مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

لم الشمل …

0

بقلم – ميسون السعدي:

قد يهمك ايضاً:

الفنان غيث الهايم .. يهيم عشقاً في ” روما “

تاريخ فن الديكوباچ ضمن لقاءات متنوعة بثقافة الإسماعيلية

– عبثا .. لم تفلح محاولاتي، أحاول أن أتذكر وجهها حين تبتسم ، لكنني لا أجد أمامي إلا عينيها .. أسندت ظهري إلى شجرة في باحة الدار، كانت أوراقها تلمع فيهما حين تضحك .أذكر هذا تماما كأنها أمامي بعد كل هذه السنين ..أحيانا تتعبني محاولة التذكر، ثم أقول: تكفيني تلك الأشياء .
– لا تتعب نفسك ياعم .
– لا .. في ذلك راحة لي، التفاصيل تمنح الحياة لأشياء انسابت من بين أصابعنا،لا أستطيع أن أنسَى تشنجات فكيها وهي تنطق جملها الحاسمة حين رحلت …
( ضغط بيده صدغيه مكملا عبارته )، آه من حزن نظرة رمتني بها .
– أين هي الآن ؟. ماذا حصل ؟ .. ..أخبرني عنها كل شيء .
– رحلت فقط .. أنا لم أسألها لماذا، وهي لم تقل .
– ياعم .. كيف هذا ؟ . أنا الآن يؤلمني أن لا أعرف سبب ما كان، فكيف بك أنت !
– أرأيتَ ! .. تجف الحياة بنا، القلب لا يستطيع بلع مراراته دون ذكر تفاصيل التفاصيل .
– أنت على حق .
– أنا أذكر جيرانا لنا كانوا يجلسون معا تحت نافذتنا، أذكر حديثهم اليوم .
سألتُ أحدهم : ياعم .. أنت فلسطيني ؟ …
أجابني دون تباطؤ :
نعم .. أنا من غزة.. من وسط غزة تماما وأشار بيده إلى رجل يبعد عنا : أما عمك هناك هو من أم الفحم، ومع هذا نحن أصدقاء منذ الصغر .
يومذاك استغربتُ، لعل بسمة حزينة لاحت على وجهي، تساءلت ُ: هل من المهم ذكر وتحديد القرية تماما بعد عقود من اللجوء..نعم، استغربتَ ذلك وابتسمت َ..
-تلك تدعى حماقة الشباب يا فتى .
– قلوبنا حمقى !؟ .
– نعم .. قلوب الشباب هكذا ..
– دعني أخبرك يا عم ما حصل اليوم :
صوت التلفاز عال، أحدنا يسمع نشرة الأخبار وهو يمشي بين الغرف .. أو بعيدا في المطبخ .. لم يكن كل هذا يشغلني ..
عبارة واحدة لا تهدأ ، يرددها داخلي دوما .. ( لم الشمل ) …! .
دخلت الغرفة طالبا قسطا من الراحة، وجهوا لي نظرات غريبة قبل أن أجلس ،
زفَ من حولي لي الخبر بفرح دون انتظار : لا خوف الآن، جاءك لم الشمل، حظك طيب ، كل شيء تيسرَ لك دون تلكؤ بالقياس مع غيرك .
عند سماعي ما قالوه ، اتسعت عيناي .. تبحث .. ترصد كل شي حولي .. لم تدرك على مايبدو أن للزمن الموجع عباراته الموجعة .
اتكأتْ على رصيف شارع أعبره كل يوم، نافذةُ مطبخ أشاهد منها أشجار اللبرتقال كل صباح
استعجلتْ عيناي ساعة الغروب في قرية وادعة ،هزتْ شمسَها ، حاولتْ حملها بقسوة أو لطف، لا يهم ، عندما تم لها ما أرادت ْ ، أطبقتُ عينيي عليها ، مضيت هامسا : ياشمسي .. سنغادر معا ، أرجوكِ ، الأمرلايحتمل النقاش .. قد لا تكون قرانا وادعة بعد اليوم …
( ابتسمَ وهو يراقب حديثي .. لعله حتى لا يسمعه ) ..
عمي .. لا أستطيع التوقف عن الحديث ، تفاصيل التفاصيل ! .
كنت أخال ذاك الطريق قصيرا، قصيرا جداً ، كان قلبي يركض فيه …
– لماذا ؟ .
( ابتسمتُ لمشاركته ) .
– لأن صديقي في آخره ينتظر .. يستعجلني برنات متتالية للشوق من جواله .
وهنا الجزء الأصعب :
مدينتي المحاصرة، مشى القلب فيها وتعثر .. حمل ضماده غيرواجف وتعثر .. كم أرغب أن يشملها لم الشمل .
، عمي : سيشملها .. أليس كذلك !؟ .
– بالتأكيد .. هم هناك يعرفون ويقدرون .
– حقا ؟! .. والأصدقاء ياعم …؟! ، آه من أقمار لا تنسىَ، اليوم أبحث عنهم هنا وهناك، أضيء بهم شجرة الحياة ..
– أود أن أسألك شيئا يا بني …
– نعم تفضل :
– ماهو جوابك على هذا لو سألوك : من أين أنت ؟ ..
– سأقول لهم أنتظروا قليلا ، سأفرغ عينيي مما حملتا، أما قلبي، فأجره مع ما يحمل ، ثم أذكر لهم : مدنا وقرى وحارات ونوافذ وصنابير مياه وضعت في مداخل الحارات القديمة كي يرتوي المارة ..أما ذاك الشاطىء الوادع ، فلن أذكره لأحد .
– لماذا !؟ .
– هو ملك ذاكرتي فقط …! .
– وأنا ؟ .
– أنت معي بالتأكيد …
– هل ذُكر اسمي عندما أتاك لم الشمل ؟ .
– لم أنتبه .. ذالك أمر أكيد، فأنت صديقي ولو اختلفت أعمارنا ..
آه يابني .. من زمن ليس كالزمن، وقلب يحمل بلدا ……………………….

 

اترك رد