مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

السعادة بين الفهم والوهم

39
بقلم الدكتور – أحمد عيسى:

استشارى العلاقات العامة والرأى العام

 

مما لا شك فيه أننا جميعا نبحث عن السعادة ولكن هل سألنا أنفسنا يوما ما هل ما نعيشه من سعادة وهم أم حقيقة ؟

مكثت كثيرا أجول بخاطرى بين نماذج مختلفة وصور شتى من حياة الكثيرين الذين يظنون أنهم سعداء ولكن فى الحقيقة سعادتهم محض خيال لن يدوم طويلا أو إن صح التعبير فلن يستمر مذاقها بنفس اللذة التى كانت عليها فى بادئ الأمر .

وبعد طول تفكير وعمق تدبر اكتشفت أننا بين نوعين من السعادة إحداهما حقيقية مبنية على فهم ودراية ومن ثم حصاد ممتد ما كان فى العمر بقية واخرى مزيفة ، نعم سعادة مزيفة مبنية على وهم ما تلبث أن تجتث من فوق أرض قلب صاحبها لأنها من الأصل كانت نبتة سعادة خبيثة بخبث البذور التى زرعت فيها .
لذلك أحببث أن أطرح بين يدى القارئ هذين النموذجين وعليه أن يختار بينهما ولكل نموذج بذوره الخاصة به والتى تتشابه فى شكلها .

إن السعادة الحقيقية ذلك الشعور بالفرح والسرور الذى يغمر القلب لن يدوم معك إلا إذا بذلت كل ما فى وسعك من مجهود حتى تختار بذور سعادتك بعناية فائقة لكى تثمر لك سعادة تمتد معك طوال حياتك ، ليس ذلك فحسب ولكن أيضا بعد مماتك وهى تلك السعادة الحقيقية التى أتمنى لكل قراء هذه الكلمات نيلها وجنى ثمارها .

فى مشوار الحياة سنجد بذور السعادة الحقيقية المبنية على فهم ووعى وكذلك الكثير من البذور المقلدة للسعادة والتى تثمر سعادة زائفة لا تقوى على مجابهة الصعاب وقسوة الحياة وإيجاد الفرح والسرور الحقيقى فى القلب .

ودعونا نقترب من البذور الحقيقية للسعادة حتى نفهم ألية زراعتها على الوجه الصحيح حتى نجنى تلك الثمرة المنشودة للسعادة الحقيقية .

إن المتأمل للتكوين البنائى لكلمة سعادة سيجدها مكونة من خمسة حروف وهى (س-ع-ا-د-ة) وهذه الحروف هى المكون الرئيسى للقواعد الخمسة أو إن شئت فقل البذور الخمسة للسعادة الحقيقية أو المزيفة فى نفس الوقت .

لعلك اندهشت من كلامى !!

نعم هذه الحروف الخمسة إما أن تجنى منها السعادة الحقيقية أو السعادة الوهمية فى ان واحد
وحتى لا أطيل اندهاشك تعالى معى نطرق باب الموضوع الان .

هناك خمس قواعد لمن ارد أن يجنى سعادة حقيقية واعية مبنية على فهم عميق لمجريات الأمور والتى متى خالفها الإنسان ولم يبذل ما فى وسعه لتحقيقها فسوف تنبت ثمار شيطانية بدلا منها للسعادة الزائفة الواهية والتى تعتبر الثمرة الرئيسية لذلك الوهم والسراب الذى تخلل النفس البشرية موهما إياها أنها ستجنى السعادة إن اتبعت تلك الخطة البديلة .
وحتى نجنى السعادة الحقيقية علينا اتباع تلك القواعد الخمسة التى تتكون من حروفها الأولى كلمة سعادة كما يأتى :
الحرف الأول “س” سمو  :
الحرف الأول أو القاعدة الأولى لكى تصبح سعيد عليك ألأن تبحث عن كل سمو فى الاخلاق والافعال وردود الافعال وكل ما يجول بخاطرك لأنك متى لم تستهدف السمو فمما لا شك فيه أنك ستقع فى مراتع السفه ، نعم السفه وكل ما هو تافه لذا عليك أن تتخلص من أى سفه فى بيئتك إذا أردت سعادة حقيقية يمتد مفعولها ويغمر من حولك ،ويكيفك هنا ما جاء فى الأثر “إن الله يحب معالى الأمور ويكره سفسافها ” ولا تغتر بكثرة المنشغلين حولك بالتوافه حتى وإن بدت ضحكاتهم وما يظهروه من لذة وهذا حال الكثير ممن يجد لذته ويوهم نفسه أنه بهذه التوافه والسفاسف يقتل الوقت ويجعله يمضى سريعا ، وما درى أنه يقتل أبواب السعادة الأبدية لو كان يحس أو يشعر .
الحرف الثانى “ع” عدل :
الحرف الثانى والقاعدة الثانية من قواعد السعادة الحقيقية تبدأ بحرف “ع” وهو يشير إلى كلمة “عدل” نعم عدل ، إن شعور الانسان بأنه عدل فى تصرفاته لا يظلم أحدا يجعل هناك شعور داخلى بالطمأنينة والاستقرار النفسى ببساطة لانه سيكون متصالح مع نفسه ومع الاخرين وهذا الشعور وحده متى وجده القلب سيجد السعادة تغمره من بين يديه ومن خلفه ، إنه شعور مهما وصفت لكم لذته فلن أستطيع أن أنقل أساريره التى تخترق صفحات القلب فتجعل منها ظلالا وارفة تكسو كل مساحات القلق والهلع التى كان من الممكن أن توجد اذا لم يوفر الإنسان صفة العدل فى حياته .
وإذا غاب العدل من حياة الشخص حل مكانه “العضل” نعم العضل وهو المنع للحقوق والواجبات التى فى عنق كل شخص تجاه الأخرين وهذا العضل أو الظلم يجعل الظلام يكسو كل مساحات النور التى توجد فى القلب ومن ثم تحل التعاسة والضيق والكآبة والتى تجعل أى سعادة موجودة مزيفة متآكلة متهالكة مصيرها إلى زوال .
الحرف الثالث “ا” امتنان :
الحرف الثالث والقاعدة الثالثة تبدأ بحرف “ا” وهو يشير إلى كلمة امتنان وهذه القاعدة سر أصيل من أسرار حصول السعادة لأى إنسان ، إن الشعور بالامتنان لكل من بذل مجهودا ليساعدك كفيل بايجاد حالة شعورية من الرضا والاطمئنان والفرح ، ببساطة لأن الامتنان هو اول محطات مكافئة صانعى الجميل والمعروف فى حياتنا ، وبالامتنان يشعر الجميع بأن الدنيا ما زالت بخير كما يقولون ، وبالامتنان يتم القضاء كليا على كل صور الجشع والطمع وسرقة مجهود الأخرين ونسبته إلى من لا يستحق .
وبدون الامتنان للاخرين فثق أن السعادة التى تجنيها ستكون سعادة مزيفة لن تدوم طويلا لانها نتاج بذرة خبيثة وهى بذرة “امتهان ” الاخر ، نعم امتهان الاخر فنحن أمام بذرتين لا ثالث لهما اما بذرة امتنان لتجنى السعادة الحقيقية واما بذرة امتهان لتجنى سعادة مزيفة لن تدوم ولك عزيزى القارئ القرار والثمار التى ترغب فيها .

 

الحرف الرابع “د” دعاء :

 

الحرف الرابع والقاعدة الرابعة من قواعد السعادة الحقيقية تبدأ بحرف “د” وهو يشير إلى كلمة دعاء ، وتأكد عزيزى القارئ أن جميع السعداء والناجين لهم فقرة ثابتة مع ربهم خالقهم وهى فقرة ” الدعاء” تلك الفقرة التى ينخلع فيها الانسان من حوله وقوته إلى قوة الذات الالهية التى لها القوة المطلقة والتدبير والحكمة ، علينا إذا ما أردنا أن نتذوق السعادة الحقيقية الدائمة أن نوقن بأن النجاح والسعادة لا يكتمل إلا باعتراف الشخص بأن هناك جزء لا يمكن أن يصل له إلا بتوفيق الله سبحانه وتعالى ، نعم إن انكسار الشخص بين يدى الهه وخالقه يكسو قلبه سعادة دائمة نابعة من شعوره بأن طريقه وسعادته ونجاحه بتوفيق خالقه له .
ومتى ابتعد الانسان عن الدعاء واللجوء لخالقه حل مكان الدعاء “الدهاء” وهو الذى يجعل الانسان يشعر بأنه لا يحتاج لأى دعم لأنه وكما يظن بأن لديه من الفكر والدهاء ما يصل به إلى تحقيق أهدافه ، وإذا حدث ذلك بأن حل الدهاء مكان الدعاء واعتقد الانسان أنه بمقدوره تحقيق كل شئ دون اى استعانة ، فعندها يظلم القلب ويتخبط الانسان فى تعاسة اختياراته حتى ينتهى به الأمر على حال أشبه بالحالة القارونية والتى قال فيها قارون “انما اوتيته على علم عندى ” تلك النظرة القارونية كفيلة بطمس نور القلب واستبدال أى مساحات سعادة بتعاسة لا تفارقه حيا وميتا .
الحرف الخامس “ت” تعملق :
الحرف الخامس من حروف كلمة سعادة هو “ت” وهو يشير هنا إلى كلمة تعملق وأقصد منها أن يعمل الشخص الذى يريد أن يكون سعيدا بحياته على تعظيم نقاط القوة لديه وما ميزه الله به دون غيره من المخلوقات حتى يصبح عملاق فى مجاله ، وهذه المرحلة “التعملق” ليس لها نهاية بل ستدفع الشخص بين الحين والأخر إلى البحث عن كل ما هو جديد فى مجاله ليحافظ على ما وصل له من تميز وإبداع .
ومتى أصبح الانسان متميزا عملاقا فى مجاله تجد السعادة ملازمة له فى حله وترحاله ببساطة لانه سيصبح معطاءا، ومساعدة الاخرين والعطاء دائما ما يجعل الله مكافئتهم سعادة تغمر قلب المعطاء وسرورا يكسو محياه .
وعلى النقيض إذا ركن الانسان إلى كسله ولم يسعى إلى التعملق فثق تماما أنه سيسعى إلى التملق ومنافقة الأخرين حتى يصل إلى ما يرنو إليه وعندها قد يشعر ببعض السعادة المزيفة ولكنها لن تدوم طويلا تحت شمس النجاح الحارقة المذيبة لكل قمم التملق المزيفة .
وفى الختام نحن أمام طريقين أما طريق السعادة الحقيقية المبنية على فهم ووعى ، أو أمام طريق السعادة المزيفة الوقتية المبنية على وهم وغى ولك حرية الاختيار ولكن ليس لك حرية النتائج فالنتائج ثمار بذورك عزيزى القارئ .

التعليقات مغلقة.