مخطوطات تحكي إسهامات العُمانيين في صناعة الحضارة الإنسانية
كتب – سمير عبد الشكور:
تعد دار المخطوطات والوثائق العُمانية بما تحويه من وثائق معجزة لما أبدعته القريحة العُمانية وما أنجزه الإنسان العُماني على مر التاريخ في مختلف فنون المعرفة.
إنها مساحة تُحفظ فيها آلاف الكنوز باعتبار أن المخطوطات والوثائق كنوز لا تقدر بثمن وهي دليل ملموس من أدلة حضارة أي بلد وعبقرية أناسه، وعندما تدلف إلى داخل الدار تجد الكثير من المصاحف القديمة المخطوطة بماء الذهب والمزينة بزخارف فنية بديعة تكشف ذوقا رفيعا للخطاطين العمانيين. ومئات من المخطوطات الفقهية ومخطوطات علم التفسير والأدب واللغة والتاريخ وعلم الفلك، ومخطوطات في علم البحار والطب والكيمياء، ومخطوطات في الأفلاج وعلوم كثيرة.
وحسب آخر إحصائيات دار المخطوطات فإن الدار تملك 5000 مخطوط قامت مؤخرا برقمنتها وتحويلها إلى مخطوطات رقمية متاحة للباحثين.
وإذا كانت دار المخطوطات تملك هذا الرقم فإن إحصائية أخرى تشير إلى أن عدد المخطوطات المتوفرة في سلطنة عُمان اليوم تزيد على 45 ألف مخطوط موزعة على مؤسسات متحفية رسمية ومكتبات عامة وأخرى خاصة يملكها عمانيون في مختلف محافظات السلطنة وهذا العدد في مجمله يعتبر إشارة إلى عبقرية الإنسان العماني وحضوره في السياق الثقافي الإنساني منذ أقدم العصور.
وتقوم وزارة التراث والثقافة ممثلة في دار المخطوطات بجهود كبيرة في الحفاظ على المخطوطات العمانية وترميمها وحفظها للأجيال القادمة.
وقد بدأت جهود وزارة التراث والثقافة في هذا المجال منذ فترة مبكرة من سبعينات القرن الماضي عندما سخرت جهودها من أجل التنقيب على التراث بمختلف أنواعه وأشكاله.
وإذا كان هذا المشروع ليس مشروعا لحظيا مرتبطا بزمان ومكان فإن جهود الوزارة في خدمة هذه المخطوطات ما زالت مستمرة، فإذا كانت قد حققت بعضها في ثمانينات وتسعينات القرن الماضي فإنها تعمد اليوم إلى تحقيق ما تبقى أو إلى إعادة تحقيق مخطوطات تم تحقيقها وفق مناهج تحقيق حديثة. كما عمدت الوزارة ومواكبة للثورة الرقمية إلى تحويل جميع مخطوطاتها إلى مخطوطات رقمية واضحة ودقيقة وحفظها بصيغ حفظ مختلفة.
فعندما يدخل المخطوط إلى الدار يعمد الفنيون هناك على تعقيمه ليتخلص من الفطريات والبكتيريا المتواجدة بين أوراقه، وهذه الفطريات تكون قد وصلت له نتيجة التخزين الطويل والبدائي ونتيجة الرطوبة والحفظ غير العلمي له.
ويمكن لزائر دار المخطوطات في وزارة التراث والثقافة أن يطلع على المئات من الكتب القديمة والمطبوعة بالطباعة الحجرية والتي يعود بعضها لما أنجزته المطبعة السلطانية في زنجبار، وهناك سيطلع على أجزاء قاموس الشريعة وبيان الشرع ودواوين من الشعر العماني، وكتب في التاريخ والفقه تعود إلى بدايات القرن الثامن عشر.
كما يمكن للزائر أن يطلع على فهارس للمخطوطات التي تمتلكها الوزارة، منها فهارس مخطوطات الطب، وأخرى لمخطوطات علم الرياضيات، وأخرى للفلك، وأخرى للكيمياء، وهناك فهرس خاص لكتاب قاموس الشريعة، ولبيان الشرع ولكتاب المصنف.
ومن بين نوادر المخطوطات الموجودة في الدار مخطوط لمصحف القراءات السبع، وهو يضم النص الكامل للقرآن الكريم مع القراءات السبع في حواشيه، وهذا المصحف بخط الخطاط العماني الشهير عبدالله بن بشير الحضرمي وهو من علماء صحار في القرن الثاني عشر الهجري. كما يجد مخطوطا للمصحف السندي بخط محمد بن فاضل السندي. وهناك المصحف الملون ومصحف الريامي ومصحف الحارثي ومصحف الوايلي.
وكانت وزارة التراث قد دشنت في وقت سابق من العام الجاري مكتبتها الرقمية التي تضم المخطوطات وأتاحتها للباحثين للقراءة أو للشراء الإلكتروني ويمكن لهذه المكتبة أن يتم مشاركتها ضمن مجموعات عالمية وضمن مكتبات رقمية لجامعات في مختلف دول العالم. وتتعاون الوزارة في رقمنة مخطوطات المكتبات الأهلية فهي تعتبرها شريكا استراتيجيا لها في حفظ التراث المعرفي العماني.
وخلال عملية ترميم المخطوطات يقوم بالمرمم بتنظيف أوراق المخطوط تنظيفا ميكانيكيا وتنظيفا كيميائيا، كما يقوم بعملية تثبيت الحبر ومعالجة حموضة الورق وفك الأوراق الملتصقة ببعضها، ودعم وتقوية الورق باستخدام التدعيم الحراري. وبعد هذه العملية الدقيقة تأتي مرحلة التجليد وهي مرحلة تقود المخطوط ليعود إلى وضع أكثر آمانا ويكون قابلا للتعامل معه بحثا ومطالعة إن لزم الأمر.
ودار المخطوطات والوثائق بوزارة التراث من بين المساحات التي تشعر الزائر العماني بالكثير من الفخر لأن أجدادا له أنتجوا كل هذا الكم المعرفي وساهموا في الرقي البشري، فلا يكاد مجال من مجالات المعرفة الإنسانية إلا كتب فيها العماني عبر القرون الطويلة، وهذا منجز يبعث على الفخر ودليل راسخ على الأدوار الحضارية التي قام بها العمانيون على مر التاريخ.