مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

صفاء

4

بقلم – ناهد الغزالي:

قد يهمك ايضاً:

دار الكتب والوثائق تحتفل بيوم الأسرة 

اشتد صفير الرياح وتسرب البرد من شقوق غرفة السيدة صفاء. الهدوء يخيم على المنطقة التي انتقلت للعيش فيها.فوانيس المنازل احتضرت باكرا بسبب انقطاع الكهرباء. مشت صفاء متثاقلة، ترتجف من شدة البرد، أوقدت المصباح النفطي ثم جلست قرب مدفأة قديمة كأنها تستجدي الجمر أن يقاوم أكثر حتى لا تتجمد طفلتها، وهمت برتق جواربها المهترئة، ومن حين لآخر كانت تتفقدها وهي ترتجف تحت الغطاء المُرقع. نزعت معطفها وغطتها به فهي لن تقاوم هذا البرد وحرارتها مرتفعة جدا. لم تستطع النوم والخوف بادٍ على محياها.
-قاومي أكثر يا صغيرتي، إنني غريبة عن هذا الحي ، ولا أملك مليما كيف أتخلص من هذا الفقر المدقع يا إلهي؟
تأخر الليل و لم تعد قادرة على تحمل الجوع أكثر، بكت بمرارة وهي تتحسر على منزلها الذي التهمته رحى الحرب واجتثت معه أجمل ذكرياتها.ستنهض طفلتها وليس لديها مايسد رمقها.
وقفت أمام المرآة، تتأمل وجهها الشاحب، التجاعيد تحيط بعينيها الجميلتين.
لا تزال في السابع والعشرين من عمرها لكنها تبدو أكبر بكثير بسبب أهوال الحرب، الفقر والغربة.أصيبت بنوبة بكاء حادة، كيف انقلبت حياتها هكذا؟
-سنة واحدة كانت تفصلني عن التخرج، كنت سأصبح طبيبة وأحقق أحلام عائلتي لكن استشهد والدي وزوجي، أين بقية عائلتي يا رباه ارحم عذابي…؟
اختلط الكلام بالدموع ولم تعد تمتماتها مسموعة، تمسح دمعها حامدة الله على ما أصابها.
فجأة تناهى إلى مسمعها طرق خفيف على الباب، أصيبت بالهلع، أطفأت المصباح واقتربت ببطء …تكلمت بصوت يكاد يكون غير مسموع:
-من الطارق؟
لكنها لم تسمع أية إجابة…
ظنت أنها تتوهم، وأن ذلك الصوت لم يكن سوى الريح، هدأت قليلا ثم فتحت الباب لتتأكد من ذلك.
ذهلت السيدة صفاء، لم تنبس ببنت شفة، فمها فاغر…نظرت يمنة ويسرة ثم سحبت الرجل إلى البيت…
-مازن، متى خرجت من السجن؟ من الذي فعل بك هذا؟ يا إلهي إنك تنزف…!
ارتبكت صفاء، لم تعرف ماذا تفعل، أمسكها من يدها:
-لقد قاموا بحرق السجن منذ أكثر من شهر، هربت، من منطقة إلى أخرى بصعوبة، سألت عنك كثيرا حتى وصلت…
كان الرجل يتكلم بصعوبة، والدماء تغطي البلاط القديم، المشقق.
أشعلت صفاء المصباح من جديد، فتحت الخزانة الصغيرة، ودقات قلبها تتسارع بين وجيف ورجيف، أخرجت صندوقا صغيرا، فتحته بسرعة ثم أخرجت أدوات الاسعاف،
أمسكت يد مازن المجروحة بلطف، ما أسرعها وما أبرعها وهي تطهر الجرح وتضمده!
أسندته وسادتها وسحبت الغطاء البالي قليلا لتغطيه مع أطفالها حتى يرتاح.
جلست صفاء قربهم والسعادة تسري من جديد في روحها، نسيت الفقد، الجوع، الغربة…
-صفاء، ليس لدينا سوى بعضنا البعض، إن كنت غريبا عليك سأرحل فورا…وعندما أشفى أبحث عن عائلتي التي هاجرت، وإن كنت عزيزا عليك كما كنتُ قبل زواجك فهل تتزوجيني؟
ظلت صفاء ساكتة…غير مصدقة جمال الصدف…نبض قلبها مجددا، نظرت نحو مازن ثم أجابته:
– لا ترحل يا مازن.

 

اترك رد