مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الزراعة الذكية مناخيا … من أجل بيئة زراعية مستدامة

21

 

بقلم : أ.د/ زكريا فؤاد فوزى

أستاذ – أمين شعبة البحوث الزراعية و البيولوجية – المركز القومى للبحوث

 

تعتبر قضية التغير المناخى من الأهمية بمكان فى الوقت الراهن و فى المستقبل القريب حيث يشكل التغير المناخى هاجس كبير فى كثير من البلدان المتقدم منها أو النامى على حد سواء و لا سيما بعد إتفاقية باريس بعد قمة المناخ التى عقدت فى مدينى باريس بفرنسا عام 2015.

واجه العالم منذ عقدين  تحديا مزدوجا ذا علاقة بتلبية الاحتياجات الغذائية و الأمن الغذائى  ، فالزيادة السكانية المتصاعدة قد توصل ساكنى الأرض إلى ما يقارب  9 مليارات نسمة عام 2050 ، يتزامن معها مناخ متقلب تغلب عليه ظاهرة الاحتباس الحرارى ، وحسب تقديرات منظمة الأغذية و الزراعة  ( الفاو ) فان إطعام سكان العالم يتطلب زيادة قدرها 70% في إجمالي الناتج الزراعي العالمي ، ومع أن التقارير الدولية تشير إلى تضاعف  كفاءة الزراعة العالمية خلال العقود الستة الماضية ، ،إلا إن كمية الأرض الزراعية  لم تزد بأكثر من 10% فقط .

وقد ذهبت دول العالم المتقدم والنامي بعيدالإيجاد حلول عاجلة وبعيدة الأمد لأمنها الغذائي ، وبات التحدي أكثر تعقيدا” بفعل الآثار السلبية لتغيرات المناخ “، منها ؛ تشكّل سلالات جديدة من الآفات الزراعية بحاجة إلى مضادات جديدة لإبادتها ، ومشكلة تغير أوقات المواسم المطيرة ، ومخاطر الجفاف والتصحر ، وتلوث البيئة ، فكان لابد من التعامل مع مشاكل معقدة لا تحتمل التأجيل  أو التباطؤ ، لارتباطها بمعيشة وبقاء الإنسان على هذه الأرض .

وعلى قدر هذه التحديات أطلقت العديد من البرامج والتقارير والفعاليات والاستراتيجيات لتطويق الآثار السلبية لتغيرات المناخ ، وتحديدا” على الأمن الغذائي العالمي ، ومن بين تلك البرامج ما يعرف بـ ( الزراعة الذكية مناخيا ) ، والتي تعني الإنتاج الزراعي القادر على زيادة الغلال وتدعيم المرونة في مواجهة الضغوط البيئية ، وفي نفس الوقت خفض إطلاق عوادم الغازات المسببة  للاحتباس الحراري ، أو إزالتها عن الأجواء .

فمحصول الأرز مثلا  الذي يعد غذاء” أساسيا” يوميا” لما يزيد على ثلاثة مليارات نسمة في العالم ، لكنه يأتي في المرتبة الثانية من حيث إصدار غاز الميثان المسبب للاحتباس الحراري ، إذ يزداد تكوينه عندما تروى التربة بالكامل ، لذلك فان الري بين المواسم ، أو تجفيف التربة على نحو متقطع يمكن أن يحد من تكون غاز الميثان  ، وهناك العديد من الأمثلة لممارسات دولية حول أنماط الزراعة الذكية مناخيا “في ظل الهموم الدولية المشتركة التي أفرزتها التكنولوجيات المعاصرة والانفجار السكانى

ويعتبر مجال “الزراعة” من أهم المجالات التي تكون أكثر عُرضة لمخاطر تغير المناخ. وللتخفيف من حدة بعض التحديات المُعقدة التي يُفرضها تغير المناخ والزراعة (بما في ذلك الغابات ومصايد الأسماك)، يجب التحول إلى ما يسمى بـ “المناخ الذكي Climate Smart” أو ما يسمى بالزراعة الذكية مناخيا  Climate Smart Agriculture ، أي باختصار، يجب أن تُصبح الأنظمة الزراعية أكثر كفاءة بواسطة استخدام أقل للأرض والمياه والمدخلات، وذلك من أجل إنتاج المزيد من الغذاء على نحو مستدام، جنبا إلى جنب مع ضرورة أن يتمتع الأفراد القائمون على ذلك بمزيد من المرونة في مواجهة التغيرات والصدمات.

و تعتمد الزراعات الذكية مناخيا على ثلاث محاور و هى إمكانية زيادة الإنتاجية الزراعية كما و كيفا دون التأثير أو الجور على الموارد الطبيعية و كيفية التقليل من كمية غازات الإنحباس الحرارى و خاصة ثانى أكسيد الكربون و كيفية التأقلم و التكيف و التخفيف من أثار التغيرات المناخية المتوقعة مع الأخذ فى الأعتبار البصمة الكربونية و البصمة المائية للمنتجات الزراعية

تعقيدات تغير المناخ ودور الـ CSA:

قد يهمك ايضاً:

د. ياسمين فؤاد تؤكد:  تعاون مصري ألماني استعدادا لمؤتمر…

إنطلاق أولى حلقات برنامج الفورمة على قناة الشمس

لا شك أن تغير المناخ يكون له آثار واسعة النطاق (سواء الحالية أو المُحتملة) على الزراعة والأمن الغذائي. حيث أن التغيرات في أنماط هطول الأمطار، ارتفاع متوسط درجات الحرارة، زيادة التباين في كل من هطول الأمطار ودرجة الحرارة، التغيرات في توافر المياه، ارتفاع مستوى سطح البحر، زيادة الملوحة، والتغيرات في تواتر وشدة سوء الأحوال الجوية، تؤدي جميعها إلى آثار سلبية على قطاعات الزراعة ومصايد الأسماك. وهنا  نجد أن عدم التيقن من آثار تغير المناخ التي ترتبط بتوقيتها ومدى شدتها، مقرونا بالعواقب التي تلحق بالعديد من القطاعات المترابطة بخلاف الزراعة مثل (الصحة، الطاقة، الاقتصاد، السياحة ، الهجرة)، قد ينجم عنه تحديا مُعقدا للغاية.

إن الزراعة الذكية مناخيا (CSA) عبارة عن نهج متكامل يساعد في توجيه الإجراءات  اللازمة لتحويل وإعادة توجيه النظم الزراعية، لدعم التنمية بصورة فعالة وضمان الأمن الغذائي في وجود مناخ متغير. وتهدف الزراعة الذكية مناخيا إلى معالجة ثلاثة أهداف رئيسية وهي (زيادة مستدامة في الإنتاجية الزراعية والدخل – التكيف وبناء القدرة على التكيف مع تغير المناخ – خفض و/ أو إزالة انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، حيثما كان ذلك ممكنا).

وبالطبع، يتطلب تحقيق هذه الأهداف تغييرات في السلوك والاستراتيجيات والممارسات الزراعية من قبل الأسر الريفية، وذلك من خلال تحسين فرص حصولهم على تقنيات مرونة المناخ والمعرفة والمعلومات من أجل زيادة الإنتاجية، والمدخلات، ومعلومات السوق، والمعلومات التي تسهم في تنويع مصادر الدخل، هذا بالإضافة إلى تنظيم أنفسهم بشكل أفضل للعمل الجماعي

الزراعة الذكية مناخيا هي إطار مفاهيمي جديد يهف إلى معالجة مسألة الأمن الغذائي وتحديات تغيرات المناخ في الوقت نفسه . وعلى هذا الأساس تساعد هذه الزراعة على ترجمة أهداف التنمية المستدامة 2030 المتعلقة بالزراعة والأمن الغذائي وسبل المعيشة في المناطق الريفية إلى أعمال وعلى زيادة وقعها . كما تساهم في تحقيق التغيرات المطلوبة من أجل تحسين قدرة نظم الأغذية على مواجهة الصعاب في المدن المتنامية . يدعم الزراعة الذكية مناخياً تكيف القطاعات الزراعية مع التغيرات المناخية المتوقعة وتعزيز قدرة نظم الإنتاج والمجتمعات المحلية على مواجهة الظروف المعاكسة والظواهر المناخية القاسية . ويتم تحديد الممارسات الزراعية الذكية مناخيا بالاستناد إلى الظروف الإيكولوجية الزراعية والاجتماعية والاقتصادية وذلك من خلال تعزيز القدرة على الصمود والحد من انبعاثات غازات الدفيئة عن طريق تقديم الدعم المستهدف إلى البلدان لزيادة الإنتاجية ، وهذا يستدعي : – تحديد النظم أو الممارسات والتكنولوجيات المناسبة . – وضع بنية مؤسسية تمكينية وفقا للظروف الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والمناخية الخاصة بكل منها توفير القدرات والمنهجيات والأدوات لإجراء التقييمات والتحاليل المطلوبة الى هناك حاجة إلى تجاوز المشاريع الصغيرة الحجم من أجل إظهار إمكانات الزراعة الذكية مناخيا ، وهناك حاجة ماسة إلى عمل الحكومات والمجتمع من أجل تحقيق التغيرات التحولية التي تعالج التحديات المترابطة للأمن الغذائي وتغيرات المناخ ، ولا يمكن بعد الآن أن نفرق بين مستقبل الأمن الغذائي ومستقبل البيئة فالتنمية الاجتماعية مرتبطة ارتباطا وثيقا بتغير المناخ ، وكذلك يجب أن يكون الأمر بالنسبة للاستجابة حتى تتحقق البيئة الزراعية المستدامة التى نصبو اليها جميعا.

الأرصاد الجوية:

هناك قائمة طويلة من الأدوات المستندة إلى الأرصاد الجوية الزراعية، والتي تعتبر بدورها العامل الأساسي  لتطبيق الزراعة الذكية مناخيا. ومن أهم هذه الأدوات “المرافق الوطنية للأرصاد الجوية والهيدرولوجيا NMHSs”، التي تزود المزارعين بمستويات مختلفة من التفاصيل، مجموعة من المعلومات حول الطقس/ المناخ مثل (بيانات الطقس في الوقت الحقيقي – توقعات الطقس في المدى القصير والمتوسط والطويل)، المناخ العادي على الإنترنت، وتوقعاته. والتي توفر جميعها الأساس اللازم للتكيف التكتيكي والاستراتيجي، خاصة عندما يتم تصميمها بشكل يتناسب مع احتياجات المزارعين، بما في ذلك توفير مؤشر للاستخدام والنتائج.

خدمات مناخية:

بالطبع نجد أن تحذيرات المناخ في المجال الزراعي تسهم بشكل أساسي في التكيف مع تقلبات وتغير المناخ، من خلال تحفيز الابتكار التكنولوجي، كما هو الحال في مجالات الوراثة مثل (التكيف مع أحدث تقنيات التكنولوجيا الحيوية)، والتقنيات الزراعية مثل (عملية الحرث – الري – إزالة الحشائش الضارة – حماية المحاصيل)، بما في ذلك نظم الإنذار المُبكر ودعم اتخاذ القرار. في بعض الدول، يتم إنشاء الخدمات المناخية للزراعة من خلال تبادل الآراء بين المزارعين والمرشدين/العلماء، حيث أن تصورات المزارعين تدعم تطوير الأدوات الرئيسية مثل (هطول الأمطار على المساحات الزراعية يوميا – الملاحظات الإيكولوجية – التأثير على كمية وجودة المحاصيل – سيناريوهات سقوط الأمطار الموسمية).

هذه الخدمات تكون ضمن قدرات مُقدمي الخدمة وإمكانات تكيف المزارعين، والتي تشمل (الإنذار المُبكر في حالات الجفاف والفيضانات وموجات الحرارة وهطول الأمطار الغزيرة، مع التفسيرات وتبادل الآراء بشأن تدابير الوقاية والحماية التي يمكن اتخاذها). ومن بين الأدوات الرئيسية التي تستخدم في نشر معلومات الأرصاد الجوية الزراعية، النشرات، الاتصالات القائمة على شبكة الإنترنت، الإذاعة، المحادثات والاجتماعات التي تتم وجها  لوجه، الندوات التقنية). حيث توفر هذه الأدوات للمستخدمين النهائيين (المزارعين – الخدمات الفنية والدعم)، المعلومات المناخية السليمة التي تتناسب والاحتياجات الخاصة، هذا بالإضافة إلى دعم تنفيذ الأنشطة في إطار مختلف لركائز الزراعة الذكية مناخيا.

دور البيانات:

تعتبر البيانات دائما هي القاعدة الأساسية لعمليات البحث، بما في ذلك علم الزراعة، حيث نجد أن التصاميم التجريبية مقرونة بالتحليل الإحصائي، قد حققت تقدما كبيرا في فهم تعقيدات  النظم المحصولية، وهو ما يطلق عليه ثورة البيانات الكبيرة التي أحدثت تغييرا في العديد من قطاعات المجتمع. ويحرص المزارعين في الدول المتقدمة على رسم خرائط المحاصيل بدقة عالية، وذلك باستخدام أجهزة الاستشعار عن بُعد، كما تقوم شبكات المحطات المناخية الأوتوماتيكية بجمع البيانات المناخية وجعلها متاحة من خلال منصات الويب في الوقت الحقيقي، بفضل الحوسبة السحابية.

وفي المستقبل القريب، من المتوقع أن تنتج الزراعة المزيد من البيانات، بفضل نشر الطائرات بدون طيار، وأجهزة الاستشعار المُتصلة عن بُعد، والتقدم في الأقمار الصناعية، وتعميم شبكة الإنترنت. وهنا يمكن تعريف دور البيانات في المجال الزراعي بأنه النهج الذي يتم من خلاله اعتماد القرارات التقنية في المزارع، أو المُوصي بها من قبل المرشدين الزراعيين بواسطة تحليل كميات كبيرة من البيانات الرصدية. أيضا تصنف بيانات المزارعين باعتبارها إدارة المحاصيل، جنبا إلى جنب مع سجلات الطقس وبيانات التربة على المستوى الميداني، لوصف الظروف الفعلية التي تنمو فيها المحاصيل، والإنتاج الذي تم تحقيقه. هذا بالإضافة إلى استخدام تقنيات النمذجة للتنقيب في قواعد البيانات، للأنماط التي تقوم بالإبلاغ عن استجابة المحاصيل لتباين الظروف البيئية، وممارسات الإدارة المُثلى في كل سياق.

اترك رد