بقلم – محمد البنا:
عاد مبتسمًا كعادته كلما دخل علينا مساءً، يلكمني بقبضتيه مداعبًا، ثم يرفع أخي محمود عاليًا وسط ضجيج خفقان قلب أمي، ونظراتها المرتعدة، خشية انفلات أخي من مخالب قيضته.
تحلقنا جالسين حول الطبلية الخشبية، لتناول ما تيسر من طعام، سألته أمي بعينيها، فمد يده في الجيب العلوي لجلبابه، ودس في يدها بضع ورقاتٍ مالية، كنت أتابع المشهد من طرفٍ خفي، تفحصت أمي النقود، ثم ما لبثت أن رفعت رأسها إليه، بينما اللون الأصفر الباهت يزيح بياض بشرة وجهها المشوب بالحمرة، همهمت : إيه ده يا ابو محمد؟!
أجابها مترفقًا ومحاولًا احتواء غضبها : الحمدلله ..الشغل النهارده كان ضعيف يا أم محمد، يادوب غطى التلاتة جنيه، إديتهم لإبراهيم بيه، غلبان وعنده عيال، والباقي أهو معاكي .
جالت أمي ببصرها تتفحصنا ولم تُعقب، كنا ستة أولاد عدا رضيعها المتوسد حجرها .
أيام وتنتهي الأجازة الصيفية، لتبدأ معاناة أمي وقلقها المبرر، فلديها أربعة أطفال من السبعة يتوجب على أبي إعطائها ما يكفي من المال، لتجهزهم للإنتظام في مدارسهم، وكما هى العادة في هذا الوقت من كل عام، يتغيب أبي لمدةٍ لا تقل عن أربعة أيام متواصلة عن المنزل، ليعود بعدها ويضع في كف أمي الثلاثين جنيهً، عشرون منهم لشراء الملابس والأدوات المدرسية والأحذية، والعشرة المتبقية تكفي بالكاد للرسوم المدرسية والكتب الدراسية…تذكر