مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد حسن حمادة يكتب: مصر والإمارات خمسون عاما من الاستثمار في الاستقرار

يجمع الخبراء والمحللون أن العلاقات بين  الدول لا تقاس بعدد السنين، بل بطبيعة هذه العلاقة وقوتها، والمواقف السياسية والاقتصادية والاجتماعية بين تلك الدول، فالسنوات ليست حكما على تاريخية العلاقة، وإنما ما جرى في نهر تلك السنوات من مواقف  متراكمة تختزل الزمن وتتجاوز السنين، وهذا ما ينطبق بالفعل على العلاقات بين مصر والإمارات التي تتجاوز في طبيعتها السنوات الخمسين، لذا تحتفل الدولتان هذه الأيام بمرور نصف قرن عليها، مع إعلان قيام دولة الإمارات في الثاني من ديسمبر عام 1971، فالعلاقات بين القاهرة وأبوظبي سابقة على إعلان الدولة بين الزعيمين جمال عبد الناصر والشيخ زايد رحمهما الله فقد جمعت بينهما علاقات أخوية وقوية على أرضية العروبة ووحدة المصير المشترك، المفارقة أن (زايد) لم يلتق (ناصر) فقد كان هناك وعد واتفاق على اللقاء بينهما عقب القمة العربية التاريخية لحقن الدماء العربية عقب أحداث (أيلول الأسود) في الأردن في سبتمبر 1970. لكن القدر لم يتح فرصة اللقاء، ورحل الرئيس عبد الناصر عقب القمة مباشرة.

 

حل الرئيس السادات رحمه الله ومعه حرب السادس من أكتوبر 1973. التي كانت مثالا حيا على  وحدة العرب وسجلا خالدا لانتصار مصر وأشقائها في الخليج وباقي الأقطار العربية على العدو، لتتوج هذه الحرب وحدة الأمة العربية في أبهى صورها فبعد أن طوى العرب صفحة نكسة 1967 وفتحوا صفحة جديدة تؤكد قدرة العرب إذا ما توحدوا وتعاونوا ونسقوا فيما بينهم سيغيرون وجه المنطقة ويرسمون لها ملامح جديدة، والعلاقات المصرية الإماراتية نموذج حيوي وشاهد عيان على ذلك فكما اتفق الخبراء العسكريون المصريون على أن الدور الذي لعبه العالم العربي لدعم مصر في حرب السادس من  أكتوبر 1973، لا يقل أهمية عن دور الجنود المصريين، الذين استطاعوا اجتياز خط بارليف المنيع، وتحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يُقهر، أكدوا أيضا على الدور المشرف للإمارات في هذا الانتصار مرحبين بالدور البطولي الشجاع الذي قام به المغفور له بإذن الله الشيخ زايد الذي كان أول الداعمين لمصر  عسكريا واقتصاديا وإعلاميا ودبلوماسيا وطبيا فوقت الحرب كان الشيخ زايد رحمه الله في زيارة إلى لندن وفور علمه بنبأ الحرب وجه الشيخ زايد سفير الإمارات فى لندن بأن يقوم بحجز جميع غرف العمليات الحرجة المتنقلة وشراء هذا النوع من كل دول أوروبا ليعالج فيها الجنود المصريين والسوريين، كما قام بإرسال مواد طبية وعدد من عربات الإسعاف والمستشفيات الميدانية والمواد التموينية بصورة عاجلة مع بدء الحرب للجبهتين المصرية والسورية، لاحظ الشيخ زايد رحمه الله أثناء متابعته لسير المعركة لحظة بلحظة من خلال الصحف ووكالات الأنباء العالمية تحيزها السافر لإسرائيل وقلبها للحقائق وبذكاء قرر أن تصل الحقيقة إلى أوروبا ومن ثم إلى العالم فجمع أربعين صحفيا ومراسلا أجنبيا من بريطانيا ومن كل أوروبا ممثلين لأكبر الدور الصحفية في بريطانيا، وألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، لنقل الحقيقة من قلب المعركة وكل نفقاتهم على حسابه الشخصي ومن ماله الخاص لتصل الحقيقة إلى الرأي العام العالمي بدون رتوش، فعقد الشيخ زايد مؤتمرا عالميا بلندن وكان له صداه الدولي على شعوب العالم الرافضة للاحتلال الصهيوني، كما وجه بتحويل الإعلام الإماراتي إلى إعلام عسكري لنقل أخبار الحرب، كما أعلنت أجهزة الإعلام الإماراتية حالة الطوارئ  القصوى في أجهزتها المختلفة ووجهت كل طاقاتها الإعلامية لدعم المعركة، كما كان رحمه الله أول حاكم عربي يستدين من البنك الدولي قرضا بقيمة مليار دولار وتحويلها للاتحاد السوفيتى آنذاك تحت بند شراء الأسلحة لكل من مصر وسوريا، على ذمة الحرب الدائرة في سيناء والجبهات العربية كما فرض الشيخ زايد على موظفي  الدولة في دولة الإمارات التبرع بمرتب شهر كامل لصالح دعم مصر، كما كان الشيخ زايد أول حاكم عربي يتبرع لدول المواجهة بمائة مليون جنيه إسترليني على الرغم من الأزمة المالية التي كانت تمر بها الإمارات وعندما سئل عن قيمة هذا الدعم قال قولته الخالدة:  “إن الثروة لا معنى لها بدون حرية أو كرامة، وأن على الأمة العربية وهي تواجه منعطفا خطيرا أن تختار بين البقاء والفناء بين أن تكون أولا تكون، بين أن تنكس أعلامها إلى الأبد أو أن تعيش أبية عزيزة مرفوعة أعلامها مرددة أناشيدها منتصرة”. أما دور الإمارات الأبرز في هذه الحرب فكان استخدام سلاح النفط ومقولة الشيخ زايد رحمه الله:  النفط ليس أغلى من الدم العربي”. وعندما تفتح أفواه المدافع، سوف نغلق على الفور صنابير البترول، ولن نكون بعيدين عن المعركة”.

وكما كان الشيخ زايد مساندا لمصر في الحرب، فكان داعما لها أيضا في وقت السلم، حيث وقف الشيخ زايد إلى جانب مصر عندما تم مقاطعتها من قبل بعض الدول العربية بعد القمة العربية في بغداد عام 1978 بسبب      توقيع اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع إسرائيل، حينها قال الشيخ زايد مقولته الشهيرة: لا يمكن أن يكون للأمة العربية وجود من دون مصر، كما أن مصر لا يمكنها بأي حال من الأحوال أن تستغني عن الأمة العربية”. وظل الشيخ زايد على تواصل مع مصر رغم مقاطعة عدد كبير من الدول العربية، ولعب دورا بارزا في إعادة الوئام بين الأمة العربية ومصر. 

قد يهمك ايضاً:

 

وبعد وفاته حافظ بنوه على وصيته وحذوا حذوه وكانوا حريصين على تنمية العلاقات مع القاهرة في كل المجالات وخاصة المجال العسكري الذي يعد أحد أهم وسائل التقارب بين البلدين وكان شعار البلدين في هذا المجال هو (الاستثمار في الاستقرار) للحفاظ على أمن واستقرار المنطقة، من أجل توحيد الصوت العربي وتعزيز العمل المشترك بين كافة الدول العربية، فكانت الزيارات العسكرية المتبادلة والمناورات العسكرية المشتركة والتدريبات البحرية والجوية والبرية بين البلدين وشهدت افتتاحات مصر العسكرية حضورا دائما من الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات، حيث حضر افتتاح قاعدة (محمد  نجيب العسكرية) عام 2017.

 وافتتاح قاعدة (3 يوليو) على ساحل البحر المتوسط، وافتتاح قاعدة (برنيس) على البحر الأحمر، مما يؤكد على أن الإمارات في قلب مصر لتشكل العلاقات المصرية الإماراتية نمطا له خصوصيته ضمن أنماط العلاقات القائمة بين الدول العربية، فهي وإن استندت إلى الروابط التاريخية والثقافية والجغرافية، والدوافع القومية والدينية، والأخوة الراسخة بين البلدين قيادة وشعبًا،  تقوم في الوقت ذاته على أسس التعاون المتكامل، وتعظيم المصالح والمنافع المتبادلة، والتكاتف في مواجهة التحديات والأزمات.

وعلى مدى خمسين عاما تطور التواصل والتعاون المتبادل بين البلدين، وتوطدت العلاقات على مختلف المستويات الرسمية والشعبية، والتي رسخت شراكة استراتيجية، لها أسسها وأهدافها الحيوية، والتي لم تتأثر برغم ما واجهته المنطقة من أزمات، وانطلاقا مما سبق فإن الشراكة الاستراتيجية ببن مصر والإمارات ارتكزت على عوامل ومحددات ساعدت على تنمية وتطوير العلاقات المصرية الإماراتية، وأسهمت في إثراء هذه العلاقة الممتدة، ولعل الدعم الإماراتي لمصر بعد ثورة   30 يونيو2013 مهد لـمرحلة جديدة من  الشراكة الاستراتيجية القائمة على المساندة والتآزر في جميع المواقف، والتي تعد نموذجا بارزا لما يجب أن تكون عليه العلاقات العربية العربية، فمصر والإمارات قلب واحد وتشكلان معا عنصر استقرار إقليمى فمصر والإمارات تكتبان يدا بيد، قصة إخاء وتلاحم تاريخي، عبر خمسة عقود من المواقف المشرفة التي جمعتهما على الحب والتعاون والعمل المشترك لتحصين استقرار وتنمية المنطقة وشعوبها، في نموذج لا يضاهى يقدم مثالا استثنائيا لوحدة الصف والمصير، وتغليب مصالح الشعوب، والعمل لخير الجميع فمسيرة التآخي بين مصر والإمارات ستبقى تجسيدا لرؤية ثاقبة ونبراسا ملهما يقدم أروع المثل على عمق العلاقات القائمة على رابطة الدم والعروبة والحرص المشترك على التعاون الدائم، الذي يؤكد أهمية التكاتف والحكمة في السياسات الساعية للسلام والاستقرار والانفتاح والتنمية والتكاتف، لمواجهة التحديات واستدامة الأمن لخير البلدين والأمة العربية والعالم.

حفظ الله مصر والإمارات قيادة وشعبا وجيشا.