مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

اليسر في الإسلام إرادة إلهية.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح

8

يُسر الإسلام

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

يسر الإسلام قاعدة أقرها الحق سبحانه وتعالى في كتاب معجز، فقال سبحانه: «.. يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون» البقرة/ 185.

إن المقام هنا هو مقام الشكر لرب العالمين بعد حديث الحق سبحانه عن الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان، واعتبار ذلك من يسر الإسلام، ثم نجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يبسط القول في هذا، فعن أبي هريرة (رضي الله عنه) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة) (رواه الإمام البخاري في صحيحه)، ومن أجل هذا حرص صلى الله عليه وسلم على تزويد معاذ وأبي موسى الأشعري بوصاياه ليستقر لهما الحكم، وتطيعهما الرعية فيما لا معصية فيه لله تعالى، لأنه (لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) فعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) قال: ان النبي صلى الله عليه وسلم بعثه ومعاذًا إلى اليمن، فقال: (يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا) رواه مسلم في صحيحه.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

إن استقرار الحكم واستقامة الرعية على أمر الله تعالى هو ثمرة استقامة الولاة على أمر الله سبحانه، واتباعهم لسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم)، ولقد وضع الرسول (صلى الله عليه وسلم) في وصاياه هذا الأسلوب الصحيح لإدارة أمور الرعية، فأمر الصحابيين أن ييسرا على الناس ولا يعسرا عليهم، وأن يبشرا ولا ينفرا الناس من دينهم، وأن يتطاوعا ولا يختلفا، فإن في الإختلاف فرقة، وفي التطاوع وحدة تعود على الناس بالخير العميم.

إذًا، فاليسر في الإسلام إرادة إلهية، إنه سبحانه وتعالى يريد بنا اليسر، ويكفيه ذلك إلا أنه أراد سبحانه أن يؤكد هذه الإرادة بنفي الإرادة الأخرى، وهي العسر، ومن يسر الإسلام أيضًا أن الحق سبحانه وتعالى جعل التخفيف ورفع الحرج ملازمين دائمًا للحرج والمشقة، وحيثما تكون هناك مشقة يكون هناك تيسير، وقال العلماء لما نزل قوله تعالى: «فإن مع العسر يسرا (5) إن مع العسر يسرا (6)» (سورة الشرح)، قالوا لا يغلب عسر يسرين، ويشيرون إلى أن العسر جاء في الآية معرفًا بأل التعريف، فالعسر الأول هو نفسه العسر الثاني، أما اليسر فقد جاء منكرا، أي غير معرف بأل التعريف، فاليسر الأول هو غير اليسر الثاني لأن تنكير الكلمة يدل على التعدد والكثرة بخلاف الكلمة المُعَرَفة، ولهذا فلا يغلب عسر واحد يسرين.

ومن يسر الإسلام كذلك أنه أمر بالعزائم حين يكون الإنسان في كامل قواه الجسدية، وقادرًا ومقيمًا، فإذا تغيرت أحواله من الصحة إلى المرض، ومن القدرة إلى العجز، ومن الإقامة إلى السفر، فإن الإسلام يراعي كل ذلك، فيجعل له من الرخص ما ييسر عليه أداء التكاليف، عن عبدالله بن عباس (رضي الله عنهما) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه), أخرجه ابن حبان في صحيحه، ومن لا يأخذ بالرخص إذا وجبت له فكأنه يرد عطية الله تعالى له عليه، وكأنه مستغن عنها، فيوجب بذلك غضب الله تعالى عليه، فالله سبحانه وحده المستغني عن الخلق.

إن الإنسان خلق ضعيفا.. وخلق هلوعًا، وهو في حاجة ماسة إلى عون الله تعالى ومدده، لهذا نحن نكرر في الصلاة قوله تعالى: «إياك نعبد وإياك نستعين» (الفاتحة/ 6)، فإذا رددنا المعونة الإلهية، فإلى من نلجأ، وممن نطلبها ونلح في طلبها.

اترك رد