تكنولوجيا محطات الضبعة النووية الروسية
بقلم – الدكتور علي عبد النبي:
مصر دولة الحضارة، تراثها يوضح للعلماء أنها استخدمت تكنولوجيات متقدمة، لم يكتشف سرها حتى الآن. فالعقلية المصرية تختلف عن باقى عقول جنسها من البشر، ولذلك فشعب مصر مستهدف ويراد له أن يظل محبوسا ولا يخرج من القمقم.
ولذلك فالسياسة العالمية، وأنا أقصد هنا الدول الاستعمارية، تريد أن لا تمتلك مصر التكنولوجيا المتطورة، حتى لا تستطيع العودة لسابق عهدها، وتبنى الإمبراطورية المصرية القديمة.
لم تتأخر مصر فى دخول عصر الطاقة النووية، فقد كانت سباقة فى العطاء على المستوى العالمى فى هذا المجال. ومع بداية عصر الذرة، كان لمصر باع فى هذا المضمار، والعالم كله يعرف قدر العالم المصرى الدكتور ” على مصطفى مشرفة”، والذى يلقب بأينشتاين العرب، لأن أبحاثة كانت فى نفس المجال ونفس الموضوعات التى كانت أبحاث العالم “ألبرت أينشتاين” تدور حولها، وتتلمذ على يده مجموعة من أشهر علماء مصر، ومن بينهم الدكتورة العظيمة “سميرة موسى”.
مصر ولادة، فبالرغم من استهداف بعض علماء مصر المتميزين بالقتل، لم تتوقف مسيرة مصر النووية، فعلماء مصر فى المجال النووى كثيرون، سواء فى داخل مصر، أو خارج مصر، فهم منتشرون فى جميع دول العالم، وخاصة فى أمريكا وكندا، ويشار اليهم بالبنان.
الرئيس الراحل “جمال عبد الناصر”، أراد أن تكمل مصر مسيرة تفوقها فى المجال النووى، وكانت مقولته الشهيرة “فاتنا عصر البخار ولن يفوتنا العصر النووى”، عصر دخول التكنولوجيا النووية فى المصانع المصرية، لأنها أرقى التكنولوجيات، والتى وإن امتلكتها مصر لاستطاعت أن تنطلق للعالمية. ولذلك فلقد بدأ فى وضع برنامج للطاقة النووية لإدخالها فى كافة المجالات العلمية، وأرسل بعثات من الطلاب المتفوقين فى الثانوية العامة إلى روسيا للدراسة فى المجال النووى، وأنشأ هيئة الطاقةالذرية، وانشأ قسم الهندسة النووية بجامعة الأسكندرية.
التكنولوجيا الروسية لم تكن بعيدة عن مصر، فلقد استخدم المصريون السلاح الروسى، كما كان لروسيا تواجد فعال فى مجال الاستخدامات السلمية للطاقة النووية. ففى معامل الأبحاث النووية فى إنشاص كان هناك معجل شحنات روسى “فانديجراف”، ومفاعل أبحاث نووى قدرة 2 ميجاوات حرارى، والذى تم توريده عام 1958.
العقيدة النووية المصرية والتى تربينا عليها هى “امتلاك التكنولوجيا النووية السلمية وتوطينها فى المصانع المصرية”.
لعبت السياسة دورا خطيرا فى تعطيل دخول مصر عصر تكنولوجيا المحطات النووية. ولهذا السبب فقد فشلت محاولات مصر العديدة فى الحصول على مفاعل نووى لتوليد الكهرباء. هناك أربعة محاولات فشلت، منها ثلاث مناقصات، ومحاولة شراء بالأمر المباشر من فرنسا. آخر أمل كان عام 1986، عندما توقفت مناقصة عام 1983، والتى تضمنت عروضا من ألمانيا وفرنسا وأمريكا وعرض رابع من كونسورتيوم شركات عالمية. هذه المناقصة كانت قد حددت أول محطة نووية فى مصر، فقد فازت شركة “كا – فى – او” الألمانية بالمناقصة، وكانت النتيجة ستعلن فى يوم 26 أبريل 1986. لكن الظروف كانت فى عكس اتجاه إرادتنا، وقدر لنا أن نعيش إنتكاسة جديدة فى مشروعنا النووى.
بذلك اكتملت واتضحت الصورة أمامنا عام 1986، واتضح معنى كل كلمة سمعتها من بعض المتخصصين أو من بعض غير المتخصصين من الدول الأجنبية، وترسخت لدى عقيدة أن هناك مخططا وينفذ، ولن يسمح لمصر بامتلاك محطات نووية.
وكان رأيى الشخصى، أن روسيا أو الصين هى الملجأ الوحيد للخروج من هذه الأزمة. لكن هذا الرأى كان حبيس الصدر حتى شهر أكتوبر 2007، لأن فى الفترة من 26 أبريل 1986 وحتى 29 أكتوبر 2007، كان غير مصرح لنا أن نتحدث عن المحطات النووية. وكان الاتجاه العام فى مصر لشراء محطة نووية هو من خلال مناقصة عالمية. وعندما كنت أصرح برأيى عن أن الشراء لابد وأن يكون من روسيا وبالأمر المباشر، كان هذا الرأى يقابل باستهجان. لكن بعد خروجى على المعاش فى 2009، أصبحت حرا، وفى أول حوار صحفى لى أعلنت أن مصر لن تستطيع الحصول على محطة نووية عن طريق المناقصة العالمية، وعليها أن تتجه إلى روسيا وتشترى منها بالأمر المباشر. طبعا هذا الكلام أصبحت اردده فى وسائل الإعلام المختلفة، وقوبلت وقتها بهجوم عنيف من البعض، واتهمت بالعمالة.
الحمد لله ربنا حقق طلبى، وفى عام 2015 تم الاتفاق مع روسيا على مشروع الضبعة النووى، وبالأمر المباشر.
التفكير للشراء من روسيا بالأمر المباشر، يرجع إلى أن روسيا لن تضع شروطا تمنعك من الحصول على محطات نووية، بل على العكس وجدنا أن روسيا وافقت فورا على طلب مصر وبدون شروط، بالإضافة إلى أنها قدمت قرض حكومى قدره 25 مليار دولار لتنفيذ 4 محطات نووية بموقع الضبعة.
صناعة المحطات النووية الروسية لا تقل فى الجودة أو الكفاءة عن مثيلتها فى أمريكا أو كندا أو فرنسا. والصناعة النووية الروسية هى صناعة قديمة، فقد بدأت مع مشروع القنبلة النووية عام 1942، فى هذه الفترة كان الهدف الاستراتيجى للاتحاد السوفييتى هو التسليح النووى، وانصب الاهتمام على إنتاج اليورانيوم 235 والبلوتونيوم 239 الخاص بالأسلحة النووية. لكن تكنولوجيا المحطات النووية الروسية لتوليد الكهرباء كانت قد بدأت فى 9 مايو عام 1954، وذلك مع أول مفاعل فى العالم لإنتاج الكهرباء من الطاقة النووية، وهو المفاعل APS-1 فى موقع أوبنينسك Obninsk، موديلAM-1، ذات قدرة 5 ميجاوات.
اتجهت روسيا لتطوير محطات نووية لتوليد الكهرباء، وكان هذا مع تشغيل ثانى محطة نووية روسية EI-2 لإنتاج الكهرباء وإنتاج البلوتونيوم 239 للأغراض العسكرية، وكانت قدرتها الكهربائية 100 ميجاوات، وذلك فى عام 1958. ومع عمليات التطوير والتوسع فى استخدام المفاعلات النووية فى توليد الكهرباء، ظهرت النسخة الأولى لمفاعلات RBMK، فى 26 أبريل عام 1964، حيث بدأ تشغيل المفاعل الأول موديل AMB-100، والذى كانت قدرته 108 ميجاوات، وهذا المفاعل ظل يعمل حتى تم إيقافة عن العمل فى 1 يناير 1983.
وبهدف تصدير روسيا لمحطاتها النووية للخارج، بدأت فى تطوير نوع جديد من المفاعلات، وهو من نوع الماء الخفيف المضغوط PWR. هذه المفاعلات تعرف باسم VVER، وهى تستخدم الماء الخفيف كمبرد وكمهدئ للنيترونات، وتماثل المفاعلات الأمريكية والغربية باستخدامها لوعاء ضغط، وهى من تصميم الشركة الروسية OKB Gidropress ، والموديلات المختلفة منها تغطى مدى واسعا من انتاج الطاقة الكهربائية، تبدأ بمفاعلات 400 ميجاوات وتتدرج حتى تصل إلى مفاعلات 1500 ميجاوات.
النموذج الأولى prototype من هذه المفاعلات وهو موديل VVER-210، والذى بدأ إنشاؤه عام 1957 وتم تشغيله فى 30 سبتمبر 1964، وكانت قدرته الكهربائية 210 ميجاوات، ظل يعمل حتى تم إيقافه عن العمل فى 16 فبراير .1988
الجيل الأول من مفاعلات الـ VVER، هى المفاعلات VVER-440، وفترة تصميمها كانت من 1954 الى 1966، قدرة هذه المفاعلات الكهربائية 440 ميجاوات. والجيل الثانى من مفاعلات الـ VVER، كانت فترة تصميمها من 1966 الى 1980، ويوجد منها مفاعلات VVER-440 متطورة، ومفاعلات VVER-1000 الجديدة، وقدرتها الكهربائية 1000 ميجاوات.
والجيل الثالث من مفاعلات الـ VVER، كانت فترة تصميمها من 1980 الى 2006، وهى مفاعلات VVER-1000 متطورة. وهذا الجيل من المفاعلات تم تصميمه طبقا للمعايير الروسية، ومعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، والمعايير الأوروبية الغربية وكذا متطلبات العملاء.
مفاعلات الضبعة النووية، هى من الجيل الثالث “+” المتطور من مفاعلات الـ VVER، بدأ تصميمها عام 2006، ويوجد منها مفاعلات VVER-1000 ، وكذا مفاعلات VVER-1200 وهى عدة مودلات V-392M، وV-491، وV-501. وقد تم تصميم هذه المفاعلات طبقا لبنود الأحكام العامة الروسية لأمان المحطات النووية، والذى صدرعام 1997، والتى تتطابق مع توصيات المجموعة الدولية للأمان النووى INSAG.
على المستوى العالمى فقد تم تطوير معايير الأمان النووى للجيل الثالث من المفاعلات النووية، وذلك بناء على الدروس المستفادة من خبرات تشغيل وصيانة المحطات النووية لمدة أكثر من 60 عام، وكذا الدروس المستفادة من حادثة “ثرى مايل آيلاند” عام 1979 وحادثة “تشرنوبيل” عام 1986. وبعد حادثة “فوكوشيما” عام 2011، تم إدخال تعديلات جديدة على معايير الأمان بناء على الدروس المستفادة من هذه الحادثة. وبذلك تعد مفاعلات الجيل الثالث والجيل الثالث المتطور مثل محطة الضبعة، هى الأنسب لاحتياجات مصر، وذلك لأنها تمتلك أعلى مستويات معايير الأمان النووى.
أسس تصميم مفاعلات الضبعة من الجيل الثالث بلس “+” على ملامح رئيسية عالمية منها : تصميم بسيط وأكثر متانة، يتيح سهولة التشغيل والصيانة، وتقليل مشاكل التشغيل، إتاحية عالية، والعمر التشغيلى للمحطة 60 عام، انخفاض فرص حدوث حوادث إنصهار قلب المفاعل لتصبح 10-5 x 1، فترة سماح كبيرة لتشغيل المحطة تحت السيطرة الآلية فى حالة الحوادث لمدة 30 دقيقة بحيث لا تحتاج الى تدخل المشغل، وجود لاقط لقلب المفاعل Core catcher يستخدم لاحتواء قلب المفاعل فى حالة انصهاره•
بالإضافة إلى مقاومة الأضرار الجسيمة والتى من شأنها أن تسمح بانتشار المواد المشعة جراء اصطدام الطائرات بوعاء الاحتواء Containment وكذا الزلازل، فوعاء الاحتواء يستطيع مقاومة زلزال بقوة 8 درجات على مقياس رختر وهى تساوى عجلة تسارع زلزالى مقدارها 0.25g، ويعد بذلك أعلى درجات الأمان الذى يمكن أخذها فى الاعتبار، بالإضافة لتحمل الوعاء الأحتواء للجزيرة النووية تصادم طائرة أوصاروخ أو مقذوفات خارجية أو داخلية، والفيضانات، والسونامى، وأقوى الأعاصير المدمرة. ومن أهم النقاط المضافة للجيل الثالث بلس “+” هو إضافة الحلول التكنولوجية المتمثلة فى استخدام نظم الأمان السلبية Passive والتى لها تأثير إيجابى على أمان المحطة النووية، هذه النظم السلبية تعمل ذاتيا، ولا تستخدم أى تحكم ايجابى يعمل بالطاقة الكهربائية أو الميكانيكية أو تدخل من المشغل، وذلك من أجل زيادة الأمان النووى.
أما من ناحية تأثير المحطة النووية على البيئة، فهو تأثير ضئيل جدا، وفى حدود المسموح به عالميا، وطبقا لمعايير البيئة الأمريكية والغربية.
أشكركم وإلى أن نلتقى فى مقالة أخرى، لكم منى أجمل وأرق التحيات.