بقلم – إبراهيم أمين مؤمن/مصر
وأرسل الجيش الأمريكي على الفور فرقة من المارينز هي أكفأ رجال الجيش الأمريكي في الفنون القتالية على الإطلاق، ومهمتها الرئيسة حماية جاك من أجل أن يصنع لهم قنابل الثقوب السوداء.
واتصل الرئيس الأمريكي بالرئيس المصري وأعلمه بأن فهمان في خطر، وأن خطة اليابان تقتضي بقتل كل من لديه قدرة على صناعة القنابل السوداء.
وطلب منه السماح لفرقة المارينز التي في الطريق إلى الوادي الجديد بالسماح لها بالدخول، ولم يجد الرئيس مهدي مانعا في ذلك إذ إن جاك ملازم لفهمان، وهذا يعني أن فهمان هو الآخر في مأمن من الاغتيال.
***
اكتفى مهدي بأن أرسل فرقة من قوات الصاعقة حماية لحياة فهمان، وهذا لم يكفِ مطلقا لتقدير الموقف؛ فالموضوع أكبر بكثير من ذلك، رغم أنه يسمع الآن ويشاهد البث الياباني بشان ما أحدثته اليابان بأمريكا. ومما سمع نقلا عن وزارة الخارجية اليابانية: «إنّ اليابان أعظم إمبراطورية في العالم، وإنّ الجنس اليابانيّ أرقى جنس فيه، وما كان لها أن تسكت عن ثأرها طوال كلّ هذه العقود الماضيّة.»
وقيل أيضًا: «إنّ رئيس وزراء اليابان يحذّر أمريكا من أيّ عمل متهوّر، وسيكون الردّ عنيفًا بقدرٍ لم يتصوره عقل، وردّنا إزاء أيّ عمل متهوّر هو حذفهم من الخريطة الجغرافية.»
تساءل مهدي عندئذ: من أين لهم بتلك القوة؟ تمحي أمريكا كلها!
وقرر في نفسه شيئا وقال: عندما يأتي وقته سأنجزه.
***
وجاء نفس الاتصال ليعقوب إسحاق، فجلس يفكر. وفتح هاتفه فسمع ما سمعه مهدي، فاجتمع بإدارته على الفور، فالموقف جد خطير، بل أنه
قدر حجم الأمور جيدا، وتأكد أنها قد تكون لحظة فارقة في حياة دولة إسرائيل.
وتمخض الاجتماع عن عدة قرارات منها هو وجوب التحرك للحصول على ذاك السلاح المدمر بأي طريقة، لأنه تراءى لكل من في الاجتماع أن الحصول على ذلك السلام المدمر سينهي الصراع العربي الإسرائيلي، إذ إن العرب جميعا سيدركون أن إسرائيل قادرة على محوهم من الخريطة إذا ما شمخوا بأنوفهم لها.
كما قرروا إذا حصلوا على تلك القنابل بأن ينتزعوها من اليابان بأي طريقة، وأن يحولوا فيما بعد دون إيصالها لأي دولة غيرهم.
ومن ضمن القرارات هو السيطرة على المصادم FFC-2 وتسخير كفاءتي جاك وفهمان لصالح إسرائيل، فإن فشلوا في تسخيرهما وجب قتلهم على الفور.
***
وكان صدى الأخبار التي تبثها اليابان على آذان الشعب الفلسطيني من أعزب الأصوات على الإطلاق، فأمريكا هي التي تسعى دائما بتثبيت اليهود على أراضيهم بالطرق المشروعة وغير المشروعة.
وسقوط أمريكا المدوي بهذه الطريقة يعتبرونها بمنزلة أول طريق للتحرير.
فاجتمعت كافة الفصائل الفلسطينية ليضربوا ضربتهم من أجل أن يحرروا فلسطين.
***
فتح جاك الخط ليستقبل مكالمة رئيس ناسا، بالطبع لم يصل الخبر إلى مسمع جاك بعد ولاسيما أنه مستغرق في التجارب مع فهمان.
قال رئيس ناسا بصوت متهدج: «ضاعت أمريكا يا جاك، ضاعت يا جاك الولايات المتحدة الأمريكية.»
قال جاك في هلع: «ضاعت! كلنا سوف نضيع وليست أمريكا فحسب، فعلها ثقب سحابة أورط إذن، يا للكارثة!»
– «بل فعلتها ثقوب كاجيتا يا جاك.»
وقع في روع جاك بأن شرا مستطيرا حاق بدولته فسأله بصوت غضوب مرتفع: «ماذا حدث بالضبط ؟»
– «الذي حدث أكبر من أن يُروى، شاهده أفضل من وسائل الإعلام، ولاسيما وسائل إعلام اليابان منها.»
طرح جاك بالهاتف أرضا وهو في قمة الغضب، وظل يزمجر ويتوقد، حتى مد يده إلى الهاتف مرة أخرى ليشاهد الأخبار، فرأى شاشة الهاتف قد تهشمت، فأسرع نحو الشاشة وفتحها.
وفور أن شاهد وسمع الأخبار أدرك أن كاجيتا قد تمكن من صنع قنابل الثقوب السوداء عندما كان فهمان مريضا في غرفة العناية المركزة يصارع الموت.
انتفض جسده، وتشنّجتْ كلّ أعضائه، وتدلى رأسه وارتجف رجفة الزلزلة، عبثًا حاول فكّ أعضائه لكنه ما استطاع.
حاول أن يستنهض مصادر قواه الداخليّة لكنّها نائمة تغطّ غطيط السكارى، فأيقظها بعزيمة لا تُقهر فنهضت.
عندها أدرك ما حوله فتذكّر تحذيره لفهمان بإغلاق FFC-2، ثمّ صرخ مناديًا: فهمان، فهمان، مهديّ، فهمااااااان.
فأسرع فهمان لتلبيته، ولم يكد يرى ملامح وجهه -التي تحول كل ما فيه إلى اللون الأحمر- حيث انقض عليه جاك كالانقضاض على الفريسة، بدأ بجندلته فوقع على الأرض، ثمّ قفز فوقه وبدون وعي منه أخذ يكيل له اللكمات، وفهمان يتلقى الضربات التي سرعان ما تسببت في فقد الوعي بعد إحداث إصابات بالغة في وجهه، ورغم ذلك لم يكف جاك عن لكمه، لأنه فاقد الوعي هو الآخر.
وتوقف عن الضرب، ليس لشيء سوى أنه انهار تماما بسبب ما حدث لأمريكا، نظر إلى فهمان الذي لم يبد أي حراك فتفككت أوصاله على الفور، وتفجع فجيعة الأم على ولدها عندما قتلته بدون قصد.
مد جاك أذنه -فارغ القلب- إلى صدر فهمان ليتسمع دقات قلبه، فوجده بخير.
نظر إليه فرأى سقوط بعض أسنانه، وتحطم أرنبة أنفه، والدم ينساب من فكيه وشدقيه على وجنتيه، بل لامس الأرض من غزارته.
هزه بكلتا يديه من كتفيه هزات رقيقة وهو يقول بصوت منخفض فيه هلع وألم: فهمان، أفق، أفق يا فهمان.
فلما يأس منه رفعه من الأرض بيدين مرتعشتين ووضعه في مضجعه بتؤدة ثم اتصل بطبيب على الفور.
بعد ذلك جلس بجانبه ودموعه تنهمر خوفا عليه، يمسح عنه دمه المسال، وينظف في وجهه، فامتزجتْ دموعه بدمائه فغدا يمسح دموعه بدمائه ودماؤه بدموعه.
جاء الطبيب وطمأنه على حاله ثم غادر.
فحمد الله، ثم انزوى في الحجرة ونظر إلى أعلى وهو يحدق بسقف الحجرة الذي لم ير منه سوى خياله وحديث نفسه وقال: إن كانت أمريكا ذُلّت فلا يجب أن أخسر كلّ شيء، علىّ بالانتقام من كاجيتا أوّلاً ثمّ من مهديّ.
اعتدلت رأسه ونظر إلى فهمان يحدق بملامحه البريئة وهو يقول: أمّا هذا المسكين فلا ذنب له ولا جريرة.
وظل جاك مع حديث النفس إلى أن أفاق فهمان، فانكب عليه جاك مستعطفا إياه أن يسامحه ويغفر له.
قال فهمان في فراسة: «أو فعل كاجيتا شيئا أثناء مرضي؟»
هز جاك رأسه بكل حزن وأسف وحسرة.
قال فهمان وهو يحاول النهوض: «إذن علينا بتدارك الأمر قبل أن يقدم على فعل كارثة.»
قال جاك: «استرح، قد فعل الكارثة بالفعل، لقد أنهى على أمريكا وألبسها ثياب العار.»
قال فهمان: «ماذا فعل بالضبط؟»
نهض جاك وفتح شاشة الحجرة وهو يقول له: «رَ.»
لقد شعر فهمان بالذنب بعد أن سمع وشاهد كل شيء، وانفجر في البكاء وهو يلوم نفسه على صنع هذا الجبار العنيد FFC-2 الذي شيده من أجل أن تحيى البشرية وها هي البشرية معرضة للانقراض بسببه.
وظل يصرخ صرخات كتمها ألمه وهو يقول: «رباه ماذا قدمت يداي؟»
ثم نظر في جاك وقال: «وما الحل إذن؟»
قال جاك: «الحل أن تصنع لي تلك القنابل الملعونة لندرك ما تبقى من جسد أمريكا ونحفظ العالم من فناء محقق.»
نظر إليه فهمان نظرات دهشة ضالعة في اليأس ولم ينبس بكلمة بسبب عجزه عن إيجاد حل لتلك الكارثة.
نظر إليه جاك نظرة عتاب: «ما بك لا تتكلم؟ أريد تلك القنابل.»
لم يرد عليه فهمان، فلما همّ بإمساكه ليهزه هزا اعتراضا منه على موقفه المخزي تجاه بلده تذكر أنه مريض فكتم عاطفته بداخله وسكت.
أراد فهمان أن يخرج من المأزق فقال بذكاء: «أظن أن حياتنا في خطر.»
سكت جاك ليعطي لنفسه برهة للتفكير ثم قال: «أكيد، فكل قوى العالم تتربص بكلينا بعد انكشاف سر تلك القنابل، ولابد من أخذ احتياطاتنا، فلن تترك اليابان أحدا يمكنه صناعتها حتى تظل سيدة العالم.»
سكت برهة ثم قال مستدركا: «لكن لا أكترث لحياتي، كذلك الذي يحميني ويحميك هي أن نملك تلك القنابل، عندئذ لن يستطيع أحد أن يمسنا بسوء، أي سوء.»
ثم نظر إليه مجددا وقال: «فهمان، صدقني يا صديقي، لابد أن نصنعها.»
صرف فهمان بصره عنه ولم ينبس بكلمة.
وفجأة، دخل حارس FFC-2 العام القائم على إشراف كل حرسه وقال: «دكتور فهمان، حياتك في خطر وقد أرسل الرئيس مهدي لك فرقة من الصاعقة تتمركز الآن في أماكن إستيراتيجية.»
ثم نظر إلى جاك وقال: «وأنت دكتور فهمان، فرقة من المارينز نزلت بالوادي الجديد وهي في الطريق إليك.»
رفع سبابته وهو يشير إلى كليهما: «المهم لا يتحرك أيّا منكما حتى يأتي الحرس المكلف به، فخط سير الأحداث يقول إنكما هدفان لليابان وإسرائيل، وربما يكون قد وصل بعض المقاتلين الساموراي وبعض من فرق الاغتيال من الموساد الإسرائيلي ودخلوا جميعا متنكرين.»
نظر إليه جاك في استياء: «أنا أعرف كيف أحمي نفسي جيدا ولا حاجة لي من حماية أحد لي.»
ولم يكد يكمل جملته حتى دخل الروبوت الخاص بحماية جاك وقال لرئيس الحرس: «معذرة سيدي، لن يستطيع أحد مس سيدي جاك وأنا موجود، تفضل.»
وأشار بيده الآلية إليه وقال: «والآن اخرج.»
التعليقات مغلقة.