مصر البلد الاخبارية
جريدة - راديو - تليفزيون

الغريب

1

بقلم – أمل البنا:
تنسج الشمس شعاعها المخملي الأخيرفوق الصحاري الواسعة،أودية جافة تسكنها الأشباح،بنايات تحت الإنشاء تتناثر في فوضي الصمت وعصف الرمال ،غاصت أقدامه المثقلة كثيرا”فوق الكثبان ،ألصق حقيبة عمله إلي ظهره،بينما حرر بيديه أسلحة دفاعاته ،يمسك بتلابيب ثوبه المهتريء من الريح،ويحمي بالأخري عينيه من قذف الرمال،أكثر من ساعتين قبل هذا الشعاع الأخير الذي يرمق الطريق قضاها في المسير ،حاول ايقاف عربة…عربتين … ثلاث مروا إلي جواره ،لم يعيروه اهتماما”،بينما خلفت عجلاتهم بالمزيد من الرمال إلي وجهه القابض للحياة..ألقي الظلام فوق رأسه أعوام التشرد بالبلاد،يوما” هنا ،وغدا” هناك، يخشي النفوق بين الضواري ،فألصق إلي جلده بطاقة الهوية…يئن من ثقل عتلاته فوق ظهره،بقايا المصابيح الصفراء ترسم هالات الطريق الغائمة..وقف مذعورا”معترضا”للطريق ملوحا”عندما اجتازت اشارات سيارة الأفق المعاكس له… توقفت السيارة علي مقربة منه،فتح نافذتها وأطل برأسه الأشهب منها قائلا”:إلي أين تمضي يا صاح؟
ـأبحث أكثر من ساعتين علي أثر للمواصلات
و قبل ان يطلب منه ذاك المعروف فاجأه قائلا” :اركب معي ،فأنا في طريقي إلي المدينة الآن
خلع حقيبته عن ظهره ووضعها إلي المقعد الخلفي،بينما جلس إلي جواره
قال وهو يدير السيارة إلي سرعتها القصوي:ما الذي أتي بك هنا؟
ـأعمل بأحد البنايات ،غير أني اختلفت اليوم مع صاحب العمل الذي أبخسني حقي وتركني أمضي علي غير هدي
ـ..أين تسكن؟
ـلدي صاحب العمل
ـالذي اختلفت معه .
ـنعم
ـأيسمح لك بالمبيت لديه بعد خلافكما ؟
ـ..لا ،سأستقل القطار عائدا”اليوم لبلدتي بالأسكندرية
ـأتنوي الذهاب للأسكندرية اليوم ؟
ـنعم
ـيا لحظك،فأنا متجه إليها الآن أيضا”
ـحقا”؟!
ـ نعم ..يبدو أنك رفيق رحلتي اليوم
….فترة صمت يتجزأ فيها خيالهما السابح في العتمة الغارقة بالطريق…ينظر مسترسلا”عبر المراّة أمامه في نظرات خاطفة إلي هذا الغريب الذي استوقفه ،بينما الآخر يلتقط نظراته متصنعا” الإفلات …يحاول أن يقطع الصمت بتشغيل راديو السيارة ،تلتقط الاشارات أحد القنوات لعمل درامي ،قال الصوت في تهدج :نعم..أعلم أن لكل إنسان ملاكه وشيطانه،أكاد ألمحه دوما”يرافقني،يمل رغباته التي لا مناص من الفرار منها ..أنا قابيل ، هابيل أنا،جرح أنا ، والأصل سكين
بحركة مرتعشة ، أغلق الراديو ، بينما علت وجهيهما سكرات الاشتباه
يجلس متكوما”إلي باب السيارة، يمسح الرمال العالقة في ثنايا وجهه ،يتخيل ذاك الغريب الذي أوقف له السيارة وأقله بدعوة منه..(أيمكن أن ينقض علي رأسي ، ولكن،ما الذي سيجنيه من وراء مسكين مثلي..ربما يطمع في سرقة عضو من جسمي ،إنها تجارة مربحة ،ويبدو أنه من الأثرياء التي أربحتهم التجارة الخبيثة…سأنتهي ببقعة بالصحاري،وربما تنهش الضواري هويتي فلا يعثر علي أثر مني بعدها)
تتفصد يديه القابضة علي عجلة القيادة عرقا”، جففه بمنديل القي به إلي جواره…يتخيل الآخر، ذلك الغريب الذي أخذته المروءةلانقاذه من ذاك الفضاء الواسع..(أيكون قاطع طريق..نظراته الزائغة ترعد من حولي..لن أنجو إذا” منه، سيحرص علي الخلاص مني لسرقة السيارة ،وسأنتهي إلي بقعة بالطريق مضرجا” بالدماء)
تمضي السيارة غارقة في وهم دمائهما ،بينما يجتاز الفجر الراكض نحوهما هسيس المدينة الفاضلة

اترك رد