مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب: منصات التدهور الأخلاقي

32

إننا بحاجة إلى مراجعة أنفسنا والانتباه إلى أن هذا الاستخدام السلبى للتكنولوجيا المتقدمة لا يمكن أن يقودنا إلا للتدهور الأخلاقى والقيمى ويضر بمناخ العمل ويجرنا نحو التدهور فى مستوى الإنتاج ومستوى الأخلاق وتتحول القيم النبيلة والأعراف والتقاليد الإيجابية إلى ذبيحة على منصات التواصل و الغريب أن مجتمعات بعينها ترى في التيك توك وأسلافه من إنستغرام وفيسبوك ويوتيوب وغيرها مصدراً مستمراً لتهديد الأخلاق ومكمناً شريراً للإطاحة بالعادات وسبباً مستمراً لتنصيب المجتمع وأجهزة الدولة مراقباً على الأخلاق الحميدة و مصححاً للسلوكيات القويمة لقيم المجتمع المصري التي تحرك أصوات ومشاعر الغاضبين ممن يرون في محتوى مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات العنكبوتية ما يعرض الأخلاق للخطر والتقاليد إلى الهاوية لا تلتفت على ما يبدو إلا إلى التيك توك المستخدم من الفتيات وعلى الرغم من وجود ملايين المقاطع من قبل شباب ورجال ونساء بعضها يحتوي على كلمات وحركات يمكن أن تندرج تحت بند خدش الحياء العام والتحريض على الفسق والفجور وتعريض قيم المجتمع للانهيار و إن زماننا الحاضر الذي نعيشه اليوم فيه الكثير من الذئاب والشياطين التي لاترحم من حولها زمان أصبحت فيه الأسرة التي نطمح لنجاحها وازدهارها تسير في طريق مظلم بمفردها بين تلك الشياطين والذئاب المفترسة بلا ناصر ولا معين فقد أصبحت الأسرة اليوم خالية من المشاعر والأحاسيس الطيبة التي يحتاج إليها أفرادها
إن التأريخ يحدثنا قائلاً كلما زاد الفساد وتفشى في الأسرة والمجتمع ولم ينفع نصح الناصحين ووعظ الواعظين فليس هناك إلا نهاية واحدة للبشر وهي الهلاك الذي لابد منه فهل سيعود بعضنا إلى رشده ويحترم تقاليده الاجتماعية والدينية الأصيلة
أم سيبقى يمارس الثقافة الدخيلة التي جاءت بهدف تمزيق الأسرة والمجتمع ونشر بذور الشقاق والنفاق فيهما
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (( من سمع النصيحة سلم من الفضيحة))
فالإنسان اليوم يعيش وسط ثورة وثروة من المعلومات والوسائط التي تمكنه من بلوغ أي هدف يطمح إليه ولكنه سلاح ذو حدين وضع الإنسان في سجن مصنوع من توقعاته وآماله وتوقعات وآمال الناس مع هذه التسهيلات والقدرة على الوصول إلى أي شيء أصبح يريد كل شيء في هذه اللحظة كل يوم ويعزز من ذلك ظهور الآخرين في مواقع التواصل الاجتماعي على أنهم مثاليين وحياتهم مثالية من جميع الجوانب وبذلك أراد أن يكون مثلهم عملهم يدر عليهم بالآلاف إن لم يكن الملايين أجسادهم رياضية ورفيعة أكلهم صحي ونظيف يتمرنون بشكل يومي ينامون جيداً لديهم هوايات متعددة يمارسونها أسبوعياً إن لم يكن بشكل يومي مقربين من عائلاتهم وأصدقائهم وحتى معارفهم لديهم كل شيء وهم كل شيء طوال الوقت أصبح هناك ضغط من المجتمع والإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمدرسة والعائلة والأصدقاء أن يكون الشخص كاملاً ومثالياً ويستطيع أن يكون كل شيء وأي شيء طوال الوقت
أن يكون الشخص مثالياً وكاملاً هو أمر صعب ومرهق إن لم يكن مستحيلا لا وجود للمثالية والحياة الكاملة يستطيع أن يحاول الإنسان أن يكون قريباً من عائلته وأصدقائه ومهتماً بصحته النفسية والجسدية وملماً بعمله وممارساً لشغفه وهواياته وفعل كل جانب من جوانب حياته بالوقت نفسه بالدرجة نفسها ولكنه لن يفلح في ذلك الأكيد أنه سيقصر في جانب ما وهذا طبيعي لا يستطيع أن يكون الإنسان كل شيء ويفعل كل شيء طوال الوقت ولكنه يستطيع أن يحاول التخطيط والموازنة في جانب من جوانب حياته وفي الوقت نفسه يسامح نفسه إن لم يستطع أن يوازن بين كافة الجوانب في حياته فذلك أمر صعب وتأثيره كبير على سعادة المرء ما يستطيع فعله الإنسان هوأن يعادل كافة جوانب حياته أن يقضي وقت العمل للعمل وعندما ينتهي منه ينساه ليركز على بقية جوانب حياته كأن يرى عائلته ويتواصل مع أصدقائه بشكل أسبوعي وأن يتمرن عدة مرات في الأسبوع وأن يحاول أن يطبخ لنفسه طعاماً صحياً في وقت فراغه وأن يخصص ساعة في الأسبوع لممارسة هوايته المفضلة ويوماً في الأسبوع للخروج والذهاب إلى السينما وهكذا عبر التخطيط والموازنة يمكن للإنسان أن يصل إلى أعلى درجات الإنتاجية في حياته دون الحاجة في أن يهلك نفسه أو أن يصل بنفسه إلى حافة الاحتراق والاكتئاب ولا يفترض للإنسان أن يرغب أن يكون كل شيء طوال الوقت بل يفترض به أن يرغب أن يكون هو نفسه طوال الوقت وكل وقت هذا ما سيجعل حياته ثرية بالرضا والإنجازات
فيا ترى إلى أين تسير؟ أصبحنا وأمسينا نعيش مع محرك البحث جوجل المليء بالحب والمشاعر والأحاسيس فأصبح كل فرد في الأسرة في عالم افتراضي مستقل مع ذاته منعزل عمن حوله متصلاً بشكل مباشر مع من هم خارج نطاق الأسرة الذين لا يعرفهم ولا يعرفونه فأصبحت الأسرة بلاحوارات ولامناقشات ولاحب ولا تفاهم ولاتعاون بين أفرادها
فهل ياترى أصبح البيت كبيت العنكبوت
فإلى أين نسير؟
الأب العظيم وهو خيمة الأسرة الذي كان يجتمع الجميع حوله ليستفيدوا من تجاربه وعطفه وحنانه ورجولته تحول اليوم إلى راوتر وباتت لا تحتاجه الأسرة إلا لدفع فواتير الإنترنت وفواتير الأكل والشرب والنزهة والسفر أما الأم التي كانت مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق والتي كانت تحن بقلبها الكبير على أبنائها وزوجها ومن هم حولها تحولت إلى واتساب وفيسبوك وإنستغرام ببثها المباشر مع بيوت الآخرين أما الأبناء فيادهر أف لك من خليل فقد حولهم الدهر المظلم من مسؤولين يعتمد عليهم داخل الأسرة إلى متسولين يستجدون كلمات المحبة والمودة والإعجاب والمدح والثناء الكاذب والمزيف عبر برامج التواصل الاجتماعي فما أقساك من دهر أصبح فيك الكثيرون يلتمسون الحنان من الغريب بعد ما بخلوا به على القريب
أما الزوجة المطيعة لزوجها سابقاً والملبية له احتياجاته النفسية والجسدية أصبحت اليوم تعلق على كل منشورات الرجال الغرباء عبر الشبكة العنكبوتية وتعجب بكل مشاركاتهم بل وحتى بصورهم وأشكالهم المنشورة هنا وهناك وزوجها بجانبها يبحث عن كلمات الحب والحنان وعندما لا يحصل على كل ذلك تجده يلاطف النساء البعيدات باحثاً عن كلمات الحب والعطف والحنان التي تشعره بالنشوة والقوة والراحة هذا وزوجته بالقرب منه لا تلبي احتياجاته ورغباته
ياترى ما الذي حصل بنا وأين نعيش ومع من وكيف نعيش أيامنا الكئيبة هذه؟
هل نحن نسير إلى الأمام فعلا أم صرنا نتراجع إلى الوراء بشكل ملحوظ
هل نحن بشر أم أصبحنا وأمسينا أشباحا افتراضيين بهيئة البشر
لماذا كلما عزمنا على التقدم خطوة رجعنا إلى الخلف خطوات أيامنا أصبحت صعبة وتزداد صعوبةوتعقيدا ونحن نواكب العالم الحديث الذي جعلنا نعيش كقرية واحدة أفقدتنا الكثير من عاداتنا وتقاليدنا فأصبحت الأسرة الواحدة تعيش في ظلام دامس لا تعرف إلى أين تسير إن ما نراه اليوم من مشاكل أسرية تسببت بها الشبكات العنكبوتية من خلال استخدامها الخاطئ ما هو إلا داء يجب علاجه بحكمة وجد واجتهاد وإخلاص من قبل التربويين وهذا الأمر ملقى بالدرجة الأولى على أولياء الأمور فهم أولى من غيرهم بالعلاج النافع لمن حولهم فلابد أن نعلم أن العلاج هو أن نتيقن جيدا أن الرسالة التربوية الحقيقية لابد أن تبدأ أولاًمن البيت وليس من بيوت الآخرين وكلما كان العمل على أداء الرسالة التربوية في البيت نفسه قبل الشارع فحتما ستنتهي مشاكلنا بشكل أكبر وأفضل وأجمل وإن الاستخدام السلبى لهذه التقنية المتطورة يقودنا إلى التردى الأخلاقى القيمى وتراجع الإنتاج بسبب من يرون فى التشويه والنميمة أداة لتحقيق ذواتهم المتدنية ولهذا فعلينا أن نتجنب هؤلاء أو أن نسعى إلى تنبيههم إلى خطورة ما يقترفونه وألا ندعهم يستفيدون من التخريب وجر المجتمع إلى التخلى عن القيم الإيجابية

التعليقات مغلقة.