مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

أحمد غزالة يكتب الإعـجــاز الاقـتـصـادى لفريضة الـــزكـــاة

بقلم أحمد غزالة
بـاحـث اقـتـصـاد إسلامى
بمعهد الدراسات العليا الإسلامية

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : مدرسة جبر الخواطر

أنور آبو الخير يكتب: بين طيات الحزن

الزكاة هى الركن الثالث من أركان الإسلام ، وبدايةً قبل أن نوضح الجوانب الاقتصادية للزكاة أود أن أُلفت انتباه القارىء الكريم أن للزكاة ثلاثة جوانب ، الأول هو الجانب التعبدى كفريضة يتعبد بها الإنسان إلى الله عز وجل امتثالاً لأوامره ، ولها جانب فقهي يتمثل فى شروطها وأركانها وأنواع المال الخاضع للزكاة….إلخ ، ولها جانب اقتصادي بحكم طبيعتها المالية ، وفى مقالي هذا لن أتناول لجانب التعبدي والجانب الفقهي للزكاة ، وذلك ليس لعدم أهميتهما وإنما لأن هذه الجوانب حقيقةً أثراها الكتاب والباحثين من رجال الفقه الإسلامي بكتابات عديدة ، ومن هنا أردت إلقاء الضوء على الجانب الذى لم يأخذ حظه فى الكتابة ألا وهو الجانب الاقتصادى لفريضة الزكاة ، وبتناول هذا الجانب نجد أن للزكاة بعد تنموى بحكم طبيعتها المالية كأحد عناصر النظام المالى الإسلامى يصل لدرجة الإعجاز الاقتصادى وذلك لأثرها العظيم على النظام الاقتصادى , والمساهمة فى علاج مشاكله مما يترتب عليه عمارة الأرض المكلف بها الإنسان مصداقاً لقوله تعالى (هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ومن أهم جوانب الإعجاز الاقتصادى للزكاة أنها تحارب اكتناز الأموال فالمال بطبيعته محبوب للإنسان و يميل للإحتفاظ به مصداقاً لقوله تعالى (وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ) فتأت إخراج فريضة الزكاة سنوياً لـتـنـقص من هذا المال المكتـنـز ومن هنا يدرك الإنسان أن من خصائص المال الدوران الاقتصادي وليس الاكتناز وحبسه ، وبالتالى تدفع الزكاة الأفراد نحو الاستثمار حرصاً على زيادة المال وعدم تآكله ، وأكد على هذا حديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم ( من ولي يتيماً وله مال فليتجر له ولا يتركه حتى تأكله الصدقة ) فهذا توجيه نبوى لعدم اكتناز الأموال حتى لا تتآكل بالزكاة وتوجيهها نحو الاستثمار ، ومن جوانب الإعجاز الهامة لتشريع الزكاة أنها لا تـُفرض على أصول العدد والآلات المستخدمة فى الإنتاج ، وكذلك عين الأراضى الزراعية المنتجة ، وإنما تفرض على عوائدها بينما نجد الزكاة عند وجود الأموال فى صورتها السائلة تفرض على عين الأموال أى أصلها ، وهذا يدفع الأفراد لتحويل الأموال من صورتها السائلة إلى صورتها المنتجة وبالتالى فتشريع الزكاة يدفع الأموال نحو الاستثمار ، وبتوجيه الأموال للعمليات الاستثمارية تساهم فى إيجاد حلول للمشاكل الاقتصادية وعلى رأسها مشكلة تضخم الأسعار التى يكون أحد أهم أسبابها انخفاض العرض عن الطلب وقلة الإنتاج الذى لا يستطيع مواجهة الطلب المتزايد على السلع والخدمات فيحدث اختلالاً اقتصادياً بين العرض والطلب يؤدى إلى ارتفاع الأسعار وبالتالى فإن تشريع الزكاة يساهم فى الحد من الضغوط التضخمية فى الاقتصاد ، وعلى الجانب الآخر قد يساهم تشريع الزكاة أيضاً فى حالات نقص الطلب والتى قد تسبب كساداً اقتصادياً أو ما يعرف باسم التضخم السلبى لأنه من خلال الزكاة ينتقل جزء من المال من الأغنياء للفقراء دون الإضرار بالأغنياء لأن الزكاة تكون من فائض أموالهم ، ويتجه الفقراء بهذا المال نحو الاستهلاك لأنه بطبيعة الفقراء يزداد لديهم الميل الحدى للإستهلاك ، وهذا يعمل على تنشيط سوق الاستهلاك للسلع والخدمات الأساسية الأمر الذى يرفع الطلب فى حالة انخفاضه على العرض ومحاربة الكساد الاقتصادى ، وبالتالى نجد أن الزكاة حققت لنا إعجازاً اقتصادياً فى مساهمتها فى احداث توازناً بين العرض والطلب مما يساهم بشكل فعال فى مواجهة التضخم والكساد الاقتصادى ، ولا يتوقف الإبداع الاقتصادى للزكاة عند مستوى إحداث التوازن المطلوب فى الاقتصاد بل بدفعها الأموال نحو الاستثمار تساهم فى خلق المزيد من فرص العمل وبالتالى تساعد فريضة الزكاة فى الحد من مشكلة البطالة ، ولا يكتفى إبداع الزكاة نحو دفعها بالأموال الاستثمار بل نجد أن نسبة الزكاة 2.5% تعمل على دفع الأموال نحو الاستثمارات العالية الربحية ، وذلك حتى يتوفر للمستثمر أرباح تغطى هذه النسبة , كما تلعب الزكاة دوراً هاماً فى إعادة توزيع الدخل من خلال مساهمتها فى توسيع قاعدة الملكية والإنتاج والإستهلاك ، وهذا يتطلب زيادة الطلب على عناصر الإنتاج وتشغيلها ، فبزيادة الدخل القومى ستزداد حصيلة الزكاة ، وبالتالى يتحقق توزيع أكبر وأشمل ، ومن جوانب الإعجاز الاقتصادى للزكاة المتعددة أنها قد تساهم فى تحسين الاقتصاد ونقص ديونه الخارجية بطريق غير مباشر لأنه بانتقال المال من الأغنياء للفقراء ينتفع الإنسان والمجتمع والاقتصاد بهذه العملية ومن هنا تجد أن الزكاة تساعد فى التخفيف من حدة الفقر وحدة الغنى وإحداث توازناً بين طبقات المجتمع وبالتالى لن يحتاج المجتمع إلى المساعدات والقروض الخارجية مما يكون له عظيم الأثر على الاقتصاد أيضاً ، وحتى تؤدى الزكاة دورها الاقتصادى بكفاءة عالية يستلزم الأمر قيام مؤسسية الزكاة فلابد أن تتولى الدولة أو هيئات اعتبارية الإشراف على جمع الزكاة وصرفها فى مصارفها الشرعية وألا يترك الأمر للأفراد وحدهم لأنه قد يحصل قلة من الناس على أموال كثيرة بينما يظل الآخرون على فقرهم مما يقلل من أهمية الدور الاقتصادى والتنموى للزكاة ، وهناك الكثير من الدول ومنها مصر بدأت تهتم بمؤسسية الزكاة حيث صدر قانون بيت الزكاة المصرى بالقرار رقم 123لسنة2014 وجعل لها شخصية اعتبارية لها استقلال مالى وإدارى وتخضع لإشراف شيخ الأزهر ومقرها القاهرة ، ومنح القانون الحق للصندوق فى جمع الزكاة تطوعاً وتوزيعها ، ونتمنى المزيد من التطور لهذا النظام المؤسسى فى الفترات المقبلة ، ولا تقتصر جوانب الإعجاز الاقتصادى للزكاة عند حد معين فمازالت هذه الفريضة تحمل الكثير من الجوانب الاقتصادية والإبداعية فى النظام المالي الإسلامى ولا يتسع المقام للتوسع فيها الآن ، ونتواصل إن شاء الله مع القارىء الكريم فى مقالات قادمة لنبحر معاً فى أعماق هذا الإعجاز الاقتصادى لفريضة الزكاة . .

التعليقات مغلقة.