مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح يكتب عن الاستثمار الباقي

1

مشروع استثماري

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

الله تعالى إذا أعطى حاسب، وإذا سلب ما وهب أسقط ما وجب، ومن رحمة الله تعالى أنه سبحان لا يكتفي بالعطاء، بل ييسر للمؤمن سبيل استثماره لهذا العطاء، وتوجيهه الوجهة التي تصلح من شأنه. ومن بركات هذا العطاء، ومن بشائر قبوله ما ينتجه من عمل صالح أنه جَلَّ جلاله يوفق صاحبه إلى كل خير، وهذا حين يكون مصدر هذا المال حلالا، والدليل على أنه جاء إلى المؤمن من طريق مشروع لا شبهة للحرام فيه أن الله تعالى قد وفقه وهداه إلى اختيار المشاريع الخيرية الناجحة ذات العوائد الكبيرة.

القرآن الكريم مليء بالأمثلة على ذلك، قال تعالى: «مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم» (البقرة: 261).

قد يهمك ايضاً:

هذا مشروع استثماري مبارك لمن وفقه الله تعالى إلى الخير، وأنار بصيرته إلى ما ينفعه في الدنيا والآخرة، ومعلوم أن الإنفاق في سبيل الله تعالى لا يتطلب رأس مال كبيرا، ولا أرصدة ضخمة في المصارف، بل يكفيه القليل لينال من ورائه الكثير، وقد أشار القرآن الكريم إلى واحدٍ من هذه الاستثمارات التي ذكرتها سورة البقرة، والآية الكريمة ذكرت إضافة إلى ذلك دراسة الجدوى الاقتصادية الخيرية التي تحقق مع الربح الوفير فرص عمل كبيرة للعاطلين، وتعطي الضمانات المؤكدة لنجاح هذا المشروع، وما يحققه من عوائد؛ منها البركة في المال المستثمر من خلال زيادة قوته الشرائية، وحفظه من الضياع. ومن عظمة الاشتراك، أو تأسيس مثل هذه المشاريع الخَيِّرة، أنها لا تشترط رأس مال كبيرا، بل تقبل حتى بالقليل حتى لو كان شق تمرة، ولقد سبق درهم مائة ألف درهم، وشربة ماء لكلب عقور كانت سببا في الغفران لامرأة بغي، ولماذا نذهب بعيدا وقد ضرب الله تعالى مثلاً في الآية التي ذكرناها من سورة البقرة في بداية حديثنا حين جعل حبة واحدة رأس مال لمشروع ناجح، ومن لا يملك شق تمرة، ولا شربة ماء، فله أن يسهم بابتسامة في وجه من يلقاه من إخوانه أو حتى ممن لا تربطه بهم وشيجة إلا النسب الإنساني العام، وإذا لم يجد هذا ولا ذاك فيستطيع أن يكف أذاه عن الناس، فذلك رأس مال مقبول يستطيع من يملكه أن يشارك به في المشروع الاستثماري.

الآية الجليلة (261) من سورة البقرة تؤكد نجاح المشروع، وضخامة عوائده المادية والمعنوية، وأن عطاءه له امتداد في الدنيا والآخرة، وذكر النسب والأرقام في الآية الجليلة ليس تحديدا للأرباح والعوائد، ولكن لمجرد الاستئناس، لأن الاستثمار في المشاريع الإلهية عطاؤه ليس له حد معلوم، بل لا سقف للأرباح والعوائد يحد من نمائه وزيادته، وهذ ما أكدته الآية الجليلة في قوله سبحانه: «والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم»، والمضاعفة في الآية تفيد عدم محدودية العطاء الإلهي، وذلك لأن الله تعالى واسع عليم، لا حدود لسعة عطائه ولا حدود لعلمه جل جلاله، ومن خلال دراسة الجدوى لهذا المشروع المبارك نجد أنه بالإضافة إلى العوائد المادية التي يحققها هذا المشروع من خلال البركة التي تحل في رأس المال، وزيادة قوته الشرائية، فإن فيه تميزا في الإتقان للسلع المنتجة، وفيه توفير لفرص العمل للباحثين عن العمل أو للعاطلين، وفيه توظيف للمال فيما يعود بالنفع على صاحب المال وعلى المجتمع، وبالإجمال فيه تحقيق لوظيفة المال ولدوره في المنظومة الاقتصادية، ولضمان كل ذلك أشار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى جهاز المراقبة المالية والإدارية والإيمانية الذي سوف يتولى الإشراف على التدقيق على هذه المشاريع الاستثمارية، حين قال صلى الله عليه وسلم: (اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن.

هذا الجهاز الرقابي الشديد لا يغيب ساعة من نهار أو ليل، والمؤمن عليه حفظة من الملائكة يعدون عليه أنفاسه، وحركاته وسكناته، ويسجلون عليه الوارد والصادر من أقواله وأفعاله، وحتى من أحواله، ويحفظون كل ذلك في سجلات سوف يلقاها منشورة يوم القيامة، قال تعالى: «ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا» (الكهف: 49).

هذا هو العطاء، وتلك هي الرقابة والمحاسبة، وهؤلاء هم الرقباء والمحاسبون، وهذه هي أحوال المؤمن معهم في الدنيا والآخرة. فتنبه أيها المؤمن واعمل لما بعد الموت، لأن كل نفس ذائقة الموت، فإما خلود في النار، وإما خلود في الجنة، فاختر لنفسك ما يصلحها، ويحقق لها الطمأنينة والأمان والنجاة.

اترك رد