مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

خذروف الصبية

34

بقلم – مهدية أمانى:

قد يهمك ايضاً:

“لا” في ختام الموسم المسرحي لقصور الثقافة…

غدا السبت.. “المركز القومي” يعرض 3 أفلام بنادي…

أن أنبذ وأقصى من أي لعب في درب “التوتة ” رقم ثلاثة ، شيء لا يصدق ولا يحتمل، فما أن أقترب من مجموعة ما ،حتى يشيحون عني بوجوههم ويُولوني ظهورهم كأني مصابة بالجرب ، وإن أصرّيت على المشاركة يجمعون أشياءهم وينصرفون وأبقى وحيدة أتأمل الفضاء وقد أطبق عليه الصمت ،كيف أسقط من عليائي بهذه السهولة ؟ ومن كان وراء هذا النفي من جنة اللعب الندية ؟..وكيف تكتّلوا ووضعوا أيديهم في أيد بعض ، وهم من لا يعرفون إلا مشاجرات قد تصل إلى شد الشعر، وخمش الوجوه ، والضرب على المناطق الحساسة..ونسوا كم مرة تلقيت اللوم عنهم حفاظا على اللّمة واللّحمة ، وأنني الحكم ورئيسة الكتيبة، من تفك التماسكات ، تفض النزاعات ، تصلح ذات البين وتجعل المخطئ يقبل رأس المظلوم ويسترضيه ، وتحشو الجروح بالفلفل والرماد كي لا تترك نذبا على السحنات الجميلة ،وأخترع لهم ألعابا أخرى أكثر تشويقا وحيوية.. الدراجة المضيئة ،لعبة بسيطة لا تجتاج غير زنبيل من قصدير تخترقه خشبة وقطعة زجاج ، أو قاع قنينة وشمعة نشعل فتيلها ويبدأ الجري في الأزقة في ليالي رمضان خصوصا ، حيث يطول السهر ويحلى السمر..ونصدر كل أنواع أصوات الدراجات النارية من أقواها إلى أقلها حدة..والجرافة الخشبية بعجل من حديد ، سقْط مصلحي البسكليتات التي أستولي عليها خفية من أجلهم أو لقاء خدمة ، تعميرة شاي اختلسها من مؤونتا أو تفريغ جردل زيت محروقة، نركب عليها بالدور في المنحدرات ونستمع بالسرعة الكبيرة التي كان تجري بها ..ومسابقات الحمل الثلاثي لسطول الماء من السقاية إلى بيوتنا ، واحد مضاف على الرأس دون انسكاب نقطة ماء ..ومن زلّ نفرغ عليه ما بقي شتاء كان أو صيفا لا فرق..ونضحك ونستمتع، وحلقات الحكي والقص والخطابة ومسرح الحي ” الحيّ” الذي نحاكي فيه ما يدور في الحياة العادية ،ونركز على الشخصيات التي تؤثث فضاءنا الطفولي..العربي السكير،مسعود صانع البوظة
الأعرج،السّامبا الطبال الأسود كقطعة ليل، لكنه حبيبنا المغني الرائع ،رابحة الثخينة المترجرجة .. هاته كانت غالبا من نصيبي ،أحشو ثيابي بكل ما أجده ، صوفا وقطنا وثياب إخوتي كي تصبح لدي عجيزة وصدرا يتدلى حتى يصل بطني..وأقلــــد حديثها ومشيتها ، أضع وشمها بالفحم وأمضغ ما تبقى لتسود أسناني ، وأمثل وأجيد حتى ينقبلون على ظهورهم من الضحك..أتذكر كل هذا ، يقرصني النكران ، تفر دمعة من عيني وأعود إلى بيتنا ، انتحي مكانا قصيا لأعدّ العقيق والخرز الذي لم ألعب بهم اليوم مع البنات ، وأتلمس خذروفي” الرنـــــــدة “أوالطرومبية كما نسميه الذي لم “ينقف ” أي خذروف ذكوري اليوم ، فوحدي من البنات من تجيد اللعب به، لما يستدعيه من دقة وقوة ساعد وتركيز وجرأة على اقتحام فضاء حكــــــر على الصبيان..تجدني أمي وقد أخرجت علبة كويراتي “دعابلي”الصغيرة أو ” اللّبي”..أتملى باشكالها وأنواعها وألوانها…منها الزجاجية والرخامية والطينية والعاجية..ولكل منها إسم..الثورللمدمر، الأسد للمهاجم، العملاقة الكبيرة الحجم، النسرالطيار، والسمان الذي يحط بعد أن يكون دار واستدار..أدعها تتسرب من بين أصابعي، أدعكُها،أحدث بها خرخشة وقرقعة فظيعتين، أفرغ فيها غضبي وعصبيتي، تنهرني واصفة إياي ب”عزْري الدوار”..وأن من سيتزوجني ربّنا يكون في عَونه..أعتب عليها في قرارة نفسي، فلم تر دموعي ولا تغير مزاجـــــــي ولا كوني لم أدخل المنسج لأكمل الطيّة التي بقيت منقوصة ، ولا حملت كتابا لأقرأ كما اعتدت أن أفعل ..أحسست بغبن مريع ، أترابي تنكروا لي وأمي عني منشغلة.. نمت طاوية البطن ،حزينة القلب وجرح كبريائي ينز.
صباحا ، وجدت كل الحيطان مكتوب عليها إسمي بالطبشور، مضاف إليه نعث “قرّاضة”..الكلمة لا علاقة لها بالقرض ولا بالاستقراض ولا الاقتراض..تعني بكل بساطة عاميتنا “تفوزدائما ، وممنوع اللعب معها”.
..وما كذبوا ..فلدي أكبر مجموعة من الخرز والخذاريف وأجملها وأندرها..لم أسرق منهم شيئا يوما ،لكني لــم أعرف كيف أكتفي وأجعلني لا أفوز وأحتفظ بمحبتهم ، دون قصد، صادرت منهم متعة من أكبر المتع لدى أي طفل ، متعــة الظهور والانتصار ولو لمرة .
وفي يوم واحد ، أضيفت إلى عمري سنين عديدة ، صرت ألعب للمتعة فقط ،وأعلمهم كيــــــــــــــف يفوزون، لم أكرههم ولا حملت لهم ضغينة في قلبي، واستمرت رفقتنا حتى نَضوْنا عنا رداء الطفولة..لكنني لم أنس الإهانة ، فأن يُخط اسم أحدهم فى ذلك الوقت على حائط ،كمن شُهر به في جريــدة..ثأرتُ لنفسي، فابْتَدَعْت طريقة أخرى للفوز، رفضوا تفوقي فاستهنت بذكائهم ، كنت أبيع بعض حصيلة ربحي لصاحب الدكانة ليعيد تدويرها ومن ريعها أبتاع احتياجاتي..بعد الحادثة، صرت أطرح كل يوم قطعة من مجموعتـي النادرة في مزاد عَلني..أصعد على دكة بابنا ، أعتلي الهامات، ألتقط بريق العيون وأتلمظ طعم احتـــــــدام المنافسة حول من سيحظى ، بشرف الظفر ببركــــــــة “القرّاضـــــــــــــة “.

 

اترك رد