير قابلة للذوبان في المذيبات العضوية والأحماض مثل  حمض الهيدروفلوريك وحمض الهيدروكلوريك، وبالنسبة لتوليد الهيدروكربونات فهو غير ناضج، ويحترق عند تعرضه للهب. والأنواع المختلفة من الكيروجين تحتوي على كميات مختلفة من الهيدروجين بالنسبة للكربون والأكسجين. محتوى الهيدروجين فى الكيروجين هو العامل المتحكم في إنتاجية البترول مقابل الغاز خلال التفاعلات الأولية لتوليد الهيدروكربونات.

ومادة الكيروجين أصبحت تحدد نوع الصخر الزيتى. فهناك أنواع مختلفة من الكيروجين. النوع الأول من الكيروجين يتكون بشكل رئيسي من أكثر المواد العضوية الغنية بالهيدروجين والمحفوظة في الصخور الزيتية، ويمكن تحويل نسبة كبيرة من النوع الأول حرارياً إلى نفط. والنوع الثاني من الكيروجين يتكون في شكله الصافي، من خليط من المواد العضوية  الأرضية والبحرية، والغنية نسبيا بالهيدروجين، ويمكن أن ينتج في بعض الأحيان النفط. أما النوع الثالث من الكيروجين فهو يتكون بشكل رئيسي من مادة شبيهة بالخشب إلى جانب بعض الطحالب والعوالق، وهو النوع الأكثر احتمالا لإنتاج الغاز القابل للإشتعال بشكل عام.

أما عن أنواع الصخر الزيتى، فالصخر الزيتي يقع ضمن ثلاث مجموعات واسعة من الصخور الرسوبية الغنية بالمواد العضوية وهى: (1) الفحم الدبالي والفحم الحجري الكربونى، (2) الصخور المشبعة بالبيتومين (رمال القطران وصخور خزان النفط)، (3) الصخر الزيتي.

قد يهمك ايضاً:

المرجفون الجدد

البصمة المائية

والصخر الزيتي تم تقسيمه إلى ثلاث مجموعات استناداً إلى البيئة التي ترسب فيها “الأرض والبحيرات والبحار” وهى: (أ) صخر زيتى أرضي، (ب) صخر زيتى بحيرى، (ج) صخر زيتى بحري.

الصخر الزيتى الأرضي، ويشمل الصخر الزيتى الذى تكون من المواد العضوية الغنية بالدهون مثل الراتنجات، والأبواغ، والبشرة الشمعية للنباتات، وأنسجة الفلين لجذور وسيقان النباتات الوعائية البرية الموجودة عادة في مستنقعات مياه متجددة ومستنقعات مياه راكدة، والتي يتم فيهما تشكيل الفحم. ويندرج تحت هذا القسم “الفحم الوقّاد أو فحم الشمعة”.

الصخر الزيتى البحيرى، ويشمل الصخور التي تكونت من المواد العضوية الغنية بالدهون المشتقة من الطحالب التي تعيش في بحيرات المياه العذبة أو قليلة الملوحة أو المالحة. ويندرج تحت هذا القسم صخر “لاموسيت” و “توربنيت”.

الصخر الزيتى البحرى، ويشمل الصخور التي تكونت من المواد العضوية الغنية بالدهون المشتقة من الطحالب البحرية، وأحافير عضوية دقيقة (كائنات وحيدة الخلية ذات أصل مشكوك فيه)، والسوطيات الدوارة البحرية (احد الكائنات الحية ذات الخلية الواحدة وذات السوط وهى تنتمي إلى شعبة الطحالب النارية). ويندرج تحت هذا القسم صخر “مارينيت”، و”تسمنيت” و”كوكرسيت”.

الفحم الوقّاد أو فحم الشمعة، هو نوع من الفحم البيتوميني، ويصنف على أنه صخر زيتي من النوع الأرضي. وبسبب تكوينه الفيزيائي ومحتواه المعدني المنخفض، يعتبر فحم الشمعة فحماً، لكن بنسيجه وتكوينه من المواد العضوية يعتبر من الصخر الزيتي.

الاموسيت، يعتبر من أكثر رواسب الصخر الزيتي وفرة وانتشاراً. والذي يكون فيه المكون العضوي الرئيسي هو اللامالجنيت المشتق من الطحالب العوالق، وهى النباتات المجهرية التي تعيش في البحيرات. وهناك مكونات ثانوية أخرى تدخل في تكوين هذا الصخر وهى:  الفترنيت، الانرتنيت، تالالجينيت، والبيتومين. وأكبر رواسب هذا الصخر موجودة فى جرين ريفر في غرب الولايات المتحدة، وفي شرق كوينزلاند بأستراليا، وفى نيوبرونزويك ألبرت في كندا.

المارينيت، هو من رواسب الصخر الزيتى المنشرة على نطاق واسع، ولكن في الوقت نفسه نجد أن طبقة هذا الصخر ليست سميكة فهى أقل من 100 متر، وغالبا ما تكون ذات أهمية اقتصادية محدودة. المكونات العضوية الرئيسية لهذا الصخر هي اللامالجنيت (طحالب أحادية الخلية رخوة رقيقة الجدران تعيش في مستعمرات ذات هياكل بيولوجية ضئيلة أو معدومة) والبيتومينيت المشتقة من العوالق النباتية البحرية مع خليط من البيتومين والتلالجنيت (مادة عضوية مشتقة من طحالب وحيدة الخلية سميكة الجدران ذات هياكل بيولوجية يمكن التعرف عليها) والفترنيت (مواد دبالية من النباتات البرية). المارينيت ترسبت عادة في البحار الأبيريكية epeiric، مثال على ذلك: على الرفوف البحرية الضحلة الواسعة أو البحار الداخلية حيث تكون حركة الأمواج ضئيلة والتيارات المائية مقيدة. وأكبر رواسب هذا الصخر هي الصخور النفطية الديفونية-المسيسيبية الموجودة في شرق الولايات المتحدة.

التوربنيت، صخر زيتي وغالباً ما يرتبط برواسب الفحم الأسفلتى. ومادته العضوية هي التلالجنيت المشتقة إلى حد كبير من بوتريوكوكاس الغنية بالدهون والشحوم وأشكال من الطحالب، والموجودة في البحيرات العذبة والمياه قليلة الملوحة. ولكن الـفترنيت والإنرتنيت (مواد دبالية من النباتات البرية) موجودة ولكن بكميات متنوعة وثانوية.

التسمنيت، صخر زيتى تتكون مادته العضوية من التلالجنيت، وهى مستمدة أساساً من الطحالب التسمانية الطفيلية أحادية الخلية ذات الأصل البحري مع كميات أقل من الفترنيت واللامالجنيت والإنرتنيت، وعادة عند تقطير هذا الصخر ينتج نفط.

الكوكرسيت، نوع من الصخر الزيتي من العصر الأوردوفيشى، والمكون العضوي الرئيسي هو التلالجنيت المستمد من الطحلب الأخضر. يوجد في حوض بحر البلطيق في إستونيا وشمال غرب روسيا.

رواسب الصخور الزيتية الإستونية الهامة من العصر الأوردوفيشي، وعلى طول الساحل الجنوبي لبحر البلطيق في شمال إستونيا وإلى الشرق إلى روسيا هي من نوع الكوكرسيت. هناك بعض من رواسب الكوكرسيت الثانوية في الأحواض الرسوبية في ميشيجان، وإلينوي، وويسكونسن، ونورث داكوتا، وأوكلاهوما في أمريكا الشمالية وفي أحواض أماديوس وكاننينج في أستراليا.

بمجرد استخراج الصخور الزيتية، يمكن استخدامها مباشرة كوقود لمحطة توليد الطاقة، ومثال على ذلك دولة أستونيا. أو يتم معالجتها لإنتاج النفط، حيث يتم تسخينه إلى درجة حرارة عالية (450 درجة مئوية) للحصول على الزيت، والذى يُرسَل بعد ذلك إلى أماكن أخرى للمعالجة الإضافية. يتم استخراج الصخر الزيتي باستخدام التعدين السطحي أو تحت السطحى. كما توجد بعض أساليب المعالجة الاخرى والمعروفة باسم التقطير الإتلافى وتتم في الموقع. العيب هو أن هناك حاجة إلى الكثير من الماء والطاقة لتسخين الصخور.

الدرجة التجارية للصخر الزيتى يتم تحديدها بناء على إنتاجية النفط، وهى تتراوح ما بين 100 إلى 200 لتر من النفط لكل طن مترى من وزن الصخر، والولايات المتحدة استخدمت حداً أدنى قدره 40 لتر لكل طن من وزن الصخر.

أشكركم، وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى لكم منى أجمل وأرق التحيات.

 

 

اترك رد