لطالما اعتقد علماء الأعصاب على مدى عقود أن الخلايا العصبية إذا تضررت أو ماتت فإنها لا تتجدد، وقد شكل هذا الاعتقاد الأساس لفهم إصابات الدماغ والجهاز العصبي وطرق علاجها، ومع ذلك يلاحظ الأطباء أن كثيرا من المرضى يستعيدون جزءا من قدراتهم المفقودة بعد الصدمات، وهو ما طرح سؤالا محوريا: إذا كانت الخلايا العصبية لا تنمو من جديد، فكيف يحدث التعافي؟

دراسة جديدة نشرت في مجلة JNeurosci قام بها باحثون من جامعة جونز هوبكنز قدمت تفسيرا واضحا لهذه المفارقة. استخدم الفريق نموذج الفئران لدراسة ما يحدث داخل الجهاز البصري بعد إصابة دماغية رضية، ويشمل هذا الجهاز خلايا موجودة في العين تنقل المعلومات إلى الدماغ ما يسمح بالرؤية، وعند تعرض هذا المسار للتلف يختل الاتصال بين العين والدماغ فتظهر مشكلات بصرية واضحة.

عقب الإصابة راقب الباحثون بدقة الروابط العصبية بين خلايا العين والخلايا العصبية في الدماغ، وبدلا من ملاحظة نمو خلايا جديدة لتعويض التالف وجدوا أن الخلايا التي نجت من الإصابة بدأت في التكيف. فقد قامت هذه الخلايا بتكوين تفرعات إضافية سمحت لها بالاتصال بعدد أكبر من الخلايا العصبية في الدماغ مقارنة بما كان عليه الحال قبل الإصابة.

وتعرف هذه العملية باسم “التبرعم العصبي”، وهي آلية تعويضية تساعد الجهاز العصبي على تجاوز فقدان بعض الخلايا، ومع مرور الوقت عاد عدد الاتصالات بين العين والدماغ إلى مستويات قريبة من تلك التي كانت موجودة قبل الإصابة، وكأن الشبكة العصبية أعادت تنظيم نفسها ذاتيا.

ولم تقتصر هذه الروابط الجديدة على كونها تغيرا شكليا فقط بل أثبتت القياسات الوظيفية لنشاط الدماغ أن هذه المسارات المستحدثة كانت فعالة بالفعل وقادرة على نقل الإشارات العصبية بكفاءة، وبمعنى عملي استطاع الجهاز البصري أن يستعيد وظيفته رغم استمرار فقدان بعض الخلايا العصبية الأصلية.

كما كشفت الدراسة عن فروق بيولوجية مهمة بين الذكور والإناث في آلية التعافي، فقد أظهرت الفئران الذكور تعافيا واضحا من خلال هذه التفرعات التعويضية، في حين كان التعافي لدى الإناث أبطأ أو غير مكتمل في بعض الحالات، ولم تعد الروابط العصبية بين العين والدماغ دائما إلى مستويات ما قبل الإصابة.

ويرى الباحثون أن هذه النتائج تشير إلى أن آليات التعافي العصبي قد تعمل بشكل مختلف باختلاف الجنس، ويوضح ألكسندريس أن هذه الملاحظات تتماشى مع ما يرى سريريا لدى البشر، حيث تعاني النساء غالبا من أعراض أطول أمدا بعد الارتجاج أو إصابات الدماغ، وفهم العوامل التي تنظم عملية التبرعم العصبي، وكذلك الأسباب التي تؤخرها أو تعيقها لدى الإناث قد يفتح الباب مستقبلا لتطوير استراتيجيات علاجية تعزز التعافي من الإصابات الدماغية وغيرها من أذيات الجهاز العصبي.