مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

” كوفيد-19 ” دروس في فن إدارة الأزمة الصين نموذجًا

3

 بقلم – د إسـلام جـمال الـدين شــوقي 

           خـــبير اقــتصادي 

عضو الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي

أصبحت المخاطر والكوارث الطبيعية تُمثّل أحد أهم مصادر الأخطار التي تهدد دول العالم المختلفة سواء النامية أو المتقدمة، خاصةً في ظل العديد من التحديات المختلفة والتي من بينها التغيرات المناخية، وهناك خلط لدى الكثير من الأفراد بين الاحتباس الحراري والتغيرات المناخية على افتراض أنهما يدلان على  نفس المعنى لكن هناك فرق بين الاثنين: إذ يشير الاحتباس الحراري إلى ارتفاع متوسط درجة الحرارة قرب سطح الأرض، أما التغير المناخي فيشير إلى التغيرات التي تحدث في طبقات الغلاف الجوي مثل درجة الحرارة وهطول الأمطار وغيرها من التغيرات التي يتم قياسها على مدار عقود أو فترات طويلة.

وعلى الرغم من إنشاء العديد من الدول أنظمة مختلفة تحاول العمل على الإنذار المبكر، وتأسيس مراكز بحثية لإدارة الكوارث؛ فإن ذلك لم يؤدِّ إلى الحد من تداعياتها.فهناك كوارث حتمية الحدوث ستقع ولا مفر من وقوعها، ويقع على عاتق الدول محاولة إيجاد وسائل وطرق للتكيف معها والحد من آثارها المختلفة.

 

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

وهناك تأثيرات جمة للمخاطر والكوارث الطبيعية التي تتعرض لها الدول المختلفة منها التأثيرات الاقتصادية سواء مباشرة أو غير مباشرة أو تأثيرات اجتماعية وبشرية مثل وقوع عدد من القتلى والجرحى وتأثيرات سياسية، والتي من الممكن أن لا تقتصر آثارها على الدولة التي تتعرض للكارثة فقط، بل تمتد آثارها وتداعياتها على الدول المجاورة أيضًا، والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها الآثار البيئية التي لحقت بغابات الأمازون، تتجاوز مكانها في البرازيل، وتمتد إلى جيرانها من مختلف الدول؛ حيث ينتج عن هذه الحرائق ملوثات كبيرة وسامة؛ مثل غاز ثاني أكسيد الكربون، وأول أكسيد الكربون، وأكاسيد النيتروجين والمركبات العضوية في الغلاف الجوي مما يضر بالأمن البيئي المحلي والإقليمي والعالمي.

 

إن الاستغلال الخاطيء للموارد الطبيعية عن طريق الأنشطة البشرية المختلفة بات يهدد الأرض على مستويات عديدة، والتي من أبرزها انقراض عدد من الحيوانات والنباتات بسبب التطور العمراني السريع والتدهور البيئي. فهذا الاستغلال يحدث في ظل عدم وجود هيكليات لحوكمة مخاطر الأزمات والكوارث الطبيعية، والتي من بينها مخاطر تغير المناخ وهو ما يعني عدم وجود إتفاق على عملية استخدام وإنتاج وتوزيع الموارد بين البشر، كل هذه العوامل تؤدي إلى إفشال عمليات التنمية وإلى ازدياد حالات الفقر المدقع، مما يؤدي بدوره إلى تزايد هشاشة وضعف الدول وعدم قدرتها على تأمين الخدمات الرئيسية، وهذا بدوره يؤدي إلى تفاقم النزاعات والصراعات المسلحة حول العالم هذا من جانب.

 

ومن جانب آخر فإن مسؤولية البشر لا تقتصر على الاحتباس الحراري وارتفاع درجات الحرارة فحسب، بل تشمل التنمية العشوائية التي لا تأخذ بالاعتبار جهود إدارة الأزمات والمخاطر أيضًا، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة المخاطر على الأنشطة الاقتصادية والسكان والتجمعات البشرية بوجه عام.

 

وتجدر الإشارة إلى أنه عند حدوث أزمة غير متوقعة في دولة ما فإنه قد تؤدي تأثيراتها إلى حدوث تأثيرات على دول العالم المختلفة في ظل العولمة وتلقي هذه الأزمة بظلالها على الاقتصاد العالمي، خاصةً إذا كانت من الدول الاقتصادية الكبرى والمؤثرة في الاقتصاد العالمي مثل الصين، والتي تأثرت بسبب جائحة كورونا المستجد حيث أدى الانتشار السريع للفيروس بها وتركزه في ” ووهان ” إلى حالة من الهلع والقلق العالمي والذي انعكست آثاره وتداعياته بدرجة سريعة على أسواق المال العالمية، والتي تكبدت خسائر فاقت المليارات، وأيضًا أسواق النفط مُنيت بخسائر كبيرة لانخفاض سعر النفط بسبب حالة القلق العالمي الذي سيطر على المتعاملين بسبب تأثير فيروس كورونا المستجد على تراجع الطلب على النفط .

 

هذا ومع تكرار الأزمات والكوارث التي تتعرض لها الدولة فإنه يتراكم لديها الخبرات والمهارات اللازمة التي تُمكنها مع الوقت من التعامل مع الأزمة بشكل أكثر احترافية وبطرق مبتكرة ومن منظور مختلف أيضًا، وبالتطبيق على الصين وطريقة تعاملها مع فيروس” كورونا المستجد ” فنجد أن لديها خبرة سابقة في التعامل مع الفيروسات خاصةً مع فيروس مماثل وهو ” سارس ” ، مما ساعدها على إدارة الأزمة بطريقة مختلفة في هذه المرة بحيث تحافظ على صورتها أمام دول العالم والتي تأثرت سابقًا بفعل ” سارس “.

 

ويمكن القول بأن الصين قد تعلمت من أخطاء الماضي حيث قامت بإتخاذ الإجراءات اللازمة لمواجهة انتشار الفيروس فقامت بعزل ” ووهان ” والتي تعد بؤرة انتشار” كورونا المستجد”، وأخذت على عاتقها حصر الأعداد المصابة والإعلان عنها بشفافية، وتوفير العلاج اللازم لها من خلال المستشفيات وتوفير الأدوية والفرق الطبية المدربة والمؤهلة لذلك مما جعلها تسيطر بشكل سريع على الأزمة مما يؤهلها لتحسين صورتها على مستوى دول العالم وهذا يرجع لعلم إدارة الأزمات.

 

إن الأسلوب المتبع في علم إدارة الأزمات على الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي له أهمية كبيرة لتحقيق الفعالية والكفاءة في إدارة هذه المخاطر، ويلزم في هذا الصدد تعزيز ووجود رؤية واضحة وخطط وتنسيق داخل القطاعات المختلفة، لذلك فإن تعزيز إدارة الأزمات بغرض التخفيف والوقاية والتعافي وإعادة التأهيل أمر ضروري من شأنه تعزيز التعاون والشراكة فيما بين الآليات والمؤسسات التي تتولى تنفيذ الأنشطة والتدابير ذات الصلة للحد من الأزمات والكوارث وتحقيق التنمية المستدامة.

 

اترك رد