حينما يصدق الإنسان الوهم ويبني لنفسه عالما افتراضيا بعيدا عن الواقع فإنه يحارب نفسه من حيث لايعلم بينما الثبات على المبدأ هو الذي يحمي الشخص من الشطحات القاسية ومهما كانت الصورة مشوشة والحقائق مقلوبة فإن الارداة تصنع المستحيل والمحاولة بداية الطريق للنجاح مهما كانت صعوبتها لأن الظلام الحالك هو بداية النور كما أن الفجر يولد من رحم الظلام حينما نتحاشى مواجهة واقعنا فإننا نزيد من صعوبة الوضع الوهم يخدع والألوان الفاقعة لا تلغي ما تحتها من معطيات الحياة تتطلب منا الثبات والتعامل مع ما هو متاح من إمكانات كما أن الواقعية تجعلنا نضع طموحاتنا حسب قدراتنا فالذكاء الإنساني هو الذي يجعلنا نبتعد عن المقارنات ونركز على القيم والأهداف
المتعة الحقيقية هي في الشعور بالأمان والتأقلم مع الواقع والتفاؤل بالآتي في حين أن المواجهة تعلمنا الشجاعة والإدراك بأن التحديات جزء من جمالية الحياة ويظل التمسك بالأمل هو الذي يمنحنا طاقة هائلة لمواجهة المستجدات فكل يوم جديد يحمل قصة غامضة وبداية حلم
فكثيرآ من الناس يجد صعوبة في تحديد رغبته في هذا الوجود في مالايجد البعض تلك الرغبة فنراه هائما على وجهه والبعض منا قد تكون له أهداف ورغبات في حياته لكنه ضل الجادة في منتصف الطريق فلا يجد بالأمر من حيلة سوى اتباع القطيع وإن خالف ذلك هواه وإن من أصعب الأمور على النفس مخالفة قناعاتها ورغباتها التي أسست على نهج راسخ مؤمن بالقيم والمبادئ الثابتة والمتواترة على سنوات ليست وليدة اللحظة فنجد بذلك نفسا قوية لكنها ليست بكفيلة بالحفاظ على الذات من الشتات
و اليوم في عصر التعددية اللامتناهية أصبحت الذات البشرية غير مصونة من الضياع ينجرف البعض وراء أي حدث لينغمس به وكأنه صاحب الشأن في ذلك فالكل يتحدث عن السياسة وفي الوقت نفسه يتحدث في الرياضة والدين والاقتصاد وكأنه خبير متخصص في كل أمر وفي نهاية المطاف نسخر من اضمحلال تلك العقول وفي خواطرنا غصة ألم من هذا المرض العصري قد يبرر البعض العولمة والتكنولوجيا ويجدها السبب الرئيس في خلط الأمور بين الناس لكنني لا أجد تفسيرا وسببا في هذا الشتات أكثر من مما قاله ابن خلدون في مقدمته في تصنيف سلوكيات البشر بأنها متقاربة لدرجة التشابة حسب طبيعة المجتمعات وقربها من بعضها ونحن كمجتمع شرقي يعاني من ضياع الهوية سواء في معرفة النفس أو التخصص في ما يتقنه البعض بما أتاه الله من موهبة أو حرفة يجيدها هو عن سواه لم يعد الناس يكتفون بالانشغال بأمورهم بل أصبح التطفل على ما لا يعنيهم من تخصصات الحياه والخوض بها حديثا أو عملا طابعاً على الكثير من تلك الوجوه البائسة في ما نجد في مجتمعات الغرب من الابداع ما لا نجده في كثير من بلداننا العربية وذلك لانشغال الواحد منهم فيما يتقنه فلا يجمع بين النقيض ونقيضه وبذلك تكون لديهم مجتمع عصري واع ومنتج على درجة عالية من الابداع وفي جميع التخصصات وذلك بسبب فهم الذات وارضاء رغباتها والسير لتحقيق هدف محدد بعيد عن الدخول في شتات القطعان الثرثاره التي لا تعرف من يقودها ولا الى أين سيصل بها في مطاف الطريق
إن الضياع الحقيقي هو ضياع الهدف من هذا الحياة والسير خلف أهواء البشر وأمزجتهم وتهميش الذات فدائرة الحياة أوسع من أن نختصرها في رغبات الغير سواء كانو مجموعة أو أفرادا فأنت أيضا لك الحق في الخروج من وهم الدوائر المغلقة والقطعان التائهة بمعرفة ذاتك وارضائها قبل الجميع
وفي الختام
مشاعر الضياع كما سبق وذكرنا لا تخص شخصاً بعينه أو ظرفاً دون آخر إذ إن الجميع معرضون لها في فترة من فترات حياتهم وهذا لا يعني طبعاً أن هذه المشاعر سهلة ومن الممكن تجاوزها بسهولة وتذكر دائماً أنك لا تحتاج إلى الكثير من الإنجازات لتشعر بالرضى عن نفسك وأنك أيضاً لست مطالباً بسيرة حياة عظيمة تكفي بعض الأمور السهلة والقريبة من قلبك لترى الحياة بطريقة أفضل وتصبح سعيداً لذلك أعط عواطفك والأمور التي تحبها الثقل الحقيقي في حياتك ولا تفاضل بينها وبين ما يريد الناس من حولك لتتجنب التخبط والإحساس بالضياع
التعليقات مغلقة.