مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

التقويم والفائدة المطلوبة

5

التقويم والفائدة المطلوبة
أ.د. محمد السعيد عبد المؤمن
أستاذ الدراسات الإيرانية

توقفت عند قول الله تعالي في سورة التين: لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين. صدق الله العظيم. ورأيت أننا في حاجة إلى أن نعيد النظر في تفسير هذه الآية، فهذه الآية لها أبعاد لم تدركها تفاسير العصور السابقة، حيث انصبت حول الاستقامة في الخَلق والخُلق، والرد لأسفل سافلين حول الكافر، بدليل استثناء الذين آمنوا وعملوا الصالحات.

فهذه السورة التي أقسم الله في أولها بثلاثة أشياء لها دلالتها، أولها التين والزيتون، وهو طعام وفاكهة للإنسان، والثاني هو طور سينين، وهو مكان لقاء الله بأحد رسله لتكليفه بإبلاغ الرسالة لمن تألَّه من خلقه، والثالث هذا البلد الأمين وهو البلد الذي جعله حرما آمنا يقصده الإنسان للتوبة والاستقامة، وكل من هذه الأشياء يرمز إلى أسس وكيفية التقويم، من هنا فإن استخدام القرآن للفظ التقويم يطرح رؤية أوسع من الاستقامة، فالتقويم أيضا تقدير ووزن، بمعنى أن خلق الإنسان كان وفق تقويم، أي وفق أسس علمية وقواعد أساسية في نظرية الخلق، ومن ثم يمر الإنسان في أطوار من النضج، ويتشكل صورة ونفسا وعلما وعملا خلال هذه المراحل، ولكل مرحلة قدرها وتقويمها، فقد خلق الإنسان من ضعف ثم تطور ضعفه إلى قوة ثم يدخل بعد ذلك مرحلة الضعف والشيبة، وهو في حساب الله يتم تقويمه خلال كل طور أو مرحلة حسب ما أعطاه الله من مزايا ونعم.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

هذا التقويم على أساسين الأول هو العدل والثاني هو الرحمة، ومن ثم فالرد لأسفل سافلين يتدرج أيضا في أطوار ومراحل تبعا لنتائج تقويمه في كل مرحلة بالعدل، وتأتي الرحمة متخللة تلك المراحل نظرا لاكتنافها بالحلم، وهكذا يكون التقويم هو الأحسن، وفي المرحلة الأخيرة يجعل الإصرار على الكفر فيها يستحق أن يرد صاحبه إلى أسفل سافلين، والاستثناء هنا (إلا) يعني أن الأجر غير الممنون ناتج عن التقويم النهائي أيضا.

ومن ثم جاء السؤال: فما يكذبك بعد بالدين، أليس الله بأحكم الحاكمين؟!. بلى ياربي أنت أحكم الحاكمين.

والدليل على ذلك أن كثيرا من الكفار لا يعذبون في حياتهم بل يرفهون، وهذا الاستقراء يتفق مع سنة الله في خلقه، ومع ما جاء به رسله في كتبه، ويتناغم مع جاء في سورة الإنسان: هل أتى على الإنسان حين من الدهر.

وسورة الانفطار: يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك.
تقويم البشر ينبغي أن يتبع سنة الله في تقويمه، فالدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإدارة الأمور في البيت والمصنع والقرية والدولة، لابد أن تكون مرتبطة بسنة الله في خلقه، والنظر إلى الأطوار التي يمر بها الإنسان، وكذلك الوضع في الاعتبار ظروف الزمان والمكان والإمكانات، ودرجات التميز، فحساب العامل ليس كحساب المدير، وحساب الطالب ليس كحساب الأستاذ، وحساب الطفل ليس كحساب الرجل أو حساب الشيخ الكبير.

اترك رد