مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

هل ستشارك المصانع المصرية والعمالة المصرية فى محطة الضبعة النووية ؟

0

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

قد يهمك ايضاً:

أوقفوا التنمر على خلق الله

المرأة والمسئولية وضغط العمل

هذا السؤال خطير جدا ، فمصر تتبنى فلسفة نقل وتوطين التكنولوجيا النووية فى المصانع المصرية ، بهدف الارتقاء بالصناعات المصرية لتصل إلى رتبة الجودة العالمية ، وذلك لزيادة فرص التصدير للخارج وزيادة الدخل القومى من العملة الصعبة . فالهدف الأسمى من محطة الضبعة النووية هو “أمن تكنولوجى قومى” ، فإذا خرجت مصر من مشروع الضبعة النووى بدون نقل تكنولوجيا نووية ، فهذا يعتبر خروج من “المولد بلا حمص” ، لأن الرؤية المحدودة لإستخدام محطة الضبعة النووية فى توليد الكهرباء فقط ، تعد رؤية قاصرة وبعيدة كل البعد عن الأعراف والمواثيق الهندسية. فإذا كان هدفنا توليد كهرباء فقط ، فيكون من الأفضل الأعتماد على الغاز الطبيعى فى انتاج الكهرباء والبعد عن إستخدام المحطات النووية فى مصر ، حيث أن الغاز الطبيعى متوفر فى السوق العالمى  وتوجد بنية تحتية للغاز فى مصر، كما يمكن استيراده بإتفاقيات طويلة الأجل وبأسعار مخفضة جدا، وذلك مقارنة بتكلفة بناء مفاعل نووى ، وهذا التوجه سوف يساهم فى توفير العملة الصعبة ويبعد مصرعن القروض الضخمة التى نسعى للحصول عليها “25 مليار دولار” ، وهو القرض الروسى والذى سيغطى 85% من قيمة بناء 4 محطات نووية ، قدرة المحطة الواحدة 1200 ميجاوات وبإجمالى 4800 ميجاوات.

وتعتبر تجربة كوريا الجنوبية فى توطين التكنولوجيا النووية فى بلادها نموذجا تقتدى به الدول الطموحة للدخول فى مجال إمتلاك تصنيع التكنولوجيا النووية ، فقد خططت ونفذت برنامج نووى متكامل ، وأصبحت الأن دولة مصدرة لمحطات الطاقة النووية . ويجب أن تكون تجربة كوريا أحد الدروس المستفادة التى تستند اليها مصر فى معالجتها لمشروعها النووى ، فقد وضعت كوريا الجنوبية خطة من ثلاث مراحل لتوطين الكنولوجيا النووية فى بلادها ، المرحلة الأولى تسمى “الإعتماد على الغير”، والمرحلة الثانية تسمى “منهج المكونات”، والمرحلة الثالثة تسمى “الإعتماد على الذات”. ففى إطار المرحلة الأولى، تم بناء المحطة النووية Kori-1 والمحطة النووية Kori-2، حيث تم التعاقد مع الشركات الأجنبية لبناء المحطات، وعلى أن يكون دورالشركات الكورية هو اكتساب المعرفة فى مجال التكنولوجية النووية لتصنيع المعدات والمكونات كحد أدنى، وقد شاركت الصناعات الكورية عام 1977 بنسبة 12.9% فى تصنيع المعدات والمكونات للمحطة Kori-2. وفى إطار المرحلة الثانية ، كان يتم التعاقد مع الشركات الأجنبية لتصميم وتوفير المكونات الرئيسية ، فى حين يتم التعاقد من الباطن مع الشركات الكورية لتوفير المكونات المساعدة ، ففى مشروع بناء محطتين للطاقة النووية Hanul-1&2 عام 1983 ساهمت الشركات الكورية بنحو 41.5% من مكونات المشروع  بما فى ذلك خدمات التشييد. وفى إطار المرحلة الثالثة ، كان لابد من أن تتحمل الشركات الكورية المسئولية كاملة فى بناء المحطة النووية ، فكان يتم إسناد الأعمال الى الشركات الكورية كمقاول رئيسى، ويتم إسناد تنفيذ الأعمال الى الشركات الأجنبية كمقاول من الباطن من خلال العطاءات التنافسية ، وكانت بداية المرحلة الثالثة عام 1989 وعام 1990 فى مشروع بناء المحطتين Hanbit-3&4،  والذى تم تشغيلهم عام 1995 وعام 1996 على التوالى. كان لتطور التكنولوجيا النووية أثر إيجابى على الصناعة فى كوريا الجنوبية ،  فقد قادها تركيزها على تصنيع مكونات المحطة النووية الى تطور رهيب فى مجال الصناعات الكورية، فقد شهدت مصانع الصلب ومصانع الألات والمعدات ومصانع المعدات الكهربائية إنطلاقة الى العالمية، وبلغت ذروة هذا النجاح فى تواجد شركات كورية متعددة الجنسيات للصناعات الثقيلة.

وحتى نبطل مزاعم بعض المشككين فى مقدرة المصانع المصرية والعمالة المصرية فى المشاركة فى مشروع محطة الضبعة النووية ، نقول :: أن مصر تمتلك قاعدة صناعية عريضة وعلى مستوى راق ، كما أن العمالة المصرية ماهرة جدا ، وهذا نابع من أن العقلية المصرية هى من أنبغ العقليات على مستوى العالم ، فتجربتى الشخصية (وأنا شاهد على مرحلة من مراحل تنفيذ مشروع المحطة النووية منذ سنة 1977 وحتى الأن) ، هى كالأتى : أن هناك مصانع مصرية تستطيع العمل مباشرة فى مشروع الضبعة النووى ، وهناك مصانع تحتاج رفع كفاءة العمالة بها من خلال التدريب ورفع درجة الجودة وتحديث بعض الألات والمعدات وتصبح جاهزة للمشاركة فى مشروع الضبعة النووى. فهناك دراسة تمت خلال عامى 1992 و 1993 على المصانع المصرية سواء كانت تابعة لوزارة الصناعة أو الانتاج الحربى أو الهيئة العربية للتصنيع أو القطاع الخاص وتم عمل مسح شامل لهذه المصانع للتعرف على إمكانياتها التصنيعية للدخول فى تصنيع مكونات محطة الضبعة النووية ، وأنا شخصيا كنت عضو فى فريق العمل المنوط به إعداد هذه الدراسة ، وقد كان فريق العمل يضم كوادر فنية من هيئة المحطات النووية المصرية وشركة “بكتيل” الأمريكية وهيئة الطاقة الذرية الكندية وبالإشتراك مع خبراء من المصانع الكندية التى تقوم بتصنيع مكونات المحطات النووية ، ومن هذه الدراسة استطعنا أن نحدد نسبة مشاركة المصانع المصرية فى تنفيذ أول محطة نووية كندية بالضبعة ، فقد أسفرت الدراسة على أن المصانع المصرية بإمكانها المشاركة بنسبة 22% فى صناعة مكونات محطة طاقة نووية كندية من نوع “كاندو”.

هذا ما كانت تتمناه دولة “كندا” لمصر ، فكانت من خلال هيئة الطاقة الذرية الكندية تتمنى بناء محطة نووية كندية من نوع “كاندو” فى مصر ، وكانت تتمنى أن تنقل وتوطن التكنولوجيا النووية الكندية فى مصر ، وذلك من خلال مشاركة المصانع المصرية فى صناعة مكونات المحطة النووية ، فقد أتاحت كندا لكوادر المصانع المصرية زيارة المصانع الكندية والأطلاع على التصميمات الهندسية ، ثم كان تكليف المصانع المصرية التى تم اختيارها للعمل فى تصنيع مكونات وأجزاء من المحطة النووية ، وقد تسلمت المصانع المصرية اللوح والحسابات التصميمية للقيام بتصنيع المكونات ، لكن مشروع تنفيذ محطة نووية كندية “كاندو” فى مصر توقف بناء على أوامر من القيادة السياسية ، وبناء على ذلك فقد توقف مشروع تصنيع مكونات محطة طاقة نووية كندية فى مصر . لم يتوقف دعم كندا لمصر فى المجال النووى عند هذا الحد ، بل تعداه إلى مرتبة أكثر إيجابية ، حيث أتاحت هيئة الطاقة الذرية الكندية الفرصة للكوادر المصرية للمشاركة لمدة عام فى أعمال تصميم مفاعل نووى من نوع “الكاندو3” ، وكان لى الشرف أن أكون أحد هذه الكوادر، وخلال فترة عملى فى مشروع تصميم مفاعل “كاندو3” ، كانت الفرصة متاحة أمامى بلا حدود ودون قيود ، وكانت المعاملة لى كأننى كادر من الكوادر الكندية العاملة فى هذا المشروع.  

من منطلق حبى لبلدى وغيرتى على كوادر مصر ، أود أن أنبه الجانب الروسى والجانب المصرى على أن هناك مصانع مصرية تستطيع المشاركة فورا فى تصنيع مكونات محطة الضبعة الروسية ، وهناك مصانع تحتاج بعض التعديلات البسيطة لكى تشارك فى تصنيع مكونات محطة الضبعة الروسية ، وأود أن أعرض فقط أمثلة لبعض الشركات والمصانع المصرية التى تستطيع المشاركة الفورية فى مكونات محطة الضبعة النووية من نوع AES2006-VVER1200 ، أولا : فى مجال الأعمال المدنية والتركيبات نجد شركة المقاولون العرب ( عثمان احمد عثمان و شركاه ) ، وشركة النصر العامة للمقاولات (حسن محمد علام) ، ثانيا : فى الأعمال الميكانيكية واللحام نجد شركة فيروميتالكو وشركة بتروجيت ، ثالثا : فى مجال الأعمال الكهربائية والألكترونية نجد شركة السويدى El Sewedy  Electric Company ، وشركة “أ.ب.ب” ABB Power Systems & Automation Technology ، وشركة شينايدر Schneider Electric Egypt ، وشركة إيجيماك EGEMAC – Egyptian German Electrical Manufacturing Co. ، ومصنع الالكترونيات – الهيئة العربية للتصنيع ، وشركة النصر لصناعة المحولات والمنتجات الكهربائية (إلماكو) ، رابعا : فى مجال التهوية والتكييف ، فهناك عديد من المصانع المصرية وهى متواجدة فى مدينة 6 أكتوبر ومدينة السادات والمدن الصناعية الأخرى.

والسؤال الذى يطرح نفسه ، هل ستسمح شركة “روس أتوم” الروسية بمشاركة المصانع المصرية المؤهلة فى تصنيع بعض مكونات محطة الضبعة النووية الأولى والمحدد لها نسبة مشاركة بـ 20% ؟ . أرجو أن تشارك المصانع المصرية والعمالة المصرية فى صناعة بعض مكونات محطة الضبعة النووية وفى عمليات البناء والتركيبات ، وأتمنى “ألا” تخرج المصانع المصرية من مشروع الضبعة النووى بدون نقل وتوطين التكنولوجيا نووية فى المصانع المصرية ، فهذا يعتبر خروج من “المولد بلا حمص”.

اترك رد