د. محمد الحلفاوي يكتب طاليس .. ابن الحضارة المصرية  

بقلم: د. محمد الحلفاوي

بطاقة حياة:
1-ولد في 624 ق م بمدينة مليطة بآسيا الصغرى
2- ترجع أصوله إلى قورموس بن أجنور من أهالى مدينة صور بالشام 1)
3- عمل في القضاء والحكم فترة من الزمن فى مدينة أيونة  .
4- هاجر إلى مصر ومكث بها عدة سنوات لينهل من الحضارة المصرية وعلومها وخصوصا
” علم الهندسة وعلم الهيئة ” 2)
5- فور عودته لبلاده ” أيونة ” تفرغ للعلم خصوصا علوم الطبيعة والفلك .
6- توفى في 546 ق م وهو يشاهد مباراة في الألعاب الرياضية.

هو طاليس الملطى .. الفيلسوف والحكيم وعالم الرياضيات والفلكي .

فهو الفيلسوف الكبير :
أبو الفلسفة ورأس حكماء اليونان السبعة ( طاليس , سولون , بياس , بيرياندر , بيتاكوس , كليوبولوس , خيلون ) .
وأول فيلسوف يوناني حاول أن ينقي منهجه من الشوائب والعوالق التي لا تتفق مع نظرته العلمية والفلسفية، حيث كان المفكرون والعلماء قبل طاليس كثيرا ما يزاوجون ويمزجون بين الأساطير والخرافات والممارسات السحرية والطقوس الكهنوتية من جهة، وبين العلوم والفلسفة من جهة أخرى.
يقول الدكتور مصطفى النشار :
” إن طاليس هو المؤسس الأول للفلسفة الطبيعية ” 3)

وهو الحكيم :
الذى أثرت عنه حكم كثيرة منها :
– أصعب الأشياء أن تعرف نفسك وأسهلها أن تسدى النصح للآخرين
– كثرة الكلام ليست من شأن العقلاء
– أهل العقول لا يحبون جمع المال الكثير إنما يحبون اكتساب العلوم والمعارف النافعة
– الروح أزلية غير فانية
وكان متجردا وراهبا في محراب العلم , زاهدا لا يسعى للمال .. ويدعو لبر الوالدين وتذكر الأحباب في حضورهم وغيابهم على حد سواء .
تقول الدكتورة أميرة مطر :
” اشتهر طاليس في عصره بالحكمة وسمي بالحكيم… وعندما سُئل كيف يستطيع الناس أن يعيشوا عيشة الفضيلة والعدالة فأجاب : “ألا نفعل نحن ما نلوم غيرنا على فعله” 4)

وهو الفلكى :
الذى تعلم علم الفلك عند قدماء المصريين والبابليين , واستطاع أن يحرر علم الفلك من الخرافات والأساطير والتنجيم . وأن يحدد موقع الأفلاك السماوية بالنسبة لكوكب الأرض وتبنأ بكسوف الشمس الذى حدث في 28-5- 585 ق م بعد وفاته ب 39 عاما . ومن خلال مهارته بعلم الهيئة توصل أن إحدى السنين القادمة سيكون مناخها ملائما لزراعة الزيتون  ؛ فاشترى جميع بذور الزيتون التي كانت موجودة في ” مليطة ” , فحملت الأشجار بثمار كثيرة جدا وحصل منها ربح عظيم ولكنه قام بتوزيع جميع ما ربحه في تلك السنة على جميع تجار المدينة 5)
صنع ذلك كرد فعل عملى على من قاموا بالاستهزاء بالعلم بدعوى أنه لا يدر مالا لصاحبه !!

وهو عالم الرياضيات :
الذى اكتشف عددا من النظريات الرياضية مثل ” التناسب , وخواص الدائرة , والأطوال ” واستخدم المنطق الاستنباطى في الهندسة , ولذلك يعتبر أول عالم رياضيات إغريقى معروف.

وهو المهندس :
الذى استطاع تحويل مجرى نهر هاليس6) واستطاع حساب ارتفاع الأهرامات بقياس ظلها .

وهو العالم الطبيعي:
الذى دعا لتحرير العلم من الخرافات والأساطير وضرورة إتباع المنهج العلمى في التفكير والاحتكام للعقل والتجربة والمشاهدة الحسية وله إسهامات علمية كثيرة منها :
1-تفسير أصل الكون :
الفيلسوف طاليس هو صاحب نظرية ” الماء أصل الأشياء ” ؛ حيث إنه توصل نتيجة سفرياته لمصر وبابل , ونتيجة ملاحظاته في بلاد اليونان .. أن الماء هو المادة التي تتوقف عليها حياة جميع الموجودات في هذا الكون وأن الماء هو العنصر الأساسى في كل شيء .وأنه طبقا لتغير شكل الماء ” سائل , صلب , غاز ” يتم تشكيل كل موجودات الكون . وهذه النظرية تعتبر من أهم الإضافات العلمية للفيلسوف طاليس .
يقول طاليس :
“إن النبات والحيوان يتغذيان بالرطوبة، ومبدأ الرطوبة الماء، فما منه يتغذى الشيء فهو منه بالضرورة، ثم إن النبات والحيوان يولدان من الرطوبة، فإن الجراثيم الحية رطبة، وما منه يولد الشيء فهو مكون منه، بل إن التراب مكون من الماء ويطغى عليه شيئا فشيئا، كما يشاهد في الدلتا المصرية وفي أنهار أيونية، حيث يتراكم الطمي عاما بعد عام، وما يشاهد في هذه الأحوال الجزئية ينطبق على هذه الأرض بالإجمال … فالماء أصل الأشياء”
وكان يعتقد :
أن كل جزء في العالم حي، وأن المادة والحياة وحدة لا ينفصل أحد أجزائها عن الأخر، وأن في النبات والمعادن “نفسا- حياة” خالدة كما في الحيوان والإنسان، وأن القوة الحيوية تتغير صورتها ولكنها لا تموت أبدا، وأن المغناطيس حي لأن فيه قوة تحريك الحديد.
يقول أرسطو :
“ربما جاء بهذا الرأي بعد أن شاهد أن غذاء كل شيء رطب، وأن بذور كل شيء ذات طبيعة رطبة “7)
وثمن الفيلسوف برتراند رسل نظرية الماء لطاليس قائلا ” إنها قائمة على الفرض العلمى وليس قول هراء لأن ” المدرسة الملطية كانت تأخذ باختبار تلك الفروض اختبارا قائما على التجربة الحسية ” 8) .
وجدير بالذكر أن القرآن الكريم – بل الأديان السماوية – قد أكدت صحة هذه النظرية .

2- تحرير العقل اليوناني :
يعتبر الفيلسوف طاليس أول فيلسوف يونانى يتبنى المنهج العلمى في التفكير ويقرأ الكون والطبيعة باستخدام العقل والتجربة بعيدا عن الخرافات والأساطير.. ويجعل ميدان عمله هو الطبيعة وليس وراء الطبيعة .
3- العلة الواحدة :
يعتبر الفيلسوف طاليس هو أول فلاسفة اليونان القائلين ” بالعلة الأولى ” وراء خلق هذا العالم , حيث كان من قبله – يزعمون – بوجود ” علة – إله – لكل ظاهرة في الكون ؛ فهناك إله للمطر وإله للبحر وإله للبرق وهكذا .
وكان يعتقد بوجود إله يعلم جميع الأسرار الخفية وليس له بداية ولا نهاية .

تلميذ الحضارة المصرية :
من الثابت تاريخيا قيام الفيلسوف طاليس بزيارة مصر والمكوث بها سنوات عديدة لينهل من حضارتها وعلومها , وكان هذا ديدن فلاسفة اليونان الكبار؛ فقد زار مصر وتتلمذ على علومها كثير من أساطين الفلاسفة اليونان منهم ( فيثاغورث , سولون , أفلاطون , ديمقرطيس)  ولذلك فإن فضل الحضارة المصرية ثابت على الحضارة اليونانية والرومانية ويؤكد ذلك صاحب موسوعة قصة الحضارة قائلا :
” الفلسفة اليونانية ثمرة الحضارة المصرية منذ أزمان سحيقة ” وأشار لقول أحد الكهنة المصريين لسولون فخر اليونان :
” أيها اليونانيون أنكم أطفال بالقياس لعلم وحضارة مصر آنذاك ” !!
وبعد :
إن الفيلسوف اليوناني طاليس الملطى له إسهامات علمية رائدة في كثير من المجالات , وشخصية فلسفية فريدة تستحق البحث والدراسة .

الهوامش :
1- أنظر كتاب ” تاريخ الفلاسفة ” ترجمة عبد الله حسين المصرى ط3 سنة 1910م بالقاهرة ص 5
2- المرجع السابق ص 5
3- أنظر كتاب ” تاريخ الفلسفة اليونانية من منظور شرقى ” ج1 دار قباء للطباعة والنشر القاهرة 2000م ص 104
4- أنظر كتاب ” الفلسفة عند اليونان ” د. أميرة حلمي مطر ص46
5- أنظر كتاب ” تاريخ الفلاسفة ” ترجمة عبد الله حسين المصرى ط3 سنة 1910م بالقاهرة ص 7
6- أنظر كتاب ” تاريخ الفلسفة اليونانية ” ولتر ستيس , ترجمة : مجاهد عبد المنعم مجاهد , دار الثقافة للنشر والتوزيع بالقاهرة سنة 1984م ص 29
7- أنظر موسوعة ” قصة الحضارة ”  ويل ديورانت – المجلد السادس – ترجمة  محمد بدران طبعة مكتبة الأسرة – القاهرة – 2001 – . ص252
8- أنظر كتاب ” تاريخ الفلسفة الغربية ” برتراند رسل المجلد الأول – ترجمة من الإنجليزية زكي نجيب محمود – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة – ص 63