مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الشروع في الانتحار وفقا للقانون المصري

2

بقلم – المستشار محمود البرلسي “المحامي”

قد يهمك ايضاً:

تحليل سوات والحياة اليومية للمواطن

انور ابو الخير يكتب: لا شيء يستحق الحداد

حسب تعريف المشرع في نص المادة 45 من قانون العقوبات فان الشروع بصفة عامة هو ” البدء في تنفيذ فعل بقصد ارتكاب جناية أو جنحة إذا اوقف أو خاب أثره لاسباب لا دخل لإرادة الفاعل فيها ” ومن المتصور في نظرنا أن يحاول شخص الانتحار وقد يبدا بالفعل في تنفيذ مأربه هذا ، ولكنه لا يكون منتحرا حتى ولو تمت الوفاة فعلا ، وعلى هذا فان الإنتحار لا يكون له وجود في حالتين ، إما أن يعدل من قرر الإنتحار عن قراره ، وإما أن يستمر في تنفيذ فعله ولكن الوفاة تحدث نتيجة سبب لا دخل لإرادة الميت فيه ، كما في حالة من يموت اثر أزمة قلبية وبسببها أثناء تحليقه في الهواء وقبل اصطدامه بأي جسم في محاولته للإنتحار بإلقاء نفسه من فوق جبل وذلك كما رأينا في البند السابق ويعن لنا بحث مدى وجود ما يسمى بالشروع في الإنتحار ، ويتلاحظ لنا وفقا لنص المادة 45 عقوبات أن البدء في التنفيذ المكون للشروع يجب أن يكون بقصد ارتكاب جناية أو جنحة ، ولذلك يتعين لكى يوجد ما يسمى بالشروع في الإنتحار أن ينظر إلي هذا الأخير ، فان كان يجرمه القانون ويجعل الواقعة جناية فانه يمكن القول بوجود ما يسمى بجريمة الشروع في الإنتحار اما إذا كان الإنتحار يعدو وفقا للقانون جنحة ، فان الشروع فيه لا يعتبر جريمة بحسب الأصل ما لم ينص القانون على اعتباره كذلك وفقا لما تقضى به المادة 47 عقوبات اما إذا كان الإنتحار جريمة تدخل تحت المخالفات فإن الشروع فيه لا يعتبر جريمة بأي حال من الأحوال وفقا للمادة 45 عقوبات واذا كان الإنتحار في حد ذاته لا يعتبر جريمة قانونية يعاقب عليها القانون فاعلها ، إذ أن المنتحر بات في رحاب الله الذي يملك وحده معاقبته وحسابه ، فإذا كان ذلك كذلك وكان الإنتحار لا يعتبر جريمة فإن الشروع فيه من باب أولي لا يكون جريمة وبالرغم من ذلك فقد كان القانون الفرنسى القديم يسبغ إنزال العقاب بجثة المنتحر فضلا عن مصادرة أمواله وهو أمر آثار حفيظة الفلاسفة ، فهو من ناحية يتجرد من الأثر الرادع للجزاء الجنائى لأنه ينزل بجثة لا حراك فيها تعجز تماما عن إدراك ، كما انه من ناحية أخري يصيب أسرته بأفدح الضرر حيث يغتصب منها مورد رزقها ، وقد حمل ذلك مشروع الثورة الفرنسية على إلغائه تماما ونحن نرى أن الإنتحار لا يمكن أن يجرم ، ذلك أن التجريم يفترض تقديم المتهم للمحاكمة وإحاطته علما بالإتهام المنسوب إليه ومنحه فرصة عن نفسه ودرء شبهة الإتهام الموجهة إليه عن نفسه ، وهو أمر لا يمكن أن يحدث أبدا بعدما أصبح المنتحر في ذمة الله تعالى وبالرغم من أن الإنتحار لا يمكن أن يجرم وبالتالي لا يجرم الشروع فيه ، إلا أن بعض التشريعات قد ذهبت إلي تجريمه والعقاب عليه كالقانون الإيطالى والإنجليزى والسويسرى وقوانين بعض الولايات الأمريكية ، والهندى والسودانى ومن جانبنا فإننا لا نتفق مع هذه التشريعات على تجريم الشروع في الإنتحار ، وذلك لأن الشروع الذي تعنيه التشريعات الجنائية ، إنما ينصب على جريمة ، واذا كانت هذه الأخيرة غير موجودة أصلا وابتداء في الإنتحار ، فكيف توجد جريمة الشروع فيها ؟ ، ومن ناحية أخــــــري فإننا نرى أن تجريم الشروع في الإنتحار يؤدى إلي نتائج سلبية وغير منطقية ، إذ الغالب أن المنتحر يعانى من مشاكل صعبة وظروف قاسية إلي درجة انه قد وصل به تفكيره انه لا مهرب من حل تلك المشاكل والأزمات إلا بالإنتحار وترك هذه الحياة الدنيا فإذا ما جرمنا الشروع وحاولنا معاقبة الشارع في الإنتحار ، فإننا نكون قد أضفنا إلي همومه وآلامه هما وألما جديدا ، قد يدفعه إلي التفكير مرة أخري في الإنتحار ، اما إذا لم يجرم الشروع فإن الظروف قد تتحسن لدى الشارع في الإنتحار وقد يتبدل الهم بالنشوى والمصائب بالسريات فتتفتح الحياة في عينيه وتخضر ، وقد يدفعه ذلك إلي استغلال طاقاته وإمكانياته ولربما أفاد بعد ذلك البشرية نتيجة نبوغه وقدراته

 

 

اترك رد