في الثاني عشرمن ربيع الأول أشرق الكون كله إجلالاً بأهم حدث للأمة البشرية على الإطلاق مولد النبي صلى الله عليه وسلم والذي يمثل مولداً للنور كله في الأرض والسماء فعند ولادته تلاحمت دلائل الإيمان في الأرض وقلوب المؤمنين بخطاب السماء وانشرحت قلوب الخالق
إذ أذن الله لسيد الخلق أن يظهر للوجود وجاء النبي وشاع النور في أرجاء الأرض وفرحت الملائكة والبشر ثم جاءت الرسالة ونشرت نوراً يضاف إلى نور مولد النبي فاكتمل نور الإيمان في هذه الأرض
وأشرقت شمس الهدى مع مولده لما لا فنوره من الرحمة سطع وجاء كالبدر فأضاء للمشرقين سبيلهم محمد صل الله عليه وسلم نبيا ورسولا بالهدى ودين الحق وأرسله الله ليخرج الناس من الظلمات إلى النور هو الرحمة التي أرسلها الله للأرض كلها هو النور الذي أزاح ظلام الجهل والخرافات والشرك بالله هو النبي الكريم محمد خير البرية الذي أرسله الله رحمة للعالمين كان مولد النبي محمد صل الله عليه وسلم هو اليوم التي استعدت الأرض والسماوات لاستقبال مولود سوف يحمل رسالة السماء لينقلها إلى الأرض في معجزة إلهية وانتشر النور في الكون ابتهاجاً بميلاد سيد البشر نبينا وشفيعنا في يوم المحشر ويوم مولد الرسول الكريم كان يوم ضياء الدنيا هو يوم الذي فرحت به الأرض بقدوم الخير كله إليها يقف المسلمون صفا واحداً موحدين متحابين ينتمون إلى نبيهم العظيم الذي اصطفاه الله تعالى من بين جميع العباد
وكلف الله الرسول صل الله عليه وسلم بحمل الرسالة مبلغا للأمانة وليس غريباً أن يشعر المسلمون في كل عام تمر فيه ذكرى ميلاد النبي أن هذا اليوم هو خاص بهم جميعاً لأنه يملأ قلوبهم بالصفاء والبهجة وحب الحياة
أن ميلاد النبي الكريم ليس يوما عاديا ولن يكون إنما هو يوم لميلاد أمة وهي أمة الإسلام التي فضلها الله تعالى على كل الأمم وجعل شعارها التوحيد وشهادة
أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله
ويا له من نور وشرف عظيم ينتمي فيه المسلم إلى أعظم نبي ولادة نبي الأمة كانت مليئة بالعبر والدروس الكثيرة ويكفي أن الله تعالى جعل هلاك من أرادوا هدم الكعبة في العام الذي ولد فيه النبي العظيم وامطرهم بحجارة من سجيل
وفي يوم مولده الرسول الكريم أشرقت الأرض بنور ربها وفاض النور في جميع مكة وماحولها ابتهاجا بقدومه لقد كان يوما عظيما يشهد له كل من حضر وهذا دليل على أنه ميلاد خير البشر
كانت حياة الرسول صل الله عليه وسلم مليئة بالسعادة والرضا والطمأنينة الذي وضعهم ربه فيه نفسه كان النبي محمد صل الله عليه وسلم خير خلق الله بالمعنى الحرفي حيث كان يتحلى بصفات لم يسبقه إليها أحد من العالمين فقد اجتمعت فيه خير الصفات التي لاتنتهي ولانستطيع ذكرها بأكملها فقد قالت عنه السيدة عائشة «كان خلقه القرآن»
وقد ذكر الله بعض صفات النبي محمد صل الله عليه وسلم في القرآن الكريم حيث قال “وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” فهو رحمة من الله أرسلها ليرحم بها جميع الناس وقال سبحانه وتعالى أيضًا لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك وهذا دليل على صفاته التي وصفها الله عز وجل للنبي محمد صل الله عليه وسلم
مات أبوه وهو في بطن أمه ثم ماتت أمه وهو في سن السادسة من عمره لينال النبي من مرارة اليتم ولكن ربه هو من آواه ورباه وهداه
يقول تعالى في القرآن الكريم ( ألم يجدك يتيماً فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى ) فالله من تولاه بالرعاية والعطف فالنبي صل الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة هو السراج المنير هو النبي الذي قال بأن المسلمين من بعده هم أحبابه هو الرحمة التي بعث بها الله إلى الدنيا ليهديهم إلى صراط الله المستقيم هو شفيعنا إن شاء الله يوم القيامة عليكم بسنة رسول الله لا يشغلهم عنها شاغل وأن يسيروا على درب النبي الشريف حتى يباهي بنا الأمم يوم القيامة فالمولد النبوي الشريف ليس عيداً من أعياد المسلمين بل هو يوم يفرح فيه المسلمين ويخلدون فيه ذكرى اليوم الذي جاء به منقذ البشرية من الظلمات إلى النور والهدى وذكرى المولد النبوي الشريف من أهم المناسبات الإسلامية المؤاتية للاطلاع على ما تركه لنا رسولنا وقدوتنا وإمامنا صلى الله عليه وسلم ولمعرفة حق المعرفة في جوانب حياته كلها وفي هذه المناسبة العظيمة وعن سيد الخلق والبشرية والإحتفال بالمولد النبوي الشريف هو فرح بفضل الله ورحمته
قال تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون ) أن هذا الفضل العظيم هو الرحمة الكبرى التي أرسلها الله للعالمين وجعل الفرح بهذا الفضل والرحمة واجباً على كل مكلف
وإن مصطلح الفضل في القرآن الكريم أراد الله به معاني كثيرة من ضمنها ( الإسلام النبوة “الرزق “الجنة “المنة “العدل “الحكمة “المحبة “الخلف ) وإن الذي يجمع هذه المعاني كلها هو النبوة التي قال عنها رب العزة ( وكان فضل الله عليك عظيماً ) فمن عظمة النبوة أنه لولاها ما دانت البشرية بدين التوحيد من نبي الله آدم عليه السلام إلى عهد نبينا الأكرم صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وكذلك الرحمة فلها في القرآن الكريم معاني عدة منها ( الإسلام ، الجنة ، الغيث ، النعمة القرآن ، الرزق ، النصر ، الإيمان الأحسان ، وسيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم )
الذي قال الله سبحانه وتعالى في حقه ( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) فهو عين الفضل والرحمة وعنوانهما وهو الذي قال عنه مولاه في الحديث القدسي ( لولاك لولاك ما خلقت الأفلاك ) فقد قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( إنما بعثت رحمة مهداة )
وأن من بركة هذا الفرح هو أن الله ورسوله يفرحون بمن يفرح بهم حيث قال صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( من فرح بنا فرحنا به )
فنبينا وسيدنا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم هو عين الرحمة وهو أصل لجميع الأنوار الظاهرة والباطنة وحقيقته جامعة لحقائق الكمالات بأسرها فالنبوة والرسالة ظهرتا من حقيقته صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم فقد وصف الله القمر بقوله ( وَقَمَرًا مُّنِيرًا ) ووصف الشمس فقال ( سِرَاجًا وَهَّاجًا ) أما حين وصف النبي الأعظم فقال {وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا} فجمع له بين الوصفين ليكتمل الجمال بالجلال وليلتحم الضياء بالنور فيشرق للعالم نوره الذي تهتدي به الناس من الظلمات إلى النور ومن عظمة رسول الله هي قوله في الحديث الصحيح ( بينما انا بين النائم واليقظان اذا أتاني جبريل وميكائيل في المنام فقال جبريل لميكائيل زنه يا ميكائيل فوزنني ميكائيل بعشرة رجال فرجحت بهم فقال جبريل زنه بمئة رجل فوزنني بمئة رجل فرجحت بهم فقال جبريل زنه بألف رجل فوزنني بألف رجل فرجحت بهم فقال جبريل والذي بعثه بالحق لو وزناه بأهل الأرض لوزنهم جميعا
هذه هي عظمة النبي الذي أخذ الأنبياء والمرسلين من صفاته صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم فعلم آدم عليه السلام من علمه وحلم نبي الله إبراهيم عليه السلام من حلمه ورضا نبي الله اسماعيل عليه السلام من رضاه وشجاعة نبي الله موسى عليه السلام من شجاعته وشفقة هارون عليه السلام من شفقته وإقدام داود عليه السلام من أقدامه وعظمة سليمان عليه السلام من عظمته وبساطه يحيى عليه السلام من بساطته ورحمه عيسى عليه السلام من رحمته وصبر ايوب عليه السلام من صبره فهو النبي الذي اقسم الله له فقال في الحديث القدسي ( وعزتي وجلالي يا محمد لو سلكوا الي كل طريق واستفتحوا علي كل باب ما فتحت لهم حتى يأتوا خلفك يا محمد ) وقد وصفه الصحابة فقالوا (ما رأينا اجمل من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم كأنما يجري النور في وجهه ) وقال الله عز وجل في الحديث القدسي ( خلقت نور محمد من نور وجهي ) كما قال النبي صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( أول ما خلق الله روحي وأول ما خلق الله نوري وأول ما خلق الله القلم وأول ما خلق الله العقل ) فالمراد منها شيء واحد وهو الحقيقة المحمدية وهو النور الذي ذكره الله بقوله ( قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ ) فالحبيب صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم هو العقل لكونه مدرك للكليات وهو القلم لكونه سبباً لنقل العلم والعلم يترجم بالحروف فالروح المحمدية خلاصة الأكوان وأول الكائنات وأصلها كما قال صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم ( أنا من الله والمؤمنون مني ) ولهذا النور المحمدي أسماء متعددة يعرفها أهل هذا الشأن منها الحقيقة المحمدية حيث لا يحصرها أين ويسمى أيضاً بالقلم الأعلى
و بالدرة البيضاء وبروح الأرواح وبالعقل الأول وبالأب الأكبر وبالروح الكلي وبالإنسان الكامل وبإنسان عين الوجود إلى غير ذلك من الأسماء المشهورة عند أهل التصوف فهو المصطفى والمجتبى ونور الهدى وشمس الضحى وبدر الدجى وقاب قوسين أو أدنى وهو عين الرحمة الإلهية وهو أصل لجميع الموجودات والأنوار الظاهرة والباطنة وحقيقته جامعة لحقائق الكمالات بأسرها فالنبوة والرسالة ظهرتا من حقيقته صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم وظهرت منه الولاية وقلوب أوليائه وورثة ينابيع الرحمة في كل زمان ومكان ونبينا محمد صلى الله تعالى عليه وآله وصحبه وسلم هو الحجاب الأعظم فمن أجل حقيقته الطاهرة المطهرة تمت كلمة الحق في إيجاد الخلق فهو صلى الله تعالى عليه وسلم أول الأولين وخاتم النبيين وأن الإحتفال بيوم مولده العظيم هو أستذكار كامل ومتكامل لكل صفاته وأخلاقه وأقواله وأفعاله وأحواله حيث يتلمَس العاشقين والمحبين لحضرته حلاوة ذكره والصلاة والسلام عليه وعلى اله بقلوبهم ويذكرون صفاته الزكيّة في معاملاتهم فلا ينقطعون عنه وعن سيرته ولا يغيبون عن محاسنه ومناقبه
إن هذا الرجل العظيم الذي استطاع أن يقف أمام العالم أجمع وأمام جهالات قريش وكفرها العنيد وأمام الأصنام وعبادة الكواكب وكل ما يعبد من دون الله وقف يدعو إلى الله وحده لا شريك له ونبذ كل ما سواه إنه بحق لجدير بكل تبجيل واحترام ليس فقط من أتباعه بل من كل من يفهموا العبقرية وخصائصها
إن الصفات التي تفردت في هذا الرسول العظيم لجديرة بأن يحصل على نوط الامتياز ويحظى بكل تقدير واحترام إنه بحق الرسول الأعظم
فهل بعد ذلك يوجد أي رجل أعظم منه ؟ كلا والله لا يوجد رجل أعظم منه فقد عاش حياته كلها في خدمة البشرية جمعاء وجاء بالدين الخاتم والمسعد لجميع البشر
تعاون النبي مع كافة ألوان البشر في طريق الرفعة والتقدم والنهضة والسمو لترسل الأمة الجديدة بعد عدة أعوام يدها بالسلام لكافة الأمم محققة الأمن لكل إنسان توسعت آفاق المعرفة وامتدت معالم الحضارة وخاطبت الرسالة الجديدة كافة الحضارات القائمة والتي كان منها المسيحية واليهودية والمجوسية وأهل الأوثان داعياً الجميع إلى كلمة واحدة ترتقي بها البشرية وتتصالح بها مع أصل العقيدة القائمة على التوحيد لم يحمل النبي شعار (إما معنا أو علينا) بل مارس منح البشر حق الاقتناع بالدين الذي يريدون الذهاب إليه ومن واجب المسلمين دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة
لم يقدس الأشخاص مانحاً لكل البشر حق المساواة بالمقارنة مع النظير وحق التفوق مع الأقران أمام الله تعالى بالتقوى كما منح المجتهدون نصيباً في الدنيا لم يبن مملكة من الظلم والجور واحتكار الحقائق بل أطلق الحق في امتلاك المعرفة للناس جميعاً نشر العدالة ناصعة بيضاء بين الناس واستخدم الحب كسلاح يمتد به إلى قلوب المجرمين فينتزع منهم البغضاء والكراهية ويضيف إلى مجرى الحياة في دمائهم حب الأوطان والإنسان والحياة أخرج الظلم من النفوس وأذاب معالم المعركة بين الجنس البشري فلم يجد أحدهم أي سبب للقتال أو الكراهية أو العداء بل تفوقوا في نشر التسامح والمحبة والأخوة
التعليقات مغلقة.