مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

قراءة نقدية للمجموعة القصصية (في سرية تامة) لأحمد جلبي

212

قراءة نقدية للمجموعة القصصية (في سرية تامة) لأحمد جلبي

بقلم/ د. منى محمد حسن بركات

نتناول في هذه القراءة النقدية المجموعة القصصية (في سرية تامة) التي صدرت طبعتها الثانية في العام 2019، عن دار مكتوب في القاهرة، للكاتب الروائي المستشار (أحمد محمد جلبي) وهو من كتاب القصة والرواية والنقد الأدبي.

-صدر له:

  1. التي طارت في الليل، إصدار دار النيل، 2007.
  2. مقاتل على جبهة الخوف، إصدار الهيئة المصرية العامة للكتاب، سلسلة اشراقات، 2013.
  3. عاشقة الليل، إصدار سنابل للكتاب، 2016.
  4. قواعد الاشتباك، إصدار دار مكتوب، 2017.

-قدم للمسرح عدد من المسرحيات؛ مُثلت منهما اثنين عام 2011 وعام 2014.

-نُشرت له العديد من القصص القصيرة في العديد من الجرائد منها: الأهرام المسائي، وروزاليوسف، والأخبار، وكذلك في العديد من المجلات الأدبية؛ منها: إبداع، والثقافة الجديدة، ومجلة نادي القصة.

– له العديد من المقالات نشرت في حينها بالجرائد والمجلات السابق ذكرها.

– نشر العديد من الدراسات النقدية فى عدد من الجرائد والمجلات القومية مثل: الأهرام المسائى، وروزاليوسف، ومجلة نادى القصة، ومجلة أصوات قصصية.

 -رواياته: غدير العنقاء. وما يملك سلطان.

 – مجموعاته القصصية القصيرة:  فى سرية تامة، وسنوات المجد الأعظم.

 تحت الطبع: دراسة: إفريقيا فى الاستراتيجية العسكرية للولايات المتحدة (1945- 1991).

والمجموعة التي سنتناولها في هذه القراءة النقدية تنتظم بين دفتيها خمس وعشرون قصة قصيرة؛ احتوتها 163 صفحة من القطع المتوسط. وقد تضمنت قصص: زواج الفارس، لأمسية واحدة، ذات الألف وجه، حزب بهانة، ورقة الخوارج، المنحنى الأبيض، وجهة نظر، سنوات المجد الأعظم، مغامرات قطوط، زهور تملأ أرض الغابة، أوراق هاربة، أنقاض التفاصيل، دائرة في اتجاه البحر، في سرية تامة، كاهنة الاحتملات، جنات العزم، الأزرق التحفة، متأثراً بجراحي، المهمة اسمها نادية، لمعان القطعة الناقصة، ولم يقاطعني أحد، الاستعراض، سارة: ذات الأسرار، محمد المسيحي. وقد كُتبت هذه القصص على مدار 10 سنوات كاملة؛ بدأها من العام 2008 وحتى العام 2018.

ومن هذه المجموعة القصصية قصتين طويلتين هما: (الاستعراض) و(سارة ذات الأسرار)، وقصتين احتوت كل واحدة منهما صفحتان فقط وهما: (أوراق هاربة) و(أنقاض التفاصيل)، بينما جاءت باقي القصص متوسطة الطول.

ولنبدأ قراءتنا النقدية بالإهداء فعلم النص (علم الدراسات النصية الحديثة علمنا أن نبدأ من الإهداء). يقول كاتبنا في الإهداء: “إلى أمي ذات النور والبدر المنير، والتضحيات في سبيل أبنائها وأسرتها لأكثر من خمسين عاماً فلم تكل أو تمل أو تتبرم. إلى زوجتي أم عمرو الوفية الصالحة وعمرو ابني الذي أحب أن أراه في أحسن حال. إلى أخوتي محمد التالي والوالي وأماني التي اسمها الدلع غادة ولا أدري لماذا، ويحيى وأيمن وألادهم؛ الأسرة التي جالد أبي الحبيب الراحل الصخر كي ما تعيش وتزهر أوراقها. إليهم جميعاً مجموعتي القصصية (في سرية تامة).. أو غير تامة هم سيقررون تمام ذلك”([1]).

إذاً الفكرة التي تطرح نفسها من الإهداء هي الأم (أي مصر الأم الرءوم للمصرين والعرب)، والأسرة بما فيها من زوجة وأبناء وأخوة وأبناء أخوة؛ أي (العائلة وهي الوطن العربي بكل أبنائه؛ الأخوة أولاد الأخوة). وهي رسالة سوف تصل إلى العرب جميعاً في سرية تامة أو غير تامة!.

‎ونحن نسعى على امتداد هذه القراءة لمحاورةَ النصّ ومقاربةَ مساحاته المعتَّمة، ويُعدُّ العنوان مرتكزاً أساسيا في قراءة النص الأدبي؛ باعتباره نصاً موازياً لمتن القصة القصيرة. ونظراً لما يحمله العنوان الرئيس من دلالات تعبيرية وإيحائية؛ فقد أصبح يجسّد السند الأول لسبر أغوار النص وولوج تلابيبه.

يَتشكَّل العنوان الرئيس للمجموعة القصصية من ثلاثة كلمات هي (في سرية تامة) وهو يحمل دلالات متعددة؛ منها: أننا أمام عمل عسكري أو مهمة لجهاز أمني أو على الأقل هي مهمة على درجة عليا من الأهمية؛ حيث تومئ هذه الألفاظ بدلالات أخرى تصب في مصالح الوطن العليا.

والعنوان من الجانب التركيبي قد جاء عبارة عن مبتدأ محذوف وخبر شبه جملة وصفة؛ فيا ترى ما هي الكلمة المحذوفة من العنوان؟. وهل من الممكن أن يكون العنوان: (مهمات تتم في سرية تامة)؟. ثم إن كلا من اللفظتين (سرية) و(تامة) في العنوان قد جاءتا نكرةً؛ ربما لِتمارسا تَكتُّماً يجعل القارئ متلهفاً للتطلُّع على فحوى النصّوص ويدفعه أكثر لاكتشاف بواطن ما تحويه القصص التي بين أيديه؛ حيث يرسلنا التنكير للبحث والتساؤل عن طبيعة هذه المهمات التي ينبغي أن تتم (في سرية تامة).

العنوان احتشدت فيه معانٍ كثيرة فوضعنا بذلك أمام أفقٍ شاسعٍ للتأويلات؛ وهذا ما يجعلنا نستنجد بالمتن، من هنا سنحاول تلمُّس المعنى في الخطاب النصي لقصة (في سرية تامة) التي سميت هذه المجموعة باسمها. وعندها سنرى مزارعاً غاب عن أرضه التي من أحسن وأجود الأراضي والتي ورثها عن أبويه تاركاً الزرع والحصاد والري؛ شهوراً طوالاً قضاها وهو يحفر تحت الأرض بحثاً عن كنز أجداده الفراعين القدماء في سرداب تحت الأرض التي بنى عليها الفراعين القدماء معابدهم وقبورهم. ولكن نهاية حفره لم تكن سوى تماثيل هائلة الحجم منحوتة في الصخر؛ عملاقة الملامح والسواعد والأبدان؛ كتلة حجرية صماء لا تحتوى ذهباً ولا فضة.

والرأي عندي أن الكاتب هنا يؤكد على عروبة مصر؛ وأن الكنز الحقيقي سنجده بالبحث داخل الذات العربية التي ورثناها عن آبائنا العرب وبالحفاظ على الأرض العربية واستثمارها وزراعتها وليس تخريبها من أجل البحث تحتها عن كنوز الفراعين القدماء؛ فالكاتب في هذه القصة يهمس في أذن كل المصري بضرورة البحث عن الكنز الحقيقي ألا وهو إصلاح الحاضر بدلاً من الانشغال بالماضي والتغني بأمجاد الأجداد؛ فالأولى بالمصري أن لا يهدم الحاضر بحثاً عن الماضي؛ فهذا هو المعنى العميق لهذه القصة والذي اختار الكاتب أن يهمس به في أذن كل مصري في سرية تامة. ومن هنا فإن الإنسان العربي والأرض العربية هما الهم والهدف الأسمى لكل قصص هذه المجموعة؛ هذا ما ستثبته لكم السطور القادمة.

في العتبات الداخلية للمجموعة نبدأ بالحديث عن عنوان القصة الأولى (زواج الفارس)؛ وافتقاد الفارس/ الزعيم هو سر أزمتنا؛ فالفارس هو العملة الصعبة؛ هو ما نبحث عنه في يومنا هذا؛ فمن لنا بفارس كعبد الناصر؛ فارس يقيل هذه الأمة من عثرتها. وفي متن القصة ما يؤكد ذلك؛ فالفارس هنا هو الأمير( ابن السلطان الكامل) (وهو من بني صلاح الدين سلطان العرب وحامي المسلمين)؛ نراه وهو يعتق (شجر الدر)؛ يعطيها حريتها ثم يطلب أن يتزوجها، وعليه فإن المرأة هنا وطن يريد الحرية؛ وطن يحتاج فارساً يعتقه من قيود كثيرة تكبله وتمنع انطلاقه نحو التقدم؛ فارساً غير قابل للاتصاق بالكرسي؛ يشرع هو بنفسه بإعطاء الشعب حرية التعبير والعمل والاختيار.

ولننظر أيضاً في عنوان قصة (ذات الألف وجه): يتكون هذا العنوان من خبر مكون من مضاف ومضاف إليه؛ فهناك حذف مضموني في الكلام، حيث كان يجب أن يقول: (هذه هي ذات الألف وجه) أو (المرأة ذات ألف وجه). ولكن من هي المرأة التي لها ألف وجه؟!. وإذا كان الكاتب قد جعل لامرأة ألف وجه، فللقارئ أن يتساءل: كيف يمكن أن يكون لامرأة ألف وجه؟!. وعند الاستنجاد بالمتن رأينا الكاتب يضع الفوكس على مشكلة المرأة العربية التي فرضت عليها التحولات الاجتماعية والأزمات الاقتصادية أن تتقمص صورة الرجل المسيطِّر المدمِّر والشرس الدءوب على كسب المال، صلب المشاعر في تعاملاته المادية وفي سياساته وتآمره وقدرته على الإرعاب. ثم نفاجؤ بوجهها الغائم البائس المحروم حقًا وهي تروي كيف تركها خطيبها السابع على الرغم من إلحاحها في الاعتذار له لمجرد أنها قالت رأيها بصراحة في اتفاقية عمل أبرمها. وعندما تجاوزت الأربعين صارت ترتدي وجه البائسة المطيعة التي بلا بخت. أما عندما بدا لها عريس فجأة وكانت لم تفقد الأمل بعد في الانجاب فلبست وجه الطيبة ولم تعد تهتم بعملها وصارت تتعامل مع الناس بمنتهى اللطف، ثم بعد تمت الخطبة ظهرت بوجه الطيبة الصالحة الصابرة الراضية بقضاء القدر، وبعد أن تم الزواج صارت سيدة منزل بمعنى الكلمة وحاولت دائماَ أن تجعل زوجها الأول ثم بعده آي شئ.

فهنا حدثت تغيرات في هذه الشخصية تبرر الاسم؛ وقد نجح الكاتب في هذا التبرير ونجح أيضاً فى وصف شعور السيدة العاملة التي أجبرتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية لأن تكون قوية، وعدوانية ثم أجبرتها ثانية إلى أن تتحول إلى أنثى حقيقية. ولكن ما الذي يرمي إليه الكاتب من وراء هذه التحولات؟!.

في رأيي أن الكاتب قد جعل من هذه السيدة معادلاً موضوعياً يجسد عن طريقه التحولات التي طرأت في المجتمع العربي فأثرت على قناعاته ونظرته تجاه المرأة العربية فيما بين ستينيات القرن الماضي وثمانينياته. ففي الستينيات كانت الدعوة على أشدها لتحرير المرأة وخروجها للعمل ونيلها حقوقها -التي كانت في نظر الداعين لحرية المرأة وعلى رأسهم الزعيم جمال عبد الناصر؛ مساوية تماماً لحقوق الرجل- أما في نهاية السبيعينيات وبداية الثمانينيات فرأينا دعوة مضادة -تبنتها الجماعات الأصولية التي تُركت لها الفرصة للسيطرة على المؤسسات والنقابات والإعلام فأثرت على العقلية العربية- لإعادة المرأة إلى البيت، وتركها مجال العمل للرجال، ورضائها بدور ربة المنزل فقط.

وأيضاً عناوين القصص مختارة بعناية لتساهم فى إكمال الصورة الحكائية؛ ولننظر مثلاً في عنوان قصة (دائرة في اتجاه البحر) التي تُظهر أيديولجية كاتبنا العروبي الناصري؛ فعند قراءتي لهذا العنوان ثارت عندي تساؤلات عديدة منها: هل تتناص([2]). هذه القصة ومسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) التي أقر كاتبها في نهايتها بأن الأرض لمن زرعها والولد لمن ربَّاه؟”([3])، أم أنها تستحضر المثل القائل: (على الباغي تدور الدوائر)؟. إنها عزيزي القارئ رسالة من الكاتب إلى مغتصبي الأرض العربية بأنها مجرد أيام لهم؛ سيعلون فيها ولكن في نهايتها ستدور الدائرة بهم في اتجاه البحر لكي يعودوا من حيث أتوا؟. وتعالوا لأثبت لكم ذلك.

عندما نظرت إلى المتن وجدت قصة تشبه قصة الأسير (شاليط)، وأحد الاشتباكات التي دارت في (دير البلح بقطاع غزة) بين عناصر المقاومة الفلسطينية وفرقة من الجيش الإسرائيلي، وكيف ارتبطت حياة الأسير الإسرائيلي بمن أسره من الفلسطينين، فلو أصابتهم قذيفة فإنه سوف يموت معهم؛ وهو لا يريد أن يموت ثم تدعي الحكومة الإسرائيلية بأنه قد مات بطريق الخطأ؛ ولذلك ينبه الأسير آسره بأن هناك تتبع لحركتهم يشبه التتبع الذي أودى بحياة الشهيد أحمد ياسين، ويفحص له ما معه مقتنيات ليجد جهاز التتبع مزروعاً في المسدس؛ فيتخلص منه بنفسه؛ حتى لا يستطيع الجيش الإسرائيلي تحديد مكانهما وقصفهما معاً، إذاً فالإسرائيلي يريد حياته فقط ولا يهمه الأرض ولا من عليها، أما الفلسطيني فيريد مبادلته بأسرى فلسطينين؛ يريد الحرية والحياة الكريمة لشعبه؛ يريد استرداد أرضه المغتصبة؛ يريد الكرامة للعرب أجمعين.

وعليه فإن هذه القصة بتناصها ومسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) تنتصر للحق الفلسطيني؛ لتؤكد أن الأرض المسلوبة من حقنا وستعود إلينا، ولتوجه رسالة في سرية غير تامة إلى الإسرائيليين تؤكد لهم فيها أن الأرض الفلسطينية لأصحابها؛ فالأرض بتتكلم عربي، وإن هي إلا أيام لكم أيها المستعمرين الباغين العالين في الأرض علواً كبيراً بعدها ستدور عليكم الدوائر؛ دائرة في اتجاه البحر([4]). ومن هنا فإن هذا العنوان لا يمثل ملخصاً للقصة أو مؤشراً لها فقط وإنما هو استكمال لها، بمعنى أن القصة لا تتم إلا به.

ولا أريد أن أتطرق إلى كافة العناوين في هذه المجموعة القصصية وإنما أترك للقارئ اكتشاف ما قد توحي به بقية العناوين من أفكار واستنتاجات.

السرد واللغة:

تعددت الأصوات السردية عند الكاتب فتوزعت بين استخدامه ضمير الغائب، ويكون السارد من نوع السارد أو الراوي العليم الذي يعرف كل شيء عن الأحداث وتطورها في القصة، (وقد سيطر الراوي العليم بضمير الغائب على قصص: زواج الفارس، ذات الألف وجه، حزب بهانة، المنحنى الخطر، وجهة النظر، سنوات المجد الأعظم، زهور تملأ الغابة، أنقاض التفاصيل، دائرة في اتجاه البحر، في سرية تامة، كاهنة الاحتمالات، جنات العزم، الأزرق التحفة، المهمة اسمها نادية).

وفي أحيان أقل استخدم ضمير المتكلم الذي سيطر على قصص: (لأمسية واحدة، ورقة الخوارج، أوراق هاربة، متأثراً بجراحي، لمعان القطعة الناقصة، ولم يقاطعني أحد) التي كان السارد فيها من نوع السارد المشارك الذي لا يعرف عن الأحداث في القصة أكثر مما يعرفه القارئ.

وربما استخدم الكاتب أكثر من ضمير في القصة الواحدة كما في قصة (سارة ذات الأسرار) التي زاوج فيها بين ضمير الغائب وضمير المتكلم وإن غلب عليها السرد بضمير الغائب بالإضافة إلى سيطرة الحوار عليها.

وقد تراوح استخدام السارد لضمير الغائب بين الفعل المضارع الذي يدل على الحال والاستقبال، وبين الفعل الماضي الذي يدل على انقضاء الحدث ليصبح مجرد ذكرى، يقول الراوي في قصة (كاهنة الاحتمالات): “عنده أسباب موجودة على الزمن الذي أطاح بطموحاته، وكأنه لا يبالي، توالي قطع السحاب البيضاء؛ مع توالي ألوانها المبهرة في انعكاسات شمس الظهيرة أمسك بإحدى الجرائد الأجنبية، يملك مهارة الحديث بلغتين رغم الستائر التي أسدلت على تفوقه”([5]).

كما نجح الكاتب في استخدام تكنيك «الرواية البوليفونية» «Polyphonie»([6])؛ التي سيطرت على قصة (مغامرات قطقوط) فأعطت الكاتب القدرة لأن يتعامل بحساسية شديدة جداً؛ فيصف لنا مشاعر وأحاسيس أخوية وأبوية لأسرة مكونة من أب وابن وقط يربيه الأب وابنه؛ حيث سرد الكاتب قصة واحدة ثلاث مرات بواسطة الشخصيات الثلاث -الأب وابنه وقطهما- فبدأ الرواية من لسان الأخ الذي نقل لنا مشاعره نحو أبيه وأخيه القط: “حين أطل القط الصغير وجعل بتشمم جواربي وقدمي بكل براءة، أدركت انه أحضره، جعل من مكتبه مقره وحضانته، فك أسرة وسمح له بالتجوال في المكان، قد يتوقع أن أذهب وأن أحادثه معترضًا لا، لا.. متسائلاً بعبارة: لماذا أحضرت قطًا للمنزل؟!. وقطعًا سيرد: مالك أنت بما أحضر لمنزلي؟!. …؛ هذا شأني!”([7]).

ثم يقوم القط بوظيفة الراوي فينقل لنا مشاعره ويقول: “إنه أنا القط. أنا من سيتحدث هذه المرة، فالرجل الذى لم أُنادى باسمه أمامي ولو لمرة واحدة هو تقريبًا أبي، والفتى الذى لا أعرف اسمه هو الآخر أخي. إننا جميعًا لا نتحدث، ربما نصدر أصواتا، همهمات، نتفاهم بالنظر والحدس وطبيعة الأمور، بالنقر على الطبق، والتحديق بالشفق…”([8]).

ثم يتحدث الأب عن مشاعره الأسرية تجاه ابنه وقطه؛ وعشرته لقطقوط ومرض ابنه وكيف أن قطقوط كان يرابط إلى جوار الفراش لأيام متوالية، تماماً كما كانت تفعل زوجته الراحلة التي كانت تجزع لأي عارض يلم به. والأب سعيد لأن القط أصبح ميالاً للاعتراف بأبوته، يقول: أنا أيضًا أملك مع برجماتيتي حسًا من التعاطف والحنو، تركت الأمور تمضي بلا استعجال للنتائج، في داخلي يقبع قط منتظراً الفرصة”([9]).

وهكذا استخدم الكاتب الرواية البيليفونية؛ لوصف مشاعر أسرة من أب وابن وقطهما لكي يجعل كل واحد منهم يروي مشاعره تجاه الآخر فيبوحون للقارئ بكيفية تطور الأمر بهم إلى أن صاروا يفهمون بعضهم بعضاً، ولا يستغنون عن بعضهم البعض؛ وكأن الراوي أحَبَّ فى هذه القصة أن يرينا العالم من خلال وجهة نظر القط، وأن يري القط بعيون آخرين، أو كأنه يحاول كسر ذلك الجدار الخفى بين العالمين –الإنسان والحيوان- بتوحيد الرؤية؛ وذلك لكي يجسَّد للقارئ العلاقة بين (الأنا/ الإنسان) و(الآخر/ الحيوان) ضمن هذا الكون. وقد استطاع الكاتب باقتدار أن يقدِّم لنا المواقف والرؤى المختلفة لكل منهم في الواقع من خلال استخدام تقنيَّة تعدُّد الأصوات، التي نقلت لنا تشابك العلاقات الاجتماعيَّة وتقاطعها بين الإنسان والحيوان، وألقت ضوءاً على ماهية العلاقة بينهما، كما ألقت الضوء أيضاً على العلاقة بين المصير الفردي للإنسان والمصير الجماعي لكل كائن حي في هذا الكون.

ومن هنا فإن تناوله للحديث عن (الذات والآخر) في هذه القصة هو تناول مميَّز ومخالف للتوقعات والمألوف يتميز بنزعة إنسانية شديدة الرهافة .

وبإلقاء نظر كلية نرى أن الكاتب قد حرص سرده لهذه المجموعة القصصية على التنويع والتجريب الحذر عبر عدة طرق منها:

– المزج بين أكثر من جنس أدبي([10]) داخل القصة الواحدة؛ حيث أنه مزج ما بين تكنيك القصة القصيرة وتكنيك فن المسرح في قصة (الاستعراض) وهي قصة قصيرة طويلة نسبياً؛ أدخلها الكاتب فى إطار التجريب فأدخل عليها مشاهد مسرحية كاملة؛ تضمنت رقصات وأغنيات واستعراضات.

-كما أنه قد مزج أيضاً ما بين فن السناريو وفن القصة القصيرة في قصة (سارة ذات الأسرار)؛ حيث استدعى فيها فن السيناريو بتقطيع الحكاية إلى مشاهد متنقلة فى الزمان والمكان (ما بين مصر والعراق).

وهذا يعني أننا أمام تقاطع بين الأجناس الأدبية وتجريب داخل النوع الأدبي، لكن الكاتب لم يجازف كثيراً بالخروج على تكنيك السرد القصصي وقوانينه.

أما بالنسبة للغة هذه المجموعة القصصية فقد جاءت لغة السرد فيها فصيحة بلا تقعر أو تعالي على القارئ، فهي فصحى سهلة فى غير تسطح، كما أنها ذات إيقاع سريع بفضل خلوِّها من جمل الربط أو التكرار، وبفضل كثرة استخدام الأفعال.

أما لغة الحوار فتغلب عليها العامية؛ ربما يكون ذلك مقصوداً من الكاتب لكي يوحي للقارئ بواقعية الأحداث. كما أن الحوارات فى المجمل كانت تأتي قليلة ومضفرة داخل نسيج السرد؛ فيماعدا قصة (سارة ذات الأسرار) التي أتت مليئة بالحوارات، وكذلك قصة (الاستعراض) التي كانت مملوءة بأنماط حوارية مسرحية بالإضافة إلى بعض الأغاني والاستعراضات.

على أن كلاً من اللغتين؛ الفصحى والعامية قد جاءتا في السرد والحوار ثريتان؛ ذواتي مفردات منتقاة باهتمام بالغ.

كما أن الكاتب قد كان أحياناً يريد للغة أن تلعب دور التورية والرمز؛ فتوحي بأكثر من معنى؛ ويظهر ذلك أكثر ما يظهر في قصة: (لأمسية واحدة) وهي قصة رمزية يبدؤها بقوله “لست هنا لأسمعكم، قولوا ما تشاءون، اختاروا ما يروق لكم، إن هي إلا لحظات من نافذةٍ في علوٍ شاهقٍ نبصر فنرى -على غير الحقيقة- مكونات عالمنا متناهية الضآلة، في التَو ندرك خدعة البصر الحاد؛ فتعمل بصيرتنا الإنسانية على رؤية ورواية الأشياء كأقرب ما تكون إلى حقيقتها ومتانة تكوينها!.. قال الراوي لي ذات أمسية: أن القلق يسيطر على ذاكرة الشعوب مثل الأفراد تمامًا، وأن الكاتب مهما أوتي من صبر واستبصار لا يدرك قلمه مدى مخبوء الأيام، ولن يضغط أبدًا ساعات المستقبل في كلمات فالمتخيل ينقصُه قطعة والمتخيل تنقصه الجراءةُ”([11]).

وقد أتى الكاتب بهذه التورية والرموز في هذه القصة لكي يشير إلى أننا نضخم الأخطار والمعوقات التي تمنعنا من السعي لاسترداد الأرض العربية؛ هو يرى أن هذه المعوقات في حقيقتها متناهية الضآلة؛ ولو أننا تجاوزنا خدعة البصر وبحثنا في ذاكرتنا المليئة بالانتصارات على أعداء الأمس الذين كانوا أكثر قوة من أعدائنا اليوم لأدركنا ما تخبئه لنا الأيام من وعد بالنصر. هل أعطيكم دليلاً على هذه الرؤية؟!. اقرأوا معي هذا المقطع: “قالت -أدعي أنها على حق-: محتضنة باليدين قطعة ظلام ويفور في حشاي غل الانتقام، بيان الثائر الحانق وإن لم يقدر إلا على هزيمة نفسه ومحاولة إنقاذ القليل من ضحايا، قناصة الموت هنا يؤدي بمنهجية دوره، ولا فرق لديه ولا حائل يمنعه، ماذا يفعل الإنسان؟.. إنه لا يستطيع أن ينجي أحدًا من المذبحة، من ينقذها؟.. أجل من؟، وتطاردها النبوءة، يكون الاختيار بين (العش الآدمي) و(البلورة السحرية)، اختيار من نوع الأسئلة التي وحده يستطيع الإجابة عليها، العودة لشريك فرقت بينكما الأيام التي عاشها مع… أما كانت الكلمات تصنع بيتًا ونسلاً وتاريخًا؟”([12]).

ومن اللافت للنظر أيضاً في هذه القصة اعتمادها على المبالغة، واللغة الشعرية([13])، الممتزجة بنبرة مويسقية قام أغلبها على الجناس والسجع والصور البلاغية. وهذا مقطع يشي بذلك: “دعك وهذا فكل الأحلام صارت ممجوجة، (…)، أن تسمع قولاً ممن رحلت بغتة، فتزيدك دفعة، والأغرب ألا تلقاها من قبل للحظة، الأمر متروك عنك ومنك وفيك أو لك، ألقي -إن كنت تريدُ- بنفسك، اصعد إن شئت لزورق واترك مجدافك خلفك وعلى المدى مهمة دفعك، سيجيبك عقلك، حتمًا أو لابد أن لا شيء سواي مغلق، هل بقي سؤالك في الزورق؟!”([14]).

ويعدّ هذا الانزياح اللغوي خرقًا للأعراف اللغوية المتعارف عليها في الجنس القصصي من النزعة الجمالية واللعب بالألفاظ والعبارات بقدرة لغوية عجيبة؛ مما أكسب النص إيقاعًا فريدًا من نوعه، وحقق بشكل أو بآخر شعرية النص. فهذه اللغة الشعرية المندمجة بلغة السرد القصصي وهي الوقت نفسه متممة للسرد قد جاءت لكي تقدّم رؤية الكاتب وفكرة القصة، ولكن عبر إيحاءات اللغة الشعرية.

ولعل أبرز ما يميز اللغة في هذه المجموعة القصصية ككل هو التكثيف؛ حتى أن بعض القصص تبدو كأنها رواية مصغرة من شدة تكاثف الدوال اللغوية والأحداث والتفاصيل.

ويظهر لنا أن بعض القصص مكتوبة بلغة المؤرخ وروحه؛ ففي قصة (سنوات المجد الأعظم) نشعر أننا أمام مؤرخ حقاً؛ حين وضعنا أمام شاب في الثالثة والعشرين من عمره “استيقظ من غفوة بسيطة على شط القنال بعد يوم شاق وعنيف. رأى في غفوته رجالاً؛ رجالاً أشداء، رايات خضراء وجوه قادة وجنود عبر التاريخ!، سمعهم يقولون: (الله أكبر).. رءوسهم في السماء، أرجلهم في الماء، تعبر القنال (…) استيقظ وهو في شدة الانفعال، كانت الفرحة تملأ وجهه، دار دورتين في أرجاء القشلاق (…) سرحت خواطره؛ استعاد يوم تنحي الزعيم جمال عبد الناصر من سنوات يومها أدرك معنى الهزيمة (…)، ومظاهرة عارمة حانقة: فين القاهر؟!، فين الناصر والظافر؟!، فين الغول؟!. صارت خراطيم المياه الملونة تفض المظاهرة وتصبغ القمصان والوجوه بالسواد؛ بالعار!. لطخ وحهه بالسواد؛ العملية تدريب ليلي فدائي …”([15]

ويستمر السرد ليصف لنا العبور للضفة الشرقية من القنال، ومنها يعرج إلى (علي الجزار) صاحب رقم قياسي (خمسون عبورًا ناجحًا لأرضنا المحتلة فى سيناء، واختراق صفوف العدو). وسماح القائد أثناء الحرب للجنود بالإفطار بعد ساعة من آذان المغرب، فقامت الكتبية بالإضراب عن الطعام، وجاء قائد المركز للتحقيق، وأنهى المشكلة بدون أن يعاقب الذي دعوا للإضراب؛ حتى سكت الكلام والمدفعية اتكلمت وجاءت البشارة بالنصر.

ونجد في بعض القصص ما يشير إلى أن الراوي معني بالإعلام العربي وبنشرات أخباره وبجمع المعلومات ذات الصبغة القومية العربية التي على درجة عالية من الأهمية والسرية، ولو تتبعنا العبارات التالية نجد أننا نستطيع أن نؤكد ذلك: يقول في قصة (دائرة في اتجاه البحر): “يعرف أن لا وقت لديه.. تحول نحو الشباك وهو يحمل كمية من علب الذخيرة لمسلمات، ورشاشات عوزي الإسرائيلية.. ألقاها نحو عناصر المقاومة على حذر أن يقتنصه أحد جنود الاحتلال؛ فقد كانت دبابات الميركافا الرهيبة تقترب من المنزل على ثلاثة محاور يتبعها عدد من سيارات الجيب الأمريكية تحمل شارات الشرطة العسكرية وسلاح المهندسين وعناصر من مليشيات المستعربين تحيط بالدير؛ دير البلح.. راحت عناصر المقاومة تخلي المواقع وتنسحب للخلف مع الاشتباكات بائسة.. راح بسرعة يجمع ما تبقى من احيتاجات في حقيبة ويسير نحو البئر السري.. استغرق خمس دقائق حتى فك شفرات الشراك الخداعية حامية المدخل، نزل السلالم بحرص وأعاد الغطاء حيث لا يظهر للعين الفاحصة”([16]).

وهناك ملاحظات لغوية برزت في هذه الطبعة لهذه المجموعة القصصية بالذات تتمحور حول الكثير من الأخطاء اللغوية أو المطبعية أو النحوية أو الإملائية، ولذلك أتمنى أن يتدارك الكاتب والناشر تلك الأخطاء فى الطبعات التالية.

الحدث:

أول ما نبحث عنه في هذه السياق هو ما يسمونه بالمادة القصصية؛ هل كانت المادة القصصية طازجة أم مستهلكة؟. فالمادة القصصية المستهلكة خميرة فاسدة ومفسدة للعمل القصصي؛ إذ ما قيمة الزمان والمكان والشخصيات والسرد والحوار إذا كانت المادة القصصية مستهلكة؛ فمهما كان هناك ابتكار في كل ذلك وكانت المادة القصصية مستهلكة فسينفر منه القارئ. وميزة الكاتب (أحمد جلبي) هنا في هذه المجموعة القصصية أنه بدأ من مادة قصصية لها نكهة مميزة وطازجة وليست مستهلكة؛ فبعض القصص لها نكهة تاريخية أو تراثية ومنها: (زواج الفارس) و(جنات العزم). ولدينا قصتان تدور أحداثهما فى إطار ما حدث في مصر أثناء ثورة 25 يناير وما تلاها وهما: (ولم يقاطعنى أحد) و(حزب بهانة)، وقصتان تتحدثان عن الجيش المصري أحدهما تدور أحداثها أثناء حرب أكتوبر هي (سنوات المجد الأعظم) والأخرى تدور حول رفع الروح المعنوية للجنود وهي قصة (المهمة اسمها نادية)، وأيضاً لدينا قصة تدور أحداثها حول الصراع العربي الإسرائيلي هي (دائرة في اتجاه البحر) وقصة تدور أحداثها حول المقاومة العراقية للغزو الأمريكي للعراق هي (سارة ذات الأسرار). وهناك بضعة قصص تناقش قضايا المرأة ومنها: (ذات الألف وجه)، و(الأزرق التحفة) التي بطلتها طفلة ذات خيال خلاق. وهناك قصة وحيدة تتناول التسامح الديني بين المسلمين والمسيحيين هي (محمد المسيحي)، وأخرى تناقش قضايا كونية؛ وعلاقة الإنسان بغيره من الخلوقات وهي (مغامرات قطوط).

وعليه فإن القصص في هذه المجموعة وإن جاءت متنوعة المشارب متباينة الاتجاهات والقضايا فإن ما يجمعها هو الهم القومي والوطني والاجتماعي والكوني.

قد يهمك ايضاً:

الثلاثاء المقبل.. قصور الثقافة تحتفي بالمسيرة الإبداعية…

الاحتفاء بالشاعر عيد صالح في العودة إلى الجذور بدمياط..…

ومن الملاحظ على الكاتب أنه في تناوله للأحداث التاريخية: أنه لم يتناول من التاريخ سوى لقطات صغيرة منتقاة بعناية؛ فهو إما يلتقط زاوية غير منظورة من التاريخ مثل قصة (زواج الفارس)، أو يلاحظ هوامشها مثل قصة (جنات العزم)، أو يحكي بفخر تفاصيلها مثل قصة (سنوات المجد الأعظم). أي أن الأحداث التاريخية قد أتت ليس أجل السرد التاريخي فقط ولا حتى لأجل التاريخ ذاته، وإنما جاءت من أجل الكشف عن عبر مخفاة فى ثناياه وعظات حملتها طياته.

ونلاحظ ندرة الأحداث العاطفية أو الرومانسية. ولكن توجد رغم ذلك لدى الكاتب أحداث ذات لمسات إنسانية شديدة الإيحاء والرهافة كما في قصة (زهور تملأ أرض الغابة) التي تجلت فيها عاطفة الأمومة لسيدة حُرمت نعمة الإنجاب، فصنعت لنفسها حديقة ثم أفاضت بحنانها وأمومتها الغريزية على شجرة منها جفت فإذا بها تحيا وتزهر وتثمر.

ومن الملاحظ أيضاً اهتمام الكاتب بالحدث لا الصورة، كما أن القصص تتميز بالحركة المستمرة للأمام، فلا تتوقف للوصف أو التأمل أو الاستبطان النفسي أو الفلسفى.

الشخصيات:

معظم شخصيات القصص داخل هذه المجموعة القصصية محددة الأسماء أو الهوية فيما عدا بضعة قصص؛ ومنها: (في سرية تامة) حيث بطلها رجل ترك زراعة أرضه الخصبة وخرَّبها وهو يبحث عن كنز الفراعين؛ فأين عقله؟!؛ وقد أنكرت القصة اسمه؛ لم تذكره ربما استنكاراً لما يفعل. وقصة (ذات الألف وجه) التي كانت بطلتها امرأة تغير بها الحال فتبدلت معه قلباً وقالباً، وقصة (دائرة في اتجاه البحر) التي كان بطليها جندي إسرائيلي أسير لدى المقاومة الفلسطينية وأحد أفراد المقاومة الفلسطينية، وإغفال الاسم في هاتين القصتين يفيد العموم وأن الأهم هو القضية المتناولة وليس الشخص في حد ذاته.

وتغلب على المجموعة القصصية الشخصيات الذكورية إضافة إلى بعض الشخصيات النسائية. والملاحظ أن المرأة فى هذه المجموعة القصصية قد كانت امرأة قوية صلبة لها تأثير طاغى وحضور مهيمن:

– ففي أنموذج (شجر الدر) فى قصة (زواج الفارس)؛ اختار الكاتب لها لقطة تظهر فيها إرهاصات قوة شخصيتها رغم كونها ما زالت جارية أو أمَة لدى (نجم الدين أيوب) فظهرت لنا وكأنها هي الفارس الذي يملك الاختيار ويلبس ملابس الفرسان ويعتلي الفرس ويسافر وحده دون خوف.

-وكذلك كان حال المرأة فى قصة (حزب بهانة) حيث كانت المرأة فيها رئيسة حزب تتحكم بأموالها فى كل أعضاء الحزب وقادته.

-وفى قصة (المهمة اسمها نادية) كانت المرأة تلعب دور ضابط فى الجيش ذي الكلمة التي تسري على الرجال الأشداء سواءً أكانوا ضباطاً أو جنوداً.

-وأيضاً قصة (ذات الألف وجه) التي واجهتنا فيها مرأة حديدية مسيطرة تتلاعب بالرجال وتحدد لهم مصائرِهم. وحتى عندما ارتدت وجه الأنثى الوديعة الصابرة كان ذلك منها وهي بكامل وعيها وإرادتها؛ وكان كل شيء تحت السيطرة.

وعليه فإن هذه القصص تضع الفوكس المرأة القوية القادرة على الفعل؛ المرأة التي هي وطن.

وحتى عندما كانت بطلة القصة طفلة صغيرة جعلها الكاتب مخترعة ذات تفكير خلاق تفرض مشيئتها على أبيها وتحمله على أن يساعدها في استكمال صنع الحذاء الذي يشبه حذاء سندرللا. وأيضاً نلاحظ في هذه القصة أن شخصية الطفلة ورغباتها وتصوراتها تنبع من رغبات الطفولة وتصورات الطفلة وأسلوبها في الحكي، حيث تظهر لنا بطلة القصة في صورة تلك الطفلة التي لم تتجاوز مرحلة الطفولة قبل الأوان رغم كونها مبتكرة، فكان التفكير في صنع حذاء يشبه حذاء سندرللا شغلها الشاغل، يقول الراوي: “وقفت تتأمله مذهولة، وقعت في غرامه من اللحظة الأولى، قلبته بين يديها وتحسست جلده الناعم، هتفت: بابا.. فين الفردة الثانية؟!.. هزته وهو منشغل عنها تماماً: أين باقي الحذاء؟”([17]).

هو إذن يختلف كاتبنا في هذه المجموعة القصصية عن (العقاد) وتلميذه (أنيس منصور) فى نظرتهما المتحاملة على المرأة، كما أنه يختلف عن كتابات المرأة عن بنات جنسها، والتى تُظهر المرأة في صورة المستغَلَّة أو مَهيضة الجناح.

وقد أنسن الراوي الحيوان؛ ففي قصة (مغامرات قطقوط) جعل القط إنساناً لم يشارك فقط في صنع أحداث القصة ولكنه أيضاً يرويها من خلال وجهة نظره في أخيه الإنسان. وفي هذا يقول القط: “لا نحن ليسوا بكمًا.. أراهم يتحدثون مع الغرباء، خادمة التنظيف، بواب، رجل الجرائد أو الخضار، استوى القبيلان في الحرص على الحديث بعيدًا عن صاحبه بل حتى توجيه عبارات إليَّ، غير أنه ليس لي اسم أُنادى به، أنا الآخر بلا اسم، لعلهم نسوا ذلك في غمرة خلافاتهم العتيدة التي أدت إلى القطيعة، فكان أن أصبحت تحت مُسمى الفصيلة أو لكأني خلقت إنسانًا بخطأ ما، فلما تبين ذلك عز إرجاعي إلى الحيوانية، وبقيت بينهما نفس إنسان وإدراكه في جسد سنور، حائر في محليهما من القلب”([18]).

كما أن الكاتب قد أنسن الشجر؛ إذ جعل من أُمٍّ عقيم أُمّاً لشجرة مريضة وكأنها إنسان عاقل نابض بالمشاعر؛ فكانت الأم تعامل الشجرة وكأنها ابنتها، يقول السارد: “قالت له وصوتها منفعل: سلوى مريضة.. هب معها فقادته إلى تل صغير قريب من البيت تقف فيه شجرة مشمش وحيدة في المشتل الذي أطلقت عليه اسم (ريجول).. ركعت على ركبتيها وهي تريه أوراق الشجرة الذابلة”([19]).

الزمان والمكان:

فيما عدا قصة (زواج الفارس) -التي تدور أحداثها في زمان الدولة الأبيوبية- تدور معظم أحداث القصص -التي حُدد فيها الزمان- فيما بين فترة حرب الاستنزاف والعام 2018؛ وكأن الكاتب يربط ما بين حرب الاستنزاف وما يجري لمصر الآن؛ فمثلاً:

– في قصة (كاهنة الاحتمالات) تدور الأحداث أثناء حرب الاستنزاف؛ حيث كان الشاب الذي يملك مهارة الحديث بلغتين، وأسدلت الستائر على تفوقه فترك الجامعة ليعمل صياداً، وجاءته بشائر بمحصول كبير؛ ولكن أُغرقت مراكبه بما عليها؛ فأصدر أمره بإيقاف الصيد وأن يرتدي الرجال ملابس الإنقاذ. ومارس البحارة انتشال جثث الصيادين الفقراء الذين كانوا يسعون لرزقهم. “وأخيرا سمع عامل اللاسلكي يقول: أتكلم معاهم بلغاهم!، صهاينة ولاد كلب!”([20]).

– في قصة (سنوات المجد الأعظم) كانت أحداثها قبيل حرب أكتوبر وفي أثنائها؛ أي أنها الأحداث محددة بنهاية الستينات وبداية السبعينات.

– وفي قصة (سارة ذات الأسرار) كانت الأحداث في أعقاب غزو أمريكا للعراق؛ أي في تسعينيات القرن الماضي.

– وفي قصة (دائرة في اتجاه البحر) كانت الأحداث أثناء خطف الجندي الإسرائيلي في قطاع غزة؛ أي في أوائل الألفية الثالثة للميلاد.

– أما في قصة (حزب بهانة) فقد كانت الأحداث محددة تماماً؛ فهي في أعقاب ثورة 25 يناير مباشرة.

– وكذلك كان الزمان في قصة (ولم يقاطعنى أحد)؛ إذ نرى أحد ثوار 25 يناير، وسط الحشود، مع صيحات (الشعب يريد إسقاط النظام)، وأعمدة الدخان الأسود التي مصدرها مصفحة مشطورة لأجزاء (آخذة في التصاعد تحت كوبري ميدان الفريق عبد المنعم رياض) فذكر هذا المشهد الراوي بمعركة استشهاده في حرب الاستنزاف؛ فهل يعني ذلك أن الكاتب يرى أن ما يحدث في مصر الآن إنما هو استنزاف لثرواتها؟!.

وهناك بعض القصص في هذه المجموعة لا يوجد فيها أية إشارة إلى زمان محدد ولكننا فيها نستطيع أن نستشف الزمان من بضعة إشارات:

-فقصة (ذات الألف وجه) لا يوجد بها أي إشارة إلى زمان محدد بتاريخ معين، ولكن يمكن استشفاف الزمان من التحول الذي حدث في شخصية المرأة التي كانت امرأة حديدية ثم تحولت إلى أنثى رقيقة؛ ليكون الحدث في رأينا قد بدأ في الستينيات (حيث كانت الدعوة على أشدها لتحرير المرأة ولأن تساهم مساهمة فعالة في نهضة المجتمع)، واستمر حتى ثمانينيات القرن الماضي (حيث انتشرت دعوة لعودة المرأة إلى ممارسة دورها التقليدي كربة منزل). ومن ثم تكون هذه التحولات معادلاً موضوعياً لما حدث من تحولات في نظرة المجتمع تجاه دور المرأة فيه. وإن لم يحدد الراوي ذلك بصراحة.

– وكذلك قصة (ورقة الخوارج) التي نستطيع أن نستشف الزمان فيها بأنه نهاية الثمانينات وبداية التسعينات على الأرجح؛ حيث طبقت الأساليب التربوية الحديثة التي منعت العقاب البدني لتلاميذ المدارس.

– وكذلك الحال في قصة (المنحنى الأبيض) التي نرى أن أحداثها حدثت بعد تسعينات القرن الماضي وبداية الألفية الجديدة؛ وإن لم يحدد الراوي ذلك بصراحة؛ حيث الحديث عن الدعوة لتعمير الصحراء وحديث ذي شجون عن المعوقات التي كانت تُوضع في طريق من يسعى لتعميرها؛ إذ نرى مهندساً يتساءل: هل يمكن أن يحوّل كل تلك التلال الصفراء والبيضاء (في الصحراء) إلى مرتفعات من الخضرة على امتداد البصر في كل اتجاه؟. مشى بسيارته في طريق غامض، يؤدي إلى مجهول في الصحراء، ظل على عناده، يريد أن يرى نهاية الطريق رغم ما داخله من خوف، حتى لاحت له واحة، رأى فيها عجوزاً، سألها عن الطريق إلى أقرب مدينة.. فأشارت إليه أن يعود من حيث أتى، قبل أن تمسح آثار العجل. سألها عن مواعيد سقوط المطر، وجداول المياه، وهل يتوفر هنا مكان يصلح لبناء خزان مطري، أو حتى سد صغير يجمع مياه الأمطار خلفه؟. فتساءلت: “أيسمحون لك بفعل ذلك؟.. أشك”([21]). فالمهندس الذي يحلم بتعمير الصحراء لكنه للأسف يصطدم بالحقائق؛ فالطريق أمامه مسدود منحنٍ متعرج وليس مستقيماً رغم بياض النوايا وإخلاص الضمائر.

أما قصة (لأمسية واحدة) فبسبب رمزيتها الشديدة واختزال وغموض عباراتها ولغتها الشعرية؛ كان الزمان فيها مبهماً إلى حد ما؛ إذ ليس فيها أي تحديد لزمان الأحداث وإن كانت القصة تشير إلى نرفانا التي كانت تدرس في مدرسة، وتشير أيضاً إلى بيت يهدم ليبنى من جديد بنقود شيخ خليجي تزوج من شابة مصرية. ولعل الزمن النفسي كان هو المسيطر على أجواء هذه القصة بالذات وكان يتسم بالقلق، ومن العبارات الدالة على ذلك في هذه القصة ما يلي: “كلماتها جلية وقصيرة تذكرك باحد بحور الشعر المتدفق النسق، دعك وهذا فكل الأحلام صارت ممجوجة، أضغاث جراح ضاعت في وهدات الموجة، ماذا ترى؟، هل يسكرك البحر، تعاريج الأمواج، هذا هو السحر”([22]). فهنا نشعر وأننا أمام وخزٍ يواجه به الكاتب كل العرب بسلبيات ومناطق اعتوار في الشخصية العربية وكتابات كالرصاص موجهة نحو هذه الجريمة التي كثرت بعد الطفرة في أسعار النفط بعد حرب أكتوبر.

أما المكان في مجموعة (في سرية تامة) ففي معظم القصص كان محدداً بالوطن العربي؛ فلدينا في هذه المجموعة قصة وحيدة هي (سارة ذات الأسرار) تدور أحداثها فيما بين العراق ومصر، وقصة أخرى (دائرة في اتجاه البحر) وأحداثها تدور في قطاع غزة بفلسطين المحتلة. وفيما عداهما كانت تدور معظم أحداث قصص هذه المجموعة في مصر: في الإسكندرية وبور سعيد وبمحاذاة قناة السريس وجبل طور سيناء وميدان التحرير وبعض الأحياء الشعبية وإن لم يذكر اسمها في القاهرة ولكن الأحداث تؤكد أن الوطن هو الوعاء الذي يحتوي هذه الأماكن التي دارت فيها الأحداث.

وهناك بعض الأمكنة ضبابية الملامح فعلى الرغم من هيمنة الواقعية عليها، إلا إنها تحمل ملامح انفلات من هذه الواقعية في بعض عناصرها؛ ذلك أن المكان فيها مُشكَّل بطريقة تثير الحيرة والرعب؛ ومثال ذلك المكان في قصة (جنات العزم)؛ حيث نرى فيها البطل مع الشروق يتدلى إلى بئر عميقة ذات ممرات تفضي إلى أماكن بلا أبواب، إنها تقود إلى المجهول وكان مربوطاً بحبال ومعه مصباح وخرائط أماكن وتفاصيل وقياسات بالإنجليزية وكتاب في تاريخ الكشوف والحروب يعود للحملة الفرنسية، ووقف نوبيان على فوهة السرداب ينزلانه ببطء شديد وحذر، والمكان موحش ومليء بالطلاسم، وهو يبحث فيه عن كنز. وجد خاتم إخناتون الأزرق في ممر إحدى الغرف البيضاوية، ومعه قليل من تراب الذهب وقطع النحاس. ولكنه اكتشف أنه دخل هيكل إبليس وسيموت إذا اكتشف الحقيقة. أمل في الهرب، لكن البطارية نفذ منها النور والشعور بالأمان النسبي زايله، “ترك التيار يأخذه إلي حيث لا مكان!”([23]).

فهنا نرى كيف حظيَ وصف المكان بأهميَّة كبرى في هذه القصة، وكيف أتى الإفراط في وصفه تعبيرًا عن المحتوى الرمزي لحبكة القصة؛ فهذه الأوصاف التي استفاض فيها الكاتب قد بدا من خلالها السرداب مكانًا رمزيًّا يوحي بالغموض والتيه، وهو الغاية التي قصد إليها الكاتب. فهو لم يكن يرمي إلى مجرد وصف مسطح لعنصر ما من عناصر السرد لديه بقدر ما كان يرمي إلى تحقيق غايات ترميزية كثيرة، يمكن تناولها من نواح عدة؛ أهمها ذلك التعالق الواضح بين الماضي والحاضر في العقلية العربية.

والخلاصة أن مجموعة (فى سرية تامة) القصصية بشكل عام تدور فى خمسة أفلاك رئيسة هى: (التاريخ، القضايا القومية لمصر والوطن العربي، قضايا المرأة، قضايا التربية وكان أهمها منع العقاب البدني لأطفال المدارس وتشجيعهم على إطلاق العنان للخيال والابتكار، قضايا كونية تبحث في علاقات الذات والآخر داخل هذا الكون).

وأن هذه المجموعة تٌعتبر عملاً أدبياً عميق المضمون منسجم الشكل كما أنها تتويج لمسيرة روائى مخضرم يدرك مسئوليته الإبداعية تجاه المجتمع فيختار من القضايا والأفكار والرؤى زوايا تكشف الحقائق، وتجلي المعاني لتوصل إلى القارئ رسالة مملوءة بالعبر والعظات المستمدة من الماضي والحاضر وهو ما يبدو فى اختياراته لموضوعاته القصصية وطريقة تناوله لها.

فأحمد جلبي أديب واعٍ بدوره ولا يسعنى في النهاية إلا أن أهنئه على هذا الإبداع المتميَّز الممتع وأن أتمنى له دوام التألق والتوفيق.

 

المصادر والمراجع:

  1. القرآن الكريم؛ سورة الإسراء.
  2. أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ط2، القاهرة، دار مكتوب للنشر والتوزيع، 2019م.
  3. أحمد مندور الجزائري، «الغرائبي والسحري»، مجلة البيان، الكويت، عدد374، يونيو1999م.
  4. برتولت بريشت، دائرة الطباشير القوقازية؛ ترجمة وتقديم: د. عبد الرحمن بدوي، مراجعة: د. على الراعي، القاهرة، وزارة الثقافة والارشاد القومي، سلسلة روائع المسرح العالمي، 1962.
  5. دومينيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة: محمد يحياتين، الجزائر، منشورات الإختلاف، 2008م.
  6. Gennette ,palimsestes ;seuil, paris, 1982, p7.  Gerard)

 

([1]) أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ط2، القاهرة، دار مكتوب للنشر والتوزيع، 2019م، ص: 7.

([2]) يُعرِّف «جيرار جينيت» التناص بأنه “كل ما يضع نصًّا في علاقة ظاهرة أو خفية مع النصوص الأخرى” (Gennette  ,palimsestes ;seuil, paris, 1982, p7.  Gerard)

([3]) (دائرة الطباشير القوقازية) هي ثاني أهم مسرحيات (برتولت بريشت) بعد (الأم شجاعة)، وهي من نمط المسرح الملحمي الذي اعتمده (بريخت). تقوم هذه المسرحية على عدد هائل من الشخصيات ليس لديها أبعاد نفسية إنما تشكل أفعالها غستوس يؤدي إلى معرفة مقولة المسرحية (الأمثولة) التي يطرحها (بريخت) علناً على لسان المغني في النهاية؛ فيقول: “أنتم يا من سمعتم قصة دائرة الطباشير، أحفظوا حكمة الأقدمين: أن الأشياء ينبغي أن تعطي للذين يقومون عليها خير قيام: فالأولاد للأمهات اللواتي يرعينهم خير رعاية حتي يشبوا ويترعرعوا، والوادي للذين يحسنون سقيه حتي ينتج خير الثمار”. أما من حيث الحبكة فالمسرحية يدور ضمن لوحاتها قصتان منفصلتان تلتقيان في نهاية المسرحية؛ ومنهما قصة النزاع على طفل بين أمه ومربيته؛ حيث كان مبدأ بريخت أن يروي حكاية تحث المتلقي على التفكير ليصل إلى الأمثولة بعد أن فكر هو بها. (للتوسع انظر: برتولت بريشت، دائرة الطباشير القوقازية؛ ترجمة وتقديم: د. عبد الرحمن بدوي، مراجعة: د. على الراعي، القاهرة، وزارة الثقافة والارشاد القومي، سلسلة روائع المسرح العالمي، 1962).

([4]) قال تعالى في سورة الإسراء: بسم الله الرحمن الرحيم: “إِنْ أَحْسَنتُمْ أَحْسَنتُمْ لِأَنفُسِكُمْ ۖ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ۚ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا” (7)

([5]) أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ص: 55.

([6]) تعني «الرواية البوليفونية»: تعدد الأصوات، أو الاستشهاد بأقوال متلفظين آخرين. (انظر: دومينيك مانغونو، المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب، ترجمة: محمد يحياتين، الجزائر، منشورات الإختلاف، 2008م، ص: 100).

([7]) أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ص: (43 -44).

([8]) المصدر السابق، ص: 44.

([9]) المصدر السابق، ص: 47.

([10])«السرد القصصي الحديث» يؤمن بقيمة الحركة والّتحوُّل، ولا يؤمن بالّثبات والسكون؛ حيث يتميَّز بقابليته لامتصاص الأجناس الأدبية الأخرى، بل وتحطيم الحدود الفاصلة بين الأجناس الأدبية؛ بسبب مساحة الحرية المتوافرة في تقنية السرد، وتفاعل عناصر البناء الفني فيها مع الخصائص الفّنية للأنواع الأدبية الأخرى.

([11]) أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ص: 12.

([12]) المصدر السابق، ص: 15.

([13]) من أهم ما يميِّز الخطاب في القص الحديث هو: “شعريته خارج عوالم الواقع وقوانين الطبيعة. وعبر آلية الانزياح عن المألوف والمعقول، يشوِّش على المحكي الواقعي، ينتزعه من مألوفيته، ويقذف به في عوالم الغرابة والحيرة واللامعقول.” (أحمد مندور الجزائري، «الغرائبي والسحري»، مجلة البيان، الكويت، عدد374، يونيو1999م، ص: 3).

([14]) أحمد محمد جلبي، في سرية تامة، ص: 16.

([15]) المصدر السابق، ص: (39 – 40).

([16]) المصدر السابق، ص: 55.

([17]) المصدر السابق، ص: 74.

([18]) المصدر السابق، ص: 45.

([19]) المصدر السابق، ص: 49.

([20]) المصدر السابق، ص: 67.

([21]) المصدر السابق، ص: 35.

([22]) المصدر السابق، ص: 15.

([23]) المصدر السابق، ص: 73.

اترك رد