فشل أمريكا فى مساعدة إسرائيل
مقال بقلم – الكاتب الصحفي سيد عبد الكريم :
إن ما يحدث اليوم في غزة بدعم وتمويل أمريكي هو دليل على فشل مشروع الكيان الصهيوني في أن يبرر وجوده أخلاقياً، أو حتى أن يثبت لحلفائه الأكثر تفانياً في الدفاع عنه أنه أصبح كياناً مستقلاً بذاته، وهو لابد له أن يواجه مصيره المرتبط بفشله الأخلاقي على صعيد عالمي. بعد أن كان مشروعاً مدراً للدخل على داعميه، أصبح مخطط الدولة القومية اليهودية على أرض فلسطين مضيعة للميزانية الأمريكية وللشركات العالمية التي باتت عاجزة عن إعطاء مبررات أخلاقية لدعمها المخل لإبادة الشعب الفلسطيني، وأصبحت تواجه التأثير الاقتصادي لحملات المقاطعة.
منذ أن اكتسب مواطن “العالم الثالث” وعياً سياسياً، عمدت دول الغرب لإشباع عقله بفكرة الدولة التي يبنى وجودها أساساً على النظام الرأسمالي، وعلى ربط نجاح مشروع الدولة بمدى التزامها بهذا البند الضمني الذي شملته جل وثائق استقلالها الرمزي، وأكسبتها بذلك حرية كاذبة. وها هو ذلك المواطن البسيط المغلوب على أمره يكتشف ولأول مرة أن فشل الدولة لا علاقة له بكل تلك الشروط التقييمية الوضعية، فها هو الاحتلال الإسرائيلي الذي كان بمثابة تجسيد ملموس للقيم الرأسمالية يضمحل حجمه بسبب كونه -ومنذ نشأته- مشروعاً استيطانياً لا يملك مشروعية أخلاقية. تروج دولة الاحتلال لكذبة كونها “الديموقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط”، تماماً كما تزعم حليفتها التاريخية، الولايات المتحدة الأمريكية، بأن غزوها للعراق ودعمها للحرب على اليمن وسوريا يهدف أساساً إلى نشر قيمة الديمقراطية التي تفتقدها دول الجنوب بشكل ملح. وهنا يطرح السؤال نفسه: لماذا تصر الولايات المتحدة الأمريكية على عولمة قيم من الواضح أنها ليس عالمية؟ يمكننا القول إن الولايات المتحدة قد وجدت في فكرة “نشر الديمقراطية” حبلاً متيناً قد يدلها على عذر أو تبرير أخلاقي لمساعيها الإمبريالية، وها هي دولة الاحتلال تسير على خطاها وهي تبرر إبادة الفلسطينيين بحجة “محاربة الإرهاب”، وهي لفظ اخترعه الرئيس الأمريكي ومجرم الحرب الطليق جورج بوش لكي يتمكن من شن حرب ضروس على كل دولة في الشرق الأوسط تتحدى إرادة آلة القتل.
لا جدل في أن الأنظمة الفاشية لا تصمد في عالم المتغيرات، ولكي نستوعب هذا السقوط البطيء للنظام الإسرائيلي الفاشي لابد لنا أن نفهم أولاً كيف تصنع الأنظمة الفاشية وكيف تحاول الحفاظ على استمراريتها. تتميز الحركات الفاشية بنزعة قومية تسعى إلى تكريس قيم الطبقية الاجتماعية والفوقية العرقية؛ ما يؤدي بالضرورة إلى خلق أدوات عنف تشرعها الدولة الفاشية لنفسها من أجل الحفاظ على الوضع الراهن للنخبة أو للطبقة ذات الامتيازات على حساب الطبقة المهمشة. لكي تضمن الدولة الفاشية استمراريتها يتوجب عليها تصعيد عنفها إلى أقصى درجة ممكنة، وفي كثير من الأحيان يمس هذا العنف بالمستوطن ويقض مضجعه بعد أن يدرك متأخراً أنه ليس سوى أداة عنف يشهرها نخبة دولة الاحتلال الفاشية في وجه صاحب الأرض. إن هجرة نصف مليون مستوطن عقب أحداث السابع من أكتوبر، وتخلي عدد منهم عن جنسياتهم وانتمائهم لدولة الاحتلال هي أولى مؤشرات انهيار الاحتلال الإسرائيلي وما يمثله من فوقية إثنية واحتلال استيطاني. ليس هذا الانقسام السياسي والاجتماعي الذي يعيشه المستوطنون سوى واحد من أعراض احتضار الكيان الفاشي الذي دخل مرحلة حصد العنف الذي ما فتئ يزرعه.
التعليقات مغلقة.