بقلم د. محمد الحلفاوي
بطاقة حياة :
1-ولد فى 12-3-1946م بقرية جناج مركز بسيون محافظة الغربية .
٢-حصل على ليسانس آداب قسم تاريخ جامعة عين شمس 1971م
٣-عين باحثا بمركز بحوث الشرق الأوسط .. جامعة عين شمس 1972م
٤-شارك فى ” انتفاضة الخبز ” يومي 18 , 19 يناير 1977م ؛ وتم اعتقاله ومكث بالمعتقل لما يقرب من عام ونصف .. وبعد خروجه تم فصله من عمله بالجامعة.
٥-عضو مؤسس وقيادى بالحزب ” العربى الناصرى ” .
٦-شارك فى تأسيس جريدة ” الخليج ” بدولة الإمارات مع صاحبيها تريم عمران وعبد الله عمران وذلك فى سبتمبر 1979م .
٧-عاد للقاهرة فى 1985م للعمل مديرا لمكتب ” جريدة الخليج ” حتى الآن .
هو أحمد عبد الرحمن الجمال .. المؤرخ والمناضل السياسى والكاتب الصحفى والمفكر الوطنى والعروبى القومى والمثقف العضوى والحكاء الكبير والصوفى والمقاتل الشرس ضد التطرف والإرهاب والخطيب المفوه وابن القرية المصرية وداعية المواطنة.
فهو المؤرخ :
الذى درس علم التاريخ دراسة أكاديمية بالجامعة المصرية على يد أساتذة عظام أمثال ” عميد المؤرخين العرب الدكتور أحمد عزت عبد الكريم , والعلامة الدكتور اسحق تاضروس عبيد , والدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى , والدكتور السيد مصطفى سالم ” .
ويفخر دائما بنسبه وسنده العلمى وأنه تلميذ الدكتور أحمد عبد الرحيم مصطفى تليمذ الدكتور أحمد عزت عبد الكريم تليمذ الدكتور محمد شفيق غربال تليمذ المؤرخ البريطانى الكبير وفيلسوف الحضارة أرنولد توينبى صاحب نظرية التحدى والاستجابة .
ولتفوقه أثناء الدراسة كان يسمح له بحضور سيمنار التاريخ بكلية آداب عين شمس وهو مازال طالبا وفى حضور أساتذة كبار تقديرا لاجتهاده .
وقام بالتحضير للدراسات العليا برسالة ماجستير تحت عنوان ” الحياة النيابية فى مصر فى ظل دستور صدقى 1930-1935م ” ثم قام الأستاذ المشرف ” الدكتور أحمد عزت عبد الكريم ” بتغيير موضوع الرسالة إلى ” الإمام محمد عبده وإصلاح الأزهر ” .
ولكن نشاطه السياسى وظروف اعتقاله فى أحداث يناير 1977م لمدة عام ونصف تقريبا ثم فصله من العمل بالجامعة ” غيابيا بدون تمكينه من حضور مجلس التأديب ” أدى إلى عدم تمكنه من إتمام الدراسات العليا أكاديميا .. رغم أنه – بشهادة أساتذته الكبار – كان ينبئ بباحث واعد فى التاريخ .. فقام بتعويض ذلك بالقراءة المنهجية.
ولعشقه بالدراسات التاريخية أصبح عضوا بالجمعية التاريخية المصرية وهى جمعية لها تاريخ وتعقد ندوات ومحاضرات قيمة .
وكاتبنا الكبير ينادى دائما بتطبيق المنهج العلمى ومناهج البحث عند دراسة الظواهر والحقب التاريخية .
فيعرف دور المؤرخ بأنه :
” بذل الجهد فى جمع المادة من مصادرها ومراجعها ثم إعمال أدوات المناهج العلمية فيها ومحاولة استخلاص الحقائق منها … وفق ما هو متوافر من مادة ومستخلص من حقائق .. أما إطلاق الأحكام والوقوع فى الإنحيازات سلبا أو إيجابا وعدم المبالاة بما قد يخالف رأى وقناعات المرء حتى إن كان وضوحها ساطعا دامغا فهذا شئ آخر غير التاريخ ” 1)
ويطالب بتطبيق المنهج الموضوعى الذى لا يضمر صاحبه أحكاما وقناعات مسبقة ومطلقة تجاه الأحداث والظواهر .. ودراسة الحقب التاريخية دراسة تعتمد على توفر المصادر والمراجع وعلى استخدام المناهج العلمية وعلى القدرة على استخلاص الدروس ” 2)
مؤكدا أن الأسلوب العلمى للتعامل مع المذكرات الشخصية للقادة والسياسيين والزعماء لاعتمادها مصدرا للتاريخ هو :
” التدقيق فى تفاصيلها، ونقدها من داخلها ومن خارجها، وقراءتها على ضوء قراءة مذكرات وشهادات أخرى لمعاصرين شاركوا الأحداث نفسها، وتبيُّن نقاط الاتفاق والاختلاف والإخفاء والتورية والتجاهل ، ناهيك عن ضرورة الرجوع إلى مصادر أخرى كالوثائق وضرورة الحوار مع المادة المنشورة فى المذكرات وفق القواعد المنهجية ” 3)
وأن ” المقالات الصحفية ” عند المؤرخين أحد مصادر الدرجة الأولى للمادة التاريخية 4)
ويلفت النظر لأهمية التراكم التاريخى قائلا :
” تاريخنا حلقات مترابطة كل حلقة تؤدى إلى الأخرى وعلينا أن نعرف مواطن الضعف فى السلسلة ؛ عشان متتفكش مننا وذلك عن طريق العين الثاقبة التى تدرك دروس المراحل التاريخية .. حتى تؤدى مصر دورها القومى والخارجى دون أن تتعثر أقدامنا .. كل جيل يضيف مدماك فى حائط الصد الحضارى .
إن أعداء الوطن ينقبون حائط الوطن من أجل سرقة تاريخه ومن أجل هدم رموزه ” .
ويرى ضرورة أن يكون التاريخ المصرى خط بيانى متصل؛ لأن أعداء الوطن ” عاوزينه خطوط منفصلة .. مفيش تراكم 5)
مؤكدا أن ثورة 1919م وثورة 1952م : ” حلقتين متصلتين متكاملتين من حلقات النضال الوطنى ؛ وثورة يوليو لم تكن لقيطة فى تاريخ مصر ومن ثم فلم يكن الوفد عقيما بحال من الأحوال … ولطالما أسهبت فى شرح أن الأوطان العظيمة لا تعرف معادلة ” اللقيط والعقيم ” فى مسيرتها التاريخية !! 6)
وأن تاريخ مصر حلقات متتابعة ومتصلة :
” مصر بحثت عن الاستقلال السياسى فى ثورة 1919م
مصر بحثت عن الاستقلال الاقتصادى فى ثورة 23 يوليو 1952م
مصر بحثت عن الاستقلال الثقافى فى ثورة 30 ونيو 2013م ؛ حيث تم محاربة السوس الذى ينخر فى ثقافة وروح مصر الحضارية وحماية مصر من الحرب الأهلية ” 7)
وينادى دوما إلى استخلاص دروس تاريخ مصر منذ المصريين القدماء بوجه عام , ثم الحقب الحديثة والمعاصرة بوجه خاص ومعرفة الأسباب الكامنة من وراء السلبيات وحالات الاضمحلال والانحطاط ورصد أسباب ومعالم النهوض وحالات البناء والتقدم ” 8)
وإيمانا من كاتبنا الكبير بأهمية حائط الصد التاريخى قام بتدريس مادة ” ماذا قدمت مصر للبشرية ؟ ” لطلاب الهندسة والصيدلة وإدارة الأعمال بجامعة هليوبولس لتحصينهم من آفة التطرف الطائفى والمذهبى مؤكدا للشباب الجامعى :
” أن مصر ليست المليون كيلو متر مربع !!
ولكن مصر ” الدور” الذى دعمت حركات التحرر الوطنى فى العالم وأول من اعترف بالصين .
مصر التى تستطيع أن تفتح أسواق أو تغلق أسواق .
مصر هى القوة الناعمة ” الحضارة المصرية القديمة , الكنيسة , الأزهر , الفنون والآداب “
مصر التى تصنع الوجدان فى محيطها 9)
وأن أكبر مؤامرة تعرضت لها مصر فى تاريخها الحديث :
هو وأد المشروع ” تجربة محمد على فى 1840م , وتجربة جمال عبد الناصر فى 1967م “
محذرا من الذين ينتقمون من تاريخ مصر بالطعن والتشويه فى أمثال ” صلاح الدين الأيوبى , أحمد عرابى , جمال عبد الناصر ” لأن ما بقى منهم فى وجدان الجماهير هو ” البطولة والرمز ” !! 10)
” لأن أعداء الوطن انتقلوا من التفتيت على مستوى الدين والطائفة والمذهب والجهة والمستوى الاجتماعى إلى مرحلة تمزيق التاريخ وبث الألغام فى مفاصل اتصال حلقاته ” 11)
وحول إشكالية المؤامرة ودورها فى صناعة التاريخ :
يقول : ” إن التاريخ لا تصنعه المؤامرة .. وإن كان لا يخلو منها ” 12)
ويفرق ببراعة بين حسابات البقالة وحسابات التاريخ قائلا :
” تعلمنا أن هناك فرقا بين حسابات المشاريع التجارية ومنها القطاعى ونصف الجملة والجملة وبين حسابات التاريخ .
لأن المكاسب فى الأولى وكذلك الخسائر تحسب بمعيار تعظيم الربح المادى , يعنى كم جنيها ربح الجنيه الأول ؟! وفى ذلك أيضا أن السمعة والاسم التجارى لهما أيضا ثمنهما وهلم جرا .
أما المكاسب فى حسابات التاريخ فهى تنصرف إلى ما هو معنوى فى الغالب ومنه أمور لا تقدر بمال !!
وفى هذا قد لا يفهم صاحب المنهج المعتمد على حسابات البقالة بالقطاعى أو نص الجملة أو الجملة معنى أن تقدم الشعوب تضحيات بآلاف الشهداء وأن تضع كل مواردها وطاقاتها فى مواجهة عدوان خارجى .
ويكون الأفضل عند تلك العينة من البشر هو القاعدة التى تقول : إذا تعرضت للاغتصاب ممن لا تستطيع مقاومته .. فاستمتع !! لأن مكسبك بالاستمتاع يفوق بالحتم خسارتك بفقد حياتك إذا أصررت على المقاومة ” 13).
وهو المناضل السياسى :
ابن ثورة يوليو 1952م .. الذى آمن بمبادئها من استقلال وطنى وعدالة اجتماعية وتكافؤ فرص وجيش قوى والذى يدافع عنها ضد الشانئين الذين يدعون أن الضباط الأحرار اختطفوا مصر قائلا :
” نعم خطفت مصر لتنال استقلالها وجلاء المحتل عنها، ولينال فقراؤها من العمال والفلاحين بعضاً من حقوقهم التى سلبت عنوة ، تارة باسم الدين وأخرى باسم السياسة .. فكان الحد الأدنى للأجور، وتحديد ساعات العمل عقب الثورة بأسبوعين ، وكان الإصلاح الزراعى الأول بعد أقل من خمسين يوماً.. وخطفت مصر لتبدأ خططها التنموية الشاملة التى شملت الزراعة والصناعة والتجارة والتعليم والصحة والرى ، وقبل هذا كله استهدفت الإنسان الذى لم يكن يلبس سوى الجلابيب المصبوغة بالنيلة على اللحم ، وكان متوسط عمره لا يتجاوز 35 إلى أربعين سنة ، وتأكل البلهارسيا والطفيليات كبده وأحشاءه .. وخطفت مصر لتبنى انتماءها لأمتها العربية وقارتها الأفريقية وعالمها الإسلامى وتقود حركة التحرر فى أرجاء المسكونة ، وخطفت مصر لتقدم الداعية الإسلامى الطبيب والمهندس والزراعى وعالم الاجتماع وعلم النفس ، ولتنشئ مدينة البعوث الإسلامية والمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية وإذاعة القرآن الكريم ، ولتحقق العدل الاجتماعي الذى هو جوهر مقاصد الشريعة ، وليعلو شأن أحفاد أبى ذر فى مواجهة صلف وغنى الإخوان من سلالة من أرادوه مُلكاً عضوضاً يحتكر السلطة والثروة !! ” 14)
وشارك فى المعارضة السياسية فى حقبة السبعينات .. مشاركا في التحركات الجماهيرية الواسعة قبل حرب 1973م .. ومشاركا فى انتفاضة الخبز 1977م ودفع الثمن غاليا حيث سجن لمدة عام ونصف تقريبا وفصل من عمله بالجامعة .
وكانت تهمته ” إلقاء المحاضرات والندوات التى تنتقد رئيس الجمهورية والإدعاء بعدم وجود ديمقراطية “.
وفى عهد مبارك كان معارضا شرسا لسياسات الحزب الوطنى الحاكم عامة وخصوصا ” المنهج الاقتصادى للحزب ” الذى يقوم على أساس الرأسمالية المتوحشة
فقد كتب سلسلة مقالات بصحيفة العربى الناصرى فى أوج فترة قوة جمال مبارك وجماعته ، تناول فى تلك المقالات ظاهرة ما اسماه آنذاك “حكم اليمين الفاشى الرأسمالى المنحط” ممثلاً فى الحزب الوطنى ، خاصة أمانة السياسات 15)
ورغم مناصرته الشديدة لثورة الشعب المصرى فى 30 يونيو 2013م ولكنه يطالب دائما بإفساح المجال للمعارضة الوطنية قائلا :
” اتركوا البخار يتصاعد ويتحول لطاقة تدير توربينات العقل المصرى ؛ وإلا لن يتحمل أى تحصين ما قد يحدثه البخار من إنفجار .. ليس كل ناقد أو معارض خائنا أو مغرضا أو منتظرا لمكسب ” 16)
وهو الصحفى الكبير :
الذى كتب مقالات عديدة بمجلة الطليعة والكاتب منذ بداية سبعينات القرن الماضى ثم شارك فى تأسيس جريدة الخليج الإماراتية وكان يكتب الافتتاحية وعمود يومى ويرأس قسمى الرأى والمراسلين .
ثم مديرا لمكتب ” صحيفة الخليج الإماراتية .. إحدى كبريات الصحف العربية ” بالقاهرة منذ 1985م .
ويكتب مقالا أسبوعيا بجريدتى ” الأهرام ” و ” المصرى اليوم ” يتناول خلالهما كل ما يهم الشأن المصرى والعربى ” سياسيا وثقافيا وتاريخيا وحياتيا وحضاريا ” ويمتاز أسلوبه بالسهل الممتنع الذى يناقش القضايا العميقة بأسلوب سهل سلس.
ويرى أن رسالة الصحافة : ” تكوين رأى عام مستنير وفاعل فى كل جوانب حياة الوطن .. يكفل للمجتمع أن يتنفس هواء نقيا صحيا على كل الأصعدة خاصة الفكرية والثقافية والسياسية ” 17)
وحفاظا على جلال مهنة الصحافة طالب نقابة الصحفيين المصرية بالقيام بواجباتها الأساسية وعلى رأسها ” إعادة تأهيل مئات الصحفيين المصابين بداء الأمية الهجائية والإملائية والنحوية والخبرية والثقافية والسياسية وأيضا الأخلاقية والعمل على ضبط الآداء المهنى ” 18)
وقد دفع كاتبنا الكبير ضريبة جرأته فى إبداء رأيه أكثر من مرة :
كتب مجموعة مقالات بصحيفة الخليج بعد تفجير مقر المارينز ببيروت 1983م فقامت السفارة الأمريكية بالإمارات بالاحتجاج رسميا وطلبت ترحيله وفصله من الجريدة حفاظا على العلاقات الأمريكية الإمارتية ؛ فخرجت مظاهرات طلبة الجامعات بالإمارات مساندة له
وقامت إتحادات الكتاب العربية بمساندته .
كتب مجموعة من المقالات بصحيفة الخليج الإماراتية ينتقد فيها الفكر الوهابى .. وتم مهاجمة مقر الصحيفة من قبل بعض المحتجين على ما جاء بالمقالات .. مما عرض حياته للخطر .
تم منعه من كتابة عموده بجريدة ” العربى ” الناصرى – رغم أنه من القيادات المؤسسة للحزب والجريدة – بعدما قام بمخالفة إجماع مجموعة من الناصريين على انتخاب شخص بذاته نقيبا .. فضلا عن حملات السباب والتشهير 19)
تم منعه من الكتابة بجريدة الأخبار المصرية فى ظل حكم الإخوان لمصر وذلك لنقده اللاذع لسياسات الحكم والجماعة آنذاك رغم أنه لم يكن يتقاضى مقابلا.
وهو الوطنى :
المهموم بالأمن القومى المصرى , الذى يذوب عشقا فى حب مصر الأرض والنهر .. البشر والحجر .. التاريخ والحضارة .
حتى إنه عرض على الهواء فى لقاء تليفزيونى أن يعود ويلبس ” الكاكى ثانية ” وينزل للدفاع عن الوطن وخصوصا سيناء الحبيبة ضد جحافل الإرهاب جنبا بجنب مع الجيش الوطنى المصرى .
” لأنه لا أغلى ولا أعز من الوطن ، خاصة سيناء الغالية التى يريدون ذبحها وتقطيع أوصالها ” 20)
وينادى بتكوين جبهة وطنية مهمتها الحفاظ على سيناء مصرية حرة نامية منتجة مقاومة صامدة 21)
ويرى أن الوطنية كانت وستظل وستبقى مهمة رسالية طويلة المدى ، تنتقل فيها رايات التحديث والتنوير من جيل لجيل تالٍ عليه 22)
ويهتم اهتماما كبيرا بالأمن القومى المصرى قائلا :
– إن أمن مصر القومى والاستراتيجى- ومن زاوية مصرية بحتة استمرت عبر العصور- هو أمن يمتد من القرن الإفريقى ومنابع النيل جنوبًا إلى جبال طوروس ومنابع دجلة والفرات شمالًا ، ومن الهضبة الليبية غربًا إلى الأناضول شرقًا.. وهذا ما عرفه أجدادنا المصريون القدامى وسجلوه فى متونهم .
إن مصر لم تكن أبدًا معتدية أو طامعة فى أراضى غيرها ، ولكنها فى الوقت نفسه تحمى حدودها وتصون ترابها وتبنى وطنها ، متماسكًا متوازنًا قويًا ، من حول النهر، حتى لا يزحف البحر «الأجانب» إليها 23)
ويدافع عن الجيش المصرى قائلا :
” إن جيش مصر يختلف تكوينا ودورا وتاريخا اختلافا جذريا عن جيوش ما سمى بجمهوريات الموز فى أمريكا اللاتينية … إذ لا أثر عندنا داخل جيشنا لأى تصنيفات طائفية أو جهوية أو عرقية أو حتى أيديولوجية ، ناهيك عن الارتباط العضوى بين منظومة التعليم والتصنيع والاقتصاد منذ تطويرها أيام محمد على باشا وبين وجود الجيش المصرى ودوره والتفاصيل فى هذا كثيرة ” 24)
ويحذر من الوقوع فى فخ ثنائية ” مدنى وعسكرى ” قائلا :
” حكاية مدنى وعسكرى كانت آخر طعنة فى قلب مصر .. طعنة حقيقية .
يعنى صعيدى وبحراوى , مسيحى ومسلم , شيعى وسنى , مالكى وحنبلى , صوفى وسلفى “
الطعنة الأخيرة هى مدنى وعسكرى .. وكأن الإنسان كفاءته بما يرتديه .. ونسوا أن النشأة المصرية على عكس كل النظريات السياسية ؛ منذ أن قامت الدولة الموحدة على يد مينا .. يحكم مصر قائد .. وتناسوا أن الجيش المصرى من صميم بنية ووجدان هذا الشعب وليس من أمريكا اللاتينية ” 25).
وهو المفكر العروبى القومى :
الذى يهتم بالبعد العربى داعيا ” لتكامل دوائر التاريخ المصرى ” وعدم إلغاء حقبة من حقبه التاريخية .. وينعى على الرافضين للرابطة العربية قائلا :
” ليس ضربًا من ضروب الخيال ولونًا من ألوان الرومانتيكية، أن تكون اللغة عامل جمع بين شعوب عديدة مختلفة إثنيًا ومتباعدة جغرافيًا ومتفاوتة فى مستويات التقدم الاقتصادى والتقنى.
وبعد ذلك كله يأتى من يقرر- وبمزاجه الفردى المتفرد- إلغاء حقبة من تلك الحقب، ويتحدث عن الهوية المصرية بسهولة تنظيف الأسنان من الجير وآثار التدخين !
لقد واجهت مصر- بقوة وصلابة ووعى- التفتيت الدينى والطائفى والمذهبى.. والتفكيك الجهوى والاجتماعى ، وها هو التفتيت التاريخى والهوياتى يهاجم ما تبقى من خلايا جهاز المناعة الوطنى 26)
ويهتم اهتماما كبيرا بقضية فلسطين ويعتبرها قضية أمن قومى فى المقام الأول:
واصفا العدوان الصهيونى على فلسطين بأن ” عدوان , عنصرى , استيطانى ” مدان بمعايير الشرعية الإنسانية والشرعية الدولية والشرعية الأخلاقية 27)
ولكنه يؤكد : ” إن موقفى من اتخاذ المرجعية الدينية الأصولية الإسلاموية أساسًا للصراع فى فلسطين وفى المنطقة هو الرفض البات … وبقى أن يحدد الآخرون موقفهم ممن يتخذون المرجعية الدينية الأصولية التوراتية ومعها المرجعية الاستعمارية الاستيطانية العنصرية العدوانية أساسًا لصهيونيتهم ودولتهم.. وأتمنى أن أقرأ شيئًا عن ذلك ” 28)
ويستطرد قائلا : ” إن الصراع مع الصهاينة كان وسيبقى ولابد أن يبقى سياسياً وثقافياً وفكرياً وحضارياً ، ولدينا السابقة التاريخية التى يمكن القياس عليها ، وهى أن النبى صلى الله عليه وسلم لم يقاتل اليهود ويطردهم بسبب دينهم ومعتقدهم ولكن لأنهم نقضوا العهد وتآمروا !
وبالتالى فإن الصواب هو التعامل مع الصهيونية ودولتها الغاصبة باعتبارها عدوانا استعماريا استيطانيا مرتبطا بالاستعمار القديم والجديد، ولابد لمقاومته من أرضية وطنية تضم كل الشعب بمختلف انتماءاته الدينية والعقائدية والفكرية والاجتماعية ، ويكون الدين حافزاً لشحذ الهمة الوطنية ” 29).
ويدافع عن عروبة مصر قائلا :
” أتساءل ساخرًا : هل يمكن أن نصادف مواطنًا فرنسيًا الآن أو قبل الآن مثقفًا أو متعلمًا أو حتى عاميًا- بلا أى خلفية ثقافية وعلمية- يجلس يصيح أو يهمس أو يكتب ناعيًا «غاليا» التى غزاها المجرم كلوفيس الأول وغيّر اسمها ولغتها ودينها؟! وهى سخرية مريرة تخص أولئك الذين مازالوا يصبون جام غضبهم ولعناتهم على عمرو بن العاص الذى – فى نظرهم – غزا مصر وغيّر دينها ولغتها … ولا يفطنون أبدًا إلى أن التعامل مع التاريخ على أنه «دفتر بقالة» أو «يومية زفرة» لا يجوز ولا يليق .. ألفت نظر العلماء المصريين فى الجيولوجيا والأنثروبولوجيا والجغرافيا واللغات والتاريخ إلى أننا كمصريين بحاجة ماسة إلى عمل يتمم ما أنجزه شفيق غربال وجمال حمدان وميلاد حنا وغيرهم من الذين سعوا لدراسة التكوين المصرى” 30)
ويرى أن ما يحدث بسوريا الشقيقة هو من صميم الهموم المصرية وفق دروس التاريخ وحقائق الجغرافيا وفرضيات السياسة ومعطيات الاستراتيجية 31).
وهو المثقف العضوى :
إن كاتبنا الكبير مثقف حقيقى وقارئ نهم للكتب ومتابع للإصدارات الجديدة .
وكثيرا ما تستمع له فى لقاءاته التليفزيونية يقول ” أنا شغال على كتاب كذا ” فتعتقد أنه يتحدث عن كتاب يؤلفه ولكنك تفاجأ بأنه يتحدث عن كتاب يقرأه !!
وهذا نادر فى حياتنا الثقافية الآن .. فجلهم ” يكتبون كثيرا ويقرأون قليلا ” ويتحدثون دائما عن الكتب التى ينتجونها .
أما كاتبنا الكبير فالقراءة الدؤوبة لا تفارقه أبدا ويتابع كل جديد .. ويقتنى الإصدار السنوى من الموسوعة البريطانية فور صدوره .
ويهتم بمعانى الكلمات والمصطلحات ولذلك يقتنى المعاجم اللغوية ” لسان العرب ومختار الصحاح والقاموس المحيط والمعجم الوسيط ” فى مكتبته .
إننا بناء على دراسات المفكر الإيطالى أنطونيو غرامشى ( 1891-1937م ) حول المثقف التقليدى والمثقف العضوى ؛ نستطيع أن نصف الأستاذ أحمد الجمال بالمثقف عضوي :
لأنه مثقف يمتلك وعيا معرفيا وتاريخيا واجتماعيا تقدميا ولا يعيش فى برج عاجى .
ويترفع عن المال والسلطة ولا يتعالى على الجماهير.. ويسعى لبث الوعى فى المجتمع .. مدافعا عن المهمشين والضعفاء ,, داعيا لمبادئ العدالة .
ولا يخدع الجماهير ويدغدغ مشاعرهم ولكنه يجابههم بالحقائق .
فأثناء فترة اعتقاله فى أحداث يناير 1977م عرض عليه من المسئولين آنذاك أن يدخل حزب مصر نائبا للسيد ممدوح سالم رئيس مجلس الوزراء وبدرجة نائب لرئيس مجلس الوزراء ونائبا لجناح الشباب ” ولكنه رفض .. واختار السجن والفصل من العمل ؛ فى سبيل الدفاع عن آرائه مترفعا عن السلطة والجاه والمال 32)
وهو الحكاء الكبير:
الذى يعشق الحكى والسرد ووهبه الله ذاكرة فولاذية تهتم بالتفاصيل .
والمتابع لكاتبنا الكبير سواء فى ندواته العامة أو برامج التليفزيونية التى يستضاف بها يكتشف ذلك بسهولة .
ويرجع ذلك أنه نشأ فى أسرة ريفية ؛ ومعروف أن الحكى والسرد مشهور فى ليالى الريف .
علاوة على أنه كان من رواد قهوة ” ريش ” التاريخية فى صحبة كبار الكتاب والأدباء والفنانين والحكى هو الهواية المحببة على قهاوى القاهرة .
وكم حضر بمجلس الكاتب الكبير محمود السعدنى والتى يسميها ” الحضرة السعدنية ” وهى قائمة عامة على الحكى فى كل نواحى الحياة المصرية .
ويقول فى ذلك : ” كنت فى الحضرة السعدنية ألتزم كغيرى الصمت إذا عكم عم محمود هواء المكان ؛ ليبث فيه وحده موجات إرساله … وقد تأتى الموجه حديثا طويلا عن ذكريات ووقائع تعود إلى قهوة “عبد الله ” حيث الحاضرون الدكتور الأديب والناقد الكبير عبد القادر القط وأنور المعداوى وزكريا الحجاوى وطوغان وأحيانا الضابط المفصول من الجيش أنور السادات .. وكان إرساله لا يتوقف حتى وهو يأكل ” 33)
إن الأستاذ أحمد الجمال تتلمذ ورافق مشاهير ممن اشتهروا بأنهم متكلمون من طراز رفيع
أمثال : ” محمود السعدنى , كامل زهيرى , كامل الشناوى , زكريا الحجاوى , عبد الرحمن الخميسى ” وغيرهم كثير .
يقول كاتبنا الكبير : ” الحنين للسرد مستبد بالعبد لله , وهو المنفذ الوحيد الذى أجده ملاذا للهروب من وجع الدماغ ومناهدة القلب بالكتابة فى السياسة ” 34)
وهو الصوفى المحب للأولياء والصالحين :
إن الأستاذ أحمد الجمال صوفى قح .. فهو لم يقرأ عن التصوف فقط ولكنه :
” لبس خرقة التصوف ” ومضي حافيا يشاهد تجليات الشطح على ألسنة وفى وجوه الفقراء أى الدراويش المحبين … وهام على وجهه فترة من الزمن كدرويش ينشد ما اعتقد أنه الحقيقة ” 35)
وفى ذلك يقول : ” فى مطلع الستينيات كنت أمضى الشهور فى السياحة كدرويش بين المدن والقرى … وعايشت أهل الطريق من مختلف المشارب ( أحمدية .. وبيومية .. ورفاعية .. وخلوتية .. وبرهامية .. وشاذلية .. ونقشبندية ) وحملت مشنات الطعام المتفاوتة من الفول النابت والدقة والجبن القديم والكرات والفجل واللفت المخلل , إلى هبر اللحم وأناجر الفتة .. وتعلمت ألا أستكنف رص البراطيش ” الأحذية والبلغ القديمة ” وألا أمتعض من تنظيف المراحيض .. وألا يفور دمى من رذالة مبطون لا يريد أن يفسح المطرح لغيره ” 36)
والتصوف عند كاتبنا الكبير هو التصوف الإيجابى وليس ” البله والهطل واللامبالاة والانقياد الأعمى ” 37)
ودخل فى سجال فكرى وفقهى مع تنظيم الفنية العسكرية مدافعا عن التصوف وذلك أثناء فترة اعتقاله :
فيقول : ” ضربت مثلا بواقعة النبى سليمان بعدما جرى مع الهدهد، وقلت : إن الذى عنده علم من الكتاب هو الذى أحضر عرش ملكة سبأ ، قبل أن يرتد طرف سليمان إليه، وتغلب بذلك على عظيم الجن «العفريت»، وأنه كان رجلا اسمه آصف بن برخيا.. واحتجوا وقررنا الاحتكام لتفسير «ابن كثير»، الذى يقتنونه فى محبسهم وأحضروه فإذا به يؤكد كلامى ، وإذا بهم يصيحون بأنها نسخة مزيفة ” 38)
ويرى أن مشاهد آل بيت الرسول صلى الله عليه وسلم : ” سيدنا الحسين والسيدة زينب وسيدى على زين العابدين والسيدة نفيسة والسيدة سكينة والسيدة عائشة وغيرهم ” سواء كانت المشاهد تحوى رفاتهم أو لا تحتويه ، ومعهم الأقطاب الصوفيون الكبار كالبدوى والدسوقى والشاذلى والقنائى والمرسى وابن عطاء الله وأيضا سيدى شبل بن العباس وعشرات آخرون منتشرون فى ربوع المحروسة الجميلة كانت وستبقى مراكز للإشعاع الروحى والأدبى والفنى ، ومجالا للتكافل والتراحم وإطعام الطعام وصلة الأرحام ولقاء الأصدقاء 39)
وهو المقاتل الشرس ضد التطرف والإرهاب :
بدأ الاحتكاك بين كاتبنا الكبير وتنظيمات التطرف والإرهاب منذ أواخر السبيعينات من القرن الماضى حيث ألتقى بتنظيم ” الفنية العسكرية ” بسجن الاستئناف وله مجادلات كثيرة معهم ويحكى هذه القصة الكاشفة :
” ذات يوم نادى شاويش العنبر أن غادروا زنزانتكم لتحلوا محل مجموعة «الفنية»، وخرجنا فى دقائق، مثلما فعل كل سكان الزنازين ، وظللنا ننتظر أن تنتهى مجموعة «الفنية العسكرية»، من لم «العزال» دون جدوى ، ومضى الوقت من الثامنة صباحاً حتى نادى الشاويش «التمام يا أفندية» الساعة الخامسة مساء، وهم لم ينتهوا .. وفى الخامسة والنصف تقريبا سمحوا لنا بالدخول لنفاجأ بالمشهد التالى.. وأقسم بالله أننى لا أبالغ .. وأظنهم مازالوا أحياء يشهدون ، الجدران التى كانوا قد طلوها بالزيت حاولوا إحراقها ، والجزء الذى لم يحترق عجنوا أوراق الصحف المحترقة وهببوا بالعجينة بقية المساحة ، ثم إنهم خلعوا الحنفيات من فوق حوض الغسيل ومن الحمامين ووضعوا مكانها خوابير خشبية .. ثم قاموا بعجن خليط من الجبس والأسمنت وسدوا عينى المرحاضين ، ثم خلعوا صفا أو اثنين من بلاط الزنزانة ، وهما الصفان اللذان كانا يغطيان السراديب التى أفرغوها لتخبئة ما يريدون ، ثم خلعوا الكورنيشة الخشبية من تحت حلق الشباك.. المهم دمار شامل للزنزانة ! “
وذهبت من فورى إلى الشاب ماجد، الذى توسمت فيه اعتدالاً، لسماحة وجهه، ولم أقترب طبعا من الأمير سعيد دربالة، وسألت: ما هذا الذى فعلتموه؟ وجاءتنى الصاعقة: لقد عقدنا اجتماعا مطولا بقيادة الأمير وتناقشنا نقاشا حادا وطويلا، واتفقنا على تدمير المكان تأسيسا على قاعدة فقهية لدينا تقول: «إذا ترك المسلمون ديارهم لغير المسلمين فعليهم ألا يدعوا عامرا إلا وخربوه»!. وسألته: وهل نحن غير مسلمين، ألم أصلَّ معكم وزملائى كثيراً من الفروض، ثم ألم تعلموا أن الرسول – صلى الله عليه وسلم – نهى أصحابه عن ردم الآبار وقطع الشجر ومهاجمة دور العبادة، فى حالة الحرب مع غير المسلمين، ولذا حتى لو كنا فى حرب فلا يجوز ما فعلتموه فى مصادر الماء؟!! وكان رده غمغمة غامضة! 40)
وله نقد عميق للفكر الاقتصادى لجماعة الإخوان فيقول :
” إننى ما زلت عند قناعتى أن الإخوان جزء من التوجه اليمينى الرأسمالى الفاشى المنحط ، بل إنهم اقتصادياً أكثر رداءة وانحطاطاً من رأسماليى الحزب الوطنى، الذين كان من بينهم منتجون لصناعات ثقيلة ، وأخرى وسيطة وثالثة استهلاكية ، أما الإخوان فمعظم نشاطهم – إن لم يكن كله – نشاط ريعى واستهلاكى وتوكيلات وعملة ، ويهدف للربح السريع دون أى اعتبار لقواعد وأهداف التنمية الاقتصادية الوطنية ، ولا للمشاكل الحقيقية ، التى تفتك بالمواطنين، وتتجاوز سد بعض رمقهم، ولوقت لا يتجاوز يوماً واحداً ، يكفى فيه بالكاد كيلو زيت وآخر أرز !! 41)
ويطالب خبراء علم النفس بتركيز جهودهم لدراسة التكوين الذاتى لأعضاء الجماعات السياسية السرية ؛ لاستخراج السمات الخاصة وأنماط التفكير وآليات التعامل لدى الأشخاص المهيئين والمنضمين للتنظيمات السرية سواء ماسونية أو ماركسية أو يسارية أو قومية أو إسلامية 42)
وكان يرى أن ما يحدث من جماعات الإسلام السياسى فى ظل حكم الإخوان لمصر :
” ما هو إلا تقسيم عمل لمهمة العنف المستهدف لترويع الآخر فى الوطن، وبث الرعب فى قلبه حتى يخضع وينساق أو يجبن وينسحب إلى غير رجعة ! ” 43)
وبعد 2011م ووصول جماعات الإسلام السياسى للحكم قام كاتبنا الكبير بكتابة عدد كبير من المقالات لنقدهم والرد عليهم وكشفهم والتحذير من فهمهم المغلوط للإسلام .. ونتيجة لذلك تم منعه من الكتابة بجريدة الأخبار القومية حينذاك وتلقى تهديدات كثيرة .
فقام بالرد على ” الدكتور محمد بديع عندما اتهم مخالفى الجماعة بأنهم شياطين , ورد على الدكتور القرضاوى , والشيخ المحلاوى وفتواه حول حكم تهنئة المسيحين بأعيادهم , ورد على مفتى الإخوان عبد الرحمن عبد البر , ورد على فهمى هويدى وطارق البشرى , ورد على الحوينى وبرهامى وغيرهم ” .
وفى عز حكم الإخوان كتب يقول :
” إنها الأيام الأكثر سوادا وإظلاما وانحطاطا فى تاريخ أمتنا المصرية .. وإن المجرمين يجب ألا يفلتوا من العقاب … أعلم أن العقاب القانونى ربما يتأخر، وربما لن يأتى الآن، لأنهم فى قمة الحكم ، وكم من حالات كان التحقيق والعقاب فيها مستوجبا ، ولم يحدث شىء.. بل إن من فى الحكم نفسه أضحى متهما أمام القضاء بتهمة خطيرة هى التخابر.
ولكننى أعلم يقينا أيضا أن حساب الشعوب قادم وحاسم ، وإن تأخر، وحساب التاريخ صارم ، وإن تأجل .. أما حساب السماء، فعلينا أن نتوجه بالدعاء، وفى مقدمتنا الأطفال والنساء والشيوخ والعجائز، وأهالى الشهداء، وأصحاب الدم فى حادثة أبو النمرس، فربما يعجل الله- سبحانه وتعالى- بأن يخلصنا منهم، وأن يجعلهم عبرة لمن لا يعتبر” 44)
وهو الخطيب المفوه والمناظر الشرس :
المتابع لكاتبنا الكبير يعرف أنه خطيب مفوه .. عندما يتحدث فى الندوات ويخطب فى المؤتمرات يلهب مشاعر الجماهير .
وعنده ملكة الانتقال من نبرة صوت إلى أخرى صعودا وهبوطا .. لتهب عواصف التصفيق والهتاف .
ويمتلك مهارات الخطابة والتواصل فى الحورات الفكرية والسياسية والخطابة العامة .
وتظهر مواهبه الخطابية جلية فى مناظراته السياسية والثقافية :
مثلما حدث فى مناظراته الشرسة مع الأساتذة : ” سعد الدين إبراهيم , صلاح بسيون , محمود جامع , على سالم , القيادى الوفدى أحمد عودة ” 45)
وفى أحد لقاءاته التليفزيونية وعلى الهواء وبدون إعداد عندما علم أن أحدهم كتب مطالبا باعتبار إرهابى سيناء ” أسرى ” انتفض قائلا :
” هذا تدويل لقضية سيناء وإلغاء للدستور والقوانين المصرية ونسف للبنية التشريعية المصرية وتدخل فى أعمال القضاء .. مثل هذا الكلام – ولا أتكلم عن صاحب الكلام – يدخل فى خانة ونطاق الخيانة لهذا الوطن ” 46)
وهو ابن القرية المصرية ” جناج نموذجا ” :
ولد كاتبنا الكبير بإحدى القرى المصرية ” قرية جناج بوسط الدلتا ” وهو عاشق لقريته متيم بحقولها وأشجارها وحاراتها وعاداتها .. ورزقه الله ذاكرة فذة تختزن الوقائع بجميع تفاصيلها
وقام كاتبنا الكبير بكتابة عشرات المقالات عن ذكرياته بالقرية لتكون مادة خام لعلماء
” الأنثروبولوجى ” .
وهذه عناوين بعض هذه المقالات ” فى ليالى الريف , أشجار فى سكة العبد لله , شهر اللقمة الطرية , عودة إلى الريف , عفريت الهرمونات , الريف والسرقة الحلال , الشجرة الباكية , خالدة الذكر ” الطبلية التى تجتمع العائلة عليها للطعام ” , الزريبة والأرز والطوب والبطالة , شحطات ريفية , خالى عبد الوكيل , مدعكة الكسوة ” .
وفى هذه المقالات يحكى بالتفصيل عن :
” كيفية تحضير القمح للزراعة , وجنى القطن ونقاوة الدودة ودراس القمح وحكايات الجدة والكسوة وحكايات المراهقة ورؤية الفصول المختلفة فى الريف وليالى رمضان وأيام الفيضان وعن الساقية وأشجار الجميز والصفصاف والتوت وغير ذلك كثير “
فيحكى عن دراس القمح كاملا منذ الحصاد وإحضار المحصول للجرن بواسطة الجمال وكيفية التحميل .. ثم كيفية الدراس بواسطة النورج ثم التذرية حتى إخراج زكاة المحصول فى الجزن 47)
ويحكى عن فطار رمضان على سطح البيت .. منذ انتظار آذان المغرب من على مأذنة المسجد الكبير بالقرية ” المسجد الهاشمى بجناج ” بدون مكبر صوت وكيفية فطور الرجال والنساء ثم قرءاة القرآن فى المندرة ليلا طوال الشهر الكريم بواسطة قارئ راتب .. ولعب الأطفال ليلا باللنضدة والذهاب لأضرحة الأولياء بالقرية 48)
وهذه نماذج لمقالات كاتبنا الكبير عن القرية المصرية :
يقول : ” وفى القيالة – أى القيلولة – تندفع النساء والفتيات والرجال والفتيان إلى رأس الغيط , حيث الترعة والأشجار إياها .. التوت والصفصاف والجميز والسنط والأثل والحور أو السرو وغيرها , ثم تجد غالبيتهم – أو كلهم – قد تمددوا على بطونهم على حافة الترعة وأفواهم تشفط المياة من المجرى مباشرة , لأن القلة أو الزلعة التى فيها مياة نقية نسبيا محجوزة لصاحب الغيط ولعمل الشاى على الراكية .. ثم تفتح الصرر – جمع صرة – المحتوية على وجبة الغذاء ومعظمهم يضع فيها خبزا فلاحيا جافا مصنوعا فى الغالب من خليط من القمح والذرة والحلبة ونسبة القمح أقل , والحلبة لزوم منع العفن .. ومع العيش شوية محدق ” 49)
وفى مقال آخر : ” وفى الدار تتم تربية الطيور لزوم البيض والذبح , وأيضا البيع عند الزنقة والاحتياج لسيولة نقدية .. وكذلك للإهداء أو الزوادة لابن أو أخ مغترب .. ويتحول الأمر لكارثة إذا جاءت ” شوطة ” أو ” فرة ” للقطيع كله أو أصيب واحد ” 50)
ويقول أيضا : ” وعلى المدار يجلس صبى أو فتاة ممسكا ” بالفرقللة ” وهى سوط مجدول جدلا محكما وصلبا من التيل أو الكتان , وله يد حديدية تتدلى من حلقتها العليا شخاليل حديدية , تصدر صوتا بمجرد تحريكها , وهذه اليد اسمهما فى منطقتنا من وسط الدلتا ” الدهوكس ” وهناك ارتباط شرطى عند الماشية بين صوت شخللة الدهوكس وبين أن السوط ” الفرقللة” ستنزل على جلدها .. فتبادر للإسراع فى المشى .. ولكن يكون اليوم أسود من قرون الخروب إذا سقطت البهيمة فى بئر الساقية وزعق صاحبها : ” الحقونى يا خلق هوه .. الحقونا الجاموسة – أو البقرة – وقعت فى البير ” ليهرول الفلاحون من سائر الغيطان المحيطة طالما سمعوا الاستغاثة ” 51)
ولكاتبنا الكبير إبداعات فكرية كثيرة نحتها عبر تعمقه فى قراءة التاريخ المصرى عبر حقبه المتتابعة وعبر خبراته فى الحياة الدينية والثقافية والسياسية المصرية وعبر معرفته العميقة بالوجدان المصرى مثل :
خميرة التقدم :
يرى أنه يمكن لمجموعة صغيرة “خميرة ” أن تبدأ التفاعل لتنتقل إلى محيط أوسع فأوسع .
مستشهدا بقول السيد المسيح عليه السلام : ” قليل من الخميرة يخمر العجين كله ” 52)
مصر وزهرة اللوتس :
يقول : ” مصر مثل زهرة اللوتس عندما تتماسك تقفل للداخل .. وعندما تفتح تفتح للخارج ؛ لكى تضمن أمنها القومى .. مصر المتماسكة المتوازنة تصبح قوية عندما تسيطر على النهر ” 53)
نظرية الضفيرة الحضارية المصرية :
يقول :” إن مصر وجدت فكرة الضفيرة .. فكل الأنشطة ضفائر
والمحروسة قد ضفرت أشياء لا تخطر على البال معا ” إيزيس مع العذرا مع أم هاشم ” والشخصيات الثلاثة لقبت بالطاهرة .. ورغم أن أم هاشم تزوجت .. مما يعنى أن الطاهرة لا تعنى البتولية .. وإنما تعنى ” الصبر على المحن ” .
” المرأة فى مصر هى عمود الخيمة .. هى اللى ماسكة مفتاح الكرار .. صابرة محتسبة طاهرة عفيفة تعمل ليل نهار .. هى اللى مجدها المصريون فى رسومهم القديمة .
هى إيزيس:
اللى شافت زوجها أوزوريس وهو بيتقطع من الإله ست فبكت ومن دموعها جاء فيضان ماء النيل ثم جمعت أشلائه وتمددت إلى جواره فحملت حملا معنويا فى حورس.. وربت حورس على الشرف والثأر إلى أن انتقم من ست ” إله الشر ” دى أمنا الكبيرة السيدة الأولى فى مصر هى إيزيس .
هى العذرا :
التى شهدت ابنها وهو لابس تاج من الشوك ومشى على الشوك حافى ومنزلينه مربطينه وملبسينه قميصر أورجوانى وودوه إلى مكان الجلجثة – وفق المعتقد المسيحى – عشان يصلبوه وهى تبكى فقال لها لا تبكى فتحملت المشهد العذرا
ولكنها وهو طفل رضيع تحملت مشقة السفر من بيت لحم حتى دير المحرق بأسيوط ماشية وراه
هى أم هاشم ” السيدة زينب ” الطاهرة :
اللى شهدت كربلاء وشاهدت أخاها الإمام الحسين رضى الله عنه يذبح فى كربلاء وابنيها عون ومحمد يقتلا فى كربلاء وشاهدت الإمام الحسين وهو يقبض قبضة من دم ابنه عندما ضرب بالنشاب ومات عطشانا وقادت موكب أسرى آل البيت ثم جاءت واحتمت بالمحروسة وأصبحت عميدة آل البيت “
المصريات النموذج بتاعهم إيزيس والعذرا وأم هاشم … واللى بيجمع بينهن الثلاثة هو
” التضحية والفداء والصبر على المحن ” 54)
الخمسة وخميسة :
يقول : ” وأبدعت المحروسة أيضا ” الخمسة وخميسة ” وفى ظنى أن الخميسة تعنى الأسر المقدمة التى زارت مصر ” إبراهيم عليه السلام وأسرته , يعقوب عليه السلام وأسرته , موسى عليه السلام وأسرته , السيد ٠المسيح وأمه ويوسف النجار , آل بيت النبى محمد رضى الله عنهم ” 55)
وهو رائد وداعية المواطنة الكاملة :
إن كاتبنا الكبير يدعو دوما لمبدأ المواطنة الكاملة مع إخوتنا المسيحيين .. وتجمعه علاقات صداقة عميقة مع آباء الكنيسة المصرية ومع الكتاب والأدباء والفنانين المسيحيين .
ويرى أن الفتنة الطائفية صناعة استعمارية تنفيذا لمبدأ ” فرق تسد ” .
وأن ما حدث فى ثورة 1919م وخطاب القمص سرجيوس على منبر الأزهر ثم وجود أسماء مصريين مسيحيين فى قيادة الثورة ومع سعد زغلول كان أكبر رد على المحاولة البريطانية .
وأن ما تقوم به جماعات التطرف والإرهاب من بث الفرقة والفتنة مع أخوة الوطن ما هو إلا تنفيذ للمخطط الاستعمارى ولكن ” بأيد مصرية .. لتفكيك مصر لحساب أعداء مصر ” 56)
وينعى على من يريدون تحويل المساجد إلى معاقل لإرهاب الخصوم وتحويل المنابر إلى منصات لاستمطار اللعنات على المخالفين .. ثم يقول جازما : ” أعتقد اعتقاداً يصل لدرجة اليقين أن الذين يعادون المسيحيين فى مصر.. أياً كانت درجة العداوة ، ولو بالتحفظ فى تهنئتهم بأعيادهم ، ومخاطبة ودهم دون تجاوز عن ذلك , لا يعرفون الإسلام ولا الإنسانية حق معرفتهما ، بل أذهب إلى أكثر من ذلك ، وهو أنهم يهدمون ركناً ركيناً من أركان الدين عامة ، والإسلام خاصة ، وهو احترام النفس البشرية بصرف النظر عن جنسها ولونها ودينها ، كما يقوضون مجمل ما قامت عليه الحضارة العربية الإسلامية ، حيث ينهدم البناء كله إذا أصاب شرخ أحد أعمدته الرئيسية ، وإذا أصيبت التربة من حول أساساته بخلل 57)
ويرتبط كاتبنا الكبير بعلاقة طيبة بالكنيسة المصرية :
حيث حاور البابا شنودة بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية لمدة 3 ساعات .. وصلى العصر بالكاتدرائية قبل إجراء الحوار مباشرة .. وقال له البابا شنودة ” حرما ” .
وله حوارات مع الأنبا سدراك ” مطران القدس فيما بعد ” بدير الأنبا بيشوى .
حتى أنه يلقب بين أصدقائه وإخوته المسيحيين ” بالشماس القديم ” .
وله صداقات عميقة المضمون مع أساقفة أجلاء ورؤساء أديرة كبار.
وله تجربة مضيئة مع المركز القبطى للدراسات وأسقفية البحث العلمى حيث شارك فى إلقاء محاضرات للشباب المسيحى فى معسكر” أبو تلات ” حيث كان كل فوج يضم ” 250- 300 ” شابا وذلك لإبراز الجذور التاريخية المشتركة بين المصريين .. بصحبة ” الدكتور أحمد عبد الله رزة , جورج إسحق , سمير مرقس ونبيل مرقس وإيناس عوض الله والدكتور صلاح عبد المتعال والمهندس منير عياد وغيرهم ” .
ويحكى كيف أن أحد المشاركين ” مجدى أحمد حسين ” تحدث بطريقة غير مناسبة للهدف من المعسكر وتكهرب الجو .. وكان هو المحاضر التالى فقام بإلقاء ترنيمة كنسية حيث إنه يحفظ الترنيمات الكنسية بالقبطى والعربى .
فقامت فرقة الإنشاد الكنسى بالكنيسة إكراما له بإنشاد نشيد طلع البدر علينا من ثنيات الوداع !! 58)
وكاتبنا الكبير خبير بتاريخ المسيحية ومذاهبها .. ويأسى أن معظم المهتمين بالسياسة والثقافة يعانون من نقص شديد فى معرفتهم بتاريخ المحروسة .. ويرى أن هذه المعرفة ضرورية بل واجبة على كل مثقف مصرى وعلى كل مهتم بالعمل العام سياسيا وثقافيا واجتماعيا 59)
علما بأن كاتبنا الكبير تعرض لتهديدات – من تنظيمات متطرفة – عبر رسائل إذا لم يتوقف عن الكتابة الإيجابية عن آباء الإصلاح بالكنيسة المصرية 60)
والمتابع للأستاذ أحمد الجمال يجده يستشهد بمواضع من الإنجيل سواء بندواته أو مقالاته وكثيرا ما يدعو المصريين وغيرهم لقراءة ” النص الخالد موعظة الجبل .. قمة فى السمو الأخلاقى والتسامح ؛ أطلب من كل إنسان يستطيع القراءة والكتابة أيا كانت ملته أن يقرأ موعظة الجبل .. سوف يتعلم كثيرا ” 61)
ويرى أن الحصان والعروسة الحلاوة فى المولد النبوى يعبران عن مار جرجس والسيدة العذراء بتاج النور 62) .. مما يؤكد قوة الترابط بين المصريين .
ويلفت النظر للتشابه الكبير بين الإنشاد الدينى ” المسيحى والإسلامى الصوفى ” :
” فعندما تستقبل روحك عبر أذنيك ترنيمة وإنشادا مسيحيا , وتمضى إلى الحضرة فى الساحة وعلى الرصيف .. فإذا بالجملة الموسيقية والإيقاعية والنصوصية تستكمل نفسها لأن المصدر واحد والمشرب الصافى هو .. هو !!
وبعد هذه الجولة فى حياة ونضال وفكر كاتبنا الكبير أحمد الجمال يتبين لنا الآتى :
أن الأستاذ أحمد الجمال من المثقفين الموسوعيين الكبار الذين تعمقوا فى ” التاريخ , والثقافة , والدين , ودخل عالم التصوف , والفلكلور الشعبى , وخاض غمار السياسة من زاوية الوطنية وليس الأيديولوجيا , وعمل ببلاط صاحبة الجلالة , وخاض المناظرات دفاعا عما يؤمن به , ويقف على ثغر الفكر القومى العربى , ويعتبر أيقونة من أيقونات المواطنة والوحدة الوطنية ” .
أن كاتبنا الكبير عاش الحياة ويمتلك تجربة ثرية ؛ يجب أن تدرس ليستفاد منها .. وفى نفس الوقت كتب عتها .. مخالفا مقولة الشاعر الهندى الشهير ” طاغور ” : الحياة إما أن تكتب عنها وإما أن تعيشها .
أن كاتبنا الكبير من مدرسة فكرية : ” تؤمن بكرامة المثقف والمفكر والصحفى وترفض أن تباع أو تشترى .. تقول كلمتها وتمضى لا تريد جزاء ولا شكورا .. تؤمن برسالتها ودورها .. وتدفع الثمن غاليا فى سبيل الدفاع عن مبادئها وما تؤمن به بكل رضا وحبور فى سبيل توعية الجماهير .. تذوب عشقا فى وطنها وتدافع عنه بالغالى والنفيس ” .
ندعو الله لكاتبنا الكبير بدوام الصحة ودوام التألق الفكرى والصحفى .
التعليقات مغلقة.