مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

المصريون يحتفلون بمَولد جَدِّ الأشراف علي زين العابدين عليه السلام

23

تغطية: عامر نفادى

احتفل آلاف المصريين منذ أسبوعين بمولد جد السادة الأشراف سيدي “علي زين العابدين” عليه السلام بمسجده العامر بالقاهرة.

حضر الاحتفال د. عبد الهادي القصبي شيخ مشايخ الطرق الصوفية، وزعيم الأغلبية بمجلس النواب، ود. علي جمعة مفتي مصر الأسبق، وشيخ الطريقة الصديقية الشاذلية، و د. أحمد عمر هاشم عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف، و د. محمد أبو هاشم شيخ الطريقة الهاشمية، وسماحة الشيخ طارق يس الرفاعى، شيخ عموم السادة الرفاعية ورئيس الجمعية الخيرية الرفاعية، والشيخ محمود طارق الرفاعي نائب عموم السادة الرفاعية، ولفيف من مشايخ الطرق الصوفية.

وقال الشيخ طارق يس الرفاعي إن الإمام علي زين العابدين هو السيد، الإمام، علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف الهاشمي، العلوي، يكنى أبو الحسين وقيل: أبو الحسن وأبو محمد وأبو عبد الله ، المعروف بزين العابدين ، ويقال له: علي الأصغر، للتمييز بينه وبين أخيه علي الأكبر ، وهو رابع الأئمة، ومن سادات التابعين، وأمه أم ولد سندية يقال لها: غزالة، ويقال: سلافة، أو سلامة بنت يزدجرد أخر ملوك بلاد فارس، ولد رضي الله عنه وأرضاه سنة ٣٨ هجرية، ومنه امتد نسل الحسين رضي الله عنه، ولم يبق للحسين من ولد سواه.

ومن ألقابه: “السجاد، والزكي، والأمين، وباب أسرار أهل بيت النبوة، والطاهر، ومنار القانتين، وأبا الحسن، وزين العابدين”. وأشار إلي أن السبب في زواج أبيه بأمه أنه فى خلافة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه جيء بالسبايا من بنات الملك يزدجر فأمر عمر ببيعهن لكن الإمام على بن أبى طالب رفض قائلا: يا عمر ، إن بنات الملوك لا يعاملن معاملة غيرهن، فقال عمر: فكيف الطريق إلى معاملتهن ؟ فأخذ الإمام علي رضي الله عنه واحدة وزوجها لابنه الإمام الحسين فأنجبت له على زين العابدين، وأخذ الثانية فزوجها لعبد الله بن عمر بن الخطاب، فأنجبت له سالم، وأخذ الثالثة وزوجها لمحمد بن أبي بكر الصديق فأنجبت له القاسم. لافتا إلي أن ميلاد الإمام علي زين العابدين كان فى آخر سنتين من حياة جده الإمام على بن أبي طالب، وهو الذى سماه باسمه علي وأذن له فى أذنه اليمنى وأقام الصلاة فى أذنه اليسرى وفرح به فرحا شديدا لأنه علم من مكاشفاته الروحية أن هذا المولود هو الذى ستستمر منه ذرية أهل البيت إلى يوم القيامة، لذلك الإمام علي زين العابدين هو “جد الأشراف”.

ولما بلغ من العمر ٤ سنوات أخذه عمه الإمام الحسن فحفظه القرآن الكريم وبعض أحاديث جدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما بلغ من العمر ١٧ سنة أخذه أبوه الإمام الحسين، فزوجه بنت أخيه الإمام الحسن وهى أم عبد الله، فأنجبت له الإمام محمد الباقر وعبد الله، ثم تزوج بعد أم عبد الله بأم ولد، وأنجبت له زيد وهو المدفون في المقام الشهير بالقاهرة وأنجبت له أيضا علي، وعمر، وعبد الله، وخديجة، وفاطمة، وعلية، وكان بن عباس رضي الله عنهما إذا رأى زين العابدين يقول: مرحبا بالحبيب بن الحبيب، وقال فقهاء المدينة المنورة فى شأنه لم يكن فى أهل البيت مثله.

وقد كان مع أبيه الحسين فى كربلاء وهو ابن ٢٣ سنة، وكان مريضا في فراشه وبعد انتهاء المعركة أراد شمر بن ذى الجوشن أن يقطع نسل الحسين بالكلية فقرر قتل الإمام علي زين العابدين، وهنا صاحت عمته السيدة زينب قائلة: يا بن زياد، أما يكفيك ما فعلت بذرية محمد صلى الله عليه وسلم؟ إن أردت قتل بن أخى هذا فأقتلنى قبله، فتنحى بن زياد وتركوه، ودخل رضي الله عنه مصر مع عمته السيدة زينب وأخواته الثلاث فاطمة النبوية، وسكينة، وحورية بنات الإمام الحسين، فى أول شعبان سنة ٦١ هجريه، ولكن سرعان ما عاد إلى المدينة المنورة واستقر فيها.

وقال الشيخ محمود طارق يسن الرفاعي، نائب عموم السادة الرفاعية، يُنسب المسجد للإمام على زين العابدين لتعلق المصريين به وبأبيه، واتخاذهم من آل بيت النبي صلي الله عليه وسلم أحبابا وقدوة، وذلك لما رأى المصريون منهم من حسن الخلق والسيرة العطرة وإتقان العمل، فهم الأفاضل والأخيار، وهم رموز الإسلام.

أما الضريح فهو من الأضرحة التى شيدها الفاطميون، لحفيد على بن أبى طالب كرم الله وجه واختاروا المكان الذى أقاموا به الضريح، ليكون على أحد تلال جبل يشكر، الذى شيد عليه العباسيون عاصمتهم فى مصر وهى مدينة العسكر، ومع مرور السنين وتحديدا فى نهاية القرن التاسع عشر وبداية العشرين أطلق المصريون على المنطقة التى شيد بها الضريح اسم منطقة / حى زينهم ويقصدون بـ(زينهم) سيدنا زين العابدين، فهو زينة الرجال حيث لقب بالكثير من الخصال والألقاب فهو أفضل أهل زمانه علما وزهدا وتواضعا كما يروى المؤرخون.

وقد اشتهر الإمام علي زين العابدين بدعاء خاص لقضاء الحاجة وفك الكرب، وهو يرتبط بقصة مقتل أبيه الحسين بن على بن أبى طالب عليهما السلام، إذ روى عن زين العابدين أنه قال: ضمنى والدى إلى صدره يوم مقتله، والدماء تغلى وهو يقول: يا بنى احفظ عنى دعاء علمتنى إياه فاطمة، وعلمه لها رسول الله، وعلمه جبريل، لقضاء الحاجة والهم والغم، والنازلة إذا نزلت، والأمر العظيم الفادح: «ادع بحق يس والقرآن الحكيم، وبحق طه والقرآن العظيم، يا من يقدر على حوائج السائلين، يا من يعلم ما فى الضمير، يا منفس عن المكروبين، يا مفرج عن المغمومين، يا راحم الشيخ الكبير، يا رازق الطفل الصغير، يا من لا يحتاج إلى التفسير، صل على محمد وآل محمد، وافعل بى كذا وكذا».

وأشار الشيخ نبيل شلبي الرفاعي، إلي أن الإمام علي زين العابدين كان أهلا للإمامة العظمى لشرفه وسؤدده وعلمه وكمال عقله، كما كان رجلا صالحا وتابعيا ثقة، ومأمونا كثير الحديث عاليا رفيعا ورعا.

ومما يؤكد تلك المكانة أنه لما حج هشام بن عبد الملك في خلافة أخيه الوليد وطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر فلم يستطع من الزحام، فنصب له منبر وجلس عليه، وقام أهل الشام حوله، وبينما هو كذلك أقبل علي زين العابدين بن الحسين وجعل يطوف بالبيت، ولما بلغ إلى موضع الحجر تنحى الناس له عنه حتى يستلمه، هيبة له وإجلالا وتقديرا، فقال أهل الشام لهشام بن عبد الملك: من هذا؟ فقال: لا أعرفه. فقال الفرزدق وكان حاضرا: أنا أعرفه، وأنشد:

هذا سليل حسين بن فاطمة… ابن الرسول الذي انجابت به الظلم

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.. والبيت يعرفه والحل والحرم

هذا ابن خير عباد الله.. هذا النقي التقي الظاهر العلم

وقال الشيخ عادل عطية الرفاعي وكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن بولاق أبو العلا، إنه كان من أئمة أهل السنة والجماعة، وقد استنكر الغلو في حب أهل البيت، وقال: أيها الناس أحبونا حب الإسلام، فما برح بنا حبكم حتى صار علينا عارا، كما كان شديد التمسك بالكتاب والسنة وما كان عليه جده علي بن أبي طالب وأبوه الحسين رضي الله عنهما، لا يحيد عنه قيد أنملة في عقيدة أو عبادة أو عمل.

كما كان رضي الله عنه كثير التبتل والورع، وكان حسن الرأي بالشيخين أبي بكر وعمر وبالخليفة الراشد عثمان رضي الله عنهم، شديد الحب لهم والتقدير لأعمالهم، شديد الحب للصحابة أجمعين، ولما أظهر بعض المتسترين بآل البيت الطعن بأبي بكر وعمر تصدى لهم وأظهر البراءة من هؤلاء الطاعنين.

وقد سئل رضي الله عنه: كيف كانت منزلة أبي بكر وعمر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فأشار بيده إلى القبر، ثم قال: بمنزلتهما منه الساعة، وقد جاء أيضا رجل إليه وقال له: أخبرني عن أبي بكر؟ قال: عن الصديق تسأل؟ قال: وتسميه الصديق؟ قال: ثكلتك أمك، قد سماه صديقا من هو خير مني، رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمهاجرون والأنصار، فمن لم يسميه صديقا، فلا صدق الله قوله، اذهب فأحب أبا بكر وعمر، وتولهما، فما كان من إثم ففي عنقي.

وقال الشيخ علام عبد المنعم خليل الجعفري الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن محافظة الأقصر، إن الإمام علي زين العابدين روى الحديث عن أبيه الإمام الحسين رضي الله عنه، وعن جده الخليفة الراشد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعن صفية أم المؤمنين وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، وأبي هريرة وعن عمه الحسن بن علي وعبد الله بن عباس وطائفة غيرهم رضي الله عنهم وأرضاهم أجمعين. وروى عنه أولاده أبو جعفر محمد، وعمر، وزيد، وعبد الله، والزهري، وعمرو بن دينار، ويحيى بن سعيد، وحبيب بن أبي ثابت، وعاصم بن عمر بن قتادة بن النعمان، وغيرهم.

قد يهمك ايضاً:

مصر ضمن 25 دولة تتميز بأجمل مناظر طبيعية لغروب الشمس

اكبر المشروعات السياحية الكبرى في السعودية 2030

وعن زهده وعبادته، أشار الشيخ خالد وافي الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن محافظة قنا ووكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن محافظة سوهاج، إلى أنه كان عابدا زاهدا وفيا جوادا منيبا حتي سمي زين العابدين، والسجاد، وذو الثفنات، لكثرة عبادته وسجوده وصلاته ، وأجمع معاصروه على أنه كان أعبد الناس ، فذكر أنه كان يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة، وكان إذا توضأ اصفر، وإذا قام إلى الصلاة أخذته رعدة، فقيل له مالك؟ فقال: ما تدرون بين يدي من أقوم ومن أُناجي، وقال عنه ابن تيمية: علي بن الحسين زين العابدين وقرة عين الإسلام لكثرة ما اشتهر عنه من عبادة وزهد وورع وتسامح وعلو أخلاق. كما كان كثير القيام، كثير البر في رمضان، كثير الصدقة في الحج، كثير الصدقة في سائر أحواله، وكان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة ويقول: “إن الصدقة في سواد الليل تطفئ غضب الرب”.

وكان ناس من أهل المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، فلما مات علي بن الحسين فقدوا ما كان يؤتون به بالليل، ولما مات وجدوا بظهره أثرا فسألوا عنه، فقالوا هذا مما كان ينقل الجُرب على ظهره إلى منازل الأرامل، وعرفوا أنه كان يعول مائة وخمسين أهل بيت.

وأضاف الشيخ هاشم خليل الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن محافظة أسيوط، أنه كان رحمه الله كثير الدعاء، فعن طاوس رحمه الله قال: «سمعت علي بن الحسين وهو ساجد في الحجر يقول: “عبيدك بفنائك، مسكينك بفنائك، سائلك بفنائك، فقيرك بفنائك” . فوالله ما دعوت بها في كرب قط إلا كشف عني”.

وكان يقول رحمه الله: “اللهم إني أعوذ بك أن تحسن في لوائح العيون علانيتي وتقبح في خفيات العيون سريرتي، اللهم كما أسأت وأحسنت إلى، فإذا عدت فعد علي”.

وقال الشيخ محمد محمود صالح الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن محافظة القليوبية، إن الإمام زين العابدين اشتهر بالحكمة وله في ذلك الكثير من الحكم والمواعظ التي اختص بها أهل بيت النبوة منها قوله : “التارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كالنابذ لكتاب الله وراء ظهره إلا أن يتقي تقاة، قيل له: وما تقاة؟ قال: يخاف جبارا عنيدا أن يفرط عليه أو أن يطغى”، وقوله: “أبغض الناس إلى الله من يقتدي بسنة إمام ولا يقتدي بأعماله”. وقوله: “إياك والغيبة، فإنها آدام كلاب النار”. وقوله : “إنما التوبة العمل والرجوع عن الأمر، وليست التوبة بالكلام”.

وأشار الشيخ، أيمن الأبيض الرفاعي خليفة خلفاء السادة الرفاعية عن القاهرة الكبري ووكيل المشيخة العامة عن مركز طوخ، إلي إحسانه وكرمه، مؤكدا أن كل من كتب عن الإمام زين العابدين رضي الله عنه وأرضاه يتحدث عن كرمه وبره وإحسانه الذي شمل حتى المنكرين لفضله وجاحدي حقه فكان رحمه الله يمزج مع كرمه خلقه الرفيع وأدبه السامي. وقد روي أنه كان لا يأكل الطعام حتى يبدأ فيتصدق بمثله.

وأضاف الشيخ سامي عبد السميع الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن قطاع وسط الدلتا ونائب محافظة المنوفية، أن الإمام علي زين العابدين عرف بحلمه وعفوه وصفحه وتجاوزه عن المسيء، ومن القصص التي تنقل عنه في هذا المجال: أنه كانت له جارية تسكب الماء له، فسقط من يدها الإبريق على وجهه فشجه، فرفع رأسه إليها، فقالت له: إن الله يقول: “والكاظمين الغيظ”، فأجابها رضي الله عنه: «قد كظمت غيظي»، قالت: “والعافين عن الناس”، فقال رضي الله عنه وأضاه: «عفا الله عنك»، ثم قالت: “والله يحب المحسنين”، فقال: «اذهبي أنت حرة لوجه الله». وكان يحسن إلى من يسئ إليه، من ذلك أن هشام بن إسماعيل كان أميرا على المدينة، وكان يتعمد الإساءة إلى الإمام وأهل بيته، ولما عزله الوليد، أمر أن يوقف للناس في الطريق العام، ليقتصوا منه، وكان لا يخاف أحدا كخوفه من الإمام السجاد، ولكن الإمام أوصى أهله وأصحابه أن لا يسيئوا إليه، وذهب إليه بنفسه، وقال له: لا بأس عليك منا، وأية حاجة تعرض لك فعلينا قضاؤها. لافتا إلي أنه رضي الله عنه وأرضاه كان له ابن عم يؤذيه، وينال منه، فكان يأتيه ليلا، ويعطيه الدنانير. فيقول: لكن علي بن الحسين لا يصلني بشيء فلا جزاه الله خيرا، فيسمع ويغفر، ولما مات انقطعت الدنانير عنه، فعلم أنه هو الذي كان يصله. وكان يقول لمن يشتمه: إن كنت كما قلت، فأسأل الله أن يغفر لي، وإن لم أكن كما قلت فأسأل الله أن يغفر لك، ولما طرد أهل المدينة بني أمية في واقعة الحرة أراد مروان بن الحكم أن يستودع أهله، فلم يأوهم أحد، وتنكر الناس له إلا الإمام زين العابدين رحب بهم، وجعلهم من جملة عياله، وقد عال الإمام في هذه الوقعة أربعمائة امرأة.

وقال الدكتور حسن رجب أبو الحسن الرفاعي نائب الطريقة الرفاعية عن مدن القناة ووكيل المشيخة العامة للطرق الصوفية عن محافظة بورسعيد، إن الإمام علي زين العابدين كان دائم العتق للعبيد في سبيل الله، فقد روي عنه أنه كان بين الآونة والأُخرى يجمع عبيده ويطلقهم، ويقول لهم: «عفوت عنكم فهل عفوتم عني؟ فيقولون له: قد عفونا عنك يا سيدنا وما أسأت. فيقول: قولوا: « اللهم اعف عن علي بن الحسين كما عفا عنا، فأعتقه من النار كما أعتق رقابنا من الرق، فيقولون ذلك، فيقول: اللهم آمين يا رب العالمين».

وكان يوصي ابنه الباقر: اتقوا الكذب الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل، فإن الرجل إذا كذب في الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله صلي الله عليه وسلم قال: لا يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله عز وجل صادقا، ولا يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذابا.

وأشار الشيخ كمال مصلح سلامة الرفاعي شيخ ساحة الشيخ مصلح الرفاعي، إلي فصاحته وبلاغته التي تجلت مع عبد الله بن زياد، وفي الشام في مجلس الطاغية يزيد بن معاوية، ثم في المدينة المنورة بعد عودته من الشام، ناهيك عن القصيدة السجادية الكاملة، وما جاء فيها من عبارات الدعاء الرائعة والمضامين العميقة، وبلاغة اللفظ وفصاحته وعمقه، والحوارات الجميلة والعبارات اللطيفة الجزيلة التي يعجز البلغاء والشعراء عن إيراد مثلها، وتعتبر أعظم وثيقة من وثائق حقوق الإنسان وتضاهي كل دساتير العالم أجمع.

ونوه الشيخ مجدي الشواربي الرفاعي خليفة خلفاء السادة الرفاعية عن مركز الخانكة، إلي مقتطفات من سيرته رضي الله عنه، فيما روي عن أبي حمزة الثمالي حين قال : رأيت علي بن الحسين يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه فلم يسوه حتى فرغ من صلاته فسألته عن ذلك فقال: ويحك أتدري بين يدي من كنت إن العبد لا يقبل من صلاته إلا من أقبل عليه منها بقلبه، وكان يخرج في الليل ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير والدراهم حتى يأتي بابا بابا ليتصدق به للفقراء، وقال عنه أبو جعفر محمد الباقر : ما ذكر نعمة الله إلا سجد، ولا قرأ آية من كتاب الله عز وجل فيها سجود إلا وسجد، ولا دفع الله تعالى عنه سوءا يخشاه أو كيد كايد إلا سجد، ولا فرغ من صلاة مفروضة إلا سجد، ولا وفق لإصلاح بين اثنين إلا سجد وكان أثر السجود في كل موضع من جسده الشريف وسمي سيد الساجدين.

ولفت الشيخ وليد أبو جلالة الرفاعي، إلي كراماته التي عرفت عنه والتي منها أنه كان يصلى كعادته، حيث إنه كان كثير الصلاة، وأثناء صلاته، سقط أحد أبنائه فى البئر، وأمه تصيح فى زوجها الإمام السجاد، قائلة: واويلاه.. واويلاه، فما كان من الإمام على إلا أن أكمل صلاته فى تأن وسكينة وخشوع، ولم يلتفت للأمر، وعندما فرغ من صلاته، صاحت فيه زوجته أن ينقذ الولد من الغرق فى البئر، فأشار الإمام على زين العابدين عليه السلام للبئر، فارتفعت ماؤها حاملة الصبي، حتى خرج.

وورد أنه وقع حريق في بيت فيه علي بن الحسين وهو ساجد، فجعلوا يقولون له: يا ابن بنت رسول الله النار، يا ابن بنت رسول الله النار، فما رفع رأسه حتى أطفئت، فقيل له: ما الذي ألهاك عنها قال: ألهتني عنها النار الأخرى.

وأشار الشيخ أحمد عبده وردة الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن بندر طوخ ونقطة ميت كنانة، إلي حلمه وصفحه وكيف كان يرد الإساءة بالإحسان، وما حدث معه أثناء مقامه بمصر، حين هجم عليه فى مجلسه شخص يبغض آل البيت، ويحقد عليهم، فاستقبل الإمام على زين العابدين بالسباب واللعنات، مطلقا عليه «شين العابدين» بدلا من زين العابدين، واستمر فى توجيه السباب والاعتداء اللفظى على الإمام، فلما نهض الجلوس مدافعين عن الإمام أمرهم الإمام بالجلوس حتى يفرغ الرجل من الإهانات، ولما فرغ الرجل، قال له الإمام: كل ما قد ذكرته فى وأكثر لا يعلمه إلا الله، أما وقد نصحتنى فسلنى ما شئت أعطك، ألك حاجة أقضيها لك؟ فشعر الرجل بالإحراج وتأنيب النفس، وقال أشهد بأنك ابن رسول الله، جازاهم الله بما فعلوا من قالوا لى اذهب إلى الإمام السجاد فسبه واطلب منه مالًا عساه يجهل عليك وينفعل ضدك، فيفقد حب الناس له، ولكن ما رأيته منك لا يخرج إلا من ابن نبي، لا وفقنى الله جزاء فعلتى تلك، فاسأل الله لى التوبة.

وأوضح الشيخ محمد سيد وردة الرفاعي نائب السادة الرفاعية عن أولاد السيد يس الرفاعي بمركز طوخ، أن الإمام علي زين العابدين اتصف بعدة شمائل منها أنه كان كثير البر بأمه، حتى أنه كان لا يأكل معها في صحفة مخافة أن تسبق يده إلى ما سبقت إليها عينها، وكان رضي الله عنه يصلي في كل يوم وليلة ألف ركعة من النوافل حتى سمي الإمام السجاد. ومما روي عنه «أنه أعتق جارية له وتزوجها، فكتب إليه عبد الملك بن مروان يعيره في ذلك، فكتب إليه زين العابدين «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة، وقد أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم صفية بنت حيي بن أخطب وتزوجها وأعتق زيد بن حارثة وزوجه بنت عمته زينب بنت جحش». وأشار الشيخ حسن أبو العلا الرفاعي خليفة خلفاء السادة الرفاعية عن سريقاوس، إلي أن زين العابدين كان على عقيدة النبي وأصحابه من توحيد الله وتنزيهه عن المكان والحيز والحد واللون، فقد روى السيد مرتضى الزبيدي شارح «القاموس» بالإسناد المتصل لآل البيت أن زين العابدين علي بن الحسين قال في الرسالة المسماة الصحيفة السجادية: «سبحانك اللهم لا يحويك مكان».

وكان رضي الله عنه لا يعينه أحد على طهوره، وكان يجهز الماء لطهوره قبل أن ينام، فإذا قام من الليل بدأ بالسواك ثم توضأ فأخذ في صلاته، وكان يقضي ما فاته من النوافل في النهار بالليل ثم يقول: يا بني ليس هذا مما عليكم بواجب ولكن لمن عود نفسه منكم عادة من الخير أن يدوم عليها، وكان لا يدع صلاة الليل في الحضر والسفر، ويروى عنه قوله: عجبت للمتكبر الفخور الذي كان بالأمس نطفة ثم هو غدا جيفة، وعجبت كل العجب لمن شك في الله وهو يرى خلقه، وعجبت كل العجب لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى، وعجبت كل العجب لمن عمل لدار الفناء وهو يعلم دار البقاء.

وروي عن أبي جعفر محمد بن علي زين العابدين أنه قال: أوصاني أبي فقال: لا تصحبن خمسة ولا تحادثهم ولا ترافقهم في طريق، قلت: فداك يا أبت من هؤلاء الخمسة قال: لا تصحبن فاسقا فإنه يبيعك بأكلة فما دونها، قلت: يا أبت وما دونها قال: يطمع فيها ثم لا ينالها، قلت: يا أبت ومن الثاني قال: لا تصحبن البخيل فإنه يقطع بك في ماله أحوج ما كنت إليه، قلت: يا أبت ومن الثالث قال: لا تصحبن كذابا، فإنه بمنزلة السراب، يبعد منك القريب ويقرب منك البعيد، قلت: يا أبت ومن الرابع قال: لا تصحبن أحمق فإنه يريد أن ينفعك فيضرك، قلت: يا أبت ومن الخامس، قال: لا تصحبن قاطع رحم، فإني وجدته ملعونا في كتاب الله في ثلاثة مواضع.

مات علي زين العابدين بن الحسين بالمدينة المنورة سنة أربع وتسعين من الهجرة، ودفن بالبقيع، وكان يقال لهذه السنة (سنة الفقهاء)، لكثرة من مات فيها من الفقهاء والعلماء، وكان حين وفاته ابن ثمان وخمسين سنة رضي الله عنه وأرضاه ونفعنا ببركاته في الدنيا والآخرة.

يذكر أن المدفون بالقاهرة بمنطقة زينهم هو سيدنا “زيد” ابن سيدنا علي زين العابدين نفعنا الله ببركاته.. آمين.

اترك رد