مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قد شغفها حبا وشغفته.. الحلقة الرابعة”الحب دعاء وقلبي بالدعاء يرعاها”

5

بقلم – محمد حسن حمادة:

كان طارق يعشق القمر حتي في ليالي الشتاء الممطرة وخاصة في منتصف الشهر الهجري حيث يكتمل القمر ويصبح بدرا فيفتح نافذته ليفرج عن ضوء قمره ويبوح له ويخاطبه ويناجيه بسره، كخليل يسامر خليله، كان دائما يري علي وجه القمر وجهي حبيبتيه (ديما) الحلبية التي لم تبارح قلبه أبدا وحبيبته الجديدة (فريال) التي كانت تشبه حبيبته الأولي (ديما) في الروح والطباع والفكر والبساطة والذكاء والثقافة والخفة والقلب الأببض النقي، أحب (ديما) بكل حواسه وتعلق (بفريال) لأنها نسخة من (ديما) كان يشعر أن قلبه ممزق بين الأصل والصورة، وشيئا فشيئا ملكت (فريال) شغاف قلبه.

مازالت هذه المناقشة العاصفة بينه وبين صديقه خالد الذي يبدو أنه حسم أمره وقرر وبلا تردد الزواج من (ريما) محفورة في عقل طارق، فلم يتخيل أبدا أن خالدا بهذا العمق ويملك كل هذا الحب (لريما).

حاول خالد إقناع صاحبه أن يرضخ لقلبه ولاينظر لأي مآلات أخري (فديما) تستحق وتعشقه بكل جوارحها وفراقه لها سيكون وبالا عليها وسيزيد جراحها فكيف ستتركها وتتخلي عنها في محنتها بهذه البساطة في الوقت الذي من المفترض أن تكون بجوارها حتي تتخطي أزمتها!

خالد: لماذا تحكم بالإعدام علي قلبكَ؟

لماذا تهرب من الحور العين، لاتكن مثل آدم وتخرج من الجنة ياصديقي!

طارق: لا ياصديقي إنها نار تلظي سأكتوي بنيرانها في الدنيا والآخرة، كيف أتزوج من امرأة تؤمن بإله غير الله وتعتقد

بالثالوث المقدس الذي يتكون من الإمام علي رضي الله تعالي عنه وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم والصحابي سلمان الفارسي رضي الله تعالي عنه، وأن علي ابن أبي طالب رضي الله تعالي عنه إلها يسكن السحاب وأن الرعد صوته والبرق سوطه، الأغرب أنهم يكرمون قاتله ويترحمون عليه وينهرون من يلعنه! 

كيف أتزوج بمن تحتفل بيوم مقتل سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله تعالي عنه؟ كيف أتزوج بمن تبيح لها عقيدتها شرب الخمر؟ ماذا لو طلبت مني شراء نبيذ لها؟ كيف سأتزوج بمن صلاتها ليس فيها سجود ولا تؤمن بالشهادتين والزكاة والصيام والحج، والطهارة والوضوء والاغتسال من الجنابة؟ كيف أرتبط بمن تؤمن بتناسخ الأرواح!، كيف سأتزوج بمن تساند طائفتها كل محتل وغازي ضد أهل السنة وأعظم المصائب عندهم انتصار المسلمين علي التتار الذين لم يدخلوا بلاد المسلمين إلا بمعاونتهم! 

خالد: مازلت تعيش في وهم التاريخ ياصديقي وأنت أكثر من يعلم: أن التاريخ في بلادنا ما هو إلا أكذوبة كبيرة يكتبها المنتصر ويروج لها الحكام فتنتشر كذبتهم ومن ثم يحكمون ويسودون ويطغون ويستبدون والعلويون أقلية أي الحلقة الأضعف في ترس هذه المتاهة لاحول لهم ولا قوة.

طارق: سأحاول التسليم بوجهة نظرك عن الماضي والتاريخ ماذا عن الحاضر!؟

خالد: لم أفهم بعد ماذا تريد أن تقول أوضح لي! طارق: سأحاول أن أدلل علي صحة وجهة نظري بمثال حي من واقع وأحداث اليوم: بمجرد إعلان الرئيس الروسي بوتين عن دخول سوريا وبدء العمليات العسكرية سرعان ما وضعت الفتيات العلويات صورة بوتين علي قمصانهن وسيارتهن ورفعن العلم الروسي علي شرفات بيوتهن، أما الشباب فغيروا لافتات المحلات والمقاهي إلي أسماء روسية وصار بوتين بطلهم القومي، هذا عن الروس أما عن الفرنسيين المستعمر القديم الجديد فلم يروه كذلك ولعل أبسط دليل علي ذلك أن العديد من الأطباء العلويين الذين كانوا ومازالوا يفضلون الدراسة في فرنسا دون غيرها عندما عادوا سموا أولادهم بأسماء فرنسية (كجوليان) وهو أكثر اسم شائع في منطقتهم منطقة الساحل السوري وحدث ولاحرج عن النماذج العلوية التي اقترنت بزيجات فرنسية، أما ارتباطهم الديني والطائفي بالفرس فهو واضح وضوح الشمس لايحتاج لتفسير، لم ينظر العلويون لهؤلاء علي أنهم غزاة كبيقة المواطنين السوريين بل يرحبون بهم كشركاء مُخْلِصِين ومُخَلصِين لهم من الأكثرية التي يدعون أنها تضطهدهم فيقدمون لهم يد العون مقابل الحماية”.

 

خالد وهو في حالة انفعال وغضب شديدين: هل هذه قناعاتك أهذه نظرتك للآخر من أين تستقي معلوماتك؟ هذه المعلومات مغلوطة فالحقيقة عكس ذلك فالعلويون لا يعترفون بالشيعة، والشيعة كذلك لايعترفون بالعلويين كطائفة شيعية 

بل المفاجأة الكبري أن العلويين لايعترفون بالخميني ولابائمة الشيعة بل كراهية العلويين لإيران أكثر من كراهية أهل السنة، حتي العلويين الذين فروا إلي إيران وظنوها ملاذهم الأول يعانون الإقصاء والتهميش، غير صحيح ماتتناقله وسائل الإعلام من أن منطقة الساحل السوري التي ينحدر منها الأسد وعائلته أكثر البقاع السورية أمنا وأمانا، وإلا ما طالها الخراب والدمار وزد علي ذلك تغيير ديموجرافي وثقافي وعقائدي ممنهج حيث بدأت إيران استغلال الوضع المادي السئ للعائلات العلوية التي فقدت عائلها وزيادة عدد الأرامل في منطقة الساحل السوري التي اقتربت من مائتي ألف أرملة ولايحصلن إلا علي ثمانية عشر ألف ليرة سورية كدعم مادي من الدولة، لاتكفي نفقات طفل رضيع ليوم واحد فاستغلت إيران عوزهن لتشييع الساحل بمنح أي أرملة تقبل بارتداء (الشادور) الإيراني مبلغ ثلاثة ملايين ليرة سورية مقدما ومائة ألف ليرة راتبا شهريا، لذا لم يصمد معظم الأرامل أمام عطايا الملالي وهباتهم السخية، لذا رحب العلويون بالفرنسيين وبالروس فلم يجدوا أي معاونة من أشقائهم العرب، حتي يصمدوا أمام المد الشيعي الذي يسعي بكل قوة لتحويل الساحل السوري إلي معقل إيراني أما الأسد فيغض الطرف عن هذه السياسات والممارسات وفضل أن يخسر بني جلدته وباعهم بأبخس الأثمان لإيران حتي لايخسر الدولة الصفوية التي تدعمه عسكريا وسياسيا وماليا، ليس كل مايقال عن الطائفة العلوية صحيحا، وإلا ما كان قد أفتي الشيخ الإمام محمود شلتوت، شيخ الجامع الأزهر الأسبق عليه سحائب الرحمة والرضوان بجواز التعبد علي المذهب الجعفري، كما صدرت فتوي من الأزهر في سبعينيات القرن الماضي بأن: الطائفة العلوية طائفة مسلمة يحرم تكفيرها، كما رفض د/ أحمد الطيب شيخ الأزهر تكفير الشيعة بل رفض تكفير الدواعش وهي ليست داعشية؟ 

طارق: أظن أنها فتاوي سياسية للحفاظ علي وحدة الأمة وللتقريب بين المذاهب فقد أفتي معظم علماء السنة بغير ذلك للطائفة العلوية.

خالد: فتوي الأزهر والإمام شلتوت طوق نجاة لنا!

طارق: كيف وعقلي وضميري غير مقتنعين هل أكذب علي نفسي أم علي ربي!  

قد يهمك ايضاً:

انور ابو الخير يكتب: لماذا يخدعوننا ؟!

الحج ركن من أركان الاسلام

خالد: وأين قلبك في هذه المعادلة لماذا تتجاهله؟ ألا تحب ديما؟

طارق: لدرجة الجنون لقد استحوذت علي كياني! 

خالد: إذن لماذا تقتل نفسكَ وتحطم قلبكَ بيدكَ هل تستطيع البعد عنها؟  

طارق: أظن أنه اختبار رباني عساني أن أنجح فيه وأتمني أن يلهمني ربي القوة والصبر لأتخطي هذه المحنة.

خالد: الحب الحقيقي يصبح وشما غائرا في القلب لايُزال حتي بالكي، لن تستطيع نسيانها بهذه السهولة هون علي نفسكَ ياصديقي!

طارق: من قال ذلك فمثلها لاينسي فالحب عبادة وصلاة وتسبيح وقلبي سيظل يسجد ويبتهل ويتعبد في محرابها فقلبي رسولها ونبضاته قنديل مضيء لها في عتمة الليل، ستظل روحي تهيم حبا فيها

وكما يقولون ياصديقي: الحب دعاء وقلبي بالدعاء يرعاها” ، سأكون بجوارها حتي تتخلص من سحرها وبعد ذلك لكل حادث حديث.

خالد : هل تسمح لي ياصديقي بمصارحتك:

طارق: علي الرحب والسعة.

خالد: لقد خاب ظني فيك لم أكن أظن أنك بهذه السذاجة وهذه السطحية! ماالفرق بينك وبين الدواعش الذين قتلوا والدها لمجرد أنه علوي، ونعتوه بالكفر ونعتوا زوجته وبنتيه بالمومسات لمجرد أنهن سافرات الوجوه لايرتدين النقاب

سأزيدك من الشعر بيتا ياصديقي وسأروي لك الفصل الأهم الذي لم تعرفه حتي الآن عن (ديما) وعن هذه العائلة، لتتضح أمامك الصورة بالكامل، فقد طلبتُ من (ديما) أن لاتصارحك بهذا الأمر وتترك لي هذه المهمة لاختيار الوقت المناسب: عندما دخل الدواعش حلب وأعدموا والد (ديما) اغتصبوا زوجته المسنة واغتصبوا (ريما وديما) بكل بشاعة وعندما هموا باقتياد زوجته وبنتيه لسوق السبايا حاول الزوج الدفاع عنهن فكبلوه بقيود حديدية ثم أعدموه رميا بالرصاص،

وكاد الدواعش علي وشك ترحيلهن لسوق السبايا لولا قوات من وحدات الجيش السوري التي أنقذتهن في الوقت المناسب! هل تعرف ياصديقي حجم ماعايشنه من جحيم وعناء نفسي حتي نجحن في الوصول للقاهرة؟ لم تخرج (ديما) من هذا الكابوس إلا بعدما عرفتكَ ورأت فيك بريق أمل وطوق نجاة ورجلا حقيقيا ناضجا متفتحا متحضرا ذا عقل وقلب كبيرين، عاشق حقيقي يقاتل من أجل الظفر بها يقف أمام العالم من أجل محبوبته، ولاينزل من علي صهوة جوادة إلا بعدما يحرر محبوبته من أغلال الطائفية والقيود والتقاليد والعادات البالية، والأفكار الرجعية، يقدر حجم الجوهرة الثمينة التي حباه الله بها، وإن كان حولها بعض الغبار والأتربة يصبر ويتروي حتي ينقشع هذا الغبار ليحظي بمعدن نفيس قلما يجود القدر له بمثله، يبدو أن حبكَ (لديما) كان ظاهريا مجرد إعحاب بالشكل والجمال الخارجي لاأكثر، ثم بعد ذلك ستدخل صومعتكَ لتعيش في شرنقتكَ وتندب حظك العاثر وتعيش في دور المظلوم، للأسف تفكيرك داعشى عقيم مبني علي الطائفية، حتي هذه اللحظة كنت أظن أنك كثيرا علي (ديما) لكن الآن فقط أيقنت بأنك لاتستحقها ثم انصرف غاضبا!.

وصل طارق ميدان رمسيس في الموعد المحدد للقاء حبيبته (فريال) التي دخلت قلبه بدون مقدمات وبدون سابق إنذار وهي من هي المرأة الحديدية التي كانت قد حرمت علي نفسها دخول شارع الحب ورفعت راية العصيان والمقاطعة لسنوات وسنوات ووضعت قلبها طواعية في بحيرة من الثلج فصارت البرودة عنوانها، لكن عندما التقت طارقا رفعت الراية البيضاء بعدما نجح طارق في إذابة جبل جليدها وأسقط الجدار العازل الذي شيدته حول قلبها فظهر بريقه وطغي رحيقه وصار ربيعا تغشاه الزهور وتحلق حوله الفراشات، وبعدما كان قلبها في غرفة الإنعاش انتعش وعاد للحياة من جديد.

عندما كان يلتقيها طارق يستنشق رحيق أنفاسها، كمن يستنشق عبق الزهور فقد كان كل نفس يخرج من فمها بالنسبة له كخمر فرنسي معتق يُسكر عقله ويُخدر جسده ويُلهب أعصابه، أما صوتها فكان أجمل وأرق من موسيقي بيتهوفن وموتزارت، أما كلماتها فكانت تتفوق علي كلمات وأشعار مجنون ليلي لليلاه العامرية، فأخيرا وجد ضالته المنشودة من كان يبحث عنها في خياله ويتمناها في أحلامه فمن أول نظرة رق قلبه لها وبعد أول لقاء صار ينبض بقوة وينطق باسمها وهو الفتي الجسور الذي لطالما حرم الحب علي قلبه وأغلقه (بالضبة والمفتاح) علي (ديما) ولم يتأثر بأي هزة أرضية نسائية مهما كانت درجة قوتها، نجحت (فريال) في غزو قلبه وإعادته لساحة الهوي من جديد وهو مندهش كيف استسلم لها وسلمها مفاتيح قلبه طواعية وبهذه السهولة ولمً هي دون غيرها؟

كان يعرف الإجابة جيدا فمثل طارق وصل لمرحلة من النضج يستطيع بها قراءة خريطة قلبه وقلبها، إنها المرأة ذات الصفات الملائكية التي لاتعرف الغش أو المواربة أو الخداع، مشاعر مجردة فطرية كأرض بكر لم تلوثها الكيماويات أو تخترقها المبيدات.

جلس طارق ينتظرها بشغف كعادته أمام مسجد الفتح في ميدان رمسيس الذي يعد محطة (ترانزيت) وبوابة مصر الكبري لمن يريد الولوج أو الخروج من وإلي المحروسة، صورة واقعية مصغرة لمصر، عشرات الباعة الجائلين الذين يضج بهم الميدان، ضجيج السيارات وتكدس المارة الذين يفدون من كل أنحاء مصر، لفت نظره بائعة الفطائر التي ترتدي عباءة ملونة بضفيرتين تشبه شخصية (هنومة) بائعة المثلجات هند رستم في فيلم (باب الحديد) هذا الفيلم العبقري الذي تناول حياة المهمشين من خلال محطة مصر فنجح مخرجه يوسف شاهين عن التعبير عن مصر فجسد مصر في ميدان، لكن المشهد الذي أسعده بحق، عندما شاهد مجموعة شباب من المعممين يرتدون الزي الأزهري ويحملون بعض الكتب الدينية وغالبا في طريقهم لجامعة الأزهر، ونقيض هذا المشهد الذي أفسد البورتريه الجميل لميدان رمسيس حفنة الشحاذين الذين يعج بهم الميدان. 

أذن العصر فدخل طارق مسجد الفتح للصلاة فوجد الإمام أحد الفتية الأزهريين الذين شاهدهم لتوه فسُر، وقُرت عينه، وعندما انتهي من صلاته وسلم وجد عن يساره بائع الصحف البربري يشد علي يده بحرارة: تقبل الله ياأستاذ طارق!

التعليقات مغلقة.