مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

ماذا يخبئ لنا القدر في مشروع الضبعة النووي ؟

7

بقلم –  الدكتور على عبد النبى:

أسئلة كثيرة لا أجد لها مكانا للتخزين فى عقلى ، ولكنها فى منتهى الخطورة ويجب تخزينها حتى أستطيع ترتيبها طبقا للأولوية ثم أبحث عن الأجابات التى ترضينى كمتخصص فى مجال المحطات النووية لتوليد الكهرباء ، كما أنها تعود بالنفع على بلدى الحبيب مصر وذلك  من خلال إلقاء الضوء عليها ، فيستفيد منها المسئولون ويستفيد منها عامة الشعب المصرى ، وبذلك أكون قد أرضيت ضميرى من مسئولية رد الجميل للبلد الذى أعطانى فرصة التعليم حتى أصبحت أحد المتخصصين فى هذا المجال.

ماذا يخبئ لنا القدر فى مشروع الضبعة النووى ؟ ، هو سؤال صعب الأجابة عليه ، لأن القدر فى بيد الخالق سبحانه  ، لكن الاجتهاد فى توضيح بعض الأمور التى تحيط بمشاريع محطات الطاقة النووية لتوليد الكهرباء وخاصة فى التجارب التى صادفت مصاعب ، يمكن أن تكون دروسا قد يستفاد منها حين تعاطينا لمشروع الضبعة النووى.

مصر ليست دولة صناعية كبرى ، كما أن مصر لم يسبق لها بناء محطات نووية لتوليد الكهرباء ، ومشروع الضبعة النووى هو إرادة شعب لتوطين التكنولوجيا النووية فى المصانع المصرية لترتقى الصناعات المصرية وتصبح مصر دولة صناعية كبرى ، كما أنه يعتبر مصدرا هاما ورئيسيا فى تأمين الطاقة الكهربائية لتشغيل المصانع ورفع معدلات التنمية ، ويجب ألا نلغى من تفكيرنا أن هذا المشروع هو مشروع استثمارى وسوف يسدد ثمنة فى خلال مدة لا تزيد عن 15 سنة فى حين أن العمر التشغيلى لمحطة الضبعة النووية  الواحدة هو 60 سنة.

جميع الدول النووية بدأت كما بدأت مصر مشروع الضبعة ، فليس من العيب ألا نكون دولة صناعية كبرى ، ولكن العيب ألا نكون جاهزين لتحمل مسئولياتنا تجاه هذا المشروع العملاق والمعقد. وتأتى هنا تبعات السؤال المطروح : هل هيئة الرقابة النووية المصرية وهيئة المحطات النووية جاهزتين بالكوادر “كما وكيفا” لتحمل المسئولية كما هو منصوص عليه فى الكتاب ؟ ، والرد على هذا لسؤال متروك للهيئتين.

فرنسا دولة صناعية كبرى ، فرنسا تعلمت من أمريكا صناعة المحطات النووية ونفذتها فى بلدها ، وشركة “فراماتوم” الفرنسية تعتبر من اكبر مصنعى المحطات النووية على مستوى العالم ، وبالإضافة إلى تصميم وبناء محطات الطاقة النووية، تقدم الشركة مجموعة كاملة من خدمات الطاقة النووية، بما فى ذلك خدمات الصيانة والتفتيش وتصنيع المعدات التى تستخدم فى بناء وصيانة محطات الطاقة النووية ، بالإضافة إلى تصميم وتصنيع وتسويق وبيع حزم الوقود النووى الخاص بالمفاعلات النووية. كما أن فرنسا لديها مكتب استشارى عالمى يغطى جميع مراحل تنفيذ المحطة النووية بداية من دراسات المواقع وحتى التشغيل التجارى للمحطة النووية ، وفرنسا تقوم بتطوير وتحديث فلسفة ونظم أمان المحطات النووية وهى تعتبر المرجع الأوروبى الوحيد فى هذا المجال حاليا.

فى عام 2001، تم دمج الأعمال النووية لشركة سيمنس الألمانية فى الأعمال النووية لشركة فراماتوم الفرنسية. وقد تعاونت شركتا فراماتوم وسيمنز رسميا منذ عام 1989 لتطوير المفاعل الأوروبى للماء الخفيف المضغوط (EPR). وفى نفس العام تم إنشاء شركة آريفا Areva  الفرنسية ، من خلال دمج شركة فراماتوم، مع شركة كوجيما وشركة تكنيكاتوم.

حاليا فرنسا تمتلك  58 محطة نووية ، والمحطات النووية الفرنسية تشارك بنسبة  72.3%  فى توليد الكهرباء ، وفرنسا تقوم ببناء محطات نووية لدول عديدة ، كما انها تصدر مكونات المحطات النووية لأمريكا وهى الدولة التى تعلمت منها فرنسا صناعة المحطات النووية.

أما عن الجانب الآخر لفرنسا وهى دولة صناعية كبرى ومن أكبر مصنعى المحطات النووية فىى العالم ، فنجد أن شركة “آريفا”  الفرنسية قد فى تعثرت فى تنفيذ مشروعين لبناء اكبر محطة نووية فى العالم وهى بقدرة 1650 ميجاوات موديل EPR . المشروع الاول وهو بناء محطة نووية داخل فرنسا نفسها وهى محطة فلامان فيل-3  (FA3) ، والمشروع الثانى هو بناء محطة أولكيلوتو-3 (OL3) النووية خارج فرنسا فى دولة فنلندا.

مفاعل EPR هو من مفاعلات الجيل الثالث ، وقد تم تصميمه وتطويره بشكل رئيسى من قبل شركة فراماتوم (الآن هى أريفا NP) وهيئة كهرباء فرنسا EDF  وبالاشتراك مع شركة سيمنز الألمانية، وأطلق على هذا المفاعل فى أوروبا أسم المفاعل الأوروبى المضغوط EPR ، والهدف الرئيسى من تصميم هذا المفاعل هى زيادة الأمان مع توفير القدرة التنافسية الاقتصادية من خلال إدخال تحسينات على التصاميم السابقة لمفاعلات الماء الخفيف المضغوط PWR. هناك أربع مفاعلات موديل EPR تحت الإنشاء، مفاعل فى كل من فنلندا وفرنسا، ومفاعلان فى الصين.

بدأ بناء محطة أولكيلوتو-3 (OL3) من نوع EPR فى فنلندا فى أغسطس 2005. وكان من المقرر أن يبدأ تشغيلها عام 2010، لكن المشروع عانى الكثير من التأخير، ووفقا لتصريحات شركة أريفا فمن المتوقع أن يبدأ تشغيلها فى ديسمبر عام 2018 . أى أن هناك حوالى 8 سنوات تأخير فى تنفيذ المحطة. وقد صاحب التأخير ارتفاعا حادا فى تكلفة المفاعل، فقد ارتفعت التكلفة من 3 مليار يورو فى عام 2005 إلى 8.5 مليار يورو فى عام 2012 ، أى بزيادة مقدارها 5.5 مليار يورو.

بدأ بناء محطة فلامان فيل- 3 (FA3) من نوع EPR فى فرنسا فى ديسمبر 2007. وكان من المقرر أن يبدأ تشغيلها عام 2012، لكن المشروع عانى الكثير من التأخير، ووفقا لتصريحات شركة أريفا فمن المتوقع أن يبدأ تشغيلها فى ديسمبر عام 2018 . أى أن هناك حوالى 6 سنوات تأخير فى تنفيذ المحطة. وقد صاحب التأخير أرتفاعا حادا فى تكلفة المفاعل، فقد ارتفعت التكلفة من 3.3 مليار يورو فى عام 2007 إلى 10.5 مليار يورو فى عام 2015 ، أى بزيادة مقدارها 7.2 مليار يورو.

التأخير فى تنفيذ مشروع محطة أولكيلوتو-3 وفى تنفيذ محطة فلامان فيل-3 واضح ، لأن بداية التنفيذ الجميع يعلمها ، لكن أرتفاع التكاليف المصاحبة للتأخير فى تنفيذ المحطتين وعلى أساس ما هو معلن من شركة “آريفا” يعتبر مخالف للحقيقة ، لأن هناك تسريبات من مصادر غير رسمية تؤكد أن التكاليف الكلية للمحطة زادت عن 12 مليار يورو ، وهذا يدل على أن الزيادة فى التكاليف تقدر بحوالى 8.7 مليار يورو.

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

حسب ما أعلنته شركة “آريفا” فى تبريرها للمشاكل التى صادفت تنفيذ مشروع محطاتها النووية موديل EPR ، تعتبر مشاكل تمس أمان المفاعل بشكل مباشر ، فقد تم اكتشاف عيوب فى فولاذ وعاء ضغط المفاعل ، وهى تتمثل فى ضعف فى الصلب المستخدم فى وعاء الضغط نتيجة عدم التجانس فى توزيع الكربون فى سبيكة الصلب ، إذ تعتبر الأماكن التى يتركز فيها الكربون بمثابة نقاط ضعف والتي تزيد من خطر تصدعها.

وعاء ضغط المفاعل هو أهم وأخطر جزء فى المفاعل النووى – ففيه يتم الانشطار النووى المتسلسل  وعليه أن يكون قادراً على احتواء الحرارة الشديدة والضغط العالى والاشعاع النيترونى الشديد الناتج من الانشطار النووى الذى يحدث بداخله. فقد وجدت الشركة أن هناك مستوى عاليا وغير مقبول من الكربون والشوائب التي يمكن أن تهدد سلامة هيكل الوعاء الصلب.

فى 4 نوفمبر 2009، أصدرت الهيئات الرقابية النووية فى كل من فرنسا وفنلندا وانجلترا رسالة مشتركة إلى شركة “أريفا” ، مستشهدة بمشاكل خطيرة فى أنظمة الأجهزة والتحكم الرقمية (I & C) ، وفحوى الرسالة هو : “لابد من ضمان كفاءة أنظمة الأمان (تلك المستخدمة للحفاظ على السيطرة على المحطة إذا كانت خارج الظروف العادية)، واستقلالها عن أنظمة التحكم (تلك المستخدمة لتشغيل المحطة فى ظل الظروف العادية) ، حيث وجد أن هناك درجة عالية جدا من الترابط المعقدة بين أنظمة التحكم والأمان “. والاستقلال بين أنظمة التحكم وأنظمة الأمان أمر هام وخطير ، لأنه إذا كان نظام الأمان يوفر الحماية ضد فشل نظام التحكم، فمن الضرورى أن يستقل كل نظام عن الآخر فى عمله حتى لا يفشل عمل النظامين معا.

أكتشفت هيئة  الأمان النووى الفرنسية خللا فى صمامات أمان مفاعل فلامان فيل-3 والمسئولة عن تنظيم الضغط داخل وعاء الضغط ، والتى يمكن أن يكون لها ” عواقب وخيمة ” وتسبب انصهاراً للوقود النووى كما حدث فى حادثة “ثرى مايل آيلاند” النووية عام 1979 فى الولايات المتحدة الأمريكية. ، هذه الصمامات تسمى صمامات تخفيف الضغط Pressure Relief Valves وهى مركبة على جهاز الضاغط الذى ينظم الضغط العالى داخل الدائرة الأبتدائية للمحطة النووية  .

محطات الصين من نوع EPR. بدأ بناء محطة  Taishan  تاى شان-1 من نوع EPR فى الصين فى نوفمبر 2009 ، كما بدأ بناء محطة تاى شان-2  فى أبريل 2010، وتكاليف إنشاء المحطتين 7.5 مليار دولار. وكان من المقرر أن يستغرق تنفيذ المحطة الواحدة 46 شهر، أى أن مدة التنفيذ حوالى 4 سنوات لكل محطة.  وعاء الضغط للمحطة الأولى تم تركيبة فى 2012 ، وبالنسبة للمحطة الثانية تم تركيبه فى 2014. وعاء الضغط للمحطة الأولى صناعة شركة ميتسوبيشى اليابانية ومولد البخار صناعة شركة “أريفا” الفرنسية ، فى المقابل فإننا نجد أن وعاء الضغط للمحطة الثانية ومولد البخار صناعة الصين. فى 2014 صدر تقرير يوضح أن هناك تأخيرا فى التنفيذ ، نتيجة التأخير فى توريد المكونات الرئيسية وفى سوء إدارة المشروع، ومن المقرر تشغيل المحطة الأولى فى النصف الثانى من عام 2017، كما أنه من المقرر تشغيل المحطة الثانية فى النصف الأول من عام 2018. أى أن فترة التنفيذ فى حدود 8 سنوات شاملة مدة التأخير ومقدارها حوالى 4 سنوات، ونقلا عن مصادر غير رسمية فقد زادت التكاليف نتيجة هذا التأخير بمقدار  2.25 مليار دولار.

ملاحظات :

  • المشكلة الرئيسية تركزت فى وجود عيوب فى وعاء ضغط شركة “آريفا” الفرنسية وهذه العيوب تمس أمان المحطة النووية
  • الجزيرة النووية (وتشمل وعاء الضغط ومولدات البخار والضاغط وطلمبات التبريد وملحقات الدائرة الابتدائية)  لمحطة فلامان فيل-3 ولمحطة أولكيلوتو-3  صناعة شركة “أريفا” الفرنسية.
  • وعاء الضغط الخاص بمحطات “تاى شان 1-2” الصينية ليس صناعة شركة “آريفا”.

كل هذه الخبرات العريضة التى اكتسبتها فرنسا فى مجال صناعة المحطات النووية فضلا عن مشاركتها لألمانيا (شركة سيمنز)  فى هذا المجال ، فإن ذلك لم يمنع من ظهور عدد من المشاكل الخطيرة فى جزئية أمان المفاعل النووى فى هذا الطراز من المفاعلات ، وهو المفاعل المعتمد فى أوروبا وفى الولايات المتحدة الأمريكية.

وهنا نعود فنطرح نفس السؤال … كيف يمكن أن نتجنب مخاطر الأمان المحتملة عند إنشاء وتنفيذ مفاعلات الضبعة النووية .. وليست لنا الخبرة الفرنسية أو الخبرة الألمانية والتى لم تسلم من التعرض لهذه المخاطر رغم خبرتهما العريضة فى هذا المجال.

وتجدر الاشارة أن المشاكل التى اعترضت مفاعل فرنسا ومفاعل فنلندا المشار اليهما نشأت وهما بصدد تنفيذ عقد واحد لمحطة نووية واحدة ، وكما أشرنا فقد زادت تكاليف إنشاء المفاعل عن القيمة التقديرية بنسبة 264% ، كما استطالت المدة المقررة لتنفيذ المفاعل الفرنسى والفنلندى  من 5 سنوات الى 11 سنة.

فاذا ما عرفنا أن عقد محطة الضبعة النووية هو عقد واحد لتنفيذ عدد أربعة مفاعلات ، وأن المبلغ المقدر لتنفيذ المشروع هو حوالى 28.75 مليار دولار  (25 مليار دولار قرض من روسيا بالاضافة الى 3.75 مليار دولار تمويل محلى) ، وبافتراض أن  المشكلات التى سوف تظهر أثناء تنفيذ العقد – وهى لاشك واردة ومحتملة – باعتبارنا مفتقدين تماما للخبرة فى هذا المجال – فإن أقل ما يمكن أن يقال هو مضاعفة  المشكلات التى تعترض تنفيذ المشروع أضعافا كثيرة  – ناهيك عن مضاعفة التكاليف ومدة التنفيذ الأمر الذى لن يحتملة الاقتصاد المصرى المهنك أو تتحمله الأجيال القادمة.

وسؤال آخر نطرحه استكمالا للفائدة – أين الكوادر الفنية المتخصصة التى ستقوم على تنفيذ المشروع – بل أين هى تلك الكوادر التى تراقب تنفيذ الجانب الروسى لبنود العقد فنيا وإداريا وماليا وليست لنا أدنى خبرة سابقة فى مجال تنفيذ المفاعلات النووية.

يا حضرات السادة المسئولين … أدركونا قبل توقيع العقد.

ألا هل بلغت .. اللهم فاشهد.

 

 

 

اترك رد