مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد ابراهيم يكتب : جريمة تصدير المواد الخام

2

 

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب بين السطور

حازم مهني يكتب..3 مايو عيد الصحافة العالمي 

لدىّ قناعة أنه بحُسن استغلال الموارد المتاحة سوف تنهض بلدنا ونوفر أموالاً كثيرة فى إنشاء مشروعات جديدة، كما أن كل وزارة لديها أصول كثيرة مهدرة أو غير مستغلة لا تُقدَّر بثمن، بالإضافة إلى المناطق الصناعية والاستثمارية المعطلة وأيضاً المصانع المتعثرة، كما سبق أن كتبت كثيراً عن جريمة تصدير المواد الخام بأسعار زهيدة ثم استيرادها سلعاً مُصنّعة بالعملة الصعبة تستنزف الاحتياطى النقدى وتهدر علينا ملايين فرص العمل والإنتاج.
بعض الدول تعتبر تصدير المواد الخام جريمة خيانة عظمى تستحق عقوبة الإعدام لأنها تدمر الاقتصاد والصناعة الوطنية، وعلى مدار نصف قرن من الزمان كانت هناك خطة ممنهجة لتدمير الصناعة المصرية لحساب الاستيراد، بالإضافة إلى عدم الاستفادة من المواد الخام التى تزخر بها بلادنا فى كل المجالات، ووصل الأمر إلى تهريبها بأساليب غير شرعية وضياع أموال طائلة وفرص كبيرة فى الإنتاج والتشغيل، سمعنا كثيراً عن رمال سيناء البيضاء التى كان يتم تهريبها إلى الخارج أو بيعها بأسعار زهيدة إهداراً لثروات طبيعية يمكن تصنيعها محلياً، بدلاً من إعادة استيرادها سلعاً كالزجاج والبلور بعشرات الأضعاف من السعر، وهو ما يتسبّب فى خسارة فادحة تُقدَّر بعشرات المليارات. أيضاً الجلود الخام التى كان يتم تهريبها للخارج رغم أنه يوجد لدينا 23 ألف منشأة تعمل فى مجال الصناعات الجلدية (حذاء، شنطة، حزام، جاكت وغيرها) فيها أكثر من نصف مليون عامل، وبسبب تصدير الجلود فإن معظم هذه المنشآت كادت تعلن إفلاسها وتُشرّد عمالها، بالإضافة إلى استمرار العجز الشديد فى السوق المحلية، حيث نستورد 185 مليون حذاء سنوياً وأكثر من 80% من شنط السيدات والمدارس وبمليارات الدولارات فى حين أننا نستطيع الاكتفاء الذاتى وتوفير العملة الصعبة، سواء من زيادة الصادرات أو تقليل الاستيراد. هذا فى حالة وقف تصدير الجلود الخام لأنه لم يتسبب فقط فى تدمير الصناعة الوطنية وغلق مصانعنا وتشريد عمالنا، بل أيضاً فى ضياع المليارات على خزينة الدولة بسبب تهريبها للخارج بطريقة غير شرعية، وبالتالى عدم تحصيل جمارك ولا ضرائب عليها، أيضاً قرية «شبرا بلولة» بمحافظة الغربية أكبر منتج فى العالم للفل والياسمين وثلاثة أرباع المواد الخام للعطور والأدوية ومكسبات الطعم والرائحة يتم تصديرها للخارج من هذه القرية، فى صورة زيوت وعجينة خام بسبب عدم وجود مصانع عطور فى مصر، وهذا إهدار لمواردنا وضياع فرص كثيرة فى التشغيل والعملة الصعبة وقيمة مضافة للناتج القومى.
ليس هذا فقط، بل لا يوجد سوى مصنع واحد كبير (وبعض المصانع الصغيرة) لاستخلاص الزيوت من المادة الخام، وعلى مدار نصف قرن وأكثر يتحكم فى المزارعين ويشترى إنتاجهم بثمن بخس، ويقوم بتصديرها للخارج حتى يربح هو، ثم تقوم الدولة باستيرادها عطوراً بمليارات الدولارات، رغم أن إنشاء مصنع فى مصر للعطور ليس إعجازاً أو اختراعاً للذرّة؟
كذلك القطن المصرى طويل التيلة الذى يتمتع بسمعة طيبة فى العالم، يتم تصديره مواد خام ثم استيراده ملابس مصنّعة بأسعار مضاعفة، أيضاً يجرى تصدير أكثر من 600 ألف طن من «تفل البنجر» ثم استيراده أعلافاً بأسعار مرتفعة تتسبب فى زيادة أسعار اللحوم وخسائر للمنتجين، كذلك بعض أنواع الفوسفات والنباتات الطبية وكثير من مواد الخام فى العديد من الصناعات التى يتم تصديرها أو تهريبها ثم استيرادها فى صورة سلع مصنوعة، وبالتالى تصبح الخسائر فادحة فى ضياع فرص فى الإنتاج والتشغيل وتوطين تكنولوجيا وقيمة مضافة فى الناتج القومى واستنزاف العملة الصعبة بدلاً من دعم الاحتياطى النقدى الأجنبى. يقف وراء تصدير المواد الخام أصحاب مصالح لا يرون سوى أنفسهم فقط، وتذهب مصلحة الوطن إلى الجحيم، ولكن ما يجعلنى مطمئناً هو أن الحكومة الحالية فطنت إلى ذلك، وصدرت تعليمات صريحة من الرئيس السيسى بعدم تصدير المواد الخام حتى لا تتوقف مصانعنا عن الإنتاج.
ختاماً.. الاستثمار والتصنيع هو قضية حياة أو موت وضرورة وليست رفاهية، وأمن قومى فرضتها الظروف الاقتصادية التى تشهدها مصر والعالم، وفى ظل الأزمات والتحديات التى تواجه الوطن يصبح الحل هو الإنتاج المحلى، لأن ما دون ذلك كارثة، ولدينا رجال صناعة ناجحون وفى خدمة بلدهم وجاهزون لحمله على أكتافهم.. ويجب أيضاً أن يحملهم الوطن على أكتافه وتقديم كل الدعم لهم حتى تحيا مصر قوية وناهضة، والله الموفق والمستعان

التعليقات مغلقة.