مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

انتصار الإسلام.. مقال للكاتب الكبير عبد الرحمن علي البنفلاح

4

انتصار الإسلام

بقلم/ عبد الرحمن علي البنفلاح

قد يبدو هذا العنوان لمن قصرت بصيرته، وتعثر في مشيته نحو غايته، أننا نحاول المستحيل في إقناع الناس بما يخالف العقل والواقع، ولو أدركوا ما أدركنا، ولو استقر في يقينهم ما استقر في يقننا لما قالوا ما قالوا، ولسلموا بهذه الحقيقة التي لا يستطيع أحدٌ مهما بلغ من العلم أن يردها أو أن يشكك فيها.

إن ما نقول به عقيدة راسخة، وهي ثمرة صادق الإيمان بالله تعالى ربًا لا شريك له، وبالإسلام دينًا ما له ثانٍ، وبمحمد (صلى الله عليه وسلم) نبيًا ورسولا، وبالقرآن معجزة خالدة، وشريعة كاملة، ونعمة تامة، قال تعالى: «.. اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينًا…» (المائدة/3).

وكمال الدين يعني عدم حاجته إلى غيره، وخاصة في القضايا الكبرى التي جاء النص عليها في الآيات المحكمات، قال سبحانه وتعالى: «هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات..» (آل عمران/ 7)، وهذه القضايا التي جاء حكمها في الآيات المحكمات لا تتغير أحكامها بتغير الزمان والمكان، أما ما دون ذلك من شؤون الدنيا والتي لم يأت لها حكم في القرآن والسنة، فإن الرسول (صلى الله عليه وسلم) فوض الأمة في البحث لها عن حلول من خلال إجماع الأمة وسؤال أهل الذكر من العلماء وأهل الاختصاص، قال تعالى: «وما أرسلنا قبلك إلا رجالاً نوحي إليهم فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون» (الأنبياء/ 7)، وتفويض الرسول (صلى الله عليه وسلم) للأمة هو من واقع تفويض الله تعالى له في قوله سبحانه: «وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا..» (الحشر/ 7)، وقوله تعالى: «وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضلَّ ضلالاً مبينا» (الأحزاب/ 36)، وكذلك قوله سبحانه وتعالى: «فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليما» (النساء/ 65).

قد يهمك ايضاً:

أنور ابو الخير يكتب : توحش المصلحجية

الصحة النفسية ….الرهاب الاجتماعى …حلقة 39

لكل هذا حق لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)، ووجب له أن يفوض الأمة فيما فوضه الله تعالى فيه من أمور الدنيا، لهذا أجاز لمعاذ حين أرسله واليًا على اليمن أن يجتهد فيما يعرض له ولا يألو جهدًا، ورأى صلى الله عليه وسلم في ذلك مرضاة لله تعالى ولرسوله (صلى الله عليه وسلم)، لهذا انطلق المسلمون بلا حرج يشرعون لما لم يأت له حكم في القرآن والسنة، فأثروا بذلك الفقه الإسلامي، ووسعوا على المسلمين ما ضاق عليهم من أمور معاشهم متوخين في كل ذلك الخشية من الله تعالى، وحسن الإتباع لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).

إن انتصار الإسلام أمر محسوم ولا شك في ذلك، فقد جاءت العهود والمواثيق في القرآن الكريم على ذلك، قال تعالى: «يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون (32) هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون (33)» (التوبة).

هذا بيان واضح، وعهد صريح على أن انتصار هذا الدين أمر لا جدال فيه، ولا تطاله الظنون والأوهام، وأنه عهد ممن يملك إنفاذ العهود الذي أمره بين الكاف والنون، فهو سبحانه إذا أراد شيئًا أن يقول له كن فيكون سبحانه.

فإذا جاء الواقع مصدقًا ومؤيدًا لما وعد به القرآن، فإن ذلك دليل على اتفاق النصوص الموحى بها من الله تعالى والواقع، فقد كان المسلمون في قلة في العدد والعدة، وها هم اليوم يربو عددهم على المليار والنصف، ويملكون من أسباب القوة والتفوق ما يؤهلهم للتفوق وإعادة أمجادهم القديمة، بل إن الداخلين في الإسلام اليوم نوعية وليست أعدادًا، فمنهم المفكرون والعلماء والمتميزون في حضارتهم كل في مجاله، ونستطيع أن نقول ودون أن نتهم بالمبالغة أن الذين يدخلون في الإسلام في هذا العصر الواحد منهم بألف، إن اعتناق أمثال: البروفيسور رجاء جارودي، والطبيب الشهير موريس بوكاي، والدبلوماسي مراد هوفمان، وبعض رجالات الكنائس من القساوسة والرهبان، إن دخول كل هؤلاء في الإسلام من مظاهر انتصار الإسلام على الأديان جميعها، فرسول الإسلام محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم) النبي الوحيد الذي يرفع اسمه على مدار الساعة في العالم كله من خلال الأذان للصلوات الخمس مع فوارق التوقيت في العالم كله، ورحم الله تعالى الدكتور رشدي فكار الذي قال: «إن صالة الإنتظار للدخول على الإسلام مزدحمة بالعلماء والمفكرين للإذن لهم بالدخول عليه»، والدكتور فكار يشبه الإسلام بالملك العظيم الذي يسعى إليه علماء العالم ومفكروه وأهل الرأي والمشورة ليستمعوا إليه، ويعلنوا الدخول فيه، والولاء له، ثم ينطلقون ليدعوا أقوامهم إلى هذا الدين العظيم كما فعل الجن حين استمعوا إلى القرآن من فم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، قال تعالى: «قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنَّا سمعنا قرآنًا عجبا (1) يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا (2)»، ولقد تنبه كفار قريش إلى القوة الذاتية الكامنة في الإسلام وحذروا قومهم منها، قال تعالى: «وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون» (فصلت/ 26)، ورغم هذا التحذير، بل رغم المحاولات الكثيرة لصرف الناس عن الإستماع إلى هذا القرآن، والإنصات إليه خاصة من فم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا أن محاولاتهم كلها قد باءت بالفشل.

إذًا، فالإسلام ينتصر وينتشر بالقوة الذاتية فيه، والعالم يشهد كيف ينتصر الإسلام رغم الهزائم المتلاحقة التي تنزل بأهله، وهو يتقدم وأهله متخلفون، وقطار الإسلام السريع ينطلق بقوته الذاتية ويمر على محطات العالم ويستقبل كل يوم ركابًا جددا، ويخلف وراءه الكسالى والضعفاء الذين قعدت بهم هممهم عن اللحاق به، والفرص للحاق به كثيرة، فمن فاته القطار في هذه المحطة، فعليه أن يلحق به في المحطة التالية، وهكذا.

اترك رد