مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

شيوع الإنترنت

2

بقلم – الدكتور عادل عامر:

ولكن شيوع الإنترنت قد أنجب أيضاً أنشطة إجرامية وأنشأ طرائق جديدة لجمع معلومات الاستخبارات والنزاع. وتفتح نقاط الضعف التي تنطوي عليها أنظمة التشغيل والبرمجيات والأوضاع الأمنية الباب لإمكانية القيام بأعمال تهدد الخدمات الأساسية المقدمة للسكان المدنيين وتسهل التجسس الاقتصادي وتؤثر على عمليات الحكومة. فهناك الفيروسات والديدان وهجمات منع الخدمة الموزعة وسرقة البيانات المشمولة بحقوق الملكية والرسائل الاقتحامية والتدليس، وكلها تقوض مصداقية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وقدرة المجتمعات والاقتصادات على العمل.

وتحسّن برامج الأمن الفعّالة قدرة الأنظمة على استعادة الحيوية وتساعد في اكتشاف هذه الإجراءات ومنعها والتخفيف من آثارها. وتساعد الإضافات التكنولوجية والابتكارات الجديدة على صد وتتبع الهجمات كما أن القوانين المنسقة بشأن الجريمة السيبرانية تنهض بالتحقيقات وتقديم المجرمين السيبرانيين إلى القضاء.

ويتعين القيام بالكثير من العمل في كل مجال من هذه المجالات ولكن المشكلة الأكثر خطورة والتي قد تنطوي على أكبر قدر من التدمير هي قيام الدول باستخدام هذه التكتيكات لشن نزاع سيبراني.

وهناك الآن أمثلة عديدة توضح كيف يمكن أن تمتد النزاعات السياسية والعسكرية إلى الفضاء السيبراني وبذلك تقوض فعلياً الثقة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات وتثير مخاطر جدية. ويرد وصف بعض هذه الأمثلة في الفصول التالية من هذا المنشور.

وقبل ظهور مجتمع المعلومات كانت القوة والقيادة عادة من نصيب أصحاب السلطة السياسية والتفوق العسكري والهيمنة الاقتصادية. وكانت الدول والمنظمات الدولية تفرض القواعد والقيم الاجتماعية كما كانت النزاعات المسلحة تحكمها قوانين ومعاهدات تستند إلى وحدة الأراضي والقدرات الدفاعية براً وجواً وبحراً. أما اليوم فقد غيرت الإنترنت جذرياً من هذا التوازن في القوة. وتاريخ الإنترنت نفسها يوضح أكثر من غيره هذه النقطة.

و مني المذبوح هي المواطنة اللبنانية التي نشرت فيديو أثناء وجودها في مصر أهانت فيه الشعب المصري ؛ فقضت محكمة الجنح أمس بمعاقبتها بالحبس أحد عشر عاما … و هو حكم غاية في الخطورة trés dangereux؛ و إن تأييد الحكم من المحكمة الاستئنافية ستكون له تداعيات قانونية خطيرة و لسنوات .

** و الأمر لا علاقة له بمعاقبة سيدة أهانت الشعب المصري ؛ لأن عقابها واجب … لكن … الأزمة تتعلق بفكرة قانونية دقيقة ؛ هي حدود المسئولية القانونية عما يُنشر علي وسيلة التواصل الاجتماعي فيس بوك ؛ سواء أكان المنشور كلاما Mots أم فيديوvidéo؛ من حيث كون المنشور متاحا للعامة Pour le publicأم للأصدقاء Amisفقط … فالغير مأسوف عليها اللبنانية مني المذبوح نشرت الفيديو المسيء للشعب المصري علي صفحتها علي فيس بوك و جعلته للأصدقاء فقط … فقام أحد أصدقائها بعمل مشاركة للفيديو و جعله متاحا للعامة فقررت المحكمة أنها مسئولة responsable من الناحية الجنائية عن هذا الفيديو .

** إذا .. لو سار الفهم القضائي في هذا الاتجاه ؛ فإن كل من سيكتب ما يمكن اعتباره إهانة الدولة أو مؤسساتها أو رئيسها ؛ أو قذفا أو سبا ؛ سيتم حسابه جنائيا ؛ حتي و إن جعل منشوره متاحا للأصدقاء فقط … و ذلك عكس ما ذهبت إليه محكمة النقض الفرنسية من تفرقة بين المنشور المتاح للعامة Disponible au public و بين المنشور المتاح للأصدقاء فقط Pour les amis seulement … لذلك … وجب أن أضع هذا الملحوظة تحت بصر حضراتكم ؛ لأن الكثيرين يطلقون لكلماتهم العنان علي فيس بوك جاعلين منشوراتهم للأصدقاء فقط علي أساس أنه بمنأى عن العقاب … لذا وجب الحرص . تداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو لشابة لبنانية تدعى منى مذبوح، تهين المصريين بألفاظ نابية وتتهمهم بالتحرش والسرقة، الأمر الذي أثار حفيظة المصريين كون السيدة لا تزال موجودة في مصر دون أن يتم محاسبتها على إهانتها للشعب المصري.

وطالب المصريون، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وزارة الخارجية بالتحرك من أجل اعتذار رسمي، بجانب إصدار أمر بمحاسبتها قانونيا على إهانتها للمرأة المصرية. وتناقل العديد من المصريين مكان الفندق الذي تسكن فيه الشابة اللبنانية، مطالبين من السلطات المصرية سرعة ضبطها بتهمة الإهانة. وتداول عدد من النشطاء، بلاغًا نسب إلى الدكتور سمير صبري المحامي، بأنه تقدم ببلاغ للمستشار نبيل صادق، النائب العام ونيابة أمن الدولة العليا ضد اللبنانية مني علي مذبوح، لتطاولها على المرأة المصرية والرجل المصري. وقال إن منى مذبوح اللبنانية الجنسية، حضرت إلى مصر وعند قدومها استقبلت بكل ترحاب، وفجأة وعبر موقعها نشرت فيديو تطاولت فيه بأبشع وأقذر الألفاظ على نساء ورجال مصر حيث وصفت المرأة المصرية والرجل المصري والدولة المصرية بألفاظ وصفات وعبارات نابية.

قد يهمك ايضاً:

الدارك ويب

وطالب البلاغ، حسبما تداوله النشطاء عبر “فيسبوك”، بإصدار أمر بإدراجها على قوائم الممنوعين من مغادرة البلاد وضبطها وإحضارها والتحقيق معها فيما تضمنه هذا البلاغ وتقديمهما للمحاكمة العاجلة، وعقب تنفذيها للعقوبة التي قد يقضي عليها بها ترحيلها إلى بلادها، ومنعها نهائيا مدى حياتها من دخول مصر.

وفي ذات السياق، خرجت السائحة اللبنانية بفيديو جديد تعتذر عن ما جاء في التسجيل الأول، مشيرة إلى أنها لم تكن تقصد إثارة البلبلة أو سب كل المصريين، قائلة: “أنا بحب المصريين قوي.. ولي أصحاب جدعان جدا ووقفوا جنبي وأنا وقفت جنبهم”. وكانت اللبنانية حررت محضرًا تتهم فيه بعض الأشخاص بسرقة فيديو لها من صفحتها الشخصية ونشره دون إذنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، كما نشرت صورة منه، وحاولت “هن” التأكد من صحة المعلومات إلا أن الشابة قد أغلقت حسابها الشخصي. وفي ذات السياق، أكدت النيابة العامة، أن قوات الأمن ألقت القبض على منى المذبوح لبنانية الجنسية، تنفيذًا لقرار الضبط والإحضار الصادر من النيابة ضد المذكورة. وقالت النيابة في بيان مقتضب، اليوم الخميس، إن من المقرر التحقيق معها أمام النيابة المختصة، حسبما ذكرت “سي بي سي نيوز”.يشار إلى أن هناك عدة بلاغات قدمت للنيابة ضدها لاتهامها بسب وقذف الشعب المصري عبر فيديوهات نشرتها على شبكات التواصل الاجتماعي.

لقد أصبحت الإنترنت هي الجهاز العصبي المركزي في المجتمع. ولنتأمل كيف أن كل قطاع من قطاعات البنية التحتية الحرجة يتوقف على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات. فهذه القطاعات تخضع لسيطرة أنظمة الرقابة الإشرافية وحيازة المعلومات وغير ذلك من عمليات تكنولوجيا المعلومات المعقدة التي تتصل بطريقة أو بأخرى بالإنترنت. وعلى سبيل المثال، تستخدم المستشفيات والمراكز الطبية تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في كل الأمور بدءاً من التحرك في حالات الطوارئ ووصولاً إلى أنظمة دعم الحياة.

وقطاعات النفط والغاز والنقل تستخدم أنظمة ملاحية وأنظمة عمليات معقدة محوسبة بالكامل كما أن الشركات المالية تعمل من خلال أنظمة المدفوعات الإلكترونية والتجهيز الإلكتروني. وتعتمد الحكومات على تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتقديم الخدمات وإدارة العمليات عبر مناطق جغرافية متنوعة والحفاظ على السلامة العامة وحماية أراضيها.

ويعتمد قطاع الأعمال على الأنظمة الحاسوبية التي تُدير سلسلة التموين وعلاقات العملاء والتدفقات المالية وتؤدي وظائف الصناعة التحويلية. ونظم الاتصالات وشبكات المرافق هي الأخرى عناصر بنية تحتية “ذات أهمية حرجة فائقة” ويتوقف عليها كل ما عداها.

وقد أصبحت الإنترنت الآن تتصل اتصالاً عضوياً بكل وظائف الحياة اليومية وبحياة الأفراد. وتؤدي تكنولوجيا المعلومات والاتصالات دورها سواء كان ذلك على صعيد العمل أو التعلم أو اللهو. وتمكن الإنترنت من نشر المعارف والمعلومات بشكل غير مسبوق في تاريخ العالم. كما أن قوة التشابك الاجتماعي تربط بين السكان

وتؤثر عليهم بطرق منفصلة تماماً عن الحكومات وبطريقة لا تتوقعها هذه الحكومات بالمرة. فقد أتاحت تمكين الفرد والتوسع الذاتي ونشر أفكار غير مألوفة عن طريق آلية لا تتأثر في معظمها بالحدود أو بالاعتبارات الدبلوماسية أو السياسية.

واليوم يستطيع أي فرد أن يؤثر بسرعة على المفاهيم والقيم والأفكار والتحيزات من خلال قدرتهم على إنشاء محتوى وتوزيعه على صعيد عالمي.

أصبحت تكنولوجيا المعلومات والاتصالات جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية لكثير من الأشخاص في أنحاء العالم. والاتصالات الرقمية والشبكات والأنظمة تقدم موارد حيوية وتمثل بنية تحتية لا غنى عنها في كل جوانب المجتمع العالمي، وهي ضرورات لا يمكن لكثير من سكان العالم الازدهار أو حتى البقاء بدونها.

وهذه الهياكل والأنظمة تمثل ميداناً جديداً تقترن به تحديات جديدة للحفاظ على السلام والاستقرار. وبدون آليات كفالة السلام فإن مدن العالم ومجتمعاته ستكون عرضة لهجمات تتسم بتنوع غير مسبوق وغير محدود. وهذه الهجمات يمكن أن تأتي دون مقدمات. فالحواسيب والهواتف الخلوية تتوقف عن العمل فجأة كما أن شاشات آلات صرف النقد والآلات المصرفية تنطفئ في وجه العملاء وتتعطل أنظمة مراقبة الحركة الجوية والسكك الحديدية وحركة السيارات وتعم فوضى الطرق السريعة والجسور والممرات المائية وتتوقف السلع غير المعمرة بعيداً عن السكان الجائعين.

ومع اختفاء الكهرباء تهوي المستشفيات والمساكن والمراكز التجارية بل ومجتمعات بأكملها في غياهب الظلام. ولن تستطيع السلطات الحكومية معرفة مدى الضرر أو الاتصالات ببقية العالم لإبلاغه بالكارثة أو حماية مواطنيها الضعفاء من الهجمات التالية. وهذه هي المحنة القاسية التي يواجهها مجتمع تعرض للشلل بسبب ضياع شبكاته الرقمية في لحظة واحدة. وهذا هو التدمير الذي يُمكن أن ينجم عن نوع جديد من الحروب هي “الحرب السيبرانية”.

 

 

اترك رد