مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد غزالة يكتب الـنـقـود الـرقـمـيـة بـيـن طبـــيـعتـهـا الاقـتـصاديـة وأحكامها الـفـقـهـيـة

12

بقلم أحمد غزالة
أصدقائى القراء ، نتـناول في هذا المقال واحدة من القضايا الاقتصادية الهامة التي انتشرت في العالم مؤخراً ، وهي قـضية النقود الرقمية ، وحتى لا يكون هناك صعوبة من القاريء غير المتخصص في الشأن الاقتصادي في التفاعل مع الموضوع سأحاول جاهداً عدم الإبحار في التفاصيل الاقتصادية الدقيقة لهذا الموضوع . فالنقود الرقمية هي نتاج لما يعيشه العالم الآن من ثورة رقمية وتقدم تكنولوجي انعكس على جميع جوانب الحياة ومنها الجانب النقدي ، فالنقود الرقمية ببساطة شديدة : هي عبارة عن قيم نقدية مخزنة على وسيلة الكترونية مدفوعة مقدماً وغير مرتبطة بحساب بنكي ، ويتم استخدامها كأداة للدفع ، ويتم إصدارها بأرقام تشفيرية ، ويمكن تداولها ، وتحويلها من شخص لآخر ، وقد يطلق عليها مسمى العملات الرقمية أو الإفتراضية إلا أن فقهاء الاقتصاد يميلون لاستخدام لفظ النقود الرقمية لكونه أعم وأشمل ، وتوجد منها أنواع عديدة ، ولكن من أشهر هذه الأنواع من النقود ( الـبـيـتـكـويـن ) ، وهذه النقود تحظى بقبول واسع ، وهذه النقود ليس لها شكل كالأوراق النقدية والنقود الحقيقية ، فهي تحفظ على الإنترنت أو من خلال محافظ رقمية ، وهذا النوع من النقود يقوم على مجموعة من القواعد يجعلها مختلفة عن غيرها من النقود الإئتمانية والقانونية المصكوكة والمطبوعة ، وكذلك عن غيرها من وسائل الدفع الإلكتروني ، وكذلك عن غيرها من الوحدات التي تحمل قيم عينية ، وهذا يمكن توضيحه كما يلي :
1- الإختلاف بين النقود الرقمية والنقود الإئتمانية والقانونية
ونلاحظ هنا اختلاف النقود الرقمية عن النقود الحقيقية من حيث الشكل فهي ليس لها شكل الأوراق النقدية والنقود الحقيقية ، فهي تكون مخزنة على وسيلة إلكترونية حيث يتم شحن قيمتها النقدية بطريقة إلكترونية على بطاقات بلاستيكية ، أو على القرص الصلب
2- الإختلاف بين النقود الرقمية ووسائل الدفع الإلكتروني المختلفة مثل الفيزات كارت
وهنا نجد اختلاف النقود الرقمية عن وسائل الدفع الإلكتروني في كونها غير مرتبطة بحسابات بنكية ، فتكون من هذه الناحية شأنها شأن النقود الحقيقية والقانونية في عدم احتياجها لوساطة البنوك للتعامل فيها ، وهذا يميزها عن وسائل الدفع الإلكتروني المختلفة التي تسمح بشراء السلع والخدمات عن طريق البنوك
3- الاختلاف بين النقود الرقمية وبين الوحدات التي تحمل قيم عينية مثل بطاقات الاتصال
وهنا نلاحظ أن النقود الرقمية ذات قيمة نقدية فيمكن عبر الوحدات النقدية التي تحملها شراء مختلف السلع والخدمات ، وهذا يجعلها تختلف عن الوحدات التي تحمل قيمة عينية لنوع معين من السلع والخدمات ، والتي لا يمكن اعتبارها نقود رقمية مثل بطاقات الاتصال وبطاقات التموين وذلك لأنها مخصصة لشراء نوع معين من السلع والخدمات .
4-لابد لهذه النقود الرقمية أن تحظى بقبول واسع لأن القبول العام للنقود من أهم خصائصها التي يجعل منها نوع من أنواع النقود
– وهذه النقود الرقمية لها ما لها من مميزات ، وعليها ما عليها من عيوب ، فمن أهم مميزاتها السرعة الكبيرة لإتمام عمليات إرسال الأموال ، وكذلك استقبالها في ثوان معدودة ، بعكس البنوك التقليدية التي تستغرق فيها عمليات التحويل وقتاً ، وقد يطول أحياناً لأيام ، وكذلك من أهم مميزاتها عالميتها وعدم تقيدها بحدود جغرافية ، وكذلك عدم خضوعها للبنك المركزي وبالتالي لا تتسلط عليها البنوك وبالتالي لايوجد وسطاء للتعامل فيها فهي غير تابعة لأي بنك ، وهذه النقود الرقمية تتسم بقلة رسوم التحويل فقد تكون أحياناً مجانية أو مبالغ بسيطة لاتذكر
– وبالرغم من مميزات هذه النقود الرقمية إلا أنه يؤخذ عليها مجموعة من العيوب والمخاطر أهمها أنه لا يمكن التعامل بها إلا من خلال شبكة الإنترنت ففي حالة انقطاعه لن يتم التعامل بها ، وكذلك يؤخذ عليها سهولة استعمالها في عمليات غسيل الأموال بسبب صعوبة السيطرة عليها ، وأيضاً يؤخذ عليها سهولة ضياعها وعدم إمكانية استرجاعها نتيجة فقدانها للمركزية التي يتم من خلالها ضمان حقوق جميع المتعاملين عند سرقة حساباتهم الخاصة أو عند نسيان الحساب الخاص .
– الأحكام الفقهية للنقود الرقمية ( نقلاً عن دار الإفتاء المصرية )
جاء في فتوى دار الإفتاء المصرية عبر موقعها الإلكتروني أنه بعد البحث والدراسة ، وبعد الرجوع لخبراء الاقتصاد والأطراف ذات الاختصاص بمسألة النقود الرقمية ومنها البيتكوين ، فإن تداول هذه النقود حرام شرعاً ، وذلك لآثارها السلبية وإخلالها باتزان السوق ، وفقدان المتعامل فيها للحماية القانونية ، ولما فيها من الإفتيات على ولاة الأمور وسلب بعض اختصاصاتهم في هذا المجال ، ولما تشتمل عليه من الضرر الناشىء عن الغرر والجهالة .
– ومن هنا يتضح لنا أن فتوى دار الإفتاء المصرية بالتحريم لتداول هذه النقود جاء بعد الرجوع لخبراء الاقتصاد لشرح مفهوم النقود الرقمية من وجهة النظر الاقتصادية حتى يتسنى للفقهاء إصدار الحكم الفقهي، ومن هنا جاء حكم دار الإفتاء بالتحريم لكون هذه النقود تقوم على خصائص معينة كانت سبباً في حكم التحريم ، ومن هنا يمكننا أن نقول أنه إذا تغيرت بعض الضوابط الاقتصادية لهذه النقود و التي تسببت في تحريمها من بعض دور الإفتاء ومنها دار الإفتاء المصرية , وأخذت في الاعتبار الضوابط الشرعية ، قد يكون هناك حكم فقهي آخر ، وبالتالي فإن باب الاجتهاد للعلماء والفقهاء مفتوح في هذا الجانب ، وختاماً أتمنى أن أكون قد أوجزت الفكرة ، وإلى اللقاء مع القارىء الكريم في كتابات لاحقة ، والله المستعان .

التعليقات مغلقة.