مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أنور ابو الخير يكتب : عندما تسقط الأقنعة

26

 

قد يهمك ايضاً:

أحمد سلام يكتب نزار قباني في ذكراه

خيبة الأمل وتأثيرها على الشخص 

وما الحياة الدنيا إلامجرد مسرح كبير يصعب على الإنسان أن يدرك فيها حقيقة الآخرين وما تخفيه نفوسهم نحوه وإن كانوا ممن يتعامل معهم بشكل يومي لأنهم يرتدون أقنعة جميلة وجذابة هم أبعد ما يكونوا عنها لكونها غير معبرة عن حقيقتهم كقناع المحبة على سبيل المثال فلربما يحمله من له في قلبه الكره والحقد والحسد تجاهك دون أن تدري لأنها من المشاعر المضمرة التي لا تظهر من دون مواجهة المواقف الحياتية التي لاتحتمل الزيف والخداع فكثيرون من نجدهم معنا في مقدمة الصفوف في السراء، لكنهم في الضراء يتراجعون للخلف بل وقد يغيبون عن الأنظار فيهربون عنا ويتخلون عن كل ماكانوا يبرزونه في لحظات السعة والرغد فالظروف القاهرة والمأساوية هي الوسيلة الوحيدة لكشف حقيقة من إدعى نبل الأخلاق وصدق المحبة
فكم من مدع للمحبة لا يلبث أن يفر منا حين تصيبنا نوائب الدهر فينقلب على عقبيه وبعد سقوط الأقنعة يدرك المرء أتم الإدراك أنهم كانوا يمارسون التدليس والكذب والنفاق عليه فلا توجد مواقف كمواقف المحن والشدائد لقد طغى على حياتنا الحاليه النفاق والمجاملات التي تتجاوز الحد المعقول ليس فقط في الحياة الواقعية بل في مواقع التواصل الاجتماعي أيضاً فبات بعض الناس يلبسون الأقنعة المزيفة لإخفاء حقيقتهم غير المقبولة ونفوسهم المشوهة بمختلف النوايا والسلوك الاجتماعي السلبي وهناك الكثير ممن يعتمدون بشكل أساسي على أسلوب النفاق الاجتماعي ليكون جسر عبور إلى احتياجاتهم بطريقة غير مباشرة
قال تعالى (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيراً) فالنفاق يعد من أعظم الذنوب عند الله سبحانه وتعالى لأن قول وفعل المنافقين يخالف تماماً ما في قلوبهم
بعض الأسباب التي تدفع الناس لاستخدام النفاق كأسلوب حياة قد تكون بسبب طريقة التربية والبيئة التي كانت تشجعهم دائماً على الظهور بمظهر مثالي كما أنه لم يتم غرس القيم الأخلاقية بقدر كافٍ في مراحل الطفولة المبكرة ولذلك يحتاج الأفراد إلى المصداقية في التعامل بمحاربة كل أشكال النفاق الاجتماعي في جميع الوسائل المتاحة بالأخلاق التي لها دور في تحصين الأجيال من الانزلاق في مستنقع النفاق والعمل على بناء حياة عصرية قائمة على الصدق والقيم الأخلاقية والدينية وبالتالي تضمن الدول الرقي الحضاري في المجتمع مهما شهدت من تطورات
في مسرح الحياة تشاهد أبطال مسرحية هزلية يرتدون الأقنعة يخفون حقيقتهم بأقنعة مزيفة من الطيبة والحنان والمحبة فترسم لهم في مخيلتك صورا جميلة تصافحهم بحب تبذل لهم من صفاء قلبك لكن ما أن يسدل الستارمعلنا انتهاءالمسرحية حتى ينزعون تلك الأقنعة فتظهر ملامحهم الحقيقية التي يخفون خلفها تلالاً من النفاق والكذب و القسوة فتتحول تلك الوجوه الوديعة إلى وجوه شرسة وما أن تدور رحى الأيام وتهب أعاصير الشتاء حتى يتهاوى ما تبقى من تلك الأقنعة و يتهاوى من كان صرحا شامخا أمامك فتستيقظ على ارتطام الواقع بجدران قلبك فالمواقف هي من تنزع الأقنعة وتظهرهم على حقيقتهم فلا خير في ود امرئ متلون إذا الريح مالت مال حيث تميل فتشكر المواقف التي بقدر ما أدمت فؤادك بقدر ما جلبت لك الراحة لأنها كشفت لك عن وجوه مخفية فنحن في زمن النفاق والكذب والدهاء ولا مكان للقلوب الصافية بين أصحاب الأقنعة فالصفاء والطيبة بميزانهم غباء وسذاجة والمشاعر الصادقة أصبحت عملة نادرة وفي المقابل هناك أرواحا متسربلة بالبياض تضيء ملامحهم البيضاء كالزهور اليانعة لا يحسنون ارتداء الأقنعة هم ذخيرتك في الحياة تحن لأحاديثهم تشعر بصدق أخوتهم دوما ينقشون في قلبك رسما لا تمحوه الرياح فيسكبون روح التفاؤل والفرح في وجدانك
فأصحاب الأقنعة المزيفة يبرعون في إنتاجها واقتنائها وحياكتها وتلوينها ونقشها وارتدائها وفق خبرة كافية ومهارة فائقة وجهد بليغ وفلسفة كاذبة يحاولون إخفاء واقعهم الهش المأساوي والمر لهذا يسردون القصص الواهية يختلقون الأكاذيب ويشرعون في البهت والمراوغة والتدليس لا يهمهم الأضرار النفسية والمادية التي يلحقونها بأنفسهم وبالمجتمع والمحيط سلوكهم شاذ مناهض للصدق والوضوح والحقيقة والبياض متلونون يتقنون إنتاج الزيف ويجيدون صناعة التلفيق ضمائرهم أصلاً ميتة لهذا ما عندهم تأنيب ضمير ولا حس ولا مشاعر يختبئون دائماً خلف ستائر الدجل يقلبون الحقائق بنجاح ويزورون الواقع والوقائع بحرفية تامة ومهنية عالية سلوكهم مشين في التعامل والتطبيق والأداء شخصياتهم قاصرة لهذا يوظفون خيالاتهم في تجميل الذوات لإشباع غرائزهم الدنيئة يستمتعون بالمراوغة والبهت والتمثيل والدجل أرواحهم تفتقد للتوازن والسكينة والهدوء زمر مأجورة تمارس اللغو الكثيف متملقين متخرصين ولهم متاجرة بائنة في سرد الرديء من الكلام لهم صفاقة ووقاحةويتطاولون على الثوابت والمبادئ والحقائق لهم فلسفة ذباب شخوصهم غير قويمة ونفوسهم مريضة وكياناتهم هزيلة وشخصياتهم شمع يخالفون المألوف ويتصورون أنفسهم رموزاً وعلامات ومنارات هداية متناسين مستواهم الثقافي والعطائي والفكري وبأنهم في الحقيقة أصفاراً في الشمال طرقهم مزيفة مواقفهم متذبذبة أساليبهم هراء ولغتهم بها رماد مساراتهم وأحاديثهم في المحافل والمجالس والمنتديات متناقضة تصب كلها في خانة التسول والاسترزاق والملق والتملق الابتسامات الصفراء تعلو وجوههم وشفاههم غليظة بنطق الرياء لهم ذهول في النفاق من درجة الصفاقة التي يحملونها يظهرون حرصهم وتفانيهم من أجل الحقيقة لكن حقيقتهم واضحة وبائنة وجلية كونها مركبة بفائض من الخنوع والتقزم والطبطبة على الأكتاف مخادعين يلبسون لباسات مفضوحة وعوراتهم بها بائنة يختبئون تحت مظلات في ظاهرها النقاء وفي باطنها الضغينة والحقد والعداء لا هم لهم غير مصالحهم الذاتية وأطماعهم النهمة وجشعهم الكبير والكسب والتكسب اللامشروع يمارسون أدوار مزدوجة ويهوون المسرحيات العابثة ويدثرون تحت أغطية رقيقة يتمشدقون بشعارات براقة ليس لها رصيد من الواقعية والصدق والنقاء ضمائرهم معرضة للبيع بأبخس الأثمان ويمارسون التقية والخداع بشتى صنافه وأشكاله وطيف ألوانه منافقون يتعاطون النفاق مراؤون يجيدون الرياء مواقفهم زاخرة بالخبث والمكر الرخيص والاستجداء من أجل ملء جيوبهم بالمال إرضاءً لشهيتهم الشريرة في أكل السحت الحرام يعيشون في حيز الخبث والإيقاع دمى تتحرك حسب المصلحة والفائدة ببغاوات غبية وتماسيح تعيش في المستنقعات الراكدة أبصارهم وبصائرهم عمياء لا يأبهون بالسخرية والانتقاد كونهم يحسبون أنفسهم غاية في الرقة والحسن والإبداع والرائحة والهندام فيا أيها الناس أحذروا أن يخدعكم أصحاب الأقنعة المزيفة لأنهم ليسوا حقيقيين ولأنهم يعيشون بألف وجه وألف طيف وألف لون وألف وضع وألف حال وألف خطاب وبفعل فطنتكم وذكائكم ولفظكم لهم سيسقطون واحداً واحداً رغم نهج الطمطمة والمطمطة والتغطية التي يجيدون وتجاوز حدود العقل والمنطق والعقل والمعقول وشراسة التمثيل ونرجسية الذات وعار الباطل ونتانة القول وعفونة العمل ورسم الخراب لأن مبادئهم ومعادنهم رخيصة وليست معادن ومبادئ ثمينة وبالخلاصة أن أصحاب الأقنعة المزيفة ليسوا باعثين للحياة والرقي والعطاء وليسوا منتجين للحب والسلام والجمال إنهم الوهم بعينه فلا تصدقوهم ولا تصفقوا لهم وحتماً سيجدون العقاب في حياتهم قبل الممات

التعليقات مغلقة.