عنكبوت الفشل
بقلم – د. أحمد عيسي:
لفت انتباهى وانا أجلس على مكتبى أستعد للإبحار فى قراءة ومطالعة بعضا من كتبى الشيقة تراكم الغبار وذهاب بريق محتويات المكتب بالرغم من تعهدى تنظيفه أسبوعيا ولكن لسبب ما ، لم يتم التنظيف لمدة شهر فوجدت الغبار كسى سطح كل محتويات المكتب ليس ذلك فحسب ولكن بتفحصى تحت المكتب وجدت العنكبوت قد نسج خيوطه فما كان منى إلا أنى شعرت بإحباط بسبب إدراكى أن إعادة البريق لهذا المكان سيتطلب مجهود ووقت بالرغم من أنى ليس لدى طاقة بل على النقيض كنت أستعد لكى أشحن طاقتى بالقراءة ، وهنا قررت أن أمزق خيوط العنكبوت وأطردها وقمت على الفور بتغيير ملابسى وبدء حملة لا تبقى ولا تذر أى مكان بمكتبى إلا واقتحمته ومزقت ما به من خيوط ثم بدء العنكبوت يخرج مهرولا بعد هذه الحملة المفاجئة لأن المكان الذى ظن أنه سيعيش فيه بمأمن لمجرد عدم تعهده بالنظافة لمدة شهر أصبح يمثل تهديدا له وقد يموت إن فكر أن يستمر فيه ، وبالفعل بعد ساعة من التنظيف عاد البريق مرة أخرى وبدأ الهدوء يسرى إلى نفسى والإبداع بدأ يعرف طريقه إلى عقلى .
وبعدها تأكدت أننى لو تركت هذا المكتب مرة أخرى لمدة شهر سوف أجد نفس المنظر وسيعود العنكبوت ينسج خيوطه التى تشع بالإحباط عندما يراها أى مبدع أو مفكر .
وتماما كما حدث بمكتبى ففى حياة كل منا أماكن مهجورة منذ زمن تراكم فيها غبار الكسل ونسجت فيها عناكب الفشل خيوطها وإذا لم تطاردها ستقوم هى بمطاردتك والسيطرة عليك وإحاطتك إحاطة شاملة ، وكلما تأخرت كلما كلفتك نظافتها أغلى ما تملك من وقت وجهد ، كان يمكن استثماره فى تحقيق إنجاز أو إحراز سبق فى مجال من مجالات الإبداع .
بداخل كل منا غرف مظلمة لم يدخلها ضوء شمس الاستثمار ، نعم الاستثمار الأمثل لها لأنها طاقات وموارد مهدرة إن لم تستثمر تصبح عبئا عليك ثقيلا يميد بك فى النوازل وصراعات البقاء فى زمن لم يعد يعترف بالسذج .
ويوجد فى حياة كل منا عنكبوت للفشل يحاول بين الحين والحين أن ينسج خيوطه داخل تلك الغرف طامعا فى إطفاء بريقك وطامحا فى وأد إبداعك وغالبا ستكون ردود أفعالنا تجاه هذه الهجمة العنكبوتية واحد من اثنين ، الأول يقاوم بخطى ثابتة وخطط ممنهجة والثانى يستسلم ويذبل عوده وينحنى عزمه ، وفى هذا المقال سنحاول سويا اشعال جذوة النشاط المستمر لتحفظ بريقك وتحافظ على رونقك .
ولكن أتدرى ماهية هذا العنكبوت ؟
هذا العنكبوت قد يكون الروتين الوظيفى اليومى الذى يقتل الابداع بداخل كل منا مالم نكن على اتم استعداد لاحتواء انتشاره وتحجيم نفوذه .
وقد يكون بعضا من الأصدقاء ممن ماتت عزائمهم وليس لهم أى هدف فى هذه الحياة غير قضاء الأوقات وحرق الساعات والدقائق أو قتل الوقت كما يروق لهم تسميته حتى يأتى الليل فيخلدون إلى نوم عميق ويقومون فى اليوم التالى بنفس الألية حتى تتشابه فى صحبتهم الأيام والليالى والسنون فتتسلل خيوطهم إلى قلب إبداعك فتربطه بأوهام الراحة والدعة والمكث بين جنبات الحاضر بإنتظار الموت الرحيم .
ولكن كل ما سبق ليس بنفس خطورة ما سيأتى أو بمعنى اخر هذه العناكب السابقة مهما كانت ضارة فضررها سهل لانها تعمل بشكل واضح على النقيض من نوع اخر يعمل دونما شعور الشخص أو ملاحظته ، إنه عنكبوت النفس أو القناعات أو العقل اللاواعى الذى تتمثل خطورته فى كون خيوطه سامة ، نعم سامة لأنها تسرى فى مسلماتك ومبادئك ، سامة لأنها تعلم جيدا نقاط قوتك وضعفك ، سامة لأنها تدخل لك من حيث لا يمكن مقاومتها أو الإنتباه لها .
والبيئة الخصبة لعنكبوت اللاوعى أو العقل اللاواعى الذى يمكن أن يبدأ مراحل التدمير الذاتى لك فى أى وقت هى الكسل وعدم الإلتزام بالخطط التى من شأنها جعلك فى مصاف المبدعين .
إن الكسل من شأنه أن يدعم عنكبوت اللاوعى لكى يبدأ فى نسج خيوطه السامة حولك ليشل حركة إبداعك وتميزك وهذا كله ممكن حدوثه فى حال استسلامك للكسل وتزاحم الواجبات عليك ومن ثم اثقال كاهلك حتى تعجز عن مواصلة مسيرك فى طريق إبداعك .
ودعنا نعرف بشئ من التفصيل ماهية خيوط العنكبوت التى ينبغى على كل منا أن يفتش فى نفسه وحاله على أى واحدة منها ثم يبدأ فى تمزيقها حتى لا تقوده للهاوية .
وحتى أسهل عليك عزيزى القارئ كيفية تحديد هذه الخيوط العنكبوتية بعناية وبشكل لا يمكن نسيانه أو الخطأ فيه ، قمت بعمل عصف ذهنى حتى جمعت لك أخطر ست خيوط عنكبوتية سامة عليك بالحذر منها ، وهذه الخيوط الستة ستجدها فى كلمة عنكبوت ، نعم حروف هذه الكلمة ستقودك الى هذه المحاذير الستة التى ينبغى أن تمزقها فور ظهورها فى حياتك .
إن حروف كلمة عنكبوت هى (ع ن ك ب و ت ) ويشير كل حرف منها إلى صفة لو ظهرت فى حياتك واصطبغت بها تسممت حياتك وتلوثت همتك .
الخيط الأول : عشوائية
الخيط الأول من خيوط العنكبوت السامة يبدأ بحرف (ع) وهو يشير إلى كلمة عشوائية وأقصد منها أنه متى أصبحت أمورك عشوائية فى أى أمر تهتم به فتأكد أنك أصبحت تسير على أول خيط من خيوط العنكبوت السامة ، لذا عليك أن تحارب وتقاتل من أجل الحفاظ على نظامك الخاص ، ولا تقبل بأى نوع من أنواع العشوائية سواء فى حياتك المهنية أو العاطفية أو أى منحى من مناحى حياتك .
الخيط الثانى : نكوص
إذا لم تبذل ما فى وسعك لعودة ملامح نظامك فإن عنكبوت الفشل سوف يقوم بنسج خيطه الثانى وهو يبدأ بحرف ن ويشير إلى كلمة (نكوص ) وأقصد منها الارتداد وفى علم النفس النكوص معناه عودة الشخص لمرحلة ماضية من حياته لعدم قدرته على التعامل مع الوضع الحاضر ، فيظل فى هذه المرحلة من ماضيه لا يستطيع ولا يريد أن يتجاوزها حتى لا يصدم بهول المفاجأة ، وفى موضوعنا هذا أقصد من هذا الخيط الثانى من خيوط العنكبوت السامة أن الانسان تحدث له انتكاسة ويظل حبيس أفكاره وأوهامه يحقق فيها ما لم يستطيع تحقيقه فى الواقع وذلك لإخفاقه بشكل صادم فى تحقيقه فى الحاضر ، واذا شعرت بأنك تقضى أوقات طويلة مع نفسك بشكل مبالغ فيها وتظل تراجع أحداث ومواقف قد يكون أصحابها تحت التراب الان فتأكد أن عنكبوتك السام قد نسج خيط النكوص او الانتكاسة بإحكام ، لذا أنصحك بأن تتقبل وضعك الراهن أيا كانت مرارته وتعامل على إيجاد سبيل للتعافى السريع ، وأول سبيل لذلك هو الاعتراف وتحمل المسئولية وتحليل الاسباب والدوافع ثم إيجاد الحلول ، واذا لم تفعل ذلك فتأكد أن عنكبوت الفشل السام لن يتركك وشأنك ولكن سيسعى جاهدا لأن ينسج خيطه الثالث .
الخيط الثالث : كسل
اذا لم تحرر وتمزق الخيط الثانى فإن الخيط الثالث سيكون جاهزا اسرع مما تتصور وهذا الخيط هو الكسل ، فتبدأ تعتريك حالة عامة من الكسل فى تأدية المهام ولهذا كان النبى صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الكسل ، وما كان تعوذه منه الا لخطورته على النفس والمجتمع ، لذا فحاول أن تقاوم كل مظاهر الكسل بشعلة من النشاط ولا تركن لكسلك ومزق خيوطه السامه لانها لو تمكنت منك لا شك سيبدأ عنكبوت فشلك بنسج خيطه الرابع .
الخيط الرابع : بلادة العقل
الخيط الرابع يبدأ بحرف (ب) ويشير إلى كلمة بلادة العقل وأقصد بها هذه الحالة التى يضعف فيها ذكاء العقل ويعترى الذهن فيها الركود ويثقل الفهم لدى الإنسان وهذا كله بسبب استسلامه للكسل وعدم بذل أى مجهود تجاه تمزيق خيط الكسل الذى نسجه عنكبوت الفشل حول عزيمته .
ومن الطبيعى أن يبذل الإنسان الواعى الناضج كل ما فى وسعه حتى يتخلص من خيط بلادة العقل ومن وراءه باقى الخيوط الثلاثة الأخرى التى نسجها عنكبوت الفشل بداخل كل منا ، وإذا لم يسعى إلى تمزيق خيط البلادة فإن من البديهى أن يبدأ العنكبوت فى نسج خيطه الجديد من خيوط الفشل وهو الخيط الخامس .
الخيط الخامس : وهن
الخيط الخامس يبدأ بحرف (و) وهو يشير هنا إلى كلمة ( وهن ) وأقصد منها هذه الحالة من الضعف العام التى تبدأ فى إصابة الشخص الذى استسلم مسبقا إلى خيط بلادة العقل السام ، نعم وهن العزيمة وهن الارادة وهن الصبر وهن فى الطموح ، حالة من الوهن تصبح مسيطرة على الشخص الذى استسلم لكل الخيوط السابقة وترك عنكبوت الفشل بداخله يتفنن فى نسجها حتى أحكم سيطرته بهذا الوهن الذى ما أن يتطرق للإرادة حتى تصبح أقصى أمانى الواقع فى أسرها أن ينعم بالخمول والراحة إلى أن يصبح نسيا منسيا ، وبالرغم من بشاعة هذا الوهن إلا أننى أؤكد لك عزيزى القارئ أنه يمكن بسهولة تمزيق هذا الخيط فقط إذا شعر الشخص بحقيقة ما هو فيه وما يعانيه وما سيؤول له الأمر مستقبلا ، ولكن إذا لم يشعر الشخص بما هو فيه من وهن وعلى النقيض استمتع وتلذذ فمما لا شك فيه أنه سينتقل إلى الخيط السادس والأخير .
الخيط السادس : تسويف
وهذا الخيط السادس لخطورته سوف نناقشه فى مقال منفرد قادم إن شاء الله مع وضع استراتيجية هامة لمواجهته وتمزيقه من حياتك وهى استراتيجية 5D ونكتفى بهذا القدر وانتظرونا فى المقال القادم إن شاء الله .
التعليقات مغلقة.