مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الخير يأتي أولا

1

بقلم – عبد الله بير:

قد يهمك ايضاً:

مني تشهد ضد دينا فؤاد في حق عرب الحلقه ١٦

نظر رستم إلى قطعة الأرض التي ورثها عن والده ، والتي كانت عبارة عن أدغال و أحراش كبيرة ، كان يمكن لأكبر الضواري الاختباء فيها . كانت الأرض عبارة عن بقايا بستان قديم ، اشجار رمان و زيتون و توت غير مشذب جذوع حور و سنديان ، نبات عليق شوكي ، نعناع بري ، كل ذلك شكّل فوضى عارمة و غابة ضخمة من الأحراش . و كانت للأرض ساقية ماء كبيرة تروى بها لكنها متروكة ألآن . القرويون و بعد مغادرة رستم للقرية و وفاة والديه قسموا حصة ماء الري على أنفسهم . لذا لابد من تنظيف قطعة الأرض و استرداد حصة الماء لاستزراعها مرة أخرى . قال رستم في نفسه :
– كيف سأنظف كل هذه الفوضى ؟ من أين أبدأ؟
نظر رستم إلىها وهو غارقٌ في التفكير ، أخيراَ قرر بدء العمل في اليوم التالي صباحاَ ، وفي البيت جهز العدة اللازمة للعمل مردداَ مع نفسه :
– ماذا احتاج ، ماذا احتاج؟ آها ، الفأس ، المنجل ، الجرافة ، المعول ، اظن هذا يكفي ، الفأس حاد ، عصا الجرافة جيدة ، المنجل حاد ايضاَ ، و المعول جديد ، اذن كل شيء جاهز ، حسنا ، موعدنا الصبح .
بعد الآذان ، نهض رستم و صلى الفجر . حمل معداته و توجه نحو أرضه ، و بدأ العمل فيه ولكن كان كالذي يتخبط في الظلام ، يضرب معولاَ هنا ، ويقطع غصناَ هناك ، يقلع نبتةَ و يجرف قرب الساقية ، يترك المنجل و يحمل الفأس ، يترك الفأس يحمل المعول او المجرفة . اشرقت الشمس و رستم مازال في تخبطه يذهب هنا و هناك ، اخيراَ وجد نفسه غارقاَ بين الأدغال ، و لم يلحظ تقدماً يذكر و لم يبشر كل هذا التعب بشيء ، حتى أنه لم ينظف ما يكفي لأن يجلس فيه. خرج من الأدغال و نظر إليها من الخارج و شعر بإحباط كبير وقال :
– من الأحسن أخذ قسط من الراحة ، و أفطر ، ثم أعيد الكرّة .
في الجولة الثانية من محاولة تنظيف الأرض ، لم يغير رستم من خطته شيئاً ، بدا يتخبط ثانيةَ حتى الظهيرة ، وفعلاَ ظهرت علامات كدحه على الأرض ، كانت هناك شجيرة حور مقتلعة ، بعض اغصان نبات العليق الشوكي مقطوعة ، الأرض محفورة في بعض الاماكن . عاد رستم إلى البيت منهمك القوى للاستراحة في فترة الظهيرة و تناول الغداء . سألته زوجته عن كيفية سير العمل ، رد رستم :
– العمل صعب ، الأرض متروكة منذ سنين ، نمت فيه كل شيء خلقه الله ، قلع الأشجار صعبة ، هناك كثير من الأدغال ، قد يستغرق العمل اسابيع إن لم يكن اشهر ، صعب جداَ ، صعب جداَ العمل في هذه الأدغال .
قالت زوجته :
– أجر عاملاَ أو اثنين يساعدانك .
فرد رستم :
– إنه موسم العمل في القرية ، مَن يترك أرضه ليأتي و يعمل في أرضي ، لا يأتون في هذا الوقت من السنة ، انني فكرت في ذلك ، ولكن لم أفلح في إيجاد عامل واحد .
بعد استراحة الظهيرة ، عاد رستم إلى العمل ، وعمل بنفس الروح العالية و على نفس الوتيرة حتى العصر لكن لم يلحظ أي تقدم في عمله ، مع أن هذا لم يشعره هذا بالإحباط في البداية ،إلا أن اليأس بدا ينسل إلى شعوره ، بدأت بوادر فشل عمله تظهر أمامه ، أخيراَ دب فيه الملل ، جلس على حافة الطريق مهموماَ ، متعباَ و يائساَ ، فسمع عم شمس الدين وهو شيخ كبير في السن ، يحترمه كل القرويين لحكمته و رجاحة عقله ،يسلم عليه و يباركه في عمله قائلاً :
– الله يعطيك القوة ، و بارك الله في عملك ، تبدو متعباَ جداَ !
قام رستم من مكانه و استقبل عم شمس الدين:
– شكراَ يا عم شمس الدين ، أجل تعبت جداَ اليوم ، فمنذ الفجر و أنا أعمل في هذا المكان و لم أنظف ما يكفي لأجلس فيه .
كانت مع هذا الكلام ابتسامة يأس بادية على شفتيه .
فقال عم شمس الدين :
– يا بني ، ما هكذا تنظف الأرض ، تعبت كثيراً دون نتيجة لأنك لا تعرف كيف تقوم بذلك ، اي عمل يقوم به الإنسان ، لا بد أن يعرف من أين يبدا؟.
فقال رستم :
– أنا بدأت من تلك الناحية ولكن نبات عُليق الشوكي اعاق طريقي و نما بشكل مكثف هناك ، و خفت أن اضرم فيها النار لأن بساتين اخرى قريبة ، لذا جئت إلى هذه الناحية و لكن جذوع اشجار الزيتون ضخمة و يصعب قلعها ، لذا لم أعمل أي شيء اليوم .
فضحك عم شمس الدين من كل قلبه و رد :
– لا تبحث لنفسك عن الأعذار ، لكل عمل يقوم به الإنسان صعوباته ، وعليه أن يفكر دائماَ كيف يجتاز تلك الصعوبات لا أن يبحث لنفسه عن الاعذار ، اذنٍ إذا سارت الامور هكذا ، ستبقى حتى الخريف في هذا الدغل و لن تزرع شيئاَ او قد تهرب في النهاية و تترك الأرض كما قال القرويون، اليس كذلك؟
فرد رستم :
– لا يا عم شمس الدين ، لا لن اترك هذا المكان ، لقد قررت البقاء فيها مهما كانت الظروف ، حتى الخريف ، ليكن حتى الخريف و سأزرع في السنة القادمة ، ليست هناك مشكلة .
فقال عم شمس الدين :
– هل ستسمع نصيحتي ؟
فرد رستم :
– تفضل يا عم
فقال العم :
– كي يثمر عملك هذا ، ابداء بالأشياء الكبيرة ثم اصغر ثم اصغر ، اولاَ اقطع الاشجار الكبيرة ، ثم تقلع نبات العليق الشوكي ،ثم تقطع الحشائش و في النهاية تجرف الأرض و بذلك تصبح جاهزة للزراعة . هكذا ستنتهي خلال أيام أو اسبوع على الأكثر ، اليوم خذ ما بقي منها استراحة و ابدأ غداَ صباحاَ ، و وفقك الله .
بعد هذه النصيحة ، ودع عم شمس الدين رستم و تمنى له بالتوفيق. لما سمع رستم هذه النصيحة ، جلس في مكانه مرة اخرى ، وفكر فيما قاله عم شمس الدين و قال في نفسه :
– حسناَ ، سأعمل بنصيحتك يا عم ، سأذهب إلى البيت الآن و غداَ سأعمل بكلامك.
في يوم التالي ، بدأ رستم بالعمل وفق ما علمه عم شمس الدين ، و لما جاوز الظهيرة بدة بوادر عمله تظهر شيئاَ فشيئاَ ، لأن الأشجار العالية أصبحت أكواماَ من اخشاب مقطوعة ،تكوم عليق الشوكي مع نباتات أخرى في اكوام يابسة و متفرقة ، وخلال أيام استطاع رستم تنظيف أرضه تماماَ من كل شيء ، وبدأ بجرف الأرض و صارت مهيأة للزارعة . فكر رستم بزارعة بعض اشجار الفواكه كالخوخ و التفاح ، المشمش و الرمان الحلو مع زراعة بعض الخضار كالطماطم و الخيار . ثم استعادة حصة ماء الساقية من القرويين لسقي ارضه .
لم ينتهي فصل الربيع كلياَ ، حتى بدأت ما زرعه رستم بالنمو ، اورقت اشجار الفواكه ، اخضّرت قطعة الأرض التي زرعت فيها الخضراوات ، ولما حان وقت سقيها لاحظ رستم بالقرب من احدى نباتات الطماطم انتفاخ في الأرض ،و بأصبعه رفع التراب ، فوجد برعماَ صغيراَ احمراَ من نبات العليق الشوكي خرج من الأرض .

 

اترك رد