هل نتعظ من تجربة الصين النووية مع الأمريكان فى مشروع محطة الضبعة النووية ؟
بقلم الدكتور – على عبد النبى:
من المهم أن تكون تجارب الدول الأخرى فى التعاقد على بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء أمام أعيننا ، وعلينا أن ندرس كيف قامت هذه الدول بإعداد كوادرها الفنية النووية لنجاح مرحلة التفاوض ولضمان كتابة عقد مُحكم ، ثم علينا أن نتدارس الدروس المستفادة من مراحل تنفيذ المحطة النووية ومراحل ما قبل التنفيذ. وأود أن أقدم لمحة بسيطة عن تجربة دولة الصين فى مشروعها لبناء محطة نووية أمريكية من الجيل الثالث AP1000 صناعة شركة “وستنجهاوس”.
كلنا يعلم أن الصين دولة صناعية كبرى ، وأن الصين تقوم بتصنيع محطات نووية ، وأن الصين تقوم بتصدير محطات نووية ، كما أنها قدمت عرض لمصر لبناء محطات نووية صينية من الجيل الثالث فى موقع الضبعة. ويكفى أن نعرف أن الصين صنعت عدة موديلات من المفاعلات النووية وهى: موديل CNP-300 ، وموديل CNP-600 ، وموديل CPR-1000 ، وكذا فهى الأن تقوم بتصنيع مفاعل موديل ACPR-1000 وهو من الجيل الثالث ، والصين تمتلك الأن 35 مفاعل نووى فى الخدمة و 20 مفاعل نووى تحت الإنشاء . الصين تقوم بتنويع وتحديث تكنولوجاتها النووية من خلال إدخال وتوطين تكنولوجيات نووية متطورة من دول أخرى ، ففرنسا وروسيا وكندا قاموا ببناء محطات نووية فى الصين وأمريكا تقوم الأن ببناء محطات نووية فى الصين.
مع أن الصين دولة مصنعة للمحطات النووية ، لكنها عندما تتعامل مع دولة أخرى لبناء محطات نووية فى بلدها فهى تتعامل كدولة ولا تتعامل كأشخاص أو هيئات ، فتقوم بتجيش الدولة للعمل فى بناء المحطة النووية ، فهى قد أعدت كوادرها الفنية النووية والمالية والقانونية على أعلى مستوى للجلوس على طاولة المفاوضات حتى يتم كتابة عقد مكتمل الأركان ومتجانس وبنوده واضحة ليس بها غموض ويحتوى على أدق التفاصيل حتى لا يسبب مشاكل أثناء تنفيذ المشروع ، كما أنها أعدت جيش من الكوادر الفنية من الشباب للإشراف على تنفيذ المحطات النووية. فالمطلب الأساسى من هذه الكوادر هو نقل تكنولوجيا المحطة النووية الى مراكز أبحاثهم والى معاهدهم العلمية والى المصانع الصينية ، فالصين تتعاقد مع دول اخرى لبناء محطات نووية بهدف توطين التكنولوجيات المتطورة فى الصين ، ولنجاح خططها فهى لابد وأن تعتمد على أهل الخبرة ولا تعتمد على أهل الثقة.
قررت الصين بناء مفاعلات نووية أمريكية من الجيل الثالث من نوع الماء الخفيف المضغوط موديل AP1000 ، وقدرة المفاعل 1000 ميجاوات. هذا الموديل من المفاعلات لم يتم تشغيله وتجربته من قبل، سواء فى أمريكا أو خارج أمريكا. هذا الموديل من المفاعلات AP1000 يعتمد فى بنائه على وحدات سابقة التصنيع Module ، وممكن يصل وزن الوحدة الواحدة الى 700 طن، ثم يتم تجميع هذه الوحدات فى موقع المحطة. وفترة إنشاء هذا الموديل المتطور من المفاعلات هى 36 شهر (3 سنوات)، مع أضافة فترة أختبارات بدء التشغيل، نجد أن الفترة الكلية 56 شهر (فى حدود 5 سنوات)، وهى الفترة من بداية الإنشاءات حتى التشغيل التجارى (انتاج الكهرباء مع الربط على الشبكة).
وبدأ العمل فى بناء المفاعل الأول “سانمن-1 ” فى 19 أبريل 2009، كما بدأ العمل فى بناء المفاعل الثانى “سانمن-2” فى 15 ديسمبر 2009، وطبقا للجدول الزمنى الموضوع لخطة إنشاء المفاعلين، فكان من المقرر أن يبدأ تشغيل المفاعل الأول فى نهاية عام 2013، والمفاعل الثانى فى عام 2014.
وعاء الضغط المخصص للمفاعل “سانمن-2″، تم تصنيعه فى مصنع الصناعات الثقيلة الصينى CFHI، تحت إشراف شركة وستنجهاوس ، وتم إختبار هذا الوعاء فى 8 يونيو 2014، ومرت الإختبارات بنجاح. كما قامت المصانع الصينية بتصنيع مولدات البخار المخصصة للمفاعل “سانمن-2″، وفى 21 مايو 2014، تمت الإختبارات بنجاح ، وفى 23 أبريل 2015، تم تركيب مولدات البخار فى مفاعل “سانمن-2”.
لكن فى عام 2015 تم الإبلاغ عن التأخير فى تنفيذ المشروع ، كما أوضح التقرير أن تشغيل المفاعل لن يتم قبل عامين، فلازالت طلمبة التبريد الرئيسية لا تعمل ، وأن تكاليف المشروع زادت، فقد خسرت الصين الملايين فى البحث والتطوير ، والمعروف أن طلمبة التبريد الرئيسية للمفاعل AP1000، من النوع المُعلب Canned Motor Pump، وهى صناعة شركة Wright-Curtiss الأمريكية، وكانت الاختبارات النهائية للطلمبة قد تمت فى يناير 2013، وكشفت عن مشاكل فى جودة الطلمبة، ونتيجة لهذه المشاكل، قررت شركة SNPTC الصينية إعادة شحن ثلاث طلمبات من إجمالى أربع طلمبات إلى الولايات المتحدة الأمريكية لاستبدال بعض المكونات ،ومن بينها دفاعة الطلمبة impeller وكذا دليل الريش، ثم إعادة اختبارات المصنع.
فى البداية إدعت أمريكا أن هذا النوع من الطلمبات سبق إستخدامه لسنوات فى حاملات الطائرات النووية والغواصات النووية، لكن كان رأى بعض الخبراء، أن وستنجهاوس وشركة –Electro Mechanical Corporation والموردة لهذه الطلمبات، لم يأخذوا فى الحسبان التطور التكنولوجى اللازم لكى تتكيف هذه الطلمبات للعمل فى محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء، واتضح أن الطلمبة ليست هى المشكلة الوحيدة، لكن سوء الإدارة هو الحائل الحقيقى لتعطيل المشروع.
التأخير فى تنفيذ مفاعلات AP1000 ، كانت له انعكاسات خطيرة على البرنامج النووى الصينى ، خاصة وأنه كان متوقعا أن تقوم الصين ببناء 30 مفاعل من هذا النوع AP1000 بحلول عام 2030 ، ومن ثم فقد بات واضحا أن هناك بعض “الآلام المتزايدة” فى البرنامج النووى الصينى، وهى كافية لتسبب إعادة النظر فى بعض السيناريوهات الموضوعة لأكثر المشروعات توسعة حتى سنة 2020 وما بعدها.
من الأمور الهامة جدا هى دراسة التعاقدات التى تمت فى مجال بناء محطات نووية وخاصة التى تمت بين روسيا وفنلندا والصين والهند ، ولابد من ان يقدم الجانب الروسى للجانب المصرى تفاصيل هذه التعاقدات وكذا المشاكل التى صادفت تنفيذ هذه التعاقدات فى جميع مراحل تنفيذ المحطات النووية فى هذه الدول. وبناء على ذلك من المفضل ان يكون المكتب الإستشارى لمصر فى فترة التفاوض والتعاقد وتنفيذ المحطة النووية من الهند أو من الصين أو من فنلندا ، لأن هذه الدول لها سابقة خبرة ممتازة مع المفاعلات الروسية من نوع VVER ، وكما أن فنلندا لها خبرة مع فرنسا فى بناء مفاعل فرنسى من شركة “آريفا” موديل EPR1600 فى فنلندا، هذا المفاعل بدأ بنائه فى 12 أغسطس عام 2005 ، وحتى الأن لم يكتمل بعد ، ومن المتوقع أن ينتهى البناء بعد سنتين ، بمعنى أن فترة إنشائه ستكون أكثر من 12 سنة ، كما أن التكاليف زادت من 5 مليار دولار الى أكثر من 12 مليار دولار حتى الأن ، فعلينا أن نتعظ من تجارب ممن سبقونا.
لنا فى تجربة الصين مع أمريكا عظة وعبرة ، فمصر ليست دولة صناعية كبرى كدولة الصين ، كما أن الصين دولة مصنعة للمحطات النووية ، والصين لا تتعامل فى مشاريعها النووية من خلال أهل الثقة ولكنها تقوم بتجيش علمائها وخبرائها فى سبيل نجاح مساعيها لتوطين التكنولوجيات المتطورة فى بلدها. والأخطر من ذلك يكمن فى أن طاولة المفاوضات مع الجانب الروسى فى مشروع الضبعة النووى قد خلت من شيوخ وفقهاء النووية المصريين الذين أفنوا حياتهم فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، فالقائمون على مشروع الضبعة لم يمارسوا العمل من قبل فى هذا المجال . فهل نحن نسير على المنهج العلمى السليم والمتعارف عليه عالميا فى تعاملنا مع مشروع يعتبر أضخم وأخطر مشروع عرفته مصر طوال تاريخها ؟.
ثم أن هناك نقطة خطيرة تسترعى الأنتباه وهى أن هذا الجيل من المفاعلات النووية الروسية VVER1200 لم يتم تجربته بعد ، فالمحطة النووية الروسية والمقرر تنفيذها فى موقع الضبعة هى من الجيل الثالث بلس “+” ، موديل AES2006-VVER1200، وهى من مفاعلاتVVER الروسية ، والشئ الغريب والغير مألوف فى هذا الموضوع هو وجود إصدارين لهذا الجيل من المفاعلات ، فالإصدار الأول هو المفاعـــــل V392M، والإصدار الثانى هو المفاعــــــل V491، والإصدار الأول مختلف عن الإصدار الثانى فى التصميم. فأيهما سيكون المحطة المرجعية لمحطة الضبعة النووية؟ ، وكيف ستكون إحداهما محطة مرجعية وهى لم تدخل الخدمة ولم تجرب بعد ؟ فأين سجلات تنفيذ هذه المحطات وأين سجلات أختبارات بدء التشغيل وأين سجلات أختبارات الحروجية وأين سجلات التشغيل المستمر للمحطة على قدرة 100% وعلى فترات طويلة؟ ، وأين وأين وأين ؟.
وكان من المفروض أن يتم التعاقد على محطة تم تجربتها فى التشغيل على الأقل 5 سنوات. فروسيا لديها مفاعل VVER1000 وهو من الجيل الثالث ، وقد تم تجربته داخل وخارج روسيا ، فهو يعمل فى الهند والصين، وكان لزام علينا التعاقد على مفاعلات من هذا الموديل VVER1000. ولا توجد مشكلة فى أننا نتعاقد على 4 مفاعلات من موديل VVER1000 لأنها مجربة ، لكن المصيبة إننا بنتعاقد على 4 مفاعلات مرة واحدة من نوع VVER1200 والتى لم يتم تجربتها بعد ، وهذا خطأ كبير فى العرف الهندسى ، وكان المفروض أن يكون العقد لمحطة واحدة فقط ، لأن كتابة عقد واحد لعدد 4 محطات خطأ كبير ، فإذا كان العقد يحتوى على أخطاء فهذه الأخطاء سوف تتكرر فى الـ 4 محطات.
التعاقد على محطات نووية لم يتم تجربتها بعد يعتبر من النقاط الخطيرة التى يجب مراعتها ، فيجب أن يكون لكل محطة نووية عقد منفصل والعقد يجب ان يشمل تنفيذ المحطة والتدريب والوقود النووى. فليس من الصالح أن يكون لكل محطة 4 عقود منفصلة ومع 4 شركات روسية وهذه الشركات تتبع شركة “روس أتوم” Rosatom ، فهناك عقد للمحطة وعقد للوقود النووى الجديد وعقد للوقود النووى المستنفذ وعقد للتشغيل والصيانة. فما الداعى من عقد الوقود المستنفذ ونحن لن نفرط فى الوقود المستنفذ لأنه ثروة قومية حيث سيتم إستخدام أكثر من 97% من مكوناته فى مفاعلات الجيل الرابع من المفاعلات النووية. وما الداعى من عقد التشغيل والصيانة ، فشباب مصر سوف يتدرب التدريب الكافى على صيانة وتشغيل المحطة النووية ، وهو قادر على تشغيل وصيانة المحطة النووية ، ومصر ليست فى إحتياج لخبراء روس يقومون بتشغيل وصيانة المحطة النووية.
يجب أن نكون على دراية كاملة بكل هذه الأمور وأمور أخرى أشد خطورة ، حتى لا نقع فريسة لتأخير المشروع ، والتى سوف تؤدى الى زيادة تكاليف المشروع زيادة مطردة أو تؤدى لتوقف نهائى لتنفيذ المشروع ، وفى هذه الحالة ستكون الخسائر فادحة. اللهم قد بلغت اللهم فأشهد.