مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حكاية ..ســـــــــــــــــبع …مايات

34

بقلم – فوز إبراهيم الرفاعي:

في زمن مضى .. كنا فتيات المحلة الواحدة والتي تتكون من عدة أزقّة ضيقة بيوتها متلاصقة ومتقاربة حتى أنك تكاد تسمع في بيتك أصوات

جيرانك وكأنهم معك في نفس الدار، وكانت الجارة تستدعي جارتها بالطَرق على الحيطان طرقة معينة فتعرف تلك ماذا تريد هذه منها .

في الصيف وفي زقاقنا أمام بيوتنا وتحت أنظار أهالينا كنا نلعب نحن الفتيات بأعمارنا المتقاربة بعد صلاة المغرب حيث يذهب آباؤنا

للصلاة وتنحسر الشمس فتبدأ نسيمات المساء العليلة بالهبوب وتطرية الجو …

ذلك الوقت كان هناك ترابط وثيق بين الجيران وكأنّ هذه البيوت المتراصة بيوت لنا جميعا والجيران هم أهلُنا فعلا .. كان لعبنا بسيطا

ومسليا حيث تتشابك الأيادي وتعلو القهقهات بينما تجتمع الأمهات في أحد البيوت لشرب الشاي والقهوة وتبادل الأحاديث …

إحدى تلك اللعبات التي كنا نحبها أشبه ماتكون بلعبة الكراسي التي يلعبها اليوم أطفال الروضة ، ولكننا كنا نلفُّ حول حجارات نضعها

وسط الزقاق ، ندور حولها ثم تجلس كل واحدة على حجارة عند إشارة معينة ، والتي لاتجد حجارة تجلس عليها تخرج من اللعب وهكذا

وبعد الأنتهاءمن اللعب نعيد الحجارة مكانها قريبا من حيطان البيوت كي لا نؤذي المارة … ومرة لعبنا وتناسينا رفعها من وسط الطريق كل

واحدة منا اعتمدت على رفيقتها وغادرنا كلٌ لبيتها …

في تلك الأيام كان هناك رجل يأتي في الصباح الباكر، ممتطيا دراجته الهوائية حاملا خلفه عددا من الجرار الخزفية .. رابطا إياها بظهر

دراجته، مكمما أفواهها بسعف النخيل وقطعا من القماش الأبيض النظيف هيئته وطريقة عقصه للكوفية فوق رأسه تدل على انه قادم من إحدى

قرى الجنوب .

يبدأ الرجل منذ دخوله الأزقة بعرض بضاعته والمناداة بصوت عال قائلا :

ماء لقاّح …. ماء ورد …. سبع مايات

صحوت مبكرة ذلك اليوم ،.كعادة الأطفال في سني حيث كنت .بنت خمس من السنين … طلبت مني امي رحمها الله ان استوقفه ريثما ترتدي

عباءتها وتخرج له

لشراء بعض ماعنده … ففعلت .. حتى حضرت وبيدها بعض القناني الفارغة لملئها بما تريد شراؤه من الرجل، وهنا بدأت الح عليها بالسؤال

ـ امي ماذا تعني سبع مايات ؟

وامي تتجاهل الرد على سؤالي

ـ أمي اريد ان اعرف ماهي السبع مايات هذه ؟

قد يهمك ايضاً:

مشاركة عربية في حفل توقيع كتاب في الثقافة الأفرويمنية في…

غداً .. جاليري مصر يقدم ” عوالم مستقرة ” للفنانة…

ـ بنتي هي خليط من ماء سبعة من الأعشاب المفيدة

ـ لم افهم …؟ ماما فسري لي أرجوك ِ

ـ يعني خليط من ماء لقاح النخيل وماء الورد وماء الزهر … ونسيت الباقي

ـ امي تذكري اسماء الأربعة الباقية … أريد ان أعرفها

ـ شهرزاد ادخلي واسألي جدتك … هيا

وأسأل جدتي فتجيبني

ـ بنتي هذا شراب يشربونه لعلاج المغص والغازات وانتفاخ الأمعاء … و….

ـ أعرف جدتي مم يتكون ….؟

ـ يتكون من ماء الورد .. وماء الزهر .. وماء اللقاح .. و … و … ونسيت الباقي يابنتي… كبرتُ واصبحت ذاكرتي ضعيفة

قلت بيني وبين نفسي أفي كل مرة أسأل عن هذه السبع مايات لا القى جوابا شافيا … فضولي يلح علي ان أعرف اسماء الأربع مايات الباقية

فقررت أن أسأل الرجل نفسه فهو الوحيد القادر على الأجابة على سؤالي المحيّر هذا .

اشترت أمي حاجتها ودخلت … ووقفت أنا في بابنا ألحظُهُ وهو يربط جراره ويتأكد من سلامتها بينما أنا استعد للحصول على غايتي …

ركب دراجته وهم بالرحيل … وهنا تجرأت وصحت فيه : ياعم ماذا يعني سبع مايات …؟

مشى قليلا والتفت نحوي يريد الأجابة على سؤالي :

ـ ياحلوة هو خليط من ماء الورد … وماء الزهر … وماء اللقااااااااااااح …. وما ان لفظ هذا ألماء الأخير وتجاوز عتبة بيتنا حتى دوى صوت

تهشم الجرار … مختلطا بصراخه وعويله فقد عثر المسكين بالحجارة التي تركناها بالأمس …. وقع وانكسرت جراره وتبدى ماء الورد واللقاح

والسبع مايات … على الأرض ففاحت تلك الروائح المنعشة .

وقتها لم اتمالك نفسي فرحت اكركر وأقفز من الضحك ، وقعت على الأرض وأنا أمسك بطني من الألم حتى كاد ان يغمى علي ..هرع

أبي واولاد الجيران لمساعدة المسكين … وسحبتني أمي الى داخل البيت وانا اضحك بطريقة هستيرية واقول :

ـ ماما اظن ان احدى الروائح الاربعة هي النعناع … اشم رائحة النعناع

وهكذا أصبحت أغرق في الضحك كلما تذكرت منظر الرجل معفرا بالتراب وهو يصرخ ويولول ويركض هنا وهناك محاولا انقاذ ماتبقى من

جراره .. . اضحك بعمق وبراءة رافسة الأرض بكلتا قدمي ّ الصغيرتين وربما ميزت رائحة النعناع ولكني حتى اليوم لم اعرف الثلاث مايات

الباقية التي كدت أتوصل اليها لولا ذلك الحادث الغريب .

 

اترك رد