مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

صغير عظيم

5

بقلم – بشار الويسي:

عندما أنهينا صلاة التراويح في مسجد من المساجد الكبرى جاءني الإمام الشاب فسلم علي محاولا تقبيل يدي ،فقلت له :استغفر الله، أنت من يجب تقبيل يدك على تلاوتك الرائعة وصوتك الجميل ،فقال لي أحد الجالسين :هذا الدكتور العلامة عبد الرحمن ،مدرس في الجامعة كلية الشريعة كما انه مجاز بالقراءات العشر وأحد المسؤولين عن طباعة المصحف الشريف. فقلت :ماشاء الله.
فقال الإمام : كيف حال دراجتك أمازالت تعطل ،فتعانقنا وأنا أبكي وأقول : أووه عبد الرحمن يالك من صغير عظيم.

قد يهمك ايضاً:

“التغيرات المناخية ودور الذكاء الاصطناعي”.. لقاء…

عبد الرحمن من ينظر إلى وجه ذلك الطفل الملائكي يشعر بالأمل .هذا طفل جاءني مرة إلى المسجد يطلب الانضمام إلى حلقتي في تعليم القرأن ،ابتسمت له وقلت له اجلس اهلا وسهلا…. ، فقاطع قائلا :هل تسمح لي بالقراءة أولا ،فنهرته قائلا :لا تقاطع مرة أخرى وانتظر دورك .عندها لم اسمح له بالقراءة حتى أنهى كل الطلاب ؛تعليما له وزجرا لمقاطعته ،وعندما بدأ بالقراءة أدهشني بروعة صوته وحسن تجويده وسلامة مخارجه ،فقبلته في جبينه وقلت له بارك الله بك يابني ،ماهو اسمك؟فأجاب خجلا :عبد الرحمن ،ثم نظر في ساعته وأستأذن وانصرف يهرول.
لم يحضر عبد الرحمن في اليوم التالي ،كان يقرأ الطالب تلو الآخر وأنا أنظر إلى الباب أنتظر مجيئه ،ولم يحضر ،يوما تلو يوم ولم يحضر ،حتى أستيأست من مجيئه.

آه لك أيتها الدراجة كل يوم يلزمك إصلاح ،سأشتري واحدة جديدة لو آخر يوم في عمري ،يرد علي صوت من أعماقي أسكت أسكت ومن أين ستشتري دراجة من راتبك الوظيفي؟ ،لو أنك تعمل بعد المغرب بدلا من تعليم الأطفال القرأن لتمكنت من شراء سيارة ،فأجيبه :لو تعلم متعتي عندما أقوم بتدريس الأطفال القرأن لما قلت ذلك ،أووه من هذه الأفكار ،سأبحث عن ورشة لإصلاح الدراجة.

دخلت إلى الورشة فقابلني صاحب الورشة مرحبا وابتسم لحالي؛ إذ كنت أحمل الدراجة والعرق يتصبب من جبيني رافعا بنطالي بيدي الأخرى ألهث من التعب ،فحمل عني الدراجة وقال: استرح . فجلست على الكرسي البلاستيكي آخذ أنفاسي.
نادى صاحب الورشة قائلا: ياولد تعال اجلب مشروب غازي للأستاذ لعله يرتاح.
وعندما جاء الصبي إذا به عبد الرحمن ، تلون وجه الصبي خجلا فابتسمت له قائلا :شكرا ياجميل.
فقال صاحب الورشة :آه لهذا الجميل والله إني لأحزن عليه هذا ابني الأكبر يستيقظ من الفجر يصلي معي ثم يذهب ليحضر لنا الخبز ثم يعود ويتناول الفطور ويوصل أخته إلى الروضة ثم يذهب إلى المدرسة وعندما يرجع من المدرسة ظهرا يأكل ثم يلتحق بي هنا في الورشة ويبقى حتى قبيل المغرب يرجع ويتعشى ويعتكف على واجبته إلى بعد العشاء وينام في الساعة العاشرة وهكذا .
ابتسمت للصبي مجددا وقلت :أنت بطل ياعبد الرحمن ولكن لما لم تعد تأتي إلى المسجد لتقرأ القرأن ؟
نظر الرجل إلى ابنه قائلا :اعطني ذلك المفتاح،لما لم تقل لي يومها أنك كنت في المسجد؟ ،ثم خاطبني:والله ياأستاذ ضربته ليلتها ضربا مبرحا لكنه لم يقل أين كان ،ثم نظر إليه وقال :أتراني أمنعك من بيوت الله؟، ولكني ضربتك يومها لتأخرك عن قضاء واجباتك المدرسية وبالتالي سهرت ليلتها ولم تستيقظ نشيطا في اليوم التالي .
فقلت للأب :الخطأ خطأي لقد قال لي أنه في عجلة ولكنني عنفته وأخرته ظنا مني أني أدبته بذلك ،ولك علي ياأبا عبد الرحمن إذا تركته يأتي إلى المسجد عند المغرب ليكونن في بيتك قارئا مقداما ،ولك علي ياعبد الرحمن أن أجعلك تقرأ أولا حتى لا تتأخر عن واجباتك المدرسية.
نظر عبد الرحمن إلي ثم نظر إلى والده فقال الوالد :اذهب ياعبد الرحمن إلى المنزل واستحم كي تذهب نظيفا إلى المسجد.
قفز عبد الرحمن فرحا نظر إلي بعينين لامعتين يقولان لي لك مني ألف قبلة.
آه ماأجمل أن ترسم الفرحة على عيون الصغار ………………….أوووه لك أيتها الدراجة عطلتي من جديد ……….
النهاية.

اترك رد