مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

محمد حسن حمادة يكتب: ابتسامتي المزيفة

4

منذ صغري وقبل أن أدخل عالم الصحافة وأنا من هواة الصور، وعندما دخلت عالم الصحافة عرفت قيمة الصورة وخاصة في هذا العصر، فكما قال أنيس منصور الصورة بألف مقال، وكنت من أنصار الفنان القدير نور الشريف رحمه الله الذي كان يقول ( الصورة إللي متعجبكش قطعها علشان حاتفكرك بذكري سيئة)  ومنذ أن دخلت عالم السوشيال ميديا وخاصة الفيس بوك الذي يقدس الصورة وصار لي( أكونت ) صفحة كانت إستراتيجيتي الأساسية والأولي تسويق مقالاتي، ومحاولة معرفة رأي الأصدقاء فيما أكتب، وحتي لاتكون الصفحة جامدة، من حين لآخر كنت ومازلت حريصا علي كسر الجمود بالصورة، التي توثق وتؤرخ للحظة من لحظات حياتي، وغالبا ماتكون لحظة نجاح فأقبض عليها كمن يقبض علي خيوط نهار جديد، مازلت أنتظره وأبحث عنه بشغف.

وعندما راجعت بالأمس صفحتي محملقا في كل الصور لاستعادة لحظات فرح  وبحثا عني عن (محمد حسن حمادة) الحقيقي الذي فقدته في غفلة من الزمن ولم أجلس معه كثيرا أتحاور معه كما كنت في الماضي، كما أنها فرصة للتقييم والتقاط الأنفاس.

هذه الصور التي لايعرف كواليسها غيري، فحتي من صوروني صوروا الشكل والمظهر الخارجي، أما الإحساس الداخلي فلا علم لهم به وخاصة أنني أصدر لهم ابتسامة أو بالأحري أتظاهر أمام الكاميرا بالابتسامه (علشان الصورة تطلع حلوة) مع الاعتذار لأحمد ذكي رحمه الله ووحيد حامد ورائعتهما الجميلة فيلم (اضحك علشان الصورة تطلع حلوة).

اكتشفت أن عشرات الصور مطلية بلون الفرح المصنوع والمتكلف، وأن كثيرا من هذه الصور لاتعبر عني، وعندما غصت أكثر وراء كواليسها تعجبت من نفسي كيف استطعت التغلب علي أحزاني وخرجت مني هذه الابتسامة الزائفة؟

هل هذا ماأريد تصديره؟

هل هذا أنا؟ أم أن هذا مايريده المجتمع والناس؟

 

أين صور الفرح ولحظات السعادة؟

 

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : نحن بحاجة للحب

خلل التوازن التربوي يؤدي لفساد الابناء

كانت قليلة فغالبا ماتكون علي شكل مقال خرج من أعماقي وكان يحوي كلمة حق علها تسهم في بناء الوطن أو ينتفع بها أحد أولعلها ماتكون من حفل توقيع أو توقيع عقد لكتاب جديد أو لرواية جديدة، ففرحتي هنا تشبه فرحتي بطفلي الوليد وقتما خرج إلي النور، فأتأبطه بين ذراعي ولكن سرعان ماأطرحه جانبا فبعد خروجه للنور أنساه وأفكر في عمل غيره فلم يعد ملكي بل ملكا للناس وصار مجرد سلعة يحدد سعرها غيري (دار النشر) فينحصر الإبداع  في أرقام، أو مع شخصية مهمة تمنيت إجراء حوار صحفي معها، وقبل أن أقلب باقي الصور وجدت حافظة بلاستيكية كنت أدخرها لنفسي وحتي وقت قريب كنت حريصا علي وضع نسختين من أعمالي لصناعة أرشيفي الشخصي مازلت أحتفظ بأول تحقيق نشر لي وكان في جريدة الأنباء العربية التي كان رئيس تحريرها آنذاك أستاذي الأستاذ الكبير جمال الديب أول من أمن بي وبموهبتي ومنحني فرصة شرف العمل معه لأكون أحد تلامذته في مدرسته مدرسة الضمير الحي والصحافة الحرة التي لاتعرف إلا الحقيقة والمهنية.

 

كما أنني مازلت أحتفظ بأول مقال نشر لي في جريدة (المصريون) التي كان يترأسها الأخوان الأستاذ جمال سلطان ومحمود سلطان والآن ضمت لأخبار اليوم ومنذ أن دخلت عالم السوشيال ميديا أصبح جوجل هو أرشيفي فماعدت أهتم بالصحافة الورقية التي عفا عليها الزمن وصارت تلفظ أنفاسها، فهي الآن في الرمق الأخير ولم يتبق إلا الإعلان في مصر عن وفاتها إلا أن الدولة مازالت مصممة علي ضخ الحقن والمسكنات في نعشها.

خرجت من ألبوم صوري من علي صفحتي وأخرجت ألبوم صور العائلة هزتني صوري القديمة صور الطفولة فكأني وجدت مبتغاي وظفرت بالكنز الحقيقي، فهذه صورة مع أبي وهو يحتضنني وأخري مع أمي وهي تداعبني وصورة لي مع أخي وصورة مميزة مع إخوتي البنات وصورة جميلة مع الأصدقاء وصورة أجمل مع العائلة… العائلة التي يرقد معظمها تحت الثري الآن ولم يتبق منهم ومن ومشوار حياتهم إلا صورة صارت أثرا من الزمن الجميل نعود إليها فنتذكرهم ونتحسر علي أيامهم ولايسعنا إلا قراءة الفاتحة علي أرواحهم الطاهرة.

أما الصور التي شعرت فيها بصدق حقيقي فكانت مع أولادي ضبطت نفسي وأنا أبتسم فيها ابتسامة حقيقية بلا رتوش  نابعة من القلب وجدت ضحكتي صافية بريئة كبراءة الأطفال عندما كنا أطفالا مجردين من الهموم والمشاغل والمسئوليات وصراع الحياة الذي أصبح يطحن عظامنا ويقتل أجمل مافينا، غابت عنا الروح حتي صرنا كالآلة، ولكن علي وسائل التواصل الاجتماعي الأمر مختلف نكون أشبه برسل وملائكة ووعاظ وحكماء وقديسين وكأننا لسنا بشرا ومعصومين من الأخطاء جميعنا يداري شروخه ولواعجه بضغطة زر واحدة لنهرب من عالم الواقع الأليم بكل مآسيه لنتوه في غياهب الواقع الافتراضي، لندخل متاهات النسيان والإدمان نعم فوسائل التواصل الاجتماعي أصبحت نوعا من أنواع التخدير وسرعان ماندخل في (المود) ونتقمص أدوار أخرى غير شخوصنا ونرتدي قناع البراءة، حتي كدنا نصدق أن الأكذوبة حقيقة والتلون صناعة والزيف بضاعة رائجة والتصنع وسيلة والتجمل أداة والكذب والنفاق حرفة حتي أصبحنا جميعا نسخة من الدكتور جيكل والسيد هايد في رائعة الكاتب الأسكتلندي العظيم : روبرت لويس ستيفنسون التي تغوص في أعماق البشر وتصفنا جميعا وكأنها مكتوبة لتوها في هذا الزمن، تصف بجدارة طبيعة الإنسان في الخارج، الحريص علي الحفاظ علي صورة الطهر والعفاف والتقي والنقاء، وفي داخله بركان من الشرور والآثام، لكن من لطف الله سبحانه وتعالي أنه وحده هو الذي يطلع علي السرائر، قلت في نفسي هل سيأتي يوم علي أولادي عندما يشبون سيجلسون هذه الجلسة ويحتضنون صورتي معهم وأصبح في نظرهم مجرد ذكري جميلة في صورة؟

وأي صورة سيعتزون بها؟

وأي صورة ستلمس مشاعرهم؟

وهل هذا ماسيتبقي مني؟

أم سيكون لي رأي آخر؟

اترك رد