مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

شذى المحبة وروافد انتماء القاصة نوران فؤاد

2

كتب: عبد الرحمن هاشم
يستقطب أدب القاصة د. نوران فؤاد وشخصيتها أقلام النقاد وآراءهم التي تعدها صاحبة أدب إنساني راق يعبر عن المرأة لكن في أجواء فيها الرجل والمرأة، وكذلك صاحبة تجديد فقد انتبهت إلى مناصفة عملها الأدبي مع الفنان خالد نصار الذي أبدع من وحي قصصها لوحات تشكيلية بعبق بلدته غزة العزة والثورة.
تختار الناقدة والفنانة التشكيلية فدوى عطية النصف الفني في مجموعة “شذى المحبة” للقاصة الدكتورة نوران فؤاد لتلقي الضوء عليه فتقول: شذى المحبة مجموعة قصص رومانسية تعبر عن المرأة في همومها وأحزانها وأفراحها وثورتها كما تعبر عن هموم المجتمع كله.
وتأتي لوحات خالد نصار بثوريتها وتجريديتها لتلتحم بالعديد من القصص في انسجام وتكامل وكأن اللوحة تكمل القصة أو أن القصة تستدعي اللوحة.
فاللوحة الخاصة بقصة “العيش الشمسي” تخرج عن التجريدية إلى الواقعية فتعبر عن المرأة وهي تخبز هذا العيش في جنوب مصر والواقعية في اللوحة تشير إلى عناء هذه المرأة فتتدرج الخلفية من الفاتح إلى الغامق.
وألوان خالد نصار تشعرك بالرومانسية المفعمة بالتألم والحزن وكأنه يحمل في صدره هماً وقلباً بائساً.
لكن المبدعة نوران فؤاد أوجعت قلبي بقصة “شذى المحبة” لصدقها وواقعيتها.
وأنت تجد الغموض في المشاعر في اللوحة التي عبر بها خالد نصار عن قصة “طقوس الشاي” ففيها تجسيد للأشخاص وبخاصة البطل الذي يبحث عن حلمه أو عروسه فوجده في اليابان.
وفي قصة “التنجيم” تتحدث الراوية عن التنقيب عن الآثار ولعنة الفراعنة وجاءت الرؤية التشكيلية للفنان خالد نصار مستخدماً فيها الخطوط المنحنية واللون الأصفر الذي يعبر عن الحزن كما يعبر عن تأنيب الضمير.
ولي مع المدرسة التجريدية وقفة فهي تظهر من خلال لوحات خالد نصار كما يظهر فيها الفن الفطري بسلاسة وعذوبة تضيف إلى السرد الممتلىء بالمعاني والقيم الإنسانية.
أما غلاف الكتاب بلوحته الرائعة التي تظهر فيها (العين) التي هي أصدق ما يعبر عن مشاعر الإنسان إن فرحاً وإن غضباً يدلل على عبقرية الفنان خالد نصار كما يدلل في الوقت نفسه على التوفيق الذي حالف المبدعة نوران فؤاد إن في اختيار عناوين قصص مجموعتها وإن في اختيار الفنان المبدع الذي يعبر عن هذه القصص بفن تشكيلي صادق وجميل.
أما الناقدة نجلاء حمد فترى في سرد نوران فؤاد أنه يتميز بالتكثيف الشديد وهو يدعو إلى الاهتمام بماضينا وتراثنا الشعبي في وقت نحتاج فيه إلى الروح الطيبة التي تجمع الأسرة الكبيرة من أجداد وآباء وأحفاد فيغمرهم الدفء والحب والسعادة.
وأضافت: اختارت نوران فؤاد أسماء شخصيات المجموعة بما يتوافق ويخدم النسيج الدرامي القصصي ولم تترك إقليماً من أقاليم مصر إلا ومثلته بقصة أو قصتين بأفكار فلسفية بسيطة فجاءت مجموعتها مصورة لحياة بعض المصريين بروعة وحرفية.
صورت البيوت المصرية وما فيها من عنف زوجي وصورت الأم المضحية بكل شيء من أجل سعادة أبنائها وتحدثت عن الأدوية والأعشاب العطرية التي تستخدمها الأسرة في المناطق الشعبية.
وفصلت في حرفة صناعة الفخار وأماكنها وما تنتجه من أدوات المائدة والطعام حتى يُخيل للقارىء أنه يجلس في هذه الأماكن ويستخدم هذه الأدوات.
وأكد الناقد الأدبي د. مصطفى أبو طاحون أن نوران فؤاد تحشد الأرواح نحو ما هو جاد ومفيد مشيراً إلى أن عنوان المجموعة “شذى المحبة” له ثقل نسبي في التعبير عن قضية المجموعة كما هو متين الصلة باهتمام المؤلف ذاته.
وقال: “شذى المحبة” تركيب إضافي يتكون من كلمتين (الشذى والمحبة) سيكون لهما الحضور الكبير في قصص المجموعة.
شذى على كونها مفردة نظن أنها عبارة عن مجموعة أطياف تتصل بالرائحة وفيها ما فيها من الامتداد والنفع والوقع الرقيق على الأذن.
وفيها إيحاء بمجموعة من عطور متجانسة من العواطف والأحاسيس النبيلة نجدها من خلال مطالعتنا للمجموعة.
أما المحبة فهي تكسب اللفظ الأول (شذى) التعريف والتخصيص بمعنى أن الحب يشيع في أرجاء المجموعة كلها.
وأنا أثمن وأشيد باختيار العنوان إذ فيه من أمارات الشاعرية والشعرية ومن حسن الطالع أن يوضع اسم (نوران فؤاد) مع (شذى المحبة) فالإسم نفسه يدل على مطلق (النور) من ناحية و (الفؤاد) الذي له علاقة بالحب والرومانسة المؤطرة بالاحتشام من ناحية أخرى.
والنقطة التي لفتتني أن المجموعة تعبر عن قضية تتصل بالمبدعة القاصة الشاعرة الأكاديمية ألا وهي قضية الانتماء.. ونسأل ما ملامح وروافد انتماء القاصة نوران فؤاد؟ يظهر ذلك من الروافد التالية:
ـ رافد المصرية: في قصة (حالة خاصة) التي تتكلم عن تعامد الشمس على وجه رمسيس في متحفه بالجنوب وقصص (من الشبه أربعين) و (ريحانة من رياحين مصر) و (وحدانية).
ـ الانشغال بالشأن النسوي: أحسنت نوران فؤاد في التعبير عن بنات جنسها وهذا أمر لا يعيب وقد عرضت لإشكالية كبرى هي أن الرجل يمتلك الاختيار في أن يشم من أكثر من زهرة بينما هي لا تملك هذا الاختيار حينما يتحول عنها زوجها لكن الله يدفع إليها بالأبناء كي تنشغل بهم.
ـ التعبير عن الحداثة ليس كمذهب نقدي أدبي وإنما كمستجد من مستجدات العصر نجده مبثوثاً في المجموعة كلها بما يجعلها قادرة على الإمساك باللحظة الراهنة التي تبدع فيها قصصها فهي لم تعش في الماضي لكنها تنتمي إلى الزمان والمكان التي تحيا فيهما. والحق أن العالم الافتراضي أشد واقعية من الحياة التي نحياها ونوران يشيع في كل قصصها الأمل وهذا ما نرجوه في حياتنا.
ـ الاحتشاد عند النهاية: كل القصص تفاجئك عند النهاية بشيء متوهج هو أبرز ما في القصة وهذه قدرة تدل على وعي تام بآليات القصة ولذلك أنصحها بكتابة القصة القصيرة جدا وهي مؤهلة لها بما لها من قدرات في الشعر والختام المضوأ في القصة.
ذلك أن القصة القصيرة جدا إيجاز ورمز وتكثيف وإيحاء والنهاية تكون سريعة وفيها استخدام لتقنيات الشعر وقد فعلت ذلك نوران فؤاد مثل: (الحقول البعيدة العنيدة ومرفأ المياه الوفيرة) في قصة ” وحدانية” أشبه بشطري البيت التقليدي والصور الاستعارية مثل تعبير “نوبات الفراق” والقدرة على المقابلة المزدوجة وتكثيف العبارة المعبرة عن موقف مثل “هو سافر وهي بقيت”. والتضاد مثل “أضاء انطفاؤه”..
ـ القدرة على بناء القصة من خلال الحالة وليس من خلال الشخصة: فترسيم الشخصية واضح وموجود لكن القدرة على بناء القصة من خلال الحالة أو الموقف أو الشعور مهارة موجودة بالمجموعة. لكن الرغبة في تفصيل الموقف أوالاطناب فيه أوصيها بأن تمحها من المجموعة، ذلك أن القصة القصيرة مشهد تصويري.
ومهما يكن من شيء فنحن أمام أدب إنساني راق يعبر عن المرأة لكن في أجواء فيها الرجل والمرأة، ونحن أمام مبدعة صاحب إبداعها الفني إبداعاً آخر لفنان تشكيلي يتجه شرقاً إلى غزة بلد العزة هو الفنان خالد نصار.
وفي تعليقها على هذه الآراء النقدية، قالت د. نوران فؤاد:
هناك بعض القصص موجهة بالفعل فقد كتبت (من الشبه أربعين) وأنا أقصد بها حادثة خالد سعيد وفي يقيني أن الشهيد يحيى ولا يموت.
وكتبت (حالة خاصة)، بعد أن رأيتها بعيني، وكتبت (ضد الكسر)، تحية للفنان محمود مختار. وكتبت (البحر موج) كقصة فلسفية، وربطت بين الفن والموسيقى كطريق لمواجهة التطرف وعدم الفهم.

اترك رد