مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قصة قصيرة “معطف الصباح”

1

بقلم – نور عبد الرحمن:

“كنت وحيدا .”
والزمن…
مرابي ..معه العق ملح الصبر.. ..وخلفي طوابير تقف ينكش الزمن امالهم ويفرض سطوة المكتوب على لائحة القدر ..
ما ان ينبثق الضوء و تنشر الشمس ظفائرها الذهبية على الكون ،تدب الحركة في الحي الفقير وتأتي عصافير الصباح تتشاجر بغنج قوق شجرة السدرة في باحة الدار ..استيقظ فرحا ..الاشجار لها قلب شفيف تثمر في كل البيوت بغناها وفقرها .. .
ادخل حجرته دون أستاذان
.افيقه من حلو النعاس.. اتعثر بحبات دواء قلبه العليل كما صديق لا يتعافى دونه.
ونعيد كل يوما انا وهو ترديد النشيد اليومي :_
_مصروف مدرستي اليومي ..رفاقي ينتظرون
بعيون نصف مفتوحة كأنهما عينا حصان متعب يجر الهموم
(_ خذه من جيب معطفي الشتوي العالق في زاوية الباب
التفت يمينا ويسارا وانت تعبر الشارع
لا تثق بكل من يحادثك
لا تقطف النارنج من بيوت الحي الثري
احتسي عصيرك
سر وعين الله ترعاك )
ذات صباح مختلف
..غاب عنه سرب الطيور
عدت من المدرسة وانا احمل في قلبي شوقي لموكبها.. . واحمل بيدي قصاصة قلب صنعته من اوراق كراسي الابيض ..ولونته بألواني الخشبية ،رسمت على جانبيه ورود وعصافير مغادرة وكتبت اسم ابي في منتصف القلب واسمي كي لا يفترقان .
قدمته وانا اقول:_
أنظر ما صنعت لك يا ابي !!
اخبرني اولا لم الحزن في عينيك يا ولد ؟
لقد اعددت لك وجبة غداء شهية .
_لقد تشاجر الاولاد.معي وانا وهم في خصام ..
فمن سيلاعبني دونهم ..وانا وحيد ؟
لا اخوة لي ؟..حتى امي وهبتني للحياة وغادرت
تكدر الرجل العجوز قائلا :_
يا صغيري. كنت اتمنى ان لا يكون اباك شائب .
سامحني يا بني.
..ثم استرسل بصوت متعثر .
_ ربما… اني لست متأنقا كما يجب .ولم اعد وسيما الا اني
قضيت سني شبابي ..جنديا شجاعا في حروب الوطن المعمرة. وحين غادرتها ..بت اكافح في سبيل العيش .والمرض معا ..فقدت الكثير من الاهل والاحباب ..
حتى شاءت الاقدار ان تهبك لي متأخرا . .
اترضى ان تكون اخا وصديقا ؟
..فانا مثلك لا اخ لي .
..اكلت الحروب جل اخوتي واصحاب عمري . .
ما تقول في ان نلعب سويا ؟
..اريدك دائم الانشراح فابتسامتك “تروي وردة قلبي الذابل ”
‏انظرني كيف اجيد اللعب ..
وراح يفتعل حركات بهلوانية بغية تبسمي واضحاك سني ويغني لي غناء عرفت حين كبرت انها اهازيج جنوبية
.”النذكر يومه …نبجي عليه ” ،النذكر يومه نبجي عليه ” ويصوت حماسي: ابتسم يا ولد ..ابتسم” ثم شد على يدي بقوة واخذ يدور بي ..وانا اضحك ..
ويدور بي
وانا اضحك …والفرح يرتع في قلبه حتى بدا لاهثا يجر انفاسه بصعوبة ..
. سقطنا على الارض انا وهو . .
.فرحا قلت هيا ابي
هيا ابي قم لنتناول الغداء .يبدوا انه نضج .
لنرى ما اعددت لي اليوم .
عيناه جامدتان ..انزلقت نظراتي الى يديه لمستهما ..لا ارادة لهما
.اين ذهبت ارادتهما .؟
“ماذا عساي ان افعل ”
الاشياء حولي كانها تحمل اسرارا ..الكون في سكون واحساس يخبرني ان شيئا مهيبا فد حدث
وانا خائف…خائف..
واعواد الآس من يسقيها ابي كل يوم ..تحدقني بذهول ..كان لها لسان يسالني ماذا حدث ؟
ركضت وسنواتي التسع وقلبي الورقي المخذول يعبث به النسيم
.. اطرق ابواب الجيران
الواحد. تلو الاخر
وبصوت مخنوق..يا عم “..ابي ..انه . ..لا صوت له”

قد يهمك ايضاً:

“التغيرات المناخية ودور الذكاء الاصطناعي”.. لقاء…

تزاحم الجيران في بهو الدار مع صحبة ابي من الكسبة البسطاء .. ..
تحسسوا قلبه …لا نبض .
فليرحمك الله يا جار العمر العزيز
عيناي تقلبان الوجوه باندهاش..اذناي ترهف السمع
هل مات ابي ؟..
مسكت قبلته المطبوعة على خدي ليلة البارحة
و هو يتمتم:_
‏نم يا صغير نم يا وردة قلبي الذابل
ومصباح عمري المتعب
لا اريدها ان تموت هي الاخرى
قبلت شقوق يديه المتعبتين واحتضنته بتوسل يقطع القلب وانا ارتعش كما شجرة في ليل بارد
.لا تتركني في منتصف الفرح وحيدا
_ايها المزهر ..والارض بور
القانع ..والكون مسغبة .
كنت اطير معك حلقت بعيداالى دنيا ندية ورأيت هناك ابطال الاساطير في حكايات المساء من قصصتها علي كل ليلة حتى انام ..فلم ..لم . قصصت جناحي ..؟..
اي رسالة مشفرة ودعتني بها ..ورحلت ؟
واقراص رغيفك على مائدة الطعام لازالت ساخنة تنتظرك ؟
اولاد حينا ..رفاقي في اللعب توقفوا عن مضغ العلكة بعيون حانية انسابت منها دموع كحبات لؤلؤ على وجناتهم
تواسيني ..على فقدي لشيخ اهداني الله اليه في المحطة الاخيرة من عمره ..التصقت به والناس حزانى يسعون جاهدين لأبعادي …الى اين تمضون بابي؟
‏ ..انه لا يطيق العيش دوني ..
ارجعوه الى بيته ..ووردة قلبه
ارجعوه الى قنديل ليله
اني ارى روحه محلقة حولي .
.تنظرني بعين دامعة تتوسل الى الله ان ترعاني
‏انها تحدثني ..دون صوت ..وتمد يدها ترتبت على كتفي ..دون يد
‏اه ابي …اتوسل الى الله ان يرعى روحك المفارقة .
حملني صديق ابي قائلا . ‏
لا تجزع يا صبي الدنيا معبر ..واباك فيها مسافر لن يعود ……لكن ستلحق به يوما ..))..
ثم التفت الى صحبه ابي قائلا:_
كانت ايادي اخرى فوق ايديهم ..هي من فضت اشتباك الاصابع ..هي من اسقطتهم .ارضا ..كي ترفع الرجل الطيب الى السماء .لقد عانى كثيرا ..وآن له ان يرتاح.
غادر الجميع .والحزن طافح في قلوبهم
.عرجت على غرفة ابي. ..وبكيت …بكيت كثيرا
ولسنوات طوال..
..بقيت كعادتي ..ما ان تنشر الشمس ظفائرها على الكون ..
افتح باب غرفة ابي .
.ادس يدي في جيب معطفه الشتوي المحتفظ برائحة
عرق حبينه
القي تحية الصباح عليه
تطالعني عمتي بدهشة
امضي
وعينا ابي في السماء كأنها ….تردد:_
‏سر وعين الله ترعاك
واليوم بعد ان ادبرت دنياي
… ابتسم ..كما علمني ابي .
ذلك الرجل الهرم .
من لا يهرم في ذاكرتي ولم تنطفئ جذوة رحيله عني
…انفذ دخان سيجارتي …
واحتسي .نبيذ الصباح من كاس الزمن الغابر
اقبل على كل شيخ يكدح العيش كدحا ..
_يا ابت ..هل ترضى ان اكون ابنك ؟

وكنت وحيدا

 

اترك رد