مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

بعض النقاط الخطيرة التى يجب تداركها فى مشروع محطة الضبعة النووية

9

بقلم – الدكتور على عبد النبى:

هناك عديد من النقاط تعتبر غاية فى الأهمية ، ويجب أن تراعى وتأخذ فى الأعتبار من جانب المفاوض المصرى فى مشروع محطة الضبعة النووية ، وسوف نلقى الضوء على بعض من هذه النقاط فى مقالات متتالية ، وفى هذه المقالة سوف نستعرض ثلاث نقاط فقط.

النقطة الأول تتعلق بعلاقة مالك المحطة النووية مع الشركة المنفذة للمحطة وكذا مع المكتب الإستشارى ، فعلاقة المالك (مصر) مع المكتب الإستشارى “ورلى بارسون” ومع المورد الرئيسى للمحطة النووية وهى شركة “روس أتوم” مهمة جدا فى مشروع محطة الضبعة النووية.

فالإستشارى مكتب عالمى وهو فى الأول والأخر “بيزنس مان” ، ومن مميزاته أنه يستطيع توظيف أى من الخبراء المتخصصين فى المجال النووى من دول العالم المختلفة ، ولكن هذا التوظيف يعتمد على خبرات وقوة كوادر “المالك” الفنية والمالية والقانونية ، فالإستشارى يمكنة توظيف خبير تكون سعر ساعة عمله 5 دولار ، كما يمكنه توظيف خبير أخر تكون سعر ساعة عمله 500 دولار ، والإستشارى يهمة إنجاز عمله بأقل التكاليف طالما الزبون (المالك) راضى بما قسمه الله. ولا ننسى أن الإستشارى رأيه إستشارى فقط ، والمالك هو صاحب القرار.

نفس الشئ بالنسبة للمورد الرئيسى “روس أتوم” ، فمن أول لحظة يقوم المورد الرئيسى بدراسة كل سكنات وحركات كوادر المالك سواء فى طريقة تناولهم لمشروع محطتهم النووية أو فى مناقشاتهم ومفاوضاتهم وكذا من خلال مراسلاتهم ، ومن تحليل هذه البيانات فهو يستطيع تحديد مستوى حرفية كوادر المالك فى المجال الفنى والمالى والقانونى ، ويستطيع أن يحدد إذا كانت كوادر المالك متخصصين فى المجال النووى من عدمه. وبناء على ذلك فسوف يتعامل المورد الرئيسى مع المالك بمستوى حرفى بناء على مستويات حرفية كوادر المالك ،ولنا أن نعرف أن المورد الرئيسى يهدف الى بيع المحطة لنووية بمواصفاته أو بمواصفات تتفق مع السعر المحدد مسبقا ، وهو يعلم أن هذه المواصفات تتعارض فى أجزاء كثيرة مع متطلبات المالك ، ولكن لابد من أن المورد يشيلك البيعة.

من الأمور الهامة جدا فى مشروع محطة الضبعة النووية دراسة التعاقدات التى تمت فى مجال بناء محطات نووية وخاصة التى تمت بين روسيا مع فنلندا والصين والهند ، ولابد من ان يقدم الجانب الروسى للجانب المصرى تفاصيل هذه التعاقدات وكذا المشاكل التى صادفت تنفيذ هذه التعاقدات فى جميع مراحل تنفيذ المحطات النووية فى هذه الدول. وبناء على ذلك من المفضل ان يكون المكتب الإستشارى لمصر فى فترة التفاوض والتعاقد وتنفيذ المحطة النووية من الهند أو من الصين أو من فنلندا ، لأن هذه الدول لها سابقة خبرة ممتازة مع المفاوض الروسى ومع المفاعلات الروسية من نوع VVER ، وبالإضافة الى ذلك فإن فنلندا لها خبرة مع فرنسا فى بناء مفاعل فرنسى من شركة “آريفا” موديل EPR1600 فى فنلندا.

النقطة الثانية وهى تتعلق بالعمر الإفتراضى (التشغيلى) للمحطة النووية ، والكل يعلم أن العمر التشغيلى  للمحطة النووية يتحدد بناء على عمر المكونات الرئيسية فى الجزيرة النووية (الجزء النووى من المحطة) وخاصة وعاء الضغط ، حيث يتم تصميمها لتعمل 40 سنة أو 50 سنة أو 60 سنة ، والمواصفات القياسية الغربية للجيل الثانى من المحطات النووية سواء الأمريكية أو الأوروبية كانت قد حددت 40 سنة كعمر تشغيلى ، وبعد انتهاء العمر التشغيلى لهذه المحطات ، ونتيجة الجودة العالية التى استخدمت فى تصنيع مكونات هذه المحطات فقد كانت الحالة الفنية لهذه المكونات جيدة جدا ، وبناء على ذلك فقد منحت هذه المحطات تراخيص جديدة لزيادة عمرها التشغيلى بمقدار 20 سنة إضافية ، وأصبح عمرها التشغيلى 60 سنة ، وهذا مكسب كبير للمالك ، لأن المالك أصبح يمتلك محطة نووية جديدة بدون تكاليف إنشاء سوف تعمل لمدة 20 سنة إضافية.  أما بالنسبة للجيل الثالث من المفاعلات النووية ، فالمواصفات القياسية الجديدة قد حددت 60 سنة كعمر تشغيلى أولى للمحطة النووية ، ومن المتوقع بعد انتهاء عمرها التشغيلى إن يتم اصدار تراخيص جديدة لزيادة عمرها ليصبح 80 سنة أو 100 سنة.

زيادة العمر التشغيلى للمحطة يعطيك محطة نووية جديدة تعمل لمدة 20 أو 40 سنة بدون تكاليف إنشاء ، والذى بدوره سيقلل من سعر الكيلووات ساعة المنتج من المحطة ، وهذا مكسب كبير لمصر.

وهنا يأتى السؤال ، روسيا قدمت لمصر عدد 4 محطات نووية من الجيل الثالث بلس ، وعمر هذه المحطات التشغيلى 60 سنة ، ومن المعروف ان العمر التشغيلى لمولدات البخار حوالى 30 سنة ، فمن المسئول عن التكاليف الكاملة لتغيير مولدات البخار بعد إنتهاء عمرها التشغيلى ؟ .

النقطة الثالثة تتعلق بمدى إستجابة المحطة النووية لتغيير قدرتها الكهربية ، ويطلق عليها مصطلح “مرونة المحطة النووية” أو “قدرة المحطة النووية على المناورة”. والمرونة تعتبر أحد المواصفات الهامة للمحطة النووية ، وهى أحد العوامل التى تحدد العمر التشغيلى للمحطة النووية. عموما المحطة النووية تعمل أساسا كمصدر كهربى ثابت لتغذية الحمل الأساسى على الشبكة، لكن هناك حالتين نحتاج فيها لتغيير قدرة المحطة ، فالحالة الأولى تكون لتلبية إحتياجات الأمان (مثال لذلك، الأيقاف الأمن للمحطة عند هبوط أو فصل الحمل) ، والحالة الثانية تكون لتلبية مطالب مشغل الشبكة الكهربية الموحدة لضبط التردد على الشبكة.

المحطات النووية الروسية مصممة على ان تعمل كمصدر كهربى ثابت لتغذية الحمل الأساسى ، فهناك حالتين تستطيع المحطة فيهم تغيير قدرتها ، وهم إحتياجات الأمان وضبط التردد ، فمرونة المحطات الروسية محدودة ، فهى تستطيع تغيير قدرتها الكهربية بمعدل بطىء وفى حدود ضيقة جدا من قدرة خرج  المحطة فى الدقيقة عند تشغيلها بكامل قدرتها ، وأن هناك عدد مرات محدود لتغير قدرة المحطة طوال عمرها التشغيلى ، لأن هناك أجزاء فى مكونات الجزيرة النووية عمرها التشغيلى يتأثر بالسلب نتيجة التغيير فى قدرة المحطة ، وعدد المرات المسموح به لتقبل التغيير فى قدرة المحطة محدد طبقا لتصميم المحطة ، وهذا ينعكس على العمر التشغيلى للمحطة النووية الروسية.

والسؤال هو : هل بعد إستنفاذ هذا العدد من المرات هل أصبحنا أمام مشكلة وهى أن المحطة النووية سوف تتوقف عن العمل بعد انتهاء عمرها التشغيلى ؟ . لو توقفت المحطة بعد إنتهاء عمرها التشغيلى فهذا يعتبر خسارة على المالك ، لأن زيادة العمر التشغيلى للمحطة النووية مكسب للمالك. فلابد من أن يقدم الجانب الروسى للجانب المصرى التفاصيل الكاملة لهذه الجزئية.

فى المقابل فاننا نجد أن المحطات النووية الغربية أكثر مرونة ، فهى تعمل كمصدر كهربى متغير ومن مميزاتها أنها تستطيع تتبع الأحمال على الشبكة للمساعدة على إستقرار الشبكة دقيقة بدقيقة ، وتحقق التوازن بين التغيرات اليومية والأسبوعية فى العرض والطلب على الطاقة الكهربية ، وهناك أربعة أوضاع تستطيع المحطة النووية الغربية العمل فيها وهى :

  • وضع التوليد كمصدر كهربائى ثابت.
  • وضع التحكم الابتدائى لضبط تردد الشبكة الكهربائية ، وفى هذه الحالة فإن المحطة النووية تراقب التردد على الشبكة الكهربائية وعلى الفور فإنها تعدل مستوى انتاجها من الطاقة الكهربية من أجل الحفاظ على إستقرار التردد.
  • وضع التحكم  الثانوى لضبط تردد الشبكة الكهربائية ، وهنا العمل يكون على فترات زمنية أطول ، ويتم فيها ضبط التردد عن طريق حساب متوسط الإنحراف فى التردد على مدى فترة من الزمن.
  • وضع تتبع الحمل ، وفى هذه الحالة فإن المحطة النووية تعمل فى وضع تتبع الحمل وتكون تحت سيطرة برنامج للحمل المتغير ، والتغيير فى قدرة المحطة بيكون فى حدود مرة واحدة أو مرتين فى فترة الـ 24 ساعة.

إن توفير طاقة كهربائية مؤمنة ومستقرة هو أمر بالغ الأهمية للتنمية ، ففى السنوات الأخيرة وبعد إدخال مصادر طاقة متقطعة لتوليد الكهرباء مثل محطات الطاقة الشمسية ومحطات طاقة الرياح على الشبكة الكهربائية ، أصبحت خاصية تتيع الأحمال على الشبكة الكهربائية الموحدة هامة جدا ، فعدم إهتزاز الشبكة الكهربائية مع دخول وخروج الأحمال وفى ظل وجود 20% مشاركة طاقة كهربية من محطات نووية أمر هام. ومصر تسعى الى تنويع مصادر الطاقة الكهربية  لديها ، وأستقرار الشبكة الكهربائية مع دخول وخروج مصادر متقطعة من الطاقة مثل  “الطاقة الشمسية ، والرياح” على الشبكة أمر هام ، حيث تهدف الى دمج طاقة كهربائية تمثل 20% من مصادر الطاقة المتجددة الى إجمالى طاقتها الكهربائية  بحلول عام 2022 .

ووضع التحكم  الثانوى لضبط تردد الشبكة الكهربائية له أهمية خاصة فى حالة ربط شبكة كهرباء مصر الموحدة مع شبكات كهرباء دول أخرى مثل شبكة المملكة العربية السعودية (عام 2019)، ومن خلال هذا الربط الكهربى يمكن أن تتأرجح القدرات الكهربائية المتبادلة بنسبة تصل إلى 4 جيجاوات فى اليوم الواحد ، وفى هذه الحالة فإن مشغل الشبكة سوف يصدر أمر للمحطة النووية من خلال شبكة الحاسبات لكى تعدل من مستوى قدرتها الكهربائية المولدة من أجل الحفاظ على إستقرار تردد الشبكة على القيمة المطلوبة.

وبناء على ذلك فلابد من أن يقدم الجانب الروسى للجانب المصرى تفاصيل كاملة لجزئية مرونة المحطة النووية الروسية ، وما هى الحلول فى ظل وجود تبادل الطاقة بين شبكة مصر وشبكة السعودية ، وأيضا فى ظل وجود مصادر متقطعة من الطاقة مثل  “الطاقة الشمسية ، والرياح” على الشبكة ، والتى سوف تمثل 20% من طاقة الشبكة الكهربائية المصرية الموحدة.

يجب أن نكون على دراية كاملة بكل هذه الأمور وأمور أخرى أشد خطورة ، حتى لا نقع فريسة لتأخير المشروع ، والتى سوف تؤدى الى زيادة تكاليف المشروع زيادة مطردة أو تؤدى لتوقف نهائى لتنفيذ المشروع ، وفى هذه الحالة ستكون الخسائر فادحة.

اللهم انى قد بلغت اللهم فأشهد.

اترك رد