مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

حروب الجيل الرابع

بقلم دكتور- هشام فخر الدين:

تعد الحروب من الظواهر المعقدة التي تحتاج إلى التوقف بعمق عند تناولها بالدراسة والتحليل؛ وذلك لارتباطها بالتفاعلات بين البشر كأفراد وجماعات ودول، فهي نزاع مسلح تبادلي بين دولتين أو أكثر من الكيانات غير المنسجمة، وتتأثر وتتغير أدواتها ووسائلها بمتغيرات كثيرة. وقد تغير شكل الحربى فى الآونة الأخيرة؛ ليأخذ نمطاً جديداً يهدف إلى هدم الدولة من الداخل، والذى عرف بحروب الجيل الرابع، التي ليست لها ساحات قتال محددة؛ ولكن تنتشر في الدولة المستهدفة بشكل عام.

فمنذ بدء الخليقة والبشر يعيشون في صراعات وحروب متتالية راح ضحيتها ملايين البشر، فعلي مدي أكثر من ثلاثة آلاف عام شهد العالم حروباً ساهمت بشكل كبير في تشكيل خريطة العالم، وتطورت خلالها أشكال الحروب والتي ظلت تعتمد في مجملها علي الجيوش النظامية للدول.

قد يهمك ايضاً:

رئيس جامعة قناة السويس يُكلف عبد الناصر عبد الجليل مديرًا…

السيد القصير يكتب: “بلد الأمن والأمان.. دلالات جولة السيسي…

ولا شك أنه تزايـد في الآونة الأخيرة الاهتمـام بحـروب الجيـل الرابــع والتي تتتخذ شكلا جديـداً, واسـتحدثت وسـائل وأسـاليب غير مسبوقة; نتيجة التطور التكنولوجي الذى أفرزته العولمة, خاصة في مجال الاتصـالات والمعلومـات.

فهى تختلف كلية عما سبقها من الحروب حيث اعتمد الجيل الأول للحروب على تكتيكات ترتيب الجنود في أنساق تعتمد على الكثافة العددية لإنتاج أكبر قدر ممكن من النيران. وهي الحرب التقليدية بين جيوش نظامية وعلي أرض معارك محددة ومواجهة مباشرة بين الدول، وهذا النوع من الحروب يعتمد علي التكتيك المباشر في استخدام السلاح بصورة مباشرة وصفوف من القوات. أما بالنسبة للجيـل الثـاني للحـروب فكانت التكتيكـات تسـتند إلى النـيران والحركـة, حيـث حلـت القـوة النيرانيـة الكثيفـة, والإرتكاز على الخطط العملياتية, محل القوة البشـرية الكبيرة. وقد ظهرت حروب الجيل الثاني قبل الحرب العالمية الأولي، وقد شهدت تلك الفترة استخدام القوة النارية الشاملة متمثلة في نيران المدفعية غير المباشرة، وأصبح الهدف هو استنزاف العدو، كما لخصت العقيدة القتالية الجديدة في أن المدفعية تقهر والمشاة تحتل، وفيها تم الحفاظ علي ثقافة النظام العسكري والتراتبية التي يفرضها، كما تم التركيز علي التعليمات، والإجراءات، والقواعد العسكرية، وظهرت الأولوية في طاعة الأوامر عن الإرتجال، حتي دشنت الحرب العالمية الثانية جيلاً ثالثاً من الحروب؛ حيث أطلق الجيش الألماني الإستراتيجيات التي عرفت بالحرب الخاطفة، أو حرب المناورات، وقد بنيت العقيدة القتالية علي أسس السرعة، وعنصر المفاجأة، والتشويش الذهني والمادي للعدو، وبالتالي انتهت فكرة الحرب كسباق دفع بين الطرفين .

فى حين نجد الجيل الثالث يتمثل في الحرب الخاطفة التي تعتمد على المناورة بالنيران والقوات بدلا مـن المواجهـة والإلتحـام، اللذين ينتج عنهما خسائركبيرة. وتعتمد الأجيال الثلاثـة السـابقة مـن الحـروب عـلى الاسـتخدام المباشــر للقـوة العسكرية لتحقيق أهداف الدولة المعتدية, بينما تعتمد حروب الجيل الرابع عـلى اسـتخدام القوة الذكية, والتى هي مزيج من القوة الصلبة والقوة الناعمة في استراتيجية واحدة فاعلة.

حيث تعتمد تكتيكات حروب الجيل الرابع على الحروب النفسـية − إذ يتم تنفيذها عبر أفراد وجماعات مـدربين لإحـداث قلاقـل واضـطرابات – فضلاً عن الغـزو والإختراق الثقـافي, ّ ونشـر الشائعات, وغير ذلك من أنشطة تقوم على تدمير الروح المعنوية للخصم, والتـأثيرالنقسى  فيه. بالإضافة إلى العمليات الإرهابية والتفجيرات. بهدف كسـر إرادة الطرف الآخر, وتحطيم معنوياته, وإفشال مؤسسات الدولة, وإشاعة  الفوضـى والارتباك والذعر الداخلي; بحيث يسـمح ذلـك بتـدخلات خارجيـة لتحقيق مخططات معينة وتنفيذها, أو اسـتمرار هـذه الفوضــى الداخليـة لشـغل الدولـة ودفعها إلى الإنكفاء على الذات, والإنشغال بالشأن الداخلى في اتجاهات تخدم أهداف قوى إقليميـة أو دولية ومصالحها.